المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 6798 - 2021 / 1 / 25 - 09:40
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كما قرن الإمام روح الله الخميني بين القطب الإيماني و الأمني , فقد وفقه الله لخلق توازنات إستراتجية عريضة لكبح التشبيح الإستراتجي الغربي في المنطقتين الخليجة و الشرق الأوسطية , ما جعل التحالف الغربي يزهد في أطماعه الإمبريالية و يدرك حجمه الحقيقي ؛ أمام السياسة الرشيدة التي مهد لها زعيم الحوزة العلمية و اَية الله العظمى, الذي أسس لمشروع إسلامي حداثي و حضاري مستوعب لكل التوجهات و الإتجهات الدينية و الاقتصادية و العسكرية و السياسية .
إن الجمهورية الإيرانية الإسلامية أكاديمية بحثة فريدة ومهد ثورة جديدة , تمكنت من بسط إرادتها و تصوراتها في ساحة القوى الدولية , و حافظت على أمنها المتعدد الأبعاد , و هي تملك نظرة أفاقة بعيدة الاَماد أجازت لها تحليل الواقع و استشراف المستقبل . إنها مدرسة الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الشيعية , الذي شملت مرجعيته الفقه و الثورة و الدولة , كما ضمَّن ذلك في كتابه الحكومة الإسلامية , التي وجب إقامتها في عصر الغيبة . إن الإمام روح الله الخميني يعزمنا على أن نكون حَسنيين – نسبة إلى الحَسن بن علي بن أبي طالب- عندما ينصب العلم الأبيض و حُسينيين – نسبة إلى الحُسين بن علي بن أبي طالب - عند الثورة و الحرب .
إن أوجه المقارنة بين الجمهورية الخمينية الشيعية الإثني عشرية و نظيراتها من الدول الإسلامية السنية ؛و في مقدمتها السعودية – نسبة إلى اَل سعود - تكاد تكون متوازية في أبعادها الكثيرة, لأن المشروع الإيراني في باكورته التي تلت انهيار نظام عميل الغرب محمد رضا بهلوي ؛ لم يذعن للرؤية الفرنسية الأميركية التي قيَّدت رحلة الخميني من باريس إلى طهران بالنص على ضمان حماية المصالح الغربية لاسيما المرتبطة بتدفق النفط الإيراني إلى الغرب , و عدم تعارضها أو التعرض لها من وجهة المشروع الإسلامي كما أظهرت ذلك وثائق مسربة عن المخابرات الأميركية سنة 2016 م. في المقابل نجد أن الدول و المشيخات الاَنية في الجزيرة و المشرق هي خلاصة المشروع البريطاني الصهيوني الغربي الذي يخوض حربا باردة , مردها إلى الثالوث الذي يتضمن على رأسه حماية الدولة القومية لليهود و ضمان تمددها من البحر إلى النيل , و في الزاويتين أسفل المثلث نجد ديمومة إستغلال المقدرات العربية من نفط و غاز و مواد معدنية و مياه , إضافة إلى الأجْل الثالث و هو الحد من النفوذ الإسلامي العربي و إعادة رسم معالم دين إسلامي جديد وفق الأهواء الغريية , تمهيدا لقيام دول علمانية و لائكية .
إن إيران هي الحصن المنيع و الكفة اللازمة التي تستوجب التوازن الإستراتجي المطلوب في العلاقات الدولية , و هي بذلك تقدم طوق نجاة للدول العربية التي استسلمت للغطرسة الأميركية الغربية . و الأدلة على ذلك كثيرة نتناول القليل منها في الأسطر التالية :
- إبان الحرب العراقية الإيرانية أرادت واشنطن تقديم دعم لنظام صدام حسين , و ردا على هذه الخطوة قامت أذرع طهران في لبنان بإختطاف عشرات الرهائن الغربيين للدخول في تفاوض مع فرنسا خاصة , و تنفيذ عمليات تفجير استهدفت المصالح الأميركية في الكويت و لبنان , مؤدية إلى عشرات القتلى و الجرحى؛ كما حدث في مبنى المارينز الذي خلف 241 جندي أميركي قتيل و 58 جندي فرنسي , و ما استتبع ذلك من انتصارات إيرانية مثل فضيحة إيران كونترا ؛
- ردا على اغتيال الموساد الإسرائلي للأمين العام لحزب الله السابق عباس الموسوي سنة 1992 م , قامت عناصر تحمل الفكر الخميني الثوري الحضاري المتمدن بتفجير السفارة الإسرائلية في الأرجنتين و بعده مركز الرابطة اليهودية؛
- الدعم الكبير الذي تقدمه إيران لحركة حماس في قطاع غزة , ما جعل الحركة تصمد و تطور من نفسها , حتى بلغت حاليا مستوى متقدم عسكريا و استخباراتيا . و قد كان الإمام الخميني مدافعا مغوارا عن القضية الفلسطينية , و دعا إلى جعل اَخر يوم جمعة من شهر رمضان يوما للإحتفاء بالقدس العالمي ؛
- الضربات الموجعة التي تنفذها أذرع إيران اليمن – الحوثيون- و لبنان – حزب الله- و في سوريا , ما سمح بالدفاع عن النظام السوري كحليف رئيس لطهران و موسكو , على الأقل كما يظهر علنا , أما المفاوضات و اللعبة الإستخباراتية الخفية فأمر فيه كثير من الجذب و الرد .
مما لاريب فيه أن إيران تحقق نصرا استراتجيا كبيرا , و من غير المستبعد أن نعيش حقيقة هلال شيعي أو امبراطورية فارسية , إن كان هذا الخيار يخدم مصالح تل أبيب .
الموقف الإيراني تلقاء العملية الأميركية التي استهدفت قاسم السليماني قائد «فيلق القدس» بمعية نعيم قاسم نائب رئيس «حزب الله» و شخصيات هامة أخرى, يعد مؤيدا خطيرا لتطور الأحداث و جعل المعركة عابرة للحدود و ضاربة في الاَفاق . هذه الضربة النوعية و العلوية العويصة العواقب؛ تبرز كنتيجة لنظام حكم أمريكي يماثل حكم الستراتوقراطية التي من تجلياتها هيمنة العقيدة العسكرية أمام تراجع الخيارات السياسية و الدبلوماسية . فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمكنه اللعب بما يريد من أوراق إقتصادية, لكن تحريك قطع الشطرنج العسكرية سيكلف بلاده أكثر مما تتحمله أو تتوقعه على غرار ما خبرته في العراق و أفغانستان و غيرهما , لأن إيران تملك ترسانة حربية و نووية ضخمة و أذرعا عسكرية و عقيدة دينية كفيلة بتغيير معادلة الصراع لصالحها .
الملاحظ أن الإستراتجية الأمريكية لمواجهة إلجمهورية الإسلامية الإيرانية , تتماشى و سابقتها مع اليابان ؛ حيث كان من نتائج رفض رئيس الوزراء الياباني سوزوكي إعلان بوتسدام؛ استهداف بلاد الشمس المشرقة بقنبلتين نوويتين أعدمتا الحياة كلية في هيروشيما و ناغازاكي, و مؤيدا لإنهاء الحرب العالمية الثانية . لكن لوغاريتمات المعارك تختلف حاليا , حيث ستشكل اَية ضربة نووية إيذانا بالحرب العالمية الثالثة و إفناء كل مقومات العيش في العالم أجمع , و سترتد اَثار الحرب سلبا على دول الشمال , حيث إن الإنسان العربي ألِف الحروب و المجاعة و الأمراض و المعتقلات , في حين أن نظيره الغربي يتبجح بنمط حياة رغيد لا يعيشه الفرد الإفريقي حتى في نومه و سباته . إن هذا الإستشراف التشاؤمي هو نتاج رؤية واقعية لسيرورة أحداث باسلة يتقدمها الملف النووي و القضية الفلسطينية , حيث إن اَية مبادرات متهورة أو ردود أفعال أحادية و مجحفة ستكون كفيلة و كافية لفتح باب الحرب على مصراعيه.
رغم أن عملية اغتيال قاسم سليماني مر عليها أزيد من سنة , إلا أن نتائجها مازالت حاضرة , و يبدو أن طهران لن تتنازل عن موقفها المقاوم الذي يرفض المس بمقدساتها و سيادتها , و هي وجهة نظر لن تتغير مع الرئيس الحالي جو بايدن الذي يمكن أن يقدم تنازلات لصالح طهران لدرء أية عمليات ضد المصالح الأميركية .
إن تداعيات هذه القضية فيمكن إجمالها في النقاط التالية :
- ستلملم إيران هذا الجرح بأناة و تنظُّر و ترفق , و سيكوم الرد الأولي محدودا من خلال تنفيذ عمليات بالوكالة, دون أن تصل إلى القواعد في الخليج . حيث يُنتظر أن يتم تحريك عناصر الحشد الشعبي و و أنصار الله و غيرهما لتنفيذ عمليات تتخذ منهج الحرب بالوكالة أو حرب العصابات , فالمواجهة ستكون غير مباشرة , لكن باَثار محدودة فقط ؛
- الحصيلة العسكرية للعملية على المدى البعيد فتتجلى في استهداف القوات الإيرانية النظامية والغير النظامية للقواعد العسكرية الأمريكية القريبة إليها في الخليج , و تبعا لذلك فالمواجهة الحالية ستبقى محصورة في دول الصراع الاَني , على أن تمتد في العشر سنوات المقبلة إلى الخليج .
-يمكن أن يحدث تطور في الملف النووي , حيث سترفع إيران من تخصيب اليورانيوم , و تشديد موقفها من بنود الإتفاق النووي و تخفيض إلتزاماتها منه أو الخروج منه نهائيا , حيث سبق أن صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني بقوله أن الإتفاق النووي ليس مقدسا بل مجرد إتفاقية دولية .
لقد كانت الضربة الأمريكية غير محسوبة العواقب , لكونها وضعت إيران أمام خيارات كلها صعبة على المنطقة , فإما الرد العسكري المحدود من خلال أذرعها في المنطقة أو الإستهداف المباشر للقواعد الأمريكية و هذا ما يعتبر إعلانا للحرب العابرة للقارات .
لقد وضع الإمام الخميني رحمه الله منهجية العمل الدينية و الدنيوية المستنيرة , التي يسير عليها اَنيا الإمام خامنئي و الحرس الثوري و كل مكونات الشعب الإيراني . إنها ولاية الفقيه العامة و الخاصة التي تضمن أمن البلد و استقراره و تطوره و سيادته . و هنا يظهر فضل الإمام الحجة الذي حذر و أنذر من مغبة فصل الدين عن الدولة و اعتبره حربة في صدر الإسلام الحق , لا إسلام علماء – عملاء- الأزهر و الجزيرة .
إنها دعوة صريحة و عامة للتقريب بين المذاهب الإسلامية و تحقيق وحدة عربية إسلامية , من الرباط إلى جاكرتا, فهذا هو السبيل الاَمن لمستقبل البشرية على طول خارطة العالم الإسلامي .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟