أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل عودة - الفكر غير العقلاني طريق للكوارث















المزيد.....

الفكر غير العقلاني طريق للكوارث


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 6796 - 2021 / 1 / 23 - 23:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


*-فلسفة نيتشه خدمت النازية رغم انه لم يكن نازيا بل رافضا لها.
*-الكثير من المثقفين في أيامنا نيتشيين في عقليتهم، عاشوا جل عمرهم كأفراد من القطيع.
*-من غير الطبيعي أن يلجأ البعض، الى كيل التهم جزافا لمجرد شعورهم بالعجز عن مواجهة الرأي الآخر.
نبيل عودة

عرف عن الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة من القرن التاسع عشر، رفضه لثوابت الايمان المسيحي ولكل الأخلاق السائدة. بالطبع لن أدخل في جوهر الصراع بين نيتشه والكنيسة المسيحية. نيتشه توهم انه يرى ظاهرة مهمة وبالغة الخطورة على العقل البشري، تسود بعض الفئات الاجتماعية المتعصبة لفكرة ما او لشخص ما يدغدغ ميولهم العقلية، وتجرف ورائها قليلي القدرة على التفكير المستقل والمتحرر من التأثيرات لأشخاص تحيط بهم هالة كاذبة بجوهرها، وقد أطلق نيتشه على هذه الظاهرة تعبير " أخلاق القطيع" لأنها تطرح أطيقا غير طبيعية من وجهة نظره، انبهار غير عقلاني بشخص او نهج، وذهب نحو ايجاد أطيقا جديدة بعيدة عن الأطيقا الكنسية (الدينية)، سماها "الرغبة بالعظمة". وان الوحيد غير العادي الموجود خارج "أخلاق القطيع" هو النجم الأعلى ...السوبرمان، بصفته شخصا مميزا (أو مجموعة)، يظهر كل عدة عقود أو قرن. وهو شخص (أو حزب أو منظمة أو عصابة مافيا مثلا) يحق له حسب عقله، ان يعبر بحرية عن قوته الطبيعية وتفوقه على القطيع. بالطبع نيتشه كان أشبه ببطل افلام الكاو بوي الذي ينتصر بكل الأحوال بقوته الخارقة ولو واجهه جيش من عشرات المسلحين. فلسفته خدمت النازية رغم انه لم يكن نازيا بل رافضا لها، ومستهجنا استعمالهم لفلسفته في نهجهم الاستبدادي. وانتقد النازية بشكل غير مباشر بقوله: "أرتجف عندما أفكّر في كل هؤلاء الأشخاص غير الجاهزين بعدُ لتلقّي أفكاري، ومع ذلك سوف يستغلّونها لسلطتهم"!!
رغم ذلك تبنت النازية أفكاره عن السوبرمان، لذا ليس بالصدفة ان نيتشة كان المفضل لدى زعيم الرايخ النازي، الذي قاد شعبه وشعوب العالم لكارثة انسانية رهيبة من أجل ابراز عظمة الفوهرر، او رغبة الفوهرر بالعظمة، بكونه السوبرمان لأرقى عنصر اثني ظهر فوق الأرض. وما زلنا نعاني من هذه البدع بأشكال مختلفة حتى اليوم.
وقد اتهم نيتشة بكل شيء سيء في المانيا الجديدة، من العسكرية المجنونة وحتى الملفوف المكبوس بشكل لا يرضي ذوق الطعام عند الألمان.
بالطبع كلنا نعرف مصير الرايخ وزعيمه ومصير المانيا النازية وايطاليا الفاشية واليابان العسكرية، ومصير شعوب اوروبا وآسيا وشمال افريقيا وانعكاس فكرة السوبرمان على سياسة العالم حتى اليوم بنسختها الأمريكية، التي أبقت قصدا دول الشرق (كما يدعي البعض) ما دون الرقي ليبقى السوبرمان مسيطرا وعظيما، وأحضروا لنا المتفوق الدوري ونحن نيام وما زلنا، وجاء هذا المتفوق على شاكلة الحركة الصهيونية ليبقى العرب في إطار القطيع !!
المستهجن ان بعضنا ما زال يؤمن بالنيتشية ويتصرف حسب مفاهيمها، دون ان يفهمها ودون أن يعرفها ودون ان يفهم ان فكر الوهم الاستعلائي قاد شعوبا عديدة الى الانحطاط، وأبقي شعوبا في قاع الرقي بأوهامها القاتلة انها تملك أرقى حضارة وايمان عظيم... وأن النيتشيين الجدد يحركهم ظنهم انهم يتمتعون بالتميز البشري عن بقية أبناء شعبهم، وتحركهم مشاعر الاستعلاء على القطيع.
الموضوع ليس سياسيا فقط، وليس اجتماعيا فقط. هذه الظاهرة تنتشر على الأخص بين أشباه المثقفين المتكاثرين في ظل أزمة الثقافة العربية والفكر العربي، وسيادة الفكر الغيبي، فكر الخرافات والشعوذة، فكر تغييب العقل وتغييب المنطق، فكر التهريج بلا أي حس انساني أو القدرة على فهم سليم للواقع.
هناك حقا من يملك قدرات فكرية قد تتطور لو تخلص من الحلقات المغلقة التي تقيد فكره، لو تحرر من القطيع فكريا وتنظيما سياسيا، ولكن مجرد دخول النيتشية الى فكرهم وسيطرتها على عقولهم وتصرفاتهم، بوعي او بدونه، تحيلهم الى نرجسيين مغرورين، مضرتهم أكثر من فائدتهم. وصمتهم وعزلهم مكسبا كبيرا لمجتمعاتهم.
النيتشية لا تظهر بقرار شخصي، انما هي مسار لمن يفتقد القدرة على التفكير، ويدور في حلقة مفرغة من المقولات غير القابلة للنقاش، ومن العقائد التي توهمه انه سوبرمان في كل نشاطه وعقائده وكتاباته.
يعتبر فريدريك نيتشة من الفلاسفة غير العقلانيين، دعا في وقته الى القضاء على القواعد الأخلاقية القائمة ونعتها باللاأخلاقية. وكان يرى بالفن والأخلاق مجرد ترياق من سموم "النيهيلية" (العدمية)، والتي تعني حسب نيتشه ان القيم الرفيعة تفقد قيمتها وتوازي حسب تعبيره الانحطاط، ويتهم بذلك الأخلاق الدينية والنظريات الانسانوية على حد سواء، بما في ذلك النظريات الدمقراطية والاشتراكية التي بدأت تنتشر في فكر النهضة الأوروبي. وطور مذهب "ارادة السلطة " حيث يسيطر الأفراد "الأقوياء" القادرين على خلع الحواجز الأخلاقية، وهكذا توصل الى فكرة الإنسان الأعلى (السوبرمان) نافيا الأخلاق تماما، وهي ما أعجبت كل الحركات الفاشية وجعلت من نيتشه زعيمهم الروحي وفيلسوف منهجهم القمعي والديكتاتوري الاستبدادي والكارثي على شعوبهم في الحساب الأخير.
واجهت دائما نقاشات حول مواقفي ولا أرى بذلك الا أمرا طبيعيا. من غير الطبيعي أن يلجأ البعض، الى كيل التهم جزافا لمجرد شعورهم بالعجز عن مواجهة الرأي الآخر، وشعورهم انهم سوبرمانيين في عقائدهم وآرائهم حتى لو كانت بالية ومستهلكة ومتهالكة، وسؤالي لأولئك المتثاقفين: "هل أنتم أصحاب فكر ومواقف وثقافة وقدرة على فهم المكتوب، ام مجرد قطيع؟ "
لا أعني اهانة أحد، بل اثارة الكرامة الشخصية لكل فرد يحترم عقله ويحافظ على ذاته وثقافته.
المثقف الذي يبيع نفسه بكلمة يفقد شرعيته الثقافية. والمثقف الذي يعوم على شبر ماء، هو اشبه بكرة الطاولة يتبادلها اللاعبون بالمضرب. الموضوع ليس للمساجلة، الموضوع يشكل الحجر الاساسي في شخصية كل مثقف. والمثقف الذي لا يطور رأيه تنتهي صلاحيته كإنسان أيضا.
هل بالصدفة التخاذل العربي امام ما يجري في غزة خاصة وفلسطين عامة؟ وقبلها في لبنان وقبلها في الضفة الغربية يوم حوصر عرفات في المقاطعة؟
هل بالصدفة ان الطائرات الاسرائيلية تتصرف بحرية فوق أوطانكم، واحتلت عاصمة عربية، ودمرت الفرن الذري العراقي والمبني السوري (ربما فرن ذري؟) وتحلق فوق قصر الرئاسة السوري بحرية، وتقصف قواعد ومطارات وتقتل بمطلق الحرية، وما هو رد الدول العربية؟
الصمت. الصمت. الصمت. وأقصى حد "الاستنكار والتضامن"، وهو عذر أقبح من ذنب !! وتطور الأمر لما نشهده اليوم من انتشار العلاقات بين أنظمة عربية (لا اعرف مدى عروبتها) ودولة الاحتلال والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.
حقا هناك حوار، وهو يطرح رأي مقابل رأي. وليس شتائم مقابل رأي، وليس خروجا عن النص نحو اتهامات تافهة تفاهة مروجها، لا علاقة لها بالطرح ولا بالحوار ولا برأي، انما بسوبرمانية صبيانية مقتبسة من النيتشية.
مدعي الثقافة اتهمني بأني معاد للإسلام لأني استعملت تعبير "السلفية الاسلامية ". أنى أستعمل أيضا تعبير الظلامية المسيحية، فهل صرت معاديا للمسيحية أيضا؟ وأستعمل تعبير التخلف العربي والانحطاط العربي، فهل صرت عدوا لنفسي وقوميتي؟
للأسف أكثرية المشاركين بالهجوم على أصحاب الآراء العقلانية يتحركون حسب عقلية السوبرمان النيتشية وهم أجهل من أن يعرفوا ما هي النيتشية. لم يقرؤوا وقرروا موقفهم غيبا، وإذا قرأوا لا يفهمون المقروء، وهذا يبرز بالضحالة الفكرية التي تسود الكثير من النصوص.
أعترف انه وقت عصي علينا جميعا. أحدهم وجه رسالة لكاتب من غزة، أطلق صرخة ألم انسانية صادقة، يعيش تحت خطر الموت 24 ساعة يوميا، يرى أطفاله يتمزقون بين يديه، لا يجد لقمة خبز جافة ليطعمهم، وينصحه أحد مثقفينا ان تتركز جهوده على تحقيق النصر، "وبعدها نتحاسب ". أضحكني. وتمنيت لو يكون ذلك الشاطر تحت القصف لساعة واحدة فقط !!



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب -عيلبون – التاريخ المنسي والمفقود-
- حقائق مذهلة من المهم ان يعرفها المواطن العربي
- نظريات الدكتور منير قصة فلسفية
- هل تطورت -قومية عربية-؟!
- مأساة أطفال فلسطين تحت حراب الاحتلال
- يوميات نصراوي: كيف شارك الحكم العسكري بشنق نفسه؟
- الناقد نبيل عودة مارون عبود آخر... وشِعر الكلسات
- فلسفة مبسطة: وحدة الأخلاق والفن
- يوميات نصراوي: عن الشعر والكلسات البيضاء
- يوميات نصراوي: مآسي هدم المنازل العربية
- أهمية العنوان في الإبداع وقضايا نقدية أخرى
- يوميات نصراوي
- ثلاث قصص من الأدب الساخر
- وداعا للشاعر الكاتب والمناضل حنا إبراهيم
- التشابه الجزئي
- رسالة للقائمة المشتركة حول مستقبلها كممثلة للجماهير العربية ...
- فلسفة السياسة: بين الهيمنة كنظام حكم والحل الوسط والمساوة
- يوميات نصراوي: سالم جبران – اديب، اعلامي ومفكر طليعي
- بمناسبة مئوية جمال عبد الناصر
- ابنة الناصرة بروفيسور كلثوم عودة


المزيد.....




- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...
- إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق ...
- مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو ...
- وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
- شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
- فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل عودة - الفكر غير العقلاني طريق للكوارث