أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد الربيعي - قصة التطور وظهور الطفرات في فيروسات الكورونا















المزيد.....

قصة التطور وظهور الطفرات في فيروسات الكورونا


محمد الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 6796 - 2021 / 1 / 23 - 00:59
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


يبدو ان قصة التطور بدأت تظهر معالمها وتنسج خيوطها ببراعة في ترويض فيروس الكورونا المستجد تماما كما شكل الانتقاء الطبيعي تطور البشر والحيوانات والنباتات وجميع الكائنات الحية على كوكبنا. وعلى الرغم من أن الفيروسات ليست بكائنات حية بالمعنى الحرفي لكونها تحتاج إلى كائن حي مضيف من أجل التكاثر الا انها تشمل بقوانين الانتقاء الطبيعي ولذا تخضع لضغوط تطورية داروينية.
ولفهم عملية تطور فيروس الكورونا المستجد وكيف تؤثر هذه العملية على شراسته في إصابة البشر وتأقلمه مع الخلايا التي يصيبها وما قد يؤدي ذلك في نهاية المطاف الى ضعف الوباء الفيروسي بشكل عام دعنا نلقي نظرة على العلاقة الحميمة بين الفيروس وجهاز المناعة.
يستخدم جهاز المناعة البشري عددا من التكتيكات لمحاربة مسببات الأمراض. وظيفة الفيروس هي التهرب من الجهاز المناعي، وتكوين المزيد من ذريته، و من ثم الانتشار إلى اجسام بشرية اخرى. غالبا ما يتم الاحتفاظ بالخصائص التي تساعد الفيروس على أداء وظيفته من جيل إلى آخر وفي نفس الوقت تفقد الخصائص التي تعيق انتشار الفيروس من مضيف إلى مضيف آخر.
خذ على سبيل المثال، فيروسا به طفرة تجعله مميتا بشكل خاص لمضيفه البشري ويقتل العائل في غضون ساعات قليلة من الإصابة. يحتاج هذا الفيروس الشرس إلى مضيف جديد لكي يعيش نسله فإذا قتل مضيفه قبل أن يصيب المضيف الآخر فستختفي هذه الطفرة والفيروس حاملها بسرعة. إذن مثل هذا التغيير ليس بصالح الفيروس!
إحدى الطرق التي يحمي بها المضيف نفسه من الفيروس هي تطوير أجسام مضادة له. تلتصق الأجسام المضادة ببروتينات السطح الخارجي للفيروس وتمنعه من دخول خلايا البشرية المضيفة. وللفيروس الذي يبدو مختلفا عن الفيروسات الأخرى التي أصابت المضيف (الفيروس صاحب الطفرة) ميزة وهي تكمن في ان المضيف ليس لديه مناعة موجودة مسبقا، في شكل أجسام مضادة، لهذا الفيروس المختلف. وهذه الظاهرة i ما نطلق عليها بالتكييف الفيروسي وغرضه ضمان بقاء الفيروس.
لنلقي نظرة على حالة خاصة في التطور الفيروسي: كيف يمكن ان يتطور فيروس الكرونا المستجد؟ وما أهمية هذا التطور؟ فيروس الكورونا من نوع الحامض النووي الريبوزي (رناRNA)، مما يعني أن مادته الوراثية مشفرة في رنا، وليس في الحامض النووي الديوكسي رايبوزي (دناDNA). وعلى عكس جزئ دنا يعتبر جزيء رنا جزيئة غير مستقرة، ولا تحتوي فيروسات رنا على خطوة لتدقيق الأخطاء اثناء عملية تكاثرها مثلما يحصل مع فيروسات دنا. تحدث هذه الأخطاء عند نسخ الحمض النووي الريبي (رنا) بصورة متكررة اثناء تكاثر الفيروس، ولا تصحح الخلية المضيفة هذه الأخطاء. نتائج هذه الأخطاء هي طفرات تتكرر باستمرار ويمكن أن يكون لها عواقب مهمة على البشر.
تؤدي الطفرات في رنا الفيروس ولربما إعادة تركيب رنا نتيجة تهجينه بمصادر مختلفة إلى تطور الفيروس. يمكن أن تتطور الفيروسات بطريقة تدريجية من خلال الطفرات في الجينات التي ترتبط ببروتينات سطح الفيروس. قد تتسبب هذه الطفرات في ظهور السطح الخارجي للفيروس بشكل مختلف عن مضيف مصاب سابقا بسلالة سلف هذا الفيروس. في مثل هذه الحالة، لا يمكن للأجسام المضادة التي تنتجها العدوى السابقة بسلالة السلف أن تقاوم بفعالية الفيروس المتحور ونتائج المرض. ومع تراكم الطفرات في الأجيال القادمة من الفيروس، "ينجرف" الفيروس بعيدا عن سلالة سلفه. وهذا ما يحدث حقيقة مع فيروس الانفلونزا.
يعد هذا الانجراف أحد الأسباب التي تجعل لقاحات الإنفلونزا الجديدة بحاجة إلى ابتكار لكل موسم إنفلونزا جديد. يحاول العلماء التنبؤ بالتغييرات التي يحتمل حدوثها في فيروسات الإنفلونزا المنتشرة حاليا. إنهم يصنعون لقاحا مصمما لمحاربة الفيروس المتوقع. في بعض الأحيان يكون التنبؤ دقيقا، ويكون لقاح الإنفلونزا فعالًا. في أوقات أخرى، يخطئ التنبؤ الهدف، ولا يمنع اللقاح مرض الانفلونزا.
لكن ما سيحصل من ظهور الطفرات في فيروس الكرونا المستجد قد لا يكون مشابها لما حصل لفيروس الانفلونزا. ونحن لا نعرف بالضبط ما هي الطفرات التي قد تزيد من سرعة انتشار الفيروس ولا نعرف ما هي التغيرات الضرورية لظهور "سلالة جديدة". ومن المستحيل تحديد الطفرات التي قد تجعل السارس كوف 2 أكثر فتكا أو قمعا. ان هذا غير مرجح لانه لا يمكن أن تسود سلالة جديدة ما لم توفر بعض المزايا لفيروس سارس كوف 2، ولم يتم الإبلاغ عن أي منها حتى الآن، ولذلك ليس هناك حاجة الى تغيير اللقاحات الحالية. في الوقت نفسه، من المهم أن نتذكر أن جميع الفيروسات الحالية من سارس كوف 2 متشابهة وراثيا للغاية مع بعضها البعض ومعظم الطفرات ليس لها تأثير كبير على قابلية انتقال الفيروس. وغالبا ما تكون الطفرات المسؤولة عن المتغيرات الجينية الجديدة محايدة ولها تأثير ضئيل على انتقال الفيروس وضراوته. ومع ذلك، ربط وزير الصحة البريطاني (مات هانكوك) اكتشاف طفرة في بروتين السنبلة للفيروس بزيادة القدرة على الانتقال او العدوى. في حين أن ذلك لم يتم التحقق منه بعد، وسيكون من دواعي القلق الشديد إذا ثبت بالفعل أن هذا هو الحال. فإن هذا المتغير لربما يسبب مرضا أكثر خطورة إذا انتشر بسهولة أكبر من النسخ الأخرى، مما سيؤدي إلى إصابة المزيد من الأشخاص، ويؤدي في النهاية إلى إلحاق أضرار أكبر بصحة الإنسان.
لكن هل المتغيرات الجديدة دائمًا أكثر ضراوة؟ لا، ليس دائمًا، ولكن كما ظهر في فيروسات كورونا القطط، يمكن أن يؤدي تغيير المضيف من خلال إصابة واحدة إلى تكوين فيروس جديد أكثر ضراوة. في فيروسات كورونا الأخرى، قد تتغير الفيروسات وتصبح أقل ضراوة، على سبيل المثال فيروسات كورونا الخنازير. وهذا ما يتوقعه بعض علماء الفيروسات في ان يصبح الفيروس أكثر اعتدالًا بمرور الوقت، باتباع مسار تطوري مثل تلك الذي سلكته فيروسات الكورونا الاخرى والتي لا تسبب اليوم سوى "نزلات البرد".
قد تؤدي بعض التغييرات إلى تحسين تكاثر الفيروسات وتجعل نمو السارس كوف 2 أسرع قليلاً. قد يتفوق مثل هذا المتغير الجيني على فيروسات أخرى في الفرد، وبالتالي من المرجح أن ينتشر إلى أشخاص آخرين. في وقت قصير، سوف يسود الفيروس الذي يحمل مثل هذا التغيير الجيني في السكان. هناك عدة فيروسات من سارس كوف 2 نشأت بخصائص نمو محسنة ولكن لا يوجد دليل على أن أيا منها يسبب مرضا أسوأ. ومع ذلك، قد يزداد عدد الفيروسات ذات الجينومات المتغيرة أيضا لمجرد أنها نشأت في شخص يعدي الكثير من الأشخاص الآخرين، ربما في تجمع مزدحم، وليس لأن الفيروس قد تغير خصائصه.
يعتقد احد العلماء أنه مع اصطدام الفيروس بمزيد من المقاومة لدى البالغين، من الممكن أن يتغير الفيروس قليلاً ليحافظ على نفسه في الأطفال. وقد يتطور للهروب من المناعة من خلال قدرته على التكاثر بشكل أفضل في الأنف، وبالتالي يتحول إلى عدوى الجهاز التنفسي العلوي، مثل فيروسات كورونا المستوطنة الأخرى. إذا اتبع الفيروس هذا النمط، فمن المفترض أن يصبح أقل فتكا لكن الإصابة ستكرر بصورة اكثر، وعندما يُصاب الناس من جديد ستتولد ذاكرة مناعية كافية لمحاربة المرض لكون إعادة العدوى تعمل كمعزز للمناعة.
وبحسب بعض الخبراء، فإن اختلاط السكان بكثرة تضمن للفيروس فرصة أفضل للتكيف، مما يؤدي إلى انتقاله من شخص إلى آخر بشكل أفضل، وبحيث يبقى الفيروس في الأنف، ويصبح نزلة برد عادية. اما في حال تحول الفيروس الى مسار مرضي اكثر حدة بسبب تطوره واذا ظهرت الاعراض بشكل اسرع واكثر عنفا فسيعزل الناس انفسهم مبكرا مما يؤدي الى إنخفاض معدل الإصابات وبالتالي ضعف الوباء بشكل عام.

اما بشأن ظهور سلالات مختلفة من فيروس كورونا بعد عام من قفز السارس لأول مرة إلى البشر فأنه يجب ان لا يسبب ذعرا فهو ليس أمرا غير متوقع. فهذه ظاهرة معروفة منذ سنوات عديدة لما يحصل لفيروسات كورونا. فإذا نظرنا إلى فيروسات كورونا التي تصيب الدواجن نجد أن هناك المئات من الأنواع المختلفة لهذا الفيروس وهناك أيضا العديد من المتغيرات المختلفة لفيروسات كورونا البشرية الموسمية نتيجة تراكم الطفرات تؤدي إلى متغيرات فيروسية جديدة يدفعها نظام المناعة لدينا للتغيير أو الفناء. لكن كما يبدو ففيروس الكرونا المستجد لا يتحور بنفس سرعة الفيروسات الأخرى خصوصا الإنفلونزا، ولذلك، على الأقل في الوقت الحاضر، لن يكون تحديث اللقاحات أمرا مهما كما هو بالنسبة للانفلونزا.



#محمد_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مظاهر تخلّف التعليم في العراق؟ وهل يمكن تخطي هذه المظاهر لنت ...
- على ضوء البرنامج الوزاري: كيف يمكن تحقيق الجودة في التعليم ا ...
- صداع البحث العلمي
- اندثار الكتب المقرَّرة في الجامعات
- هل يمكن للواقع العلمي العربي من اكتشاف دواء للسرطان؟
- قانون المجمع العلمي العراقي.. ما له وما عليه
- عرض كتاب -التلوث الاشعاعي في العراق- للمؤلف الاستاذ الدكتور ...
- البعثات الدراسية.. ما لها وما عليها
- قانون التقاعد الموحد وانصاف فئة العلماء الباحثين
- لماذا نريد تعليماً عالياً على غرار الجامعات الامريكية والغرب ...
- تعقيب حول كلمة المالكي في واشنطن بشأن تحديث نظام التعليم الع ...
- لماذا نحن بحاجة الى نظام لضمان الجودة في الجامعات العراقية؟
- آراء بصدد قانون الخدمة الجامعية الجديد
- الدكتور فخري البزاز في ذمة الخلود
- المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق- نظرة تقيمية للبحوث ...
- هل ستلتحق جامعاتنا بركب الجامعات العالمية في القرن الواحد وا ...
- الحريات الاكاديمية


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد الربيعي - قصة التطور وظهور الطفرات في فيروسات الكورونا