أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عبثية الإنتحار














المزيد.....

عبثية الإنتحار


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6788 - 2021 / 1 / 14 - 13:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٤ - العدم والإنتحار

واذا ألقينا نظرة على الدراسات الاجتماعية ودراسات علم النفس المتخصصة في هذا المجال - الموت الإرادي، نجد أغلبها يعتبر الانتحار عملا ذا دوافع فردية خاصة، ويجب دراستها كنماذج فريدة رغم امكانية وجود عوامل مشتركة بين بعض الحالات، ويعتبرون أن الانتحار الجماعي مجرد خرافة لا يمكن أن تشكل ظاهرة اجتماعية باعتبار الحالات القليلة والنادرة المعروفة. غير أن هذا لا يمنع وجود انتحارات عديدة في مكان وزمان واحد، فنحن نعرف اليوم أن هناك ظروفا اجتماعية واقتصادية ونفسية خاصة لكل حالة فردية يمكن أن تساعد على تفسير الإقدام على هذا العمل، وعلى انتشاره أو انحساره في فترة معينة، أو في مجتمع، أو طبقة اجتماعية أكثر من غيرها. الحالة التي يمكن ذكرها على سبيل المثال، هي انتحار أكثر من 30 موظفا وعاملا سنة 2009 في شركة الكهرباء الفرنسية، وذلك في فترة قصيرة، نتيجة ظروف العمل المرهقة، والضغط النفسي، وجو التنافس الخانق الذي فرضته الادارة على موظفي وعمال الشركة لرفع الانتاج، وزيادة ساعات العمل دون زيادة الرواتب، وذلك نتيجة لتطور هذه الشركة من مؤسسة حكومية للخدمات الكهربائية، الى شركة شبه خاصة هدفها الأساسي الربح السريع والمباشر، وبأقل ما يمكن من العمال. كما يمكن ذكر الاحصائيات العديدة التي تعالج هذه الظاهرة بصورة عامة وشمولية، والتي تؤكد أن عدد حالات الانتحار في البلدان الشمالية الباردة يفوق عدد الحلات في بقية البلدان، وأن الرجال ينتحرون أكثر من النساء، أو أن السجناء ينتحرون في فترة الصيف أكثر من الشتاء ... الخ. فالموت الإرادي اذا ظاهرة اجتماعية لها أسبابها ودوافعها، ويمكن تحليلها بدقة على المستوى العام وعلى المستوى الفردي لكل حالة. وهناك بالضرورة بعض الحالات التي تكون دوافعها فكرية أو فلسفية، غير أنها خاصة ونادرة وتنحصر في الغالب في العالم الثقافي المكون من الشعراء والفنانين، وحتى في هذه الحالات يمكن تتبع المسار النفسي والاجتماعي لها، وايجاد الخيط الدقيق الذي قد يربط بين هذه الحالات التي ادت الى اتخاد مثل هذل القرار. فالشاعر الفرنسي بول سيلان Paul Celan الذي انتحر في باريس قافزا في نهر السين سنة 1970، هو شاعر مهاجر من أصل روماني، عانى من الفقر والاضطهاد والتغريب مما انتج العديد من المشاكل النفسية والاجتماعية، مثله مثل غيراسيم لوكا Ghérasim Luca الذي هاجر بدوره الى باريس سنة 1952، وعاش طوال حياته كمهاجر بدون أوراق حتى لحظة انتحاره في نهر السين أيضا سنة 1994، وهو يعتبر من دعائم الشعر الصوتي المعاصر. ويمكن ان توجد بعض الحالات التي تندرج تحت ما يمكن تسميته بالانتحار الفلسفي، أي الناتج مباشرة عن قناعة متينة بعدم جدوى الحياة وتفاهتها، غير أن الأمثلة قليلة ونادرة، لأن أغلب الذين فكروا في الإنتحار بطريقة عقلية أو فلسفية، لم يواصلوا رحلتهم ومغامرتهم الفكرية حتى نتائجها القصوى. فشوبنهاور، ورغم تشاؤمه المبالغ فيه، فانه على ما يبدو لم يفكر في القضاء على حياته لحظة واحدة، وكذلك الأمر مع ألبير كامو الذي اعتبر الانتحار القضية الأولى في الفلسفة، مات بحادث سيارة مثل آلاف المواطنين غيره. اما الشاعر الروماني الآخر، إميل سيوران Emil Cioran، والذي كانت حياته كلها مجرد مشروع عبثي فاجع سيوصله حتما إلى مرحلة الموت الإرادي، هو الذي يمكن اعتباره الشاعر والمفكر العدمي الأول والذي كان يردد "حين أخرج إلى الشارع لا تخطر ببالي سوى فكرة واحدة : فكرة الإبادة". إلا أنه في نهاية الأمر مات بمرض آلزهايمر دون أن يتمكن من إيصال مشروعه إلى نهايته. ولا شك أن سيوران كان غاضبا على العالم وعلى البشر، وكان يعتقد مثل خياط بيكيت، بأن العالم شئ ردئ الصنعة، وكان سخطه على العالم لا يضاهيه سوى ثقته بنفسه "لست أنا من لا يصلح للعالم... بل هو العالم الذي لا يصلح لي". أما المفكر Paul Nizan بول نيزان، وهو مثقف من نوع آخر، والذي اعتبر الأمر من زاوية ثانية "حياتي فارغة ولا تستحق الموت"، حيت يأخذ الموت صورة إيجابية ولا يستحقه إلا من عاش حياة ممتلئة بالفعل، وحيث أن امتلاء أو فراغ هذه الحياة يعود في نهاية الأمر إلى الفرد ذاته، وإلى تحمله لمسؤولياته الإجتماعية والسياسية. هذه المواجهة ـ المسرحية ـ بين الإنسان والعالم ومن منهما يستحق الآخر، ظهرت في الغرب بوضوح وحدّة في بداية القرن الماضي، وبالذات بعد الحرب الأولى ثم الثانية، حيث واجه الإنسان الغربي شراستة وضراوته، ورأى قدرته على التدمير الذاتي وتدمير الآخرين. ومن تحت الأنقاض والخرائب، كان طبيعيا أن تنمو وتترعرع فكرة عبثية الحياة وعدم جدوى الإنسان، وأن العالم لا معنى له. وانعكست هذه الرؤية على الإنتاج الأدبي والفني عموما، وبطريقة اكثر ثراء واكثر قوة ونضوجا في الإنتاج المسرحي، وبالذات مسرح المهاجرين الذين استعملوا اللغة الفرنسية في الكتابة مثل يونيسكو وبيكيت وأداموف وغيرهم. وهذا التساؤل عما إذا كانت الحياة تستحق أن تعاش، رغم قدمه، ورغم اللامعنى الذى يحيط به، ورغم احتوائه على نفس التناقضات والمفارقات الأصلية القديمة، ورغم كونه سؤالا عبثيا في ذاته، فإن مقولة العبثية ما تزال تلبس نوعا من الجدية الفلسفية المزيفة. فالحياة لا يمكن أن تكون موضوعا للتساؤل، فنحن لا نقرر أن ندخل الحياة ذات يوم أو في لحظة ما بقرار إرادي بعد التفكير والتدبير. لا ندخل الحياة كما ندخل بيتا أو مكتبا أو محلا تجاريا.. ندفع الباب، ونقف على العتبة، ونتردد : ندخل أو لا ندخل. الموقف الأصلي والأساسي هو إننا نتواجد داخل الزنزانة أولا وقبل كل شئ، نحن نستيقظ لنجد أنفسنا أحياء ولا امكانية ولا اختيار للدخول، ولاحقا فقط هناك إحتمال لإمكانية الخروج بطرق متعددة. الحياة ليست موضوعا فلسفيا، ولكنها الحقل الذي تتواجد فيه الفلسفة وإمكانياتها المختلفة.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تنظر للقمر
- إنتحار الآلهة
- ماذا يفعل الله طوال اليوم ؟
- أركيولوجيا العدم
- ضجيج الآلهة البلهاء
- وحدة الله
- الثورة على الله وأزلامه
- القطار الأخرس
- كوشيز .. الهندي الذي نزف حمرته
- مقبرة الحروف
- عن المحاجر والمحابر
- لا تستنشق عبير الورود
- ضرورة البراكسيس
- الإنتحار العقلي
- الإنسان إله أم حيوان؟
- فلتحترق هذه الأرض
- تناقض الفن والفلسفة
- العبث وخرافة اللاوعي
- بين التمرد والعبث
- الصياد وجنية البحر


المزيد.....




- اختفاء غامض لفتاة عمرها 13 عامًا منذ شهرين تقريبًا.. وعمليات ...
- الناتو يفتح ذراعيه لأوكرانيا: ”خطوات ملموسة“ قريباً بشأن انض ...
- ماكرون يدعو إلى وقف تسليم الأسلحة لإسرائيل
- عشية ذكرى 7 أكتوبر: مظاهرات بألمانيا وشولتس يدعو لوقف إطلاق ...
- هل تكرر إسرائيل سيناريو غزة في لبنان؟
- كبير مفاوضي -حماس-: إسرائيل لا تزال تعرقل مساعي التوصل لوقف ...
- هاريس: سنواصل الضغط على إسرائيل والقادة العرب من أجل وقف إطل ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن عدة مناطق حدودية مع لبنان -مناطق عسكري ...
- -الإمارات معك يا لبنان-.. 6 طائرات من أبو ظبي تحط في بيروت ب ...
- وزير الدفاع الهولندي يعلن تسليم أوكرانيا الدفعة الأولى من مق ...


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عبثية الإنتحار