تثبت أحداث الفلوجة بما لا يدع مجالا للشك صدق الرؤيا القائلة بعدم امتلاك أمريكا لمشروع تغييري حقيقي في العراق ، فأمريكا التي وجدت نفسها بمواجهة تطلعات الجماهير العراقية فجأة دون رغبة حقيقية منها لإيجاد بديل ديمقراطي عن حكم الديكتاتورية السابقة ،وجدت نفسها بمواجهة فراغ سياسي، وفوضى لم يشهد لها مثيل من قبل ،و لم تكن تتوقع أن يحدث مثلها خصوصا وأنها كانت تراهن على بروز البديل أو بروز قوى من قبل قوى لطالما تحدثت عنها أمريكا في السابق ، باعتبارها بدائل لحكم صدام وفي حينها كانت تتحدث بالرموز أكثر من حديثها عن قوى فعلية موجودة موضوعيا في العراق، وبعودة بسيطة إلى وقائع مؤتمر لندن وتصريحات المسؤولين الأمريكان خلاله وبعده من أنهم لديهم أشخاصهم في العراق هم الذين سيتولون الحكم بعد سقوط الديكتاتورية ، وهاهي أمريكا وبعد ما يقارب الشهر لم تعلن عن اسم أي عراقي أو أي قيادة عراقية تتولى الحكم ،وهاهي تتحدث عن البقاء لفترة غير محددة وما ذلك إلا لأن أمريكا قد كذبت على الرأي العام العالمي ومن قبله على أقطاب ما يسمى بالمعارضة العراقية ، فأمريكا التي تحدثت في حينها عن وجود اتصالات مع قيادات في الداخل وعن تنسيقها مع بعض قيادات الجيش، وعن أملها في حدوث انقلاب عسكري حال شيوعها بالعمل العسكري ضد صدام حسين ، وهو ما كانت تتأمله بل أكثر من ذلك ، عندما صرح كبار المسؤولين الأمريكان من إن الحرب ستجنب إلحاق أي دمار بالجيش ، فهي كانت تتأمل أن يبقى الجيش كقوة يتم الرجوع إليها بالسيطرة على الأوضاع في حالة الاحتلال لكنها لم تضع في حسبانها مدى هشاشة النظام السابق ومدى تفكك الجيش العراقي ذلك الحين ولم تضع في حسبانها أن يلقي الجندي العراقي مع ضباطه أسلحتهم عندما تصل بغداد ،، فالجيش العراقي كان يعاني من الخوار المعنوي ومن الهزيمة قبل أن تشرع أمريكا عدوانها والنظام كان يتفكك كذلك ،وهذا سبب صدمة الأمريكان الحالية من بروز قوة الاتجاهات الدينية أو التيارات الدينية في الجنوب وكذلك في الوسط ،، فأمريكا التي تريد تثبيت مبدأ الضربة الوقائية في العالم مما يعني إن كل العالم هو ساحة خلفية أو حرس ليلي في خدمة مفهوم الأمن الأمريكي تجد نفسها تتجه قسرا عنها إلى حالة التمرغ بأوحال العراق وسط دوامة ، أو متاهات مما سيؤول إليه الوضع العراقي، وهو أشبه بالبركان الذي يمور تحت أقدام المار ينز الأمريكي الآن ،، فحديث الغضب من الوجود الأمريكي،هو غير الحديث عن الفتيات اللواتي سيستقبلن الأمريكان بالقبل والزهور على أبواب العراق الحر، أو العراق المستباح بتعبير آخر وديمقراطية الأحلام هي غير الانفلات والفوضى، والاحتراب الأهلي الذي يطل برأسه بين حين وآخر، وإنقاذ الشعب العراقي من القتل بأدوات الجلاد ألصدامي هو غير قتل أهل الفلوجة برصاص الجنود الأمريكان . إن انقلاب المفاهيم وانعكاس العملية يكون له اثر رجعي نحو أمريكا نفسها فالأزمة التي يأن تحت وطأتها بوش كونه لم يجد ما قام من اجله بالحرب ، وهو أسلحة الدمار الشامل هو قلب لصورة الجندي الأمريكي الحائر في شوارع بغداد،ومتاهات القرى العراقية ولا يفعل سوى إطلاق النار على العزل والأبرياء العراقيين ، وحيرت بوش وغار نر هي صورة يكررها مدى ذعر الجندي الأمريكي من المظاهرات المناوئة لوجوده ، هذا الوجود الذي يأتي على ارض تلتهب بالبترول وبالحقد على ما قامت به أمريكا في السابق وما ستقوم به في اللاحق ، والحقد الذي يعرف ويتوجه بأصابع الاتهام إلى أمريكا نفسها لأنها من أقام الديكتاتورية في العراق ، ومن دعمها فما صدام حسين وحروبه السابقة إلا اذرع أمريكا في المنطقة وهي غير خافية عن ابن الشارع العراقي الذي يعي جيدا ما تريده أمريكا من العراق ، وان يكن وعي بسيط ، هذا الوعي الذي يزداد يوما بعد آخر ويأخذ أشكال متعددة من المواجهة فحجة المدرسة ستتطور لتلبس شكلا أخر يحدد شكل المواجهات اللاحقة التي ستستمر فإذا تكررت مرتين في الفلوجة فهي مرجحة لان تتكرر أكثر وأكثر في ضوء الفراغ السلطوي والانفلات الأمني ، فهذا الانفلات يشير إلى حقيقة حاول المخطط الأمريكي إن يتجاوزها في البداية، وأطلق عليها أو حاول أن يرسمها كصورة للمحتفلين بزوال الديكتاتورية، وهو يعلم علم اليقين إن الاحتفال يكون غير القتل والسلب والحرق ونهب الممتلكات لكن للضرورة أحكامها، وكما قال بوش فان هذه الحرب حظيت بتغطية إعلامية لم يسبق لها مثيل فكيف يتم تبرير ما يجري غير الاحتفال !!! لكن حقيقة الاحتفال تفضح بؤس و تفاهة القائلين به بل تلطمهم وتعمي أبصارهم فما يجري دليل واضح على الفراغ السياسي الحاصل والفراغ السلطوي ، فالفراغ نشاء من عدم وجود قوة تمتلك الشارع بعد سقوط الديكتاتورية، وانهيار القوى العسكرية التي تأخذ في زمام المبادرة في الحالة المماثلة لما جرى في العراق كونها القوة الوحيدة التي تمتلك التنظيم القادر على حفظ الدولة وممتلكاتها ،وبسقوط الجيش وتفككه غابت كل القوى القادرة على ملئ الفراغ ويترابط هذا من عدم وجود تنظيم سياسي قادر على ملئ الفراغ على الرغم من وجود تنظيمات معارضة للحكم حينه، فاغلبها لا يمتلك البرنامج الذي يستطيع ان يجذب الجماهير فلا المؤتمر الوطني العراقي ولا الأحزاب القومية الكردية ومعهم الأحزاب الدينية والعديد من قوى اليسار، فاغلب برامج هذه الحركات عبارة عن رؤية أخرى للمشروع الأمريكي في العراق إن لم نقل نسخة معدلة تستبدل كارنر بأحد التسميات العشائرية أو الشوفينية القومية ،أو الطائفية الدينية، واغلبها تشكل بوادر رعب لمستقبل العراق ومستقبل المتناقضات الداخلية العراقية ، هذه الرؤية صنفت المعارضة وفرقها في خانة أعداد الصفر مع الأمريكان بمواجهة الجماهير العراقية، من هنا يتم فهم تصريحات ألجلبي وطالباني وغيرهم من ضرورة بقاء أمريكا في العراق لفترة يحددها كل منهم حسب هواه، ولأمريكا القول الفصل فيها فانعزالهم عن الجماهير يرمي بهم باتجاه أمريكا وأحضانها، ورؤيتهم القاصرة لقوة الجماهير تدفعهم إلى طلب الحماية لأنفسهم ، فبقائها يؤدي من جملة ما يؤدي إليه إلى حماية هذه القيادات وان كانت هذه القيادات لا تعني لدى أمريكا شروا نقير، تزيحهم ساعة شاءت فهم ليسو ا أكثر من رمشة عين زادة فما أن يرفع يديه بوجوههم أن سكوت تراهم يرتعدون من الرعب الذي ملئهم ويسير بهم نحو العزلة أو إلى .........
فعدم امتلاك هذه القوى لأي مشروع ،أو برنامج حقيقي لمستقبل العراق يحيلنا إلى تساؤل مهم لما قامت هذه القوى بما قامت به من تأييد أمريكا والاندفاع ورائها ؟؟؟
لا تكفي الإجابة عن هذا التساؤل بالقول بالمصالح الشخصية ، فهناك ما هو أعمق فهؤلاء هم القوى الرجعية التي لا تجد من أيدلوجية لديها سوى الشوفينية القومية والعشائرية تدعمها بعض قوى البرجوازية الكردية والعربية على حد سواء والتي وجدت ارتباطها مع المصالح الأمريكية فوافقت على لعب دور الخادم الذليل لهم وآلا لمَا لم يطالب الطالباني باستقلال كردستان ، وهو مطلب جماهيري لكل أبناء الشعب الكردي خصوصا وان حركته قامت في الأساس على هذا المطلب، وعارضت الديكتاتورية على أساسه أيضا !!!!!!!؟؟؟ وهو بذلك يتساوى مع البر زاني الذي يحاول إن يلمع صورته لدى الشعب العراقي وفرض نفسه كأول رئيس وزراء كردي حتى وان كانت الوزارة التي سيشكلها صورية تقبع تحت أمرة حاكم أمريكي كذر للرماد في العيون، على اعتبار قيام عراق فيدرالي ديمقراطي يتمتع به الكل بنفس الحقوق بالحكم إلى ما ذلك من الأوصاف التي ستكمل اللعبة الأمريكية، وتحققها على لعلعة رصاص الجنود الأمريكان في الفلوجة وقبلها في الموصل ، وغيرها من مناطق العراق الذي أضحى رمال متحركة تحت أقدامهم فمصير أمريكا المجهول في العراق يقودها ويدفع بها إلى التردي يوميا والتمرغ بالأوحال العراقية فأمريكا كالمدمن الذي لا يستطيع الإقلاع ، لا تستطيع التراجع عن العراق الآن ولا تستطيع المضي قدما دون أن تفضح نفسها كقوة مغامرة لا تملك بعد رؤية أكثرمن كونها ديكتاتور كوني يقتل الشعوب على أعتاب الأمن القومي الأمريكي كما تقول هي .