|
سؤال آخر إلى حكام الجزائر: ما ذا يحجُب عنكم الرؤية إلى هذا الحد، أيها الناس؟
محمد إنفي
الحوار المتمدن-العدد: 6785 - 2021 / 1 / 11 - 14:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالطبع، أيها السادة، هذا السؤال، على غرار الأسئلة السابقة، لا ينتظر أي جواب؛ ذلك أن الجواب يقتضي الجلوس مع النفس ومحاسبتها؛ وهذا يتنافى والغطرسة و"جنون العظمة" الذي يميز الأنظمة العسكرية. فالجواب الصحيح يوجد، إذن، خارج دائرتكم؛ إنه يوجد عند الذين خبروا مؤامراتكم ويعلمون أهدافكم ويدركون مراميكم. وبمعنى من المعاني، فالجواب يوجد عند الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي؛ فالأول يعي ما اقترفتموه من آثام في حقه بنهب وتبديد عائدات الثروات الطبيعية الهائلة التي تزخر بها بلاده؛ أما الثاني فيعلم ما هي أطماعكم التوسعية على حساب أراضيه ومصالحه الحيوية. لكن واضع السؤال أعلاه يتمنى، بكل صدق وإخلاص، لو أنكم تجلسون إلى أنفسكم وتُقيِّمون مدى الربح والخسارة، بنزاهة وموضوعية إن كان لكم حظ منهما، في معاداتكم لمصالح دولة وشعب لهما عليكم دين تاريخي سيظل في عنق بلادكم إلى يوم الدين وستحاكمون عليه، أنتم ومن سبقوكم، في محكمة التاريخ المشترك بين البلدين والشعبين؛ كما سيحاكمكم التاريخ على تعثر بناء الوحدة المغاربية بسبب ما تناصبونه من عداء لجيرانكم. فهلا تحليتم بشيء من الشجاعة، وتمعَّنتم في موقف دولتكم من الوحدة الترابية للمغرب منذ خمس وأربعين سنة بالتمام والكمال، وتساءلتم عما جنت بلادكم من ذلك؟ وهلا تأملتم، أيها الحكام، في واقع بلادكم وفي واقع بلادي، فتستخلصوا الدروس من التاريخ ومن الواقع؟ فيا ليتكم تتخيلوا كيف كنا سنكون، نحن وأنتم، لو كانت هذه العقود قد استثُمرت في البناء المشترك سواء على المستوى الثنائي أو على مستوى دول المغرب الكبير!!! لقد مرت الخمس والأربعون سنة، من جانبكم، في التآمر على الوحدة الترابية للمغرب؛ الشيء الذي كلف خزينة بلادكم أمولا طائلة (مئات المليارات من الدولار، إن لم تكن مئات الآلاف من المليارات) تم تبديدها في سبيل قضية ليس للشعب الجزائري الشقيق فيها صالح ولا منفعة، ولا تمثل له أية أولوية أو رهان. أما بالنسبة للمغرب، فقد قضى هذه السنوات الطويلة في مواجهة مناورات بلادكم الهادفة إلى النيل من حقه المشروع في استرجاع أقاليمه الجنوبية من المستعمر الإسباني، والعمل على تثبيت هذا الحق على أرض الواقع، ميدانيا وديبلوماسيا. بصفة عامة، مجهودات بلادي لم تذهب سدى؛ فبعد أن نجحت في وضع حد لتسرب مليشيات البوليساريو - المسلحة بأموال الشعب الجزائري الشقيق - إلى أراضينا؛ وبعد أن نجحت في تحجيم ضراوة الديبلوماسية الهجومية لبلادكم، التي استنزفت بدورها خزينة الدولة الجزائرية، انصرفت بلادي، رغم أنها لا تتوفر لا على بترول ولا على غاز، إلى التنمية بكل أبعادها (الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية والثقافية...) في أراضينا المحررة سلميا بواسطة المسيرة الشعبية الخضراء. ويكفينا كدليل على ما وصل إليه التقدم في هذه الأراضي، أن يرى العالم، بأم عينه، أن مدن أقاليمنا الجنوبية أصبحت تضاهي مدننا الشمالية؛ ويكفينا فخرا، نحن المواطنين العاديين، أن يكون بمدينتي العيون والداخلة حي ديبلوماسي بكل منهما، وأن يصل عدد التمثيليات الديبلوماسية بهما، في وقت قياسي، إلى عشرين قنصلية عامة؛ والمستقبل القريب يعد بالمزيد. بودي، أيها السادة، ألا أصف كل تطور إيجابي تعرفه قضية وحدتنا الترابة، بالصفعة الموجعة لكم؛ لكني لم أجد كلمة أبلغ منها في سياقنا الحالي؛ هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، ليقيني أن للصفعة فوائد؛ فقد تنبه الغافل أو شارد الذهن، وقد تنفع في استعادة الشخص (الذاتي أو المعنوي) لوعيه، وقد تكون بمثابة درس في السياسة والتدبير فتحول دون تحول الصفعة إلى صعقة. في الواقع، تعددت الصفعات الموجعة التي تلقيتموها تباعا؛ فكل سحب اعتراف بـ"جمهورية الوهم"، هو صفعة مدوية لديبلوماسية بلادكم؛ وتكريس مجلس الأمن الدولي لدولتكم كطرف رئيسي في النزاع الإقليمي حول أرضنا بحكم التاريخ والجغرافيا، يمثل صفعة أسقطت عنكم بقوتها ورقة التوت التي كنتم تتدثرون بها؛ وكل قنصلية تُفتح في العيون أو في الداخلة، تشكل صفعة حدتها تزيد عن حدة سابقتها؛ ومن دون شك، أن أوجع هذه الصفعات (صفعات القنصليات)، هي صفعة افتتاح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة. وتبقى أقوى صفعة على الإطلاق وبكل المقاييس، من جهة، اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، باعتبار مكانتها كدولة عظمى وعضو دائم بمجلس الأمن؛ ومن جهة أخرى، اعتماد حلف "الناتو" خارطة المغرب بأقاليمه الجنوبية المسترجعة. فماذا أنتم فاعلون بعد هذا الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء من طرف أقوى حلف عسكري في العالم؟ فحتى حلف وارسو لم يعد له وجود حتى تحتمون به في عدائكم للمغرب. ثم ما ذا قدمتم كبديل لمقترح الحكم الذاتي الذي اعتبره المنتظم الدولي مقترحا جادا وواقعيا؟ لا شيء مطلقا، إلا ما كان من "إنا عكسنا" والتشبث باستفتاء تقرير المصير الذي ألغاه مجلس الأمن من دائرة اهتمامه بعدما تيقن من استحالة تنظيمه. أتمنى، خالصا، أن تستفيقوا، أيها السادة، من غفلتكم، وتفهموا أن أطماعكم التوسعية لا حظ لها من التحقق. ألا يكفيكم أن هذه الأطماع والعداوات المصاحبة لها وإيديولوجية الحرب الباردة قد حجبت عنكم الرؤية لكل هذه المدة؟ ألا ترون أن أمر هذه الأطماع، الذي انطلى على كثير من الدول، خلال فترة الحرب الباردة - دون الحديث عن الفقيرة من هذه الدول التي تم شراء مواقفها بأموال الشعب الجزائري (خلال فترة الطفرة البترولية) - قد انكشف لدى الكثير من تلك الدول، فسحبت اعترافها بدويلة الوهم تباعا، ولم يعد يعترف بها إلا بعض الأنظمة القليلة جدا التي لا وزن لها ولا تأثير في الساحة الدولية؟ خلاصة القول، إذا لم تستفيدوا، أيها السادة، من دروس الخمس والأربعين سنة الماضية ومن الدرس الذي يلقنه لكم الواقع على الأرض، عمرانيا وبشريا واقتصاديا واجتماعيا وديبلوماسيا، فاعلموا أن ما يحجب عنكم الرؤية ليس العداء والأطماع فقط؛ بل أيضا قصر النظر وقلة الحكمة أو انعدامها والعيش في عالم الزيف والافتراء، بدل عالم الحقيقة. إن العمل على تصدير أزماتكم الداخلية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) والتغطية عليها بزيادة منسوب عدائكم للمغرب، لن يفيدكم في حل مشاكل بلادكم، ولن يلبي مطالب شعبكم الذي خلع عنكم الشرعية بمقاطعته للاستفتاء على الدستور الجديد. والنتيجة، أنكم تعانون، اليوم، من خصاص مهول في الشرعية الدستورية والشعبية. فتأكدوا، أيها الحكام، أن لا الشعارات الرنانة والزائفة ستحميكم من غضب شعبكم، ولا "المؤرخون الجدد للعبث"(عبد الحميد جماهري) سينيرون طريقكم نحو المستقبل، سواء كانوا مغاربة أو جزائريين أو من غيرهما من الدول العربية. مكناس (المغرب)، في 11 يناير 2021
#محمد_إنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما ذا بقي لكم من عزة نفس وأنفة أهل الصحراء بعد هذه الإهانة ا
...
-
رسالة محبة وإخاء موجهة للشعب الجزائري الشقيق من المواطن المغ
...
-
أحمد الريسوني والحلم بالخلافة الرشيدة بقيادة تركية
-
رسالة مفتوحة من المواطن المغربي محمد إنفي إلى حكام الجمهورية
...
-
تنبؤات القرآن والسنة: إعجاز أم عجز؟
-
وأد النزاهة الفكرية والشجاعة الأدبية في بلاغ الأمانة العامة
...
-
عبد الرحمان اليوسفي والإصلاح السياسي بالمغرب
-
الغثيان الإليكتروني
-
قراءة في مقترحات الاتحاد الاشتراكي بخصوص قانون المالية التعد
...
-
ما هذه الصفاقة وهذه الوقاحة يا حامي الدين؟
-
رسالة إلى السيد رئيس الحكومة المغربية في شأن مشروع قانون22.2
...
-
لماذا الإصرار على توجيه النقاش في اتجاه واحد في مسألة مشروع
...
-
دفاعا عن حرمة المؤسسات: رسالة إلى أولي الأمر وإلى أهل الاختص
...
-
لمصلحة من الضجة الإعلامية المفتعلة في زمن تلاحمنا الوطني ضد
...
-
انتعاش الدَّجَل من الخلط بين العلم والإيديولوجيا في زمن كورو
...
-
ما مدى علمية وواقعية تصنيف د. محمد الفايد للدول حسب وضع كورو
...
-
لقد أكثر العثماني في زمن كورونا!!!
-
الشعبوية ليست عملة اتحادية
-
الكعبة المشرفة من عام الفيل إلى عام كورونا أو الطير الأبابيل
...
-
التفاهة في زمن كورونا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|