أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أمل زاهد - بيروت عم تبكي !!















المزيد.....

بيروت عم تبكي !!


أمل زاهد

الحوار المتمدن-العدد: 1618 - 2006 / 7 / 21 - 05:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


وحدني صوت تلك السيدات النازحات من الجنوب اللبناني ومن الضاحية الجنوبية مع معاناتهن وهن يتحدثن عن اضطرارهن للفرار بأنفسهن وبفلذات الأكباد بعيدا عن قصف القنابل وأزيز رعودها، واخترق صوت تلك الأم قلبي وهي تقول أنها شبعت من الدنيا وكل ما تريده هو توفير الحياة لابنائها وأن صوت رضيعها البالغ من العمر ثلاثة أشهر فقط كان يمزق نياط قلبها وهو يبحث عن قطرات لبن في ثدي أمه الجاف والذي هرب اللبن من عروقه خوفا وفزعا من الأهوال التي يشهدها ومن قسوة وبشاعة ما يلامسه من خبرات . وراحت لغة الصورة تقذف في وجهي بالمزيد والقنابل تنطلق في سماء بيروت ووتتفجر في مداها وآفاقها لتهبط فوق أديم أرضها فتنهش من قدر له أن يكون في طريق مرورها ، وكأن طفلا عابثا قرر في ذات لحظة ملل أن يلهو فاتخذ من القتل لعبة ومن الفناء والتدمير ملهاة ، وكانت لبنان هي المسرح العاصف للعبه وعبثه وهو يحرك خيوط الدمى التي يعبث بها ويقودها رغما عن أنفها إلى حيث ينتظرها حتفها !!
ثم تدفقت الصور تفجع بصري وتثكل وعي .. صور العائلات المشردة في الحدائق والمدارس أو اللاجئة إلى بيوت الأقارب ، ومشاهد الجرحى ودمائهم تقطر وأنين الثكالى وبكائهم المفجوع وصراخ الأطفال الخائفين والفزع يقفز من أحداقهم ، ونظرات الرعب في عيون الأمهات والجدات وهن يستجدين لحظة أمان ليسكبنها في قلوب الابناء والاحفاد فيبددون خوفهم ويسكنون ذعرهم ، بينما انطلق صوت من أغوار عقلي الباطن وكأن موكب أحزان اغتيال الرئيس الحريري لايزال يسير نائحا حزينا وهو يمر بي لأتأبط ذراعه وأردد معه بحزن فاجع بيروت عم تبكي مكسور خاطرها. ولكن بيروت لا تبكي فقط ولكنها تئن وتولول في وسط دهشة أهلها وفزعهم وفي وسط دهشتنا جميعا نحن من نرقب لغة الصورة في حجرات معيشتنا غير مصدقين ما يحدث !! حتى ليخيل لي للحظات أن ما أراه كابوسا مفجعا لن ألبث أن استيقظ منه وأنا أربت على كتف لبنان مطمئنة روعها قائلة لها أن ما يحدث لا يعدو أن يكون حلما بشعا ستستيقظين منه وأنت تلفين ذراعيك حول ابنائك وحول عشاقك في كل ارجاء الوطن العربي مهدهدة خوفهم محتوية رعبهم وقلقهم مؤكدة لهم أن لبنان لا يزال بخير وأن نفحات الحياة لا تزال تملأ رئتيه !!
ولكن ما يحدث ليس كابوسا بل حقيقة بشعة تقول أن هناك أيدي خفية تتواطأ لتحطم هذا البلد الجميل وتدمر بناه التحتية واقتصاده وانجازاته وتهدر عرق أهله وجهدهم في تعميره بعد أن استنزفته الحروب الأهلية واستهدفته القوى الاقليمية واجتاحته اسرائيل بقضها وقضيضها عام 1982فتحول إلى ساحة للدمار ومسرحا للصراعات إلى أن قدر له أن يلتقط أنفاسه ويعاود مسيرته . وما أشبه اليوم بالبارحة وكأني بمن شهد مامر به لبنان آنذاك يفرك عينيه اليوم ليتأكد أن ذاكرته لا تنقله إلى أعتاب الماضي وويلاته بل تعيش معه الحاضر بنكباته !! وكأن هذا البلد الصغير الصامد في وجه الحروب والمتلظي بنير حرائقها والمتطلع بشوق وتوق لنفحات الحرية ونسمات الديموقراطية وإلى تحقيق سيادته وحريته يستفز الأحقاد ويأجج الغيرة ويحرك المخاوف من انتقال عدوى الحرية إلى مسارب الجيران ومنافذهم !! فلا بد أن يقضى على أحلامه في مهدها وأن يقصص ريشها قبل أن ترى النور !!
ولا أظن أن تاريخنا العربي قد مر بفترة أكثر ادلهماما وسوادا وظلمة وحيرة من التي نتلظى بجمر نارها في هذه الفترة فالعراق يحترق وفلسطين يتمزق ولبنان يقصف والاخوة يتصارعون وابناء العمومة يتقاتلون والتطرف والارهاب يجثم بأنفاسه الثقيلة فوق صدورنا والأنظمة المتسلطة تزيد من احكام قبضتها حول عنق الانسان العربي وهو يدور حول نفسه غير قادر على قشع الصورة ولا على رؤية ملامحها وتفاصيلها !! ورغم قسوة النكبات التي مررنا بها ورغم بشاعة تفاصيلها من قبل إلا أنني أجد أن لجة الظلمات التي تحيط بنا من كل جانب في وقتنا الحالي لم يسبق لها مثيل في تاريخنا الحافل بالمصائب وكأني بالحيرة وعدم القدرة على استيعاب ما يحدث تلف مجتمعاتنا من رأسها حتى أخمص قدميها ، ولا تفرق بين مثقفينا وبين رجل الشارع البسيط فالجميع يقفون فاغري الأفواه غير قادرين على اجلاء الصورة !! وبينما ترتفع أصوات المزايدة على العروبة والدين والمحتفية بسماع قتل جندي اسرائيلي هنا أو أسر آخر هناك وبينما ترتفع أصوات التهليل والتكبير عند سماع نبأ سقوط صواريخ على حيفا أو احدى المدن الاسرائلية، يخفت صوت الانسان اللبناني المنكوب وأخيه الفلسطيني المكلوم وتتلاشى نبراتهم وكأني بتلك الأصوات المشلوحة وقد كممت والتصقت بحناجر أصحابها الشائخة ، فصمتت عن الكلام المباح والانين المجروح تاركة الميدان لعبث المزايدين وصراخ المتحمسين .. وأمجاد يا عرب أمجاد !!
وانطلقت أصوات تقول إن لم تكن معي فأنت ضدي وإن لم تكن من هذا المعسكر فلا بد أن تكون من ذاك !! وإذا ما رفضت الممارسات الإسرائلية والسياسة الأمريكية الواقفة بظلم وعنجهية خلف اسرائيل فلا بد أن ترتمي في أحضان الاحزاب المسيسة والتي لا تعبأ بمعاناة الانسان ولا تسمع صوت أنينه !! وبالمقابل إذا رفضت حزب الله والقوى الاقليمية الواقفة ورائه ، وإن لم تكن مع استلام الأحزاب المؤدلجة السلطة وانفرادها بقرارات لا تتعاطى من الواقع وشروطه و تجر على أوطانها وأهلها الويلات والبلاء والخراب فلا بد أن تصنف في الفسطاط الآخر ولابد أن ترمى في وجهك تهم الخوانة والعمالة !! وكأنه لا يجوز أن نرفض هذه الأحزاب المتأسلمة والغارقة في ظلمات الأدلجة ونرفض في نفس الوقت أمريكا واسرائيل وما تقومان به من بشاعات وانتهاكات .. فإما التلظي بين نيران العدو أو الغرق في جهنم التطرف والتأخر والرجعية والظلام ؟!!
وهنا لا نستطيع إلا أن ندير أصابع الاتهام نحو المسؤول الحقيقي عن رمينا في براثن هذه الظلمات وهو سياسة أمريكا - ومن تبع تبعها- المجحفة والظالمة والتي تساهم بوضعنا بين خيارين أحلاهما مر في كل القضايا الجوهرية في حياتنا فعلينا أن نختار بين الاحتلال الغاشم أو الأنظمة القمعية ؟ الأحزاب المؤدلجة أم العدو الاسرائيلي ؟ الدفاع عن الديكتاتورية والمنافحة عن المستبدين أم الانبطاح لأمريكا والغرب والارتماء في أحضانهم !! وأنا اتساءل مع القراء الكرام ألا يمكن اجتراح طريق وسط ينتهجه من يرى أن صوت الإنسان هو الصوت الأهم في هذه المعزوفة العبثية وأنه يتحتم أن ننظر إلى معاناته وعذاباته قبل أن ننظر إلى أي أمر آخر ؟! وألا يوجد طريق نرفض به الظلم الواقع سواء كان من العدو البعيد أم من الأخ القريب ؟! أو ليست الهوة التي بيننا وبين عدونا الاسرائيلي هوة حضارية قبل كل شيء يتحتم علينا ردمها بالحداثة والعلم والمعرفة ومراكز الأبحاث والتنمية والاستثمار في الانسان ؟! أوليس الانسان هو الأهم والتي جاءت الافكار المقدسة لخدمته والسعي إلى تحقيق حياة أفضل له ؟!
بيروت عم تبكي وأهلها محاصرون في عقر دارهم دون غذاء أو أدوية أومحروقات وقريبا سينفذ مخزونهم والمجتمع الدولي يديركتفيه لهم غير عابيء بمعاناتهم ، وأمريكا تقول أن من حق اسرائيل أن تدافع عن نفسها وأن تأخذ لبنان بأسره بجريرة حزب الله دون أن تهتم بالضحايا الأبرياء ولا بوطنهم وهو يتمزق أمام أعينهم .. ويهلل المزايدون على العروبة والدين ويفرحون بسقوط صاروخ على اسرائيل أو بأسر جندي هنا أو قتل جندي هناك !! وبينما يحكم منطق القوة والعنجهية ويعلو صوت أمجاد يا عرب أمجاد على الضفة المقابلة ، يخفت صوت الانسان ويعبث العابثون ويلهو اللاهون والقيامة لا تقوم !!



#أمل_زاهد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من المسؤول عن تشوية الصورة ؟!!
- وهم الخصوصية !!!


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أمل زاهد - بيروت عم تبكي !!