عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1618 - 2006 / 7 / 21 - 10:11
المحور:
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
هل الذي يجري في لبنان حدث بفعل الصدفة ؟ وهل الطائفية في لبنان أخذت هذا البعد الطائفي هكذا ! لأنهم ينتمون إلى طوائف ؟ ويظل السؤال الكبير هو هل الدين هو مصدر الشرور في العالم ؟ أم أن المفهوم الديني الذي يحمل في طياته كل هذا الخراب الذي لحق بالبشرية , عبر هذا التاريخ الطويل المحمل بالآلام 0 وإذا كان ذلك صحيحاً كيف تستطيع أن تجعل الدين يحمل المحبة في قِيَمِهِ؟ وهل الدين حاجة لابدّ منها كقيم يحتاجها الإنسان ؟ أم أن الإنسان لم يَخْـلق بعد القيم البديلة ؟ أي لم يتطور بالشكل الكافي لخلق دينه الجديد 0 ثم أمام هذا الإغراء الهائل للمال والسلطان , وما يترتب عليهما من تمكن الإنسان من الوصول إلى غايات تجعله يفرض سطوته وهيمنته على الآخر , أقول هل هذا هوالحل الوحيد الذي يرتقي به إلى أن يصبح صاحب القرار بالشكل الذي يريد , أم أن سلطته وسطوته في المنزلة الدينية تكون أكثر فائدة ونفعاً ؟ ثم إذا كان الدين ديناً لماذا لم يخلق بعد ما يريده الله من البشر في تحقيق العدالة , أو بعض شروط إنسانية الإنسان على الأرض , أم أن التناقض في جوهر الأديان هو الذي يجعل كل دين يناقض الآخر , ويظل كل دين هو الحقيقة التي لا تقبل الدين الآخر , أم أن الآخر لا يقبل دين الآخر المختلف , ويستمر الصراع بين البشر , وإذا كان الأمر كذلك , يظل السؤال الذي لا أحد يجيب عليه وهو هل الدين اقتصاداً فقط ؟ وبالتالي ربح وخسارة تستخدم السياسة من أجل الوصول إلى النفوذ الاقتصادي بكافة أشكاله , الاقتصاد السياسي , والاقتصاد البشري , والاقتصاد الجغرافي , والاقتصاد الفكري , والاقتصاد الأدبي , ويصبح كل شيء هو أنماط مختلفة من الاقتصاد الديني , ومحركه الجوهري الاقتصاد السياسي , إذن في هذه الحالة يحق لنا أن نقلب مقولة ماركس لكي تمشي على قدمين ونقول : هل الاقتصاد أفيون الشعوب ؟ إذ أن المحرك الجوهري للدين هو الاقتصاد , إذ أن كل أصحاب الأديان يؤمنون أن هناك إله واحد هو الله , أو من يوصل إلى الله عند الأديان الأخرى , خارج الرسل التي أنزل الله , وبما أن الاقتصاد هو الرب الذي يحرك الجميع , حتى الذين هم أكثر تطرفاً وإدعاءاً إيمانياً , فالمال يشتري الذمم , ويفرق الأهل والأحبة , وباسمه ومن أجله سُفكت مليارات الأرواح البشرية عبر التاريخ , ولا زالت الجغرافيا أحد مصادر المال وأهمها عند المجتمعات , وهي من أهم مصادر النزاعات عند البشر , وأكثر الويلات دموية جرت بسببها , ويظل السؤال ما هي العلاقة بين الجغرافيا والأديان ؟ مثلا ً الديانة اليهودية, والديانة المسيحية , والديانة الإسلامية , وكثير غيرهن من الديانات ظهرت في بقعة جغرافية محدودة من العالم , مصر – فلسطين – الجزيرة العربية , هل هذه البلاد هي محببة إلى الله لكي يبعث بكتبه ورسله إليها , وإليها فقط , أم أن جغرافيا هذه المنطقة حَتّمت ذلك , واستمر ولا زال يستمر جريان الدم على هذه الأرض , صراع بين اليهود والمسيحين , ومن ثم صراع بين الإسلام واليهودية , وصراع إسلامي مسيحي , وصراع إسلامي – زرادشتي , وهكذا يستمر الصراع بين كل هذه الأديان الثلاثة , والآن بعد الظهور القومي للدين ( الفارسي – أهورامزدا) يصبح الصراع بين أربعة أديان , وهذا الصراع عنيف ولا رحمة فيه , وربما يتحول إلى صراع إبادة جماعية وحتماً سينتصر في النهاية الدين الذي سيده المال , أي الفئة الدينية التي تتحكم بالقدرة الفائقة للرأسمال المالي , والسؤال هو متى يأتي زمن تتخلص البشرية فيه من ( أهرمان ) روح الشر , الذي هو موجود في كل مكان , وكلما طغى المال وصار رباً , طغت روح الشر على أسياد المال , وصار المال إخطبوط له أذرع حديدية تقذف الأذى على الناس جميعاً , وتستمر العلاقة الجدلية بين سلطان المال , وسلطة الدين الذي يغلف نفسه برياء السياسة , التي أصبحت في العصور الأخيرة من التاريخ , لها قدمين من نار , وبدأت السياسة تساند جبروت المال وتوجهه إلى منابع الشر , مستخدمة ومستغلة الدين كل الاستغلال , ويظل ودائماً وقودها الناس من سذج القوم , وضحايا المال , ويظل أسياد المال المهووسون بالشر منهم , يتصيدون جرذان الوهم , ويخرجونهم من جحورهم التي صنعوها لهم , عندما تتناقض المصالح فيما بينهم , أما ضحايا هذا العالم الأهبل المملوء بالشرور فهم : أخلاقيوا الفكر وصنّاع المعرفة , اللذين لاينتمون إلى المال ولا إلى الجهال , وتظل الطبيعة الجغرافية بكل مقدساتها مهانة , من أرباب الحروب 0 والسؤال هو هل الدين هو الذي فرق العالم وأضحى مقدساً يتحاربون من أجله ؟ أم أن الطبيعة البشرية لا تريد رباً واحداً , وبالتالي تعدد الآلهة يشكل شيئا من الحل ؟ أم أن الطبيعة البشرية تتنافى مع المفاهيم الموحدة والمشتركة حتى لو كان ذلك إلهاً واحداً ؟ أم أن المال بتناقضاته وماديته وروح الاستغلال الكامنة فيه خلق ويخلق كل هذه الشرور ؟ أم أن الإنسان بكل مفاهيمه وقيمه وقدراته على التحليل كان أصغر بكثير من أن يفهم جوهر الدين, وقدرة الرسل على فهم الحكمة الربانية من جهة , وتأمين مصالحه وإندماجها مع إرادة الدين الذي بشر به الرسل بالإنابة عن الإله الواحد0ويظل السؤال الأكثر غموضاً , طالما أن الرسل أي رسل جاؤوا بمفاهيم تكاد أن تكون محددة , وذات مضامين متشابهة في الجذور الإيمانية , لما اختلف الدين الواحد ؟ فأصبح الدين اليهودي مجاميع من الأديان , والديانة المسيحية متعددة المفاهيم 0 وكذلك الدين الإسلامي بالمثل , أما الديانة الزرادشتية فأصبحت بمعضمها ديانة ( حسينية ) ذات جذر زرادشتي وهكذا المسألة على بقية الأديان, غير المذكورة في البحث , ويظل البحث عن التماثل بين الأديان وهماً , والمقدس عند جميع الأطراف مقدساً فئوياً , تجره المصالح بعيداً عن الرب , ويظل الرأسمال المالي بقدرته الجبارة واستغلاله الفتاك وتأثيره الخارق لأعماق الكائن حد النخاع , هو الوحيد السيد المطلق , ومجرِداً الإنسان من روحانياته العظيمة , قاذفاً به في نيران الشر المميت , ويظل أسياد المال لا يطربهم إلا صوت المدافع والرصاص , ولا يتلذذون إلا بحريق جماجم الأطفال , وعويل النساء , وما محرقة بيروت إلا واحدة من سيمفونيات الدمار التي لاتشبع نهم تجار الحروب , والساسة من الدهماء , المؤتمرين بأوامر أسيادهم اللذين يتجاوزون ودائماً حدود الأوطان , فهل يأتي زمن يُعقلن البشر , ويجدون لهم رباً غير المال , وهذا سؤال كبير أضعه بين أيدي اللذين يبحثون عن خلاص البشرية , أما اللذين يريدون جواباً لما يجري في لبنان , فإنني أتوقع أن الذي يجري سيغير خارطة المنطقة الجيو سياسية , وبالتالي الجيو اقتصادية , ويظل السؤال إلى متى يظل الدين خادماً للسياسة ؟ والضد صحيح , وأن جميع الأسئلة التي يطرحها المفكرون والكتاب وما نقرأ الآن هي ما دون مفهوم الحرب الجارية بين لبنان وحزب الله , ويظل السؤال الذي لم يجد بعد الجواب الشافي , لماذا تدمر لبنان ؟ ولماذا يرخص الدم في هذه المنطقة من العالم , وما هو ذنب الأطفال اللذين يقتلون , في بيروت وفي بغداد ؟ هل السبب هو صراع الدين مع الدين ؟ أم صراع السياسة مع السياسة ؟ أم صراع المال مع المال ؟ أم كل هؤلاء اجتمعن معاً من أجل دمار الإنسان؟
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟