أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - عائدٌ إلى دير ياسين















المزيد.....

عائدٌ إلى دير ياسين


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 6783 - 2021 / 1 / 9 - 14:45
المحور: الادب والفن
    


هذا العنوان عنوان مجموعة قصصية صدرت مؤخراً في عمان للشاعروالروائي والمترجم بسام أبوغزالة،العنوان يضيء حلمه الدائم بالعودة إلى فلسطين؛ حلم يتحدث عنه في أحاديثه العادية،ويدفع به أشرعته على مدار أيامه في منافي الشتات.
قرأت لأحد الفلاسفة أن الأحلام من أهم خصائل الإنسان،تخرج من عميق نفوسنا وتختلج ظلالها في حياتنا ويمكن بالعمل الدؤوب تحويلها إلى واقع في ركام الأيام، وها هو بسام أبو غزالة يحول أحلامه في العودة إلى حروف مقروئةعلى مستوى السرد، يثبتها في رباط متين من التتابع في مجموعته القصصية، ويؤكد أن حلم العودة لا يموت بموت الأجداد والأباء،بل ينقل للأحفاد ويصبح قرين ذاتهم ويتجلى في كل لحظة من لحظات حياتهم.
المجموعة القصصية التي أنا بصدد تعريف القراء بها هي من نتاج أحلام المؤلف بالعودة،إنها تمس تسع قصص هي عدد قصص المجموعة ، وسوف أحصر التعريف فقط بالقصة التي تحمل عنوان المجموعة،وذلك لضيق الحيز الذي تحدده الصحف لمثل هذه المقالات، ولأن القصة المختارة فيها دلالات منظورة تجسد حالة وعي تام بالاحساس بالعودة والاغتراب والقلق.
تتشابك في القصة موضوع البحث مجموعة من الشخوص قدمهم المؤلف في طقوص خاصة بهم،لا يرتوون من الحديث عن الوطن قبل النكبة،تطول أحاديثم وتختلط بأحداث النكبة والنكسة وأصواتهم تئز كالهيب وهم يتذكرون الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء الوطن،يُقوي حنينهم للوطن أحاديث الكبار منهم ممن عاشوافي قراهم ومدنهم قبل 48، كانت لديهم القدرة على استدعاء الأحداث من ذاكرتهم أكثر من غيرهم.
شخوص القصة يقيمون في مخيم البقعة قرب عمان، لكل منهم طريقته في اقتفاء أثر الماضي؛يقربهم المؤلف من الحقيقة ويحررهم من الخيال عندما يريد ويقدمهم بتأثير واضح على عواطف ومدارك القارئ ويجعله يستسلم لما في القصة من أحداث بمحض إرادته،وهذا هو بيت القصيد في ألأعمال الإبداعية بأن يُدخل المؤلف القارئ بين شخوصه يتاعامل معهم وهو يقرأ ما يقولونه وكأنه منهم.
أتقن المؤلف في إعطاء صورة بانورامية لمخيم البقعة، وهو يدبج أحاديث شخوصه ربطها بخيوط محكمة الأوصال، شدها وأظهرها برؤى واضحة ومقنعة تحاكي تفاصيل التغريبة الفلسطينية بكل تشكيلات الزمن الراهن والذي مضى،وتحافظ أيضاً على اتساق المشاهد من حيث الدلالة والمعنى في كل المجالات.
أظهر المؤلف قدرة عالية في التحليق بمهارة في الشأن الفلسطيني،وتمكن في نصه السردي أن يعكس الماضي في مرآة الحاضر،يضعها أمام القارئ، ويدخله في مسارات كثيرة ينسى فيها نفسه وهو يجول بين القرى والمدن الفلسطينية والأغوار ونهر الشريعة الفاصل ما بين الضفتين.
قصة عائد إلى دير ياسين متعددة الأقطاب مليئة بالاسماء تنقل بهم المؤلف من دير ياسين وقرى أخرى غيرها إلى طولكرثم إلى مخيم البقعة، عبر بهم عبوراً هادئاً بحبكة متمرسة وتركيبة بنائية مشوقة يظهر فيها الجد كبير المخيم الذي عاش مجزرة دير ياسين وهو يصور ما جرى بلوحات ناطقة يسمعها أولاده وأحفاده وجيرانه وكل سكان المخيم. هذا الجد الواعي على هذه الأحداث من دير ياسين يكثر الحديث عن المجزرة كان صغيراً عند حدوثها ،تفننت العصابات الصهيونية في مختلف أشكال القتل، نجا قلة من أهل القرية فروا حفاة في هدأة الظلام واستقروا في الضفة الغربية ، ثم رُحلوا ثانية في عام 67 إلى الضفة الشرقية.
نجح المؤلف في إعطاء الجد كبير المخيم الصدارة، وقدم أحاديثه بنبض عال ٍخاصة حلمه بالعودة إلى دير ياسين،جعل صوته يشق سكون المخيم، إنه بطله الذي يتشابك حوله كل الشخوص بما فيهم حفيده فارس الذي كان يتقن سماع جده ويغوص تحت عباءته عندما ينوي الخروج من البيت،يسجل أحاديث جده في ذاكرته بأحرف نافرة، ويعتبرها الحقيقة الأهم التي تربطه بالعالم المحيط،خاصة العودة التي يريد أن يساهم في تحقيقها في قادم الأيام.
لا يقف المؤلف عند سرده على توالي الأحداث بل يعرض أرائه في الإختلاف والتقارب في أقوال شخوصه بحنكة ودراية،وهم كثر وزعهم على اتساع مخيم البقعة يستطيع القارئ سماع أصواتهم ويشعر بهم وهم يتجولون ويجلسون في مقاهي المخيم ويرى كبيرهم برأي عين وهو ينتقد الدول العربية التي لم تف بوعودها وتركت شعبه في براثن الصهاينة لا يساعده أحد.
بقيت أحوال المخيم على ما هي عليه عدة سنوات، وذات يوم دب في براكياته نبض الفرح مع إطلالة أول فدائي، كان يرخي بارودته على ظهره رأوا في عينه شيئ من وهج، بدأ أهل المخيم بالرقص على اتساع دائرة دبكة واسعة شارك فيها الجميع بما فيهم الجد الأكبر، كانت الأرض ترج خوفاً من أقدامهم،ويطرقون بأغانيهم أبواب الفضاء، حتى الصغير فارس كان يلوح بعصا جده ويشارك بالغناء على إيقاع شبابة من قصب الخيزران.
فرحوا بحاملي البنادق من الفدائيين، شعروا أن سيوفهم لا تُفل قادرة على كسر الصخر،كانوا يحدقون في عيونهم ويرون فيها طوق النجاة من الإغتراب، وان بهم سيتم التشكيل النهائي للعودة إلى أرض الأجداد.
بعد فترة من الزمن تهاوت راياتهم عند انجرافهم بالتجاوزات والأخطاء كانوا يطلقون الرصاص في الهواء لأتفه الأسباب ويزعجون سكان المخيم،كان كبيرهم يتمخترفي المخيم كالطاووس، ويدخن السيجار ويطرب لخشخشة الرصاص، يضرب يده اليمنى بيسراه وهو يصفق لجنوده الصغار.
هنا بدأت لحظة نقد هذه الممارسات الغريبة، صرخ الجد في وجوههم بأعلى صوته"فلسطين لا تسترد بالفوضى، والعودة إلى دير ياسين لا بد لها من مكرٍ وتخطيط، الطخطخة في الهواء لهوٌ ولعبٌ وليست حرباً،ولا بد من إدخار الرصاص لصدور الأعداء."
كانوا يضحكون عليه ويزيدون من الطخطخة في الهواءويعيد القول بأعلى صوته" في ال48 ضاعت فلسطين لأن سلاحنا وعتادنا كانا شحيحين،فيضحكون ويطلقون الرصاص في الهواء."
كان الجد رجلاً ذا رؤية لا تغريه الخطابات ولا يصفق للزعماء،وعندما رحل عن دنيانا، تحول إلى رمز لحفيده فارس، سار على خطاه وفق إيقاع أفكاره، وتجلت عنده الحاسة النقدية لممارسات النضال الخاطئة مع توالي الأحداث،وهزه المقطع الآخير ألذي أطفأت فيه قناديل
النضال.
إتكأ فارس على موروث جده وخاصة حلمه في العودة إلى دير ياسين، وقرر أن ينزع عن نفسه كل شارات التردد وعليه أن يتجه صوب الضفة الغربية،وهذا يستدعي عبوره نهر الشريعة بالخفاء،وقد بدأ مساره إلى الأغوار وفق رؤية يخالط فيها التوجسَ أملٌ يلوح من بعيد في أنه سينجح في العبور إلى الجهة الأخرى من النهر.
وبالفعل نجح بالعبور بمساعدة شاب غوراني،وسرعان ما وجد نفسه يخطو على تراب الوطن بين الحقول، بقي على هذا الحال عدة أيام، وفي لحظة رأى بصيص أضواء مخيم عسكر قرب نابلس،وجد في هذه الصورة المؤثرة بدء تحقيق حلمه بالعودة إلى دير ياسين.
لم يضيع وقته أخذ يبحث عن بيت عمه أبي فادي، وجده ورحب به عمه وأولاده خير ترحيب، كانت عودته إلى دير ياسين معنىً مكرساً في حديثه مع قريبه فادي، ولفرط سيطرة هذا الحلم عليه قرر تنفيذه في أقرب وقت ممكن، لكن للأسف استشهد فادي تلقى في رأسه رصاصة من أحد المستوطنين، وقررفارس أن يثأر لابن عمه،تقدم لتنفيذ خطته لكن أذرع القدر تلقفته وتم استشهاده، وبقي حلمه بالعودة إلى دير ياسين حلمٌ حزين يسري نسغه في أعماقه حتى آخر لحظة في الحياة.
نجح المؤلف في نسج قصته بدراية فائقة لأنه يحمل في داخله قلباً ينبض بحب الوطن،يرى ذاته المنظورة فيه، ويبشر دوماً بحيوات تتخلق في باطن أرضه إثماراً وإزهاراً



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المستعربة الإسبانية كارمن رويث برافو عاشقة اللغة العربية
- مقتنياتي التراثية
- أيام الكورونا لا تُنسى
- صدى أيام مضت ... استذكارات في زمن الكورونا
- انطونيو التلحمي رفيق تشي جيفارا
- الألم الفلسطيني في أعمال إميل حبيبي
- تَصَالَحُوا
- تغريبة شعب في بلده
- كَذِبٌ
- لوركا
- البحث عن قصيدة منسية
- الفكر العقلاني عند العرب: ابن رشد أنموذجاً
- رسالة الغفران لأبي العلاء المعري بعيون اسبانية
- فلسطينية تمتلك ثلاثة متاحف خاصة في قرطبة
- أيام في كوبا
- مرحلة التقاعد بداية حياة جديدة
- خوسيه ميغيل بويرتا وعلم الجمال عند العرب
- رواية العشق المر
- المناضل نجاتي صدقي بعيون إسبانية
- محمود صبح قنطرة وصل بين الإسبان والعر ب


المزيد.....




- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
- 77 دار نشر ونحو 600 ضيف في معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - عائدٌ إلى دير ياسين