|
التعريف بإسرائيل
الفضل شلق
الحوار المتمدن-العدد: 6782 - 2021 / 1 / 8 - 09:43
المحور:
القضية الفلسطينية
الصهيونية حركة عالمية. حولت اليهودية الى دين سياسي. قراءتها لكتابها المقدس حرفية. تعتبر أن اليهود على عهد مع الله. منحهم أرض فلسطين. وجعلهم شعب الله المختار. فكأنه أمين سجل عقاري وأمين نفوس في آن واحد. جعلوا من دينهم حزباً سياسياً. ذلك بعد مؤتمر تأسيسي في العقد الأخير من القرن التاسع عشر في أوروبا. الوعد الحقيقي كان في عام 1915. جاء من الدولة الامبريالية الكبرى في ذلك الحين. أعطاهم الوعد بلفور لقاء سر صناعة الأستون، وهو مادة كيماوية تدخل في صناعة المتفجرات. السر كان اكتشفه العالم الكيماوي حاييم وايزمان، الذي جعلوا منه أول رئيس جمهورية في عام 1948. عرضوا المنصب قبل ذلك على اينشتاين، فرفض رغم أنه كان يهودياً.
أسسوا في مطلع القرن العشرين ما يعرف بالوكالة اليهودية لشراء الأرض في فلسطين، التي يعتبرونها وهماً أرض الميعاد. ولا إثبات تاريخيا أو أركيولوجياً على ذلك. بعض الكتّاب، ومنهم يهود، اعتبروا أن اليهود لم يكونوا يوماً في فلسطين، إذ لا أثار تدل على ذلك. جاؤوا من مكان آخر، كما قال المؤرخ الشهير المرحوم كمال صليبي في كتابه “اليهود جاؤوا من هناك”.
قاومهم الفلسطينيون والعرب سنوات طويلة في القرن العشرين. أشهر أحداث تلك المقاومة كان إضراب دام ثلاث سنوات، 1926-1929. ما مر يوم في تاريخ الصراع إلا وكان الصهاينة معتمدين على المؤازرة بالمال والسلاح من دولة استعمارية كبرى: بريطانيا، ثم فرنسا، ثم الولايات المتحدة. دائما كانوا، وما زالوا، ينقلون ولاءهم للدولة الامبريالية الأقوى. وهي الآن الولايات المتحدة.
عرضت عليهم أمكنة عدة لقيام دولتهم في العالم. رفضوا كل ما عرض عليهم في آسيا وأفريقيا، ألا فلسطين. عندما نشبت حرب 1948 كانوا يملكون أقل من ستة بالمئة من الأرض. انتصروا في تلك الحرب ضد العرب لأنهم كانوا الأقوى عسكريا وأكثر تنظيماً. كانت معظم الدول العربية المهاجمة إما تحت الاستعمار أو خارجة للتو منه. أول من اعترف بهم الاتحاد السوفياتي ثم الولايات المتحدة. أسسوا دولتهم على قتل وتشريد الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضهم. أجروا العديد من المذابح في القرى والبلدات الفلسطينية لإرهاب العرب وإخراج الفلسطينيين من أرضهم (على أمل العودة قريباً).
الوكالة اليهودية كانت تنظيما موازياً للدولة الحاكمة في فلسطين وهي بريطانيا. منذ قيام دولتهم خالفوا قرارات الأمم المتحدة بالتقسيم. وما زالوا يخالفونها ويقضمون الأرض الفلسطينية تدريجياً. لا يهمهم ما يُسمى القانون الدولي. مرجعيتهم الوحيدة كتابهم المقدس؛ وهو ليس كتاب تاريخ.
ايديولوجيا دينية لا تعترف بالتاريخ. وإذا تحدثوا عن التاريخ فهم لا يتعرفون إلا على روايتهم له. هم واحد من الأديان الإبراهيمية الثلاثة. قصصهم في التوراة أخذ الكثير منها أتباع الدينين الإبراهيميين الآخرين.
مثل كل أصولية دينية لا يعتبرون التاريخ الموضوعي الذي تفيد كتابته الدراسات الموضوعية. هم في نظر أنفسهم شعب الله المختار. عهدهم مع الله أعطاهم عصمة ليست لغيرهم، في نظرهم.
أصوليتهم تشبه الأصوليات الأخرى. في كل دين أصولية لا تعترف بالتاريخ. نظرية الأصل تطغى على ما عداها. الأصل هو في نظرهم ما يزوّدهم بالتفوّق. الشعور بالتفوّق يقود الى العنصرية. يمارسون الأبارتايد في فلسطين المحتلة. يعتبرون الآخر أقل استحقاقاً بالوجود؛ هذا إذا اعترفوا بالآخر. يتظاهرون بالضعف نتيجة ما أصابهم في أوروبا من اضطهاد، وهم الآن أقلية وسط بحر عربي يتألف من أكثرية حاقدة. يراكمون السلاح. هو في معظمه أميركي. المفاعل النووي قام بمساعدة فرنسا. يملكون السلاح النووي. هم وحدهم من بين الدول المجاورة. يعتبرون حسب جابوتنسكي، الأب الروحي لنتنياهو، أن العرب لا يُواجَهوا إلا بالحديد والنار. حربهم ضد العرب متصلة.
ينتصرون بالمال والسلاح والتنظيم. جيشهم هو من أكثر الجيوش انتظاماً في العالم. أصوليتهم أدت بهم الى استخدام العنف ضد أعدائهم في الداخل والخارج. يجيدون تكنولوجيا الحرب. يخلقون أسباب الحرب لانتهازها. يتصرفون باستعلاء تجاه الغير، على عكس من الضعف والمسكنة اللتين يتبجحون بهما. الأصولية المسيحية (خاصة جناح كبير من البروتستانتية) تدعمهم دعما مطلقاً. وتسمي نفسها صهيونية مسيحية. ربما اعتقدوا أنه في الخفاء هناك أصولية إسلامية تؤيدهم. التطبيع مع دول عربية يخرج ذلك الى العلن. برر دعاتهم التطبيع بالأصول الإبراهيمية. كل نظرية حول الأصول تصل بنا تاريخياً الى أصول وهمية. القصص التوراتية معظمها من أساطير سومر. كل دين إبراهيمي آخر أخذ عنهم قصتهم التوراتية وتبناها.
المشروع الصهيوني لم يتوقف في ضم الأرض وقضمها. يطبق هذا أو ذاك حسب الظروف المتغيرة زمانياً ومكانياً. يعتبرون أنهم من خلال التطبيع سوف يصلون بالهيمنة الى حنايا الوعي العربي والثقافة العربية. سيكون ذلك صعباً عليهم، وإن لم يكن مستحيلاً. همهم مصادرة الثقافة العربية. همنا إصلاح الثقافة العربية. سيفشلون وسوف يمتنع العرب عليهم كما امتنعوا على غيرهم عبر التاريخ. لم يبحث أحد حتى الآن فيما إذا كان التطبيع سيقود الى ذوبانهم في البيئة العربية. الأرجح أنهم يريدون تدمير هذه البيئة لفتح المجال لهم. المنطقة لا تقبل أصولية من أي نوع، ولا صهيونية من أي نوع. حالة العرب الآن لا تبشر بالخير. لكن التاريخ يعلمنا أن الأمة مرت بظروف من هذا النوع، وأن التاريخ يسير باتجاه تأكيد العروبة لا غيرها. ينجحون ما دام البعض يعتبر فلسطين جوهر القضية العربية. يفشلون حين تصير الأمة واثقة من نفسها لتعتبر أن جوهر القضية العربية هو القضية العربية. يفعلون كل ما يستطيعون كي لا ينجز العرب إصلاح ذاتهم وبناء مجتمعات متماسكة ستكون الأقليات فيها محترمة وذات حقوق لا يختلف أفرادها عن بقية العرب. العروبة معتادة على التعددية. لم تُمنع العروبة من أن تحوي أكراداً عربا مثلاً. إذا ما ارتضى اليهود أن يكونوا يهودا عرباً فلن يكون لهم مكانا في بلادنا. ربما رحلوا أو رحل معظمهم. مشروع تجاهل التاريخ يزول باستمرار التاريخ. خاصة وأن إصلاح المجتمعات العربية لن يكون بالاعتماد على الماضي بل على المستقبل، لا على الأصول بل على المصير وعلى المستقبل. الهوية مصير أكثر منها أصل. يدمرون هم وغيرهم الهوية العربية. يحاولون ذلك. وهو أمر مستعص أو مستحيل بوجود اللغة العربية. إذا صارت اللغة العربية لهجتهم المحكية فقد انتهوا.
اختاروا المواجهة الثقافية (الى جانب الحرب)، وفي ذلك سيكون حتف ثقافتهم. ذلك سيضعهم أمام خيارات صعبة. أن يكونوا في المنطقة وخارجها فذلك أمر مستحيل.
العرب ليسوا ذوي أصل واحد. علم الأنساب لا يحدد من هم العرب الآن. مقتضيات الدمج والاستيعاب تحدد ذلك في قطر عربي. كل مجتمع يرفض الاستيعاب والدمج في العروبة لن يكون مصيره النجاح. كل مشروع لا ينسجم مع مقتضيات التاريخ سوف يفشل. هذا ما سيكون مصيرهم. وسيكون مصير سلاحهم النووي.
#الفضل_شلق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصحوة الدينية – نصف قرن من الدمار والانهيار
-
خواء العقل – الاستبداد السياسي والديني
-
العقل البشري بين البقاء والدمار في ظل الرأسمالية
-
آن للرأسمالية أن ترحل، صارت خطراً على الوجود البشري
-
الكورونا تُعري شيخوخة النظام العالمي
-
لبنان الى متاهات ألفية
-
الدين المدني شرط الدولة المدنية
-
الظاهر والكامن في القول بعدم الاختلاف الايديولوجي مع اسرائيل
-
جريمة فرنسا ارتكبها وعي إسلامي
-
التطبيع والثقافة
-
كيف صودر زمننا وكيف شلت إرادتنا
-
تحولات الهوية في لبنان – لا نحو قومية لبنانية ولا قومية عربي
...
-
الطائفية وتداعياتها
-
بيع فلسطين دون مقابل
-
نهاية حروب التحرر الوطني ومعناها
-
فلسطين في الوجدان العربي
-
في معاقبة العاصمة بيروت الكوزموبوليتية
-
الجائحة وقضيتها الأخلاقية
-
إرهاب تمارسه السلطة على المجتمع
-
كارثة تدمير الدولة والمجتمع
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|