نجم خطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1617 - 2006 / 7 / 20 - 11:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان, والقصف المتكرر لمناطقه السكانية, وتخريب بنيته التحتية, ومحاولة تخويف شعبه, بدعوات مكشوفة لترك مناطق برمتها كالجنوب اللبناني, تتصاعد في كل مناطق العالم مواقف التنديد والاستنكار لهذه الجرائم ولمرتكبيها .
وسوية مع مواقف الشجب والتنديد للعدوان الإسرائيلي, والتضامن مع الشعبين اللبناني والفلسطيني, نسمع أصواتا أخرى تدلوا بدلوها منددة بحزب الله تارة , باعتباره واجهة إيرانية , وتتهمه بافتعال المشكلة لحساب السياسة الإيرانية, ملقين اللوم أيضا على حماس وأطراف فلسطينية ولبنانية في افتعال الأزمة .
ويذهب البعض بعيدا بدعوات التشفي والمباركة , بحجة أن حماس تدعم الإرهاب في العراق, وأن حزب الله ليس له موقف واضح من القضية العراقية, وإلى آخره من دعوات . قبل الخوض في حوار مثل هذه الأفكار, يفترض بمن يدعي التقدمية والوطنية أن يدرك أن أحد أسباب السخط الشعبي ضد السياسة الأمريكية في المنطقة هو انحياز هذه السياسة التام للطرف الإسرائيلي , وعدم مساندتها الفعلية لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته. دعك عن الدعم الذي قدمته ولازالت للكثير من الأنظمة الغير ديمقراطية والمتخلفة في مواقفها من قضية حرية الإنسان والديمقراطية عموما. مضافا لكل ذلك, الإرث الغير طيب لمواقف أمريكا وغيرها من قضايا تحرر الشعوب وانعتاقها وفي مناطق متعددة من العالم .
هذا المدخل يجعلنا ندرك أن هناك تشابكا في مواقف الشعوب العربية من قضية العراق , وعدم دعمهم وتأييدهم للتحولات التي جرت بعد الإطاحة بنظام صدام الديكتاتوري . إن دخول أمريكا على الخط , وإصرارها على خوض الحرب منفردة لإسقاط نظام صدام , واستبعادها لقوى المعارضة, جعل الناس تفكر بأن الذي يجري هو أجندة أمريكية للسيطرة والهيمنة . وسط هذا التفكير تكاد الصورة الأخرى قد غيبت تماما, أي صورة السنوات الطويلة لكفاح الشعب العراقي المرير ضد حكم صدام , من أجل الحرية والتحرر والديمقراطية, وتشابكت الأجندة العراقية مع الأجندة الأمريكية .
وبما أن أمريكا بسياستها القديمة والحالية لم تكن صديقة لشعوب المنطقة , فهي بالتأكيد لن تلاقي الترحيب في مواقفها من قضية العراق . وصحت الفكرة التي تقول صديق عدوي عدوي أيضا, حيث صور الشعب العراقي بكونه صديقا للسياسة الأمريكية .
أعود للموضوع الذي بدأته . حيث من المعلوم للقاصي والداني ,إن مواقف حماس وباقي المنظمات الفلسطينية, وكذلك حزب الله والعديد من المنظمات والأحزاب , لم تكن ودية في دعم قضية التخلص من الدكتاتورية وإقامة النظام الديمقراطي في العراق . وقد بذلت القوى السياسية العراقية الكثير ولا زالت لتوضيح مواقف الشعب العراقي وتطلعاته لان يعيش في حرية وسلام . وقد استطاعت تحقيق بعض النجاح, على الأقل في تحييد بعض الجهات والأطراف .
من حق الناس في العراق الذين اكتووا بنار القمع والإرهاب في ظل حكم صدام ,أن يتألموا لهذه المواقف , ويدينوها ويطالبوا بمواقف أكثر إنصافا وواقعية تنصف المضطهدين , لا أن تتضامن مع القتلة والمجرمين الذين دمروا العراق ونهبوا ثرواته وغطسوه في الحروب والويلات, ولكن ليس لأحد الحق بالتشفي والفرح لقيام إسرائيل بغاراتها وعدوانها , ومهما كانت الأسباب والحجج .
إزاء مثل هذه المواقف , يجدر بنا أن نفكر مليا في فك التشابك بين قضيتنا العراقية والتداخلات التي تشابكت معها. وأن نبحث عن أنصار ومتضامين وأصدقاء مع قضيتنا, وأن لا يصيبنا الوهن والتعب في النتائج المحدودة لمثل هكذا جهد سيفلح في النهاية . أما دعوات التشفي من الآخر, بحجة ليذهب للشيطان لأنه لم يتضامن مع قضية العراق, فهي لن تخدم قضية الشعب العراقي أصلا, وتزيد من العداوة والتباعد والكره, وتبعدنا عن قوى شعبية هي حاليا بعيدة عنا في مواقفها ولكنها يمكن أن تكون قريبة في حالة تقدم مشروعنا الوطني الديمقراطي في العراق , وتحقيقه لمنجزات فعلية ملموسة , متزامنا مع أخذ الناس لأمورهم بنفسهم ودون الحاجة للأجنبي .
إن قضايا الشعوب تظل في الدوام بمعزل عن قضايا الحكام والأحزاب والمنظمات. ولا يمكن محاكمة شعب بحجة أن حزبا ما في وطن ذلك الشعب قد فعل ما لا يرضي الآخر . هناك حقائق يجب عدم نسيانها أيضا وهي أن إسرائيل لا زلت تحتل أراض فلسطينية , وتريد حلا للقضية الفلسطينية حسب مزاجها. وهي كذلك تحتل أراض سورية ولبنانية. دعك أن في سجونها الآلاف من المعتقلين والسجناء الفلسطينيين واللبنانيين , بحجة مقاومتهم لاحتلالها. كما أن الإدارة الأمريكية تحاول فرض مشروعها الشرق أوسطي بوسائل انتقائية ومنحازة , محاولة إقحام الرأسمالية والعولمة , والتنظير بكونها ستغير واقع البلدان, متناسين الحديث عن الملايين التي سيتم إفقارها , ولاعن سيطرة شركاتهم العملاقة , وجعل المنطقة سوقا رائجا لمنتجاتهم, ومسوقا دائما لمصادر الطاقة .
إن منطقة الحدود اللبنانية مع إسرائيل لم تهدأ يوما, وكانت متوترة على الدوام . وكان لها أن تحترق كما اليوم لأسباب عديدة , يبقى أبرزها بقاء القضية الفلسطينية دون حل , والتداخل التاريخي بين كفاح الشعب اللبناني والفلسطيني وتأثير ما يجري في لبنان بما يجري في غزة وغيرها , مع وجود الآلاف من الفلسطينيين في الأراضي اللبنانية . كما أن العلاقات بين حزب الله وسوريا وإيران , يجعله أردنا أم أبينا ليس بعيدا عن المواقف التي تتبناها هاتان الدولتان , وقد تؤثران أحيانا على بعض مواقفه . لقد لعبت التدخلات الإقليمية في شؤون الغير , وبالذات بين بلدان منطقتنا , وعبر سنوات طويلة , على إذكاء نيران الفتنة والحروب .
واليوم أيضا تتكرر نفس المأساة ,إذ ليس هناك حلا سحريا لمشاكل المنطقة , سوى أن يصوغ كل حزب أو منظمة سياسية برنامجه وسياسته حسب مصالح شعبه والدولة التي يتواجد فيها بالأساس , وأن يتجنب التدخل في شؤون الغير . ويصح هذا تماما على الدول نفسها في أن تبعد تفكيرها في التدخل في شؤون الدول الأخرى .
العراق اليوم مبتلى بمصيبة التدخلات الإقليمية من كل شكل ولون وسط كارثة أولئك الذين يريدون تصفية حساباتهم مع أمريكا في العراق , بأن يكون الثمن لهذا تدمير اقتصاد البلد وثرواته , وقتل عماله وأطفاله ( المحمودية,الكوفة ) .
لا أحد يمكنه القول للشعب الفلسطيني أن يوقف نضاله , بشرط استناده على قاعدة شعبية , وتجنبه لكل ما يفقده الكثير من الحلفاء في العالم , وان لا يكون هذا النضال مبعث للحروب والتوترات , وهذا لا يعني مطلقا التسليم للشروط الإسرائيلية .
أما الموقف من هذه المنظمة أو تلك , يبقى في النهاية موقف الشعب نفسه . وليس من حق إسرائيل أو أمريكا تدمير هذه المنظمة أو ذلك الحزب وفق أي حجج كانت . كما أن قضية تجريد حزب الله من سلاحه وتحويله إلى منظمة سياسية مدنية يبقى في النهاية بيد الشعب اللبناني وقواه الوطنية .
ومنظمة حماس إذا أرادت الاستمرار في السلطة , عليها أن تبحث عن إجماع سياسي شعبي فلسطيني في مواقفها من إسرائيل , ومن تطور القضية الفلسطينية لاحقا , وعدم الإصرار على برنامجها السياسي وحدها منفردة , والذي تثبت الأيام انه يواجه مشاكل وصعوبات حقيقية .
وكشعب عراقي, لم يناصرنا الفلسطينيون واللبنانيون اليوم ولأسباب عرجت على بعضها , ولكنهم ناصرونا في أيام غيرها . لقد تدرب على السلاح في لبنان مئات الشيوعيين والوطنيين العراقيين , وعادوا من هناك لمنازلة نظام صدام حسين في جبال وسهول كردستان ومناطق العراق الأخرى .
لقد قدمت المنظمات التقدمية والوطنية في لبنان وفلسطين الكثير من المال والسلاح لنصرة قضية الشعب العراقي . وقد قدمت سوريا , والمنظمات الفلسطينية , وإيران , الكثير من الدعم والمساعدة لقوى المعارضة العراقية وللشعب العراقي عموما . وكانت أراضي سوريا معبرا لعبور الآلاف من المقاتلين الذين قاتلوا صدام ونظامه .
واليوم فأن محنة الشعب اللبناني ومعاناة الفلسطينيين هي أيضا محنتنا ومعاناتنا في العراق . وسوف لن نكون رابحين بأي حال من الأحوال في استمرار عذاب الناس ومعاناتهم في جنوب لبنان ومناطقه الأخرى . والمواقف الضبابية والغير مفهومة من قضيتنا في العراق , لن تدعنا في كل الأحوال أن نتشفى بأصدقائنا وحلفائنا الذين بعدتنا عنهم ظروف قاهرة , وسنكون قريبين من بعضنا حين تتطور قضية الديمقراطية وحرية الإنسان في بلداننا .
#نجم_خطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟