|
أيهما أفضل مجتمع بدين أم بلا دين؟
كامل علي
الحوار المتمدن-العدد: 6780 - 2021 / 1 / 6 - 14:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جرى حوار بيني وبين أحد أصدقائي ألذي لم يلتزم بتطبيق فرائض الدين الإسلامي طوال عمره الذي قارب عقده السادس من عمره. قال صديقي: - هل لازلت تكتب مقالات حول نقد الدين؟ - نعم. - سأطرح عليك تساؤلا: أيهما أفضل مجتمع بدين أم بلا دين؟ - حسنا قبل بيان رأيي أحبذ أن تخبرني بقناعتك. - أفضل مجتمعا متدينا لأسباب عديدة أهمها كون الدين عاملا مهما في ردع الناس عن أرتكاب الجرائم كالسرقة والرشوة ولعب القمار والزنا الى آخر قائمة المحرمات الدينية وذلك لخوفهم من العقاب في يوم القيامة، والسبب المهم الآخر هو كون الدين عامل عزاء في النكبات كفقد شخص عزيز الذي ستلتقي به في الجنة يوم الحساب كما يعد بذلك الدين وخاصة الدين الإسلامي. - حسنا بالنسبة للمحرمات الدينية، أسألك لماذا لم يمنعك تشريعات الدين الإسلامي من إقتراف بعضها وأرجو أن لا تؤاخذني على صراحتي؟ - ما قلته قصدت به شريحة كبيرة من مجتمعنا الذين يؤمنون بشرائع الدين. - حسنا بالنسبة لكون الدين عامل عزاء في النكبات أتفق معك ولكني أفضل عدم الإقتناع بكذبة على ذلك. - لماذا؟ - لأنّ الدين الإسلامي وكل دين عبارة عن منظومة متكاملة لها إيجابيتها وسلبياتها وبإعتقادي فإنّ سلبياتها أكثر من إيجابياتها. - برأيك ماهي هذه الإيجابيات والسلبيات؟ - صحيح أنّ الايمان يُعطي الانسان الجاهل او الغير الواعي الطمانينة وراحة البال ومتانة للوقوف منتصبا امام عاديات الزمن، كما انّ شريحة الجهلاء لا يمكن انْ تستقيم حالها بدون الايمان بوجود الثواب والعقاب في حياة اخرى بعد الموت، ولكن ألأخلاق في المجتمع لم تنشأ بتأثيرالدين ولكنه ساعد في ترسيخها. فالدين ليس أساس الأخلاق، لكنه عون لها، فقد يمكن تصور الأخلاق بغير دين، وليس الأمر النادر أن تتطور الأخلاق في طريقها إلى التقدم بينما يبقى الدين لا يأبه لها، أو يقاومها مقاومة عنيدة؛ ففي الجماعات الأولى، وفي بعض الجماعات المتأخرة، كانت الأخلاق فيما يظهر على أتم استقلال عن الدين، وفي مثل هذه الحالة لا يُعنى الدين بقواعد السلوك، بل يُعنى بالسحر والطقوس وتقديم القرابين، والرجل الطيب عندئذ هو من يؤدي محافل الدين أداء المطيع، ويمدها بماله في ولاء وإخلاص. والدين بصفة عامة لا يَرعى الخير المطلق (إذ ليس هناك خير مطلق)، بل يرعى معايير السلوك التي وطدت نفسها بحكم الظروف الاقتصادية والاجتماعية؛ وهو كالقانون يلتفت إلى الماضي ليستمد منه أحكامه، وهو قمين أن يتخلف في الطريق كلما تغيرت الظروف وتغيرت معها الأخلاق؛ فقد تعلم الإغريق مع الزمن أن يمقتوا مضاجعة المحارم، مع أن أساطيرهم كانت ما تزال تمجد الآلهة الذين يفعلون ذلك، والمسيحيون يصطنعون نظام الزوجة الواحدة بينما إنجيلهم يُحلل تعدد الزوجات؛ وامتنع الرق امتناعاً تاماً بينما المتدينون كانوا يدافعون عن قيامه بشواهد من الإنجيل لا تُنقض؛ وفي يومنا هذا نرى الكنيسة تقاتل قتال الأبطال لتقيم تشريعاً خلقياً قضت عليه الثورة الصناعية قضاء مبرماً لا شك فيه؛ فالعوامل الأرضية هي التي تسود آخر الأمر، والأخلاق توائم بين نفسها وبين المستحدثات الاقتصادية شيئاً فشيئاً، ثم يتحرك الدين كارهاً فيوفق بين نفسه وبين الأخلاق الجديدة ؛ إن الوظيفة الخلقية للدين هي أن يحافظ على القيم القائمة، أكثر مما يخلق قيماً جديدة. - حسنا ماهي الإيجابيات والسلبيات الأخرى للدين ويهمني ما يتعلق بالدين الإسلامي بالتحديد؟ - إنّ الانبياء والرسل هم مصلحون ادّوا للانسانية خدمات جليلة وساهموا في تطوير التشريعات الّتي تنظّم العلاقات بين الناس في المجتمعات الانسانية بالرغم من انّ بعض هذه التشريعات سببت وتسبب وستسبب في نشوب الصراعات والحروب بين منتسبي الاديان المختلفة وبين مذاهب الدين الواحد. المعضلة الّتي تواجه الانسانية في العصر الحديث هي التوفيق بين فكرتين، فلو آمنّا بانّ الاديان هو وحي من الله فيتوجب علينا ان نطبّق جميع التشريعات الواردة في الكتب السماوية بالرغم من انّ قسم من هذه التشريعات لا تتماشى مع متطلبات العصر الحديث وتبدو متناقضة مع العقل والمنطق والمكتشفات العلمية، امّا إذا آمنّا بأنّ الاديان السماوية هي مؤلفات بشرية قابلة للتطوير والتعديل فستواجهنا معضلة اخرى وهي كيفية تطويع جموع غفيرة من البشر ومنعهم من الظلم والكذب والنفاق والقتل وارتكاب بقية الموبقات من دون وجود خوف من العقاب في يوم القيامة بالرغم من أنّ الدساتير الموضوعة تشرّع عقوبات رادعة لمثل هذه التجاوزات والجرائم كالنفي والسجن والاعدام. اليس من الافضل اعتماد دستور يشارك في وضعه عقلاء القوم المنتخبين من قبل الاكثرية لتنظيم العلاقات في المجتمع بدلا من اعتماد تشريعات تمّ وضعها من قبل شخص واحد وفي مكان وزمان لا هي مكاننا ولا هي زماننا؟ بعد دراسة التوراة والانجيل والقرآن لفترة طويلة وتحليل الآيات للكتب الثلاثة باستخدام المنطق العقلي توصّلت الى قناعة بأنّ الاديان السماوية او بتسمية اخرى الاديان الابراهيمية ( اليهودية والمسيحية والاسلام ) هي اديان من تأليف مؤسسيها وهي تناسب الاقوام الّتي ظهرت بينها زمانيا ومكانيا مع التأكيد على انّ لكلّ دين ايجابيته وسلبياته. اذا اعتبرنا هذه الاديان مرحلّة تاريخية مرّت بها الانسانية بايجابياته وسلبياته ولم نضفِ عليهم القداسة ولم نحاول اجبار الآخرين على اعتناقها فسيكون هذا في صالح الانسانية جمعاء ونجنّب الانسانية الحروب والويلات الّتي اصابتنا من جرّاء اختلافاتنا الدينية والمذهبية وسنعيش بسلام وسعادة في فترّات اعمارنا القصيرة نسبة الى عمر الكون. انّ سبب نشوء الاديان والمعتقدات الانسانية وانتشارها يعود الى عاملين اساسيين، الخوف والاماني، خوف من الموت والفناء الابدي وخوف من الجحيم، وتمنّي الاستمرار في العيش في حياة اخرى بعد الموت والتلذذ بالجنّة الّتي فيها ما طاب واشتهت الانفس. اذا نظر الانسان في ليلة صافية الى السماء بنجومها وكواكبها والكون يلّفه سكون سرمدي، فسيحسّ بالوحدة وبأنّه لا يُشكّل ذرّة رمل في هذه الصحراء الشاسعة، وسيدرك لما اوجد الانسان الدين والادب والفن وانّ مصيره في النهاية الموت والفناء لانّ الانسان لا يتحمّل ان يفنى ويتذكّره فانون مثله. - حسنا سؤال أخير، هل تؤمن بوجود خالق للكون؟ - يدّعي ألمؤمنون بإله ألأديان ألأبراهيمية (أليهودية وألمسيحية وألإسلام) أنّ هذا الكون الفسيح وما فيه من الكائنات لا يمكن انْ يوجد بهذا النظام الرائع بدون وجود خالق له وأنّ كل ذرّة في هذا الكون العجيب تنطق ولسان حالها تقول هذا من إبداع خالق، ولكنّ التساؤل الّذي يرد على عقل الانسان هو: إذا كان خالق كرتنا الارضية والكون مُبدِع وقادر على كلِّ شيء، فلِمَ خَلقَ الكوارث الطبيعية كالبراكين والاعاصير والتسونامي والزلازل، ولِمَ خَلَقَ ذوي العاهات؟ ولِمَ يموت الاطفال الرُضّع والصبيان والصبايا بعمر الزهور؟ ولِمَ خلق الله الجراثيم والفيروسات ومرض السرطان؟ هل هناك خطأ في التصميم؟ امْ ماذا؟ المؤمن سيجيبك على هذه التساؤلات بعبارة: (لحكمة يعلمها الله)، او ببعض عبارات التسلّي: (كلّما اشتّدَ مُعاناة المريض قلّت ذنوبه). او (الله يبتلينا ليمتحن ايماننا) ولكن لِمَ يمتحننا إذا كانت كلُّ الامور تجري حسب مشيئته، وإذا كان كلّ شيء مكتوبا مِن البداية في لوح محفوظ؟. إذا كان ألكون مخلوقا من قبل إله بنظام بديع فلم تنفجر ألنجوم؟ وإذا كان ألكون بنجومه وكواكبه ومجراته مخلوقا من أجل سواد عيون ألإنسان ولا يستطيع ألإنسان الوصول إلى معظمها وإستخدامها لفائدته فلم هذا ألإسراف في ألخلق؟ - ما ذكرته عبارة عن شكوك، أريد أجابة قاطعة؟ - الشك هي الوسيلة الوحيدة للوصول الى اليقين، حسنا أنا لا أؤمن بوجود إله شخصي أرسل أنبياء ويتدخل في تسيير شؤون الكون والبشر وحتى لو كان هناك إله من نوع ما فإنّ وجوده كعدمه مادام لا يتدخل في أمور الكون والكائنات.
نلتفيكم في مدارات تنويرية أخرى
#كامل_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرآن عبدالله بن مسعود – 2
-
قرآن عبدالله بن مسعود - 1
-
ألغموض في ألقرآن -2
-
ألغموض في ألقرآن -1
-
أسطورة بناء الكعبة والحجر ألأسود -3
-
أسطورة بناء الكعبة والحجر ألأسود -2
-
أسطورة بناء الكعبة والحجر ألأسود -1
-
ألعقائد ألمسيانية أوألمهدية-5- - مدعي المهدوية في الإسلام
-
ألعقائد ألمسيانية أوألمهدية-4- الإسلام
-
ألعقائد ألمسيانية وألمهدية-3- المسيحية
-
ألعقائد ألمسيانية وألمهدية-2- اليهودية
-
ألعقائد ألمسيانية وألمهدية-1
-
ألشيخية - ألبابية والبهائية -8– ألبهائية
-
ألشيخية - ألبابية والبهائية -7– ألبهائية
-
ألشيخية - ألبابية والبهائية -6– ألبهائية
-
ألشيخية - ألبابية والبهائية - 5- قرة ألعين
-
ألشيخية - ألبابية والبهائية - 4- قرة ألعين
-
ألشيخية - ألبابية والبهائية - 3- ألبابية - قرة ألعين
-
ألشيخية - ألبابية والبهائية -2- ألبابية
-
ألشيخية - ألبابية والبهائية -1
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|