|
تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (89/اتحادية/2019) في 28/10/2019 بخصوص الغاء المحاصصة السياسية في شغل الوظائف العليا في العراق
احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني
(Ahmed Talal Albadri)
الحوار المتمدن-العدد: 6776 - 2021 / 1 / 1 - 23:44
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
اصدرت المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 28/10/2019 في الدعوى المرقمة (89/اتحادية/2019) قراراً تاريخياً شجاعاَ يحسب لهذه المؤسسة الدستورية المعنية بحماية الدستور ، اذ الغى هذا القرار نظام المحاصصة السياسية في شغل الوظائف العليا في الدولة العراقية ، وسنحاول التعليق على هذا القرار المهم ضمن المحاور الاتية: اولاً: خلاصة موضوع الطعن : سبق وان اصدر مجلس النواب العراقي القرار التشريعي المرقم (44) لسنة 2008 والذي صادقه مجلس الرئاسة في حينها ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4102) في 24/12/2008 ، وقد تضمن القرار التشريعي مخالفات دستورية منها ماورد في الفقرة (6) منه التي كرست المحاصصة السياسية في شغل الوظائف العليا في الدولة العراقية ، وقد انصب الطعن بعدم دستورية هذه الفقرة التي نصت على ان ( تنفيذ المتفق عليه من مطاليب القوائم والكتل السياسية وفق استحقاقها في اجهزة الدولة لمناصب وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمؤسسات والدرجات الخاصة وعلى مجلس النواب الاسراع في المصادقة على الدرجات الخاصة ). ثانياً : خلاصة قرار الحكم : اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قراراً بعدم دستورية الفقرة (6) من القرار التشريعي رقم (44) لسنة 2008 والغاء العمل بموجبها لمخالفتها المبادىء الدستورية الواردة في المواد (2/اولاً/ج) و(14) و(16) و(61/ خامساً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005. ثالثاً : التعليق : 1. استندت المحكمة الاتحادية العليا في تسبيب قرارها بعدم دستورية هذه الفقرة (6) من القرار التشريعي رقم (44) لسنة 2008 في كون مجلس النواب لايملك اختصاص اصدار القرارات التشريعية وان اختصاصة استناداً للمادة (61/ اولاً) من الدستور تنحصر في سن القوانين الاتحادية ، هذا وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد اصدرت بموجب الدعوى (140) وموحدتها الدعوى (141/ اتحادية/ 2018) قراراً بتاريخ 23/12/2018 يقضي بعدم دستورية بعض الفقرات الواردة في قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 ومنها الغاء الفقرة (سابعاً) من المادة (17) من هذا القانون والتي منحت مجلس النواب سلطه اصدار قرارات تشريعية ، مؤسسة حكم عدم الدستورية على نص المادة (61/ اولاً) من الدستوروالتي نصت على ان اختصاصات مجلس النواب تنحصر في سن القوانين الاتحادية ولم يرد ضمن صلاحياته اصدار قرارات تشريعية ، وهذا القرار هو محل نظر لان معظم برلمانات العالم تسن القوانين وتصدر قرارات تشريعية وقرارات ادارية ، والقرارات التشريعيه بهذه الصورة لا تتضمن قواعد عامة مجردة وسميت بذلك باعتبار جهة اصدارها وفقاً للمعيار العضوي ، اما القرارات التنظيمية الداخلية التي تصدرها رئاسة مجلس النواب لاغراض ادارة موظفي المجلس وتنظيم شؤنهم الوظيفية فهي قرارات ادارية تخضع لرقابة القضاء الاداري ، فضلاً عن ذلك ان المادة (59/ثانياً) من الدستور نصت على ( تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالاغلبية البسيطه بعد تحقق النصاب ، مالم ينص على خلاف ذلك )، كما يباشر البرلمان مهامه التشريعية عن طريق اتخاذ القرارات التشريعية وهي تخضع لرقابة المحكمة الاتحادية العليا استناداً للمادة (93/ ثالثاً) من الدستوروالمادة (4/ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا الصادر بالامر التشريعي رقم (30) لسنة 2005 والمادة (6) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العلياً رقم (1) لسنة2005 ، اما القيمة القانونية للقرارات التشريعية فيذهب استاذنا الدكتور غازي فيصل مهدي الى انها في مرتبة وسط دون القانون وفوق النظام ، واذا ما سلمنا برأي المحكمة الاتحادية في قراراها انف الذكر وحيث ان قراراتها باته وملزمة للسلطات كافة بما في ذلك المحكمة الاتحادية العليا ذاتها كان الاجدر بها الغاء القرار التشريعي رقم (44) لسنة 2008 لعدم اختصاص المجلس باصدار القرارات التشريعية وعدم الاكتفاء بالالغاء الجزئي لهذا القرارالتشريعي وتحديداً الفقره (6) منه ، لان الالغاء الجزئي اقرار ضمني من جانب المحكمة باختصاص مجلس النواب باصدار القرارات التشريعية ، كذلك يعتبر الالغاء الجزئي تناقضاً مع مضمون قرارها في الدعوى (140) و(141/اتحادية /2018) في 23/12/2018 ، وهنا وقعت المحكمة الاتحادية العليا في حومه التناقض ، وهذا امر خطير في حال حدوثه في اعلى جهة اقضائية مسؤولة عن حماية الدستور وتحقيق الامن القضائي . 2. كان على المحكمة الاتحادية العليا اذا ما وجدت خرقاً صارخاً في الدستور ان لا تكتفي بطلبات المدعي في الدعوى الدستورية وحصرها في الفقرات المطعون بعدم دستوريتها ، وانما يجب ان تمارس رقابة التصدي من تلقاء نفسها لكل خرق للدستور ، ولاسيما اذا ما وجدت المحكمة عند فحص دستورية فقرة في قرار تشريعي كونها مرتبطه ببقية فقرات القرار ارتباطاً لايقبل التجزئة باعتبار ترابط فقرات القرار التشريعي حقيقية قانونية لاتقبل الشك ، وحتى وان راودت المحكمة شكوكاً حول ارتباط الفقرة محل الطعن بباقي فقرات القرار ، فانها يمكن ان تخض القرار التشريعي كله للفحص ويعد ذلك رخصة من قبيل اثارة دفع يتعلق بالنظام العام تثيره من تلقاء نفسها وتستثمر كون الطعن قائم امامها فعلا لاغراض التصدي . 3. ان الغاء الفقرة (6) من القرار التشريعي (44) لسنة 2008 كان بسبب مخالفتها للمبادىء الدستورية التي تتعلق بكفالة حق المساواة بين العراقيين امام القانون اذ نصت المادة (14) من الدستور على ان ( العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي ) وكذلك لمخالفتها المادة (16) المتعلقه بكفالة تكافؤ الفرص لجميع العراقيين حيث جاء في نص هذه المادة ( تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين ، وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك )، فالمساواة وتكافؤ الفرص تقتضي المساواة امام الوظائف العامة سواء كانت وظائف عليا ام دنيا ، فالفقرة (6) من القرار التشريعي (44) لسنة 2008 تضمنت خرقاً صارخاً لمضمون المساواة وتكافؤ الفرص لانها ميزت بين المواطنين في شغل الوظائف ومنها العليا كما انها خرقت مبدأ الكفاءه والاستحقاق والاختصاص والاهلية في شغل هذه الوظائف وهذا وحده كاف لالغاءها ، فالفقرة (6) عادت بالوظيفة العامة الى نظام الغنائم والاسلاب (the spoil system) الذي كان معمولاً به في الولايات المتحدة الامريكية عام 1832 م وبموجب هذا النظام يتم توزيع الوظائف والمناصب على اعضاء الحزب الفائز واعوانه بدلاً من الموظفين الذين كانوا ينتمون للحزب الخاسر طبقاً لمبدأ الغنائم تمنح للظافر (the spoils to the victor) ، ان تقسيم الوظائف العليا بموجب الفقرة (6) من القرار التشريعي على القوائم والكتل السياسية واعبارها استحقاقاً انتخابياً مفروغ منه يعود بنا الى زمن الاحتلال العثماني للعراق عام 1534م حيث كانت الوظائف العليا ومنها وظيفه الوالي توزع كمنح من السلطان للمقربين والموالين للباب العالي ، ولذلك جاء قرار الغاء هذه الفقرة موافقاً للدستور وداعماً للحقوق والحريات التي كفلها دستور 2005 والذي منع الانتقاص منها اوتقييدها ، وضرباً لمبدأ المحاصصة السياسية في توزيع الوظائف العليا ومن المؤكد هذا الحكم يسري من باب اولى على الوظائف الدنيا. 4. اكد القرار على عدم اختصاص القوائم والكتل السياسية في ترشيح من يشغل الوظائف العليا لان الدستور حدد في المادة (61/ خامساً) منه اختصاص مجلس النواب بالتعيين في الوظائف المنصوص عليها في هذه المادة بناءً على اقتراح من مجلس الوزراء ومجلس القضاء الاعلى ، والحقيقة ان الواقع يشيرالى ان آلية تعيين وترشيح شاغلي الوظائف العليا غير محكمة وتسمح بالمحاصصة السياسية بوضعها الحالي ، فمعظم ترشيحات مجلس الوزراء لشغل الوظائف العليا ذات طابع سياسي وحزبي لا تعتمد على اسس ومعايير شفافة للترشيح كالكفائة والاستحقاق والنزاهة والاختصاص والخبرة والتدرج الوظيفي وعدم التحزب او الحيادية السياسية ، ذلك لاغفال المشرع تنظيم معايير للترشيح بشكل دقيق وشفاف يحرج جهة الترشيح في حال تجاوزها ، ولذلك نرى ان الترشيح لشغل الوظائف العليا يخضع في الغالب للاختيار الحر لرئيس مجلس الوزراء وليس مجلس الوزراء حتى ووفقاً لاعتبارات سياسية وشخصية والتي تصطدم في بعض الاحيان برغبات الكتل السياسية المسيطرة في مجلس النواب فلا توافق على التعيين او يكون تعيين المرشحين وفقاً لتسويات تخدم مصالح الجهتين ، وهذه الحالة تفسر شيوع ظاهرة شغل المناصب بالوكالة لفترات طويلة ، حيث جاء في حيثيات قرار المحكمة الاتحادية العليا ( ...وان السير بخلاف مانص الدستور عليه قد خلق ما يدعى بالمحاصصة السياسية في توزيع المناصب التي ورد ذكرها وما نجم عن ذلك من سلبيات اثرت على مسارات الدولة في غير الصالح العام ، فضلاً عن مخالفتها لمبدأ المساواة بين العراقيين الذي نصت علية المادة (14) من الدستور ...، وخالفت الفقرة موضوع الطعن مبدأ تكافؤ الفرص الذي نصت عليه المادة (16) من الدستور التي كفلت لجميع العراقيين ان ينالوا فرصهم على اساس الكفاءة والتخصص وغيرها من متطلبات اشغال الوظائف العامة ، والزمت المادة الدستورية المذكورة الدولة بكفالة تطبيق هذا المبدأ ....). 5. ان قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص بالغاء الفقرة (6) من القرار التشريعي رقم (44) لسنة 2008 قرار بات وملزم للسلطات كافة الاانه لم ينفذ لغاية كتابة هذا التعليق بل شهدنا تعيينات في وظائف عليا خلافاً لمضمونه بعد صدوره في 28/10/2019 وهذه تشكل مخاله دستورية اخرى ، وكنا نتامل من المحكمة الاتحادية الموقرة ان تضمن قرارها فقرة حكمية ايعازية لمجلس النواب لسن تشريع ينظم معايير اقتراح (ترشيح) وتعيين لمن يشغل هذه الوظائف على اسس مهنية وعلمية واعادة النظر بكافة التعيينات والتكليفات بشغل هذه الوظائف خلال مدة معقولة لضمان تنفيذ هذا القرار واحترامه من كافة السلطات ، كما ندعو المحكمة الاتحادية العليا الى الاخذ بفكرة المدة الكافية او المعقولة التي اخذ بها القضاء الدستوري في ايطاليا والمانيا واسبانيا من خلا توجيه ايعاز الى المشرع لتلافي حالة الاغفال التشريعي الذي كشفته المحكمة الاتحاديه العليا عند فحص القانون او القرار المطعون بعدم دستوريته لتلافيه خلال مدة معقولة فاذا انتهت المدة دون تلافيه من جانب المشرع فان ذلك يشير الى عدم الاستجابة من جانب المشرع وعند ذاك يمكن للمحكمة ان تعلن عدم الدستورية . 6. كان بامكان المحكمة الاتحادية العليا الغاء الفقرة (6) من الامر التشريعي رقم (44) لسنة 2008 باثر رجعي وان تنص على ذلك في قراراها استناداً لما جاء في قراراها التفسيري المرقم (28/اتحادية /2018) في 12/2/2018 والذي نص على ان الاحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا تكون نافذه اعتباراً من تاريخ صدورها مالم ينص في تلك الاحكام والقرارات على سريان نفاذها من تاريخ محدد في الحكم اوالقرار ، او ينص على سريانها على واقعه محددة فيها . 7. واخيراً لابد من الاشارة الى دور القضاء الواقف والجندي المجهول وهم زملائنا المحامين الذين تحملوا عبىء تحريك هذا الطعن الدستوري وهو امر يستحق الثناء والتقدير د.احمد طلال البدري.
#احمد_طلال_عبد_الحميد (هاشتاغ)
Ahmed_Talal_Albadri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحديات تنظيم الوظائف العليا في العراق
-
المشرع وفكرة التوقع المشروع
-
اهمية دراسات قياس اثر التشريع
-
المبادىء التي تحكم عمل اللجان التحقيقية في قانون انضباط موظف
...
-
لجنة المراجعة والمصادقة ومهامها في تعليمات تنفيذ العقود الحك
...
-
مجلس الخدمة الاتحادي وتحديات تدريب الموظفين في العراق
-
حوكمة تشريعات الرواتب والامتيازات المالية للموظفين
-
ااستراتيجية الحوكمة التشريعية المؤسسية
-
دور القضاء الاداري في الرقابة على قرارات الضبط الاداري الصحي
...
-
احسنو اختيار مدير ادارة الموارد البشرية في مجال الوظيفة العا
...
-
قراءة نقدية في قانون اسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية الع
...
المزيد.....
-
الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة
...
-
الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد
...
-
الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي
...
-
الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|