حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6775 - 2020 / 12 / 30 - 23:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لو افترضنا أن تاريخ البشرية كله، بكل ما فيه من معلومات ووقائع وحروب وثورات واتفاقات، كان محفوظاً على أشرطة كمبيوتر، وأن مجموعة من «الهاكرز» استطاعت الوصول إلى هذه الأشرطة والعبث بها، وتغيير ما هو محفوظ عليها، كيف سيكون حال التاريخ بعد ذاك؟ أو إلى أي مدى نستطيع التيقن من أن التاريخ هو حقاً سجل صادق لما جرى؟
هذه الفرضية ليست من بنات أفكارنا، وإنما هي فكرة بلغتها مخيلة مؤلف رواية: «بث حي من الجلجلة»، في إشارة إلى الجبل الذي صُلب عليه السيد المسيح، ويريد غور فيدال كاتب هذه الرواية حملنا على التفكير بأن التاريخ الذي ندعي أننا ندرسه ونعرفه كان دائماً عرضة للتزوير.
وفي زمننا هذا حيث تتداخل الأوهام مع الحقيقة فإن «تزوير» التاريخ يمكن أن يتحول إلى صناعة متقنة من وجهة النظر التقنية، وقد لا تعرف الأجيال القادمة شيئاً حقيقياً من الذي نعيشه اليوم ونعرفه، حيث يُقدم لها تاريخ آخر نقيض للذي جرى، ما يحثنا نحن أيضاً على التساؤل عما إذا كان ما نظنه تاريخاً هو، بالفعل، الحقيقة بعينها، أم أن «هاكرز» من أزمنة ماضية عبثوا به وحرَّفوه وزوّروه، ووصل إلينا بالطريقة التي نعرفها اليوم.
أخطر من ذلك هو أننا نكون قد عاصرنا أحداثاً وعشناها وتفاعلنا مع مشاريع وأفكار ظناً منا أنها الحقيقة المطلقة، التي لايأتيها الباطل من شمالها أو من يمينها، لكن سرعان ما تَكشف لنا أن الأمر ليس هو بالضرورة كذلك. وبالتالي فإن التاريخ الذي عاصرناه ليس هو التاريخ الحقيقي الذي سيقرؤه أبناؤنا وأحفادنا.
هل قدر البشر، إذن، أن يعيشوا في الوهم؟ أيكون الواقع المعيش شيئاً والتاريخ الذي كتب والذي يكتب شيئاً آخر؟ نحن اليوم في عصر تتداخل فيه المفاهيم وتختلط وتتشابك، فتضيع الحدود والفواصل والتقسيمات في الكثير من الحالات، وتطغى انقسامات فرعية على الانقسام الجوهري في المجتمعات، فلا يعود الناس يرون هذا الأخير، ما يجعل الحقيقة غائبة أو مغيبة في الكثير من الحالات، إن لم يكن في الغالب الأعم.
وليس هذا ببعيد أبداً عن إرادة من يحكم العالم اليوم أو يتحكم فيه، بل إنه صلب اللعبة الأيديولوجية الجديدة التي تخلط كل شيء في العالم، فلا نعود نفرق بين الحقيقة والوهم، فذلك من ضرورات أن يُساق الجميع كالنعاج نحو الوجهة التي يفرضها عليهم من بيده الحل والربط.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟