|
اهمية دراسات قياس اثر التشريع
احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني
(Ahmed Talal Albadri)
الحوار المتمدن-العدد: 6771 - 2020 / 12 / 26 - 23:08
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
اهمية دراسات قياس آثر التشريع حتى يكون القانون واقعياً وقابلاً للتطبيق وبالتالي امكانية تحقيق الاهداف التي تسعى السياسة التشريعية إلى تحقيقها من خلال القانون لابد أن تسبق عملية التشريع دراسات معمقة لقياس آثار هذا التشريع عند صدوره وهذا يقتضي بطبيعة الحال تحديد المشكلة التي دعت إلى تشريع هذا القانون واهدافه واغراضه المتوخاة، ومعرفة ردود الافعال والاراء من القطاعات المستهدفة من هذا التشريع، مع دراسة مستفيضة عن سلبيات (تكاليف) القانون وإيجابياته (فوائده) المحتملة مع تحديد البدائل المختلفة سواء أكانت بدائل تشريعية أو أجرائية، ومدى دستورية التشريع وانسجامه مع مبادئ الدستور وضمانات الحقوق والحريات العامة الواردة فيه وتوقيت تشريع القانون، ومدى توازن اعباء وتكاليف القانون مع عوائده المالية، جودة الصياغة التشريعية ووضوحها، ومدى تأثر الاطراف المعنية أو المستهدفة بالقانون، والاهم من ذلك هل يمكن حل هذه المشكلة ببديل غير تشريعي، فقد تكون البدائل غير التشريعية اكثر فاعلية واقل كلفة واسرع في اعطاء النتائج واقل تأثيراً في الفئات أو الشرائح المستهدفة بموضوع القانون، ونظراً لاهمية موضوع دراسة أثر التشريع في صدور قوانين ذات جودة وفاعلية وبالتالي تلبي متطلبات الحَوْكَمَة التشريعية في العدالة والشفافية والمساءلة والسرعة ومحدودية التكاليف سنتناول بإيجاز هذا الموضوع فيما يأتي : أولاً : التطور التاريخي لعملية قياس أثر التشريع : تشير المصادر إلى أن النشأة الأولى لعملية قياس أثر التشريع قد بدأت في الولايات المتحدة الامريكية في عقد السبعينات من القرن الماضي للوقوف على كلفة التشريع وعوائده وفي عهد الرئيس (رونالد ريغان) صدر مرسوم رئاسي يوجب أخضاع مشاريع القوانين التي تتعدى كلفتها (100) مئة مليون دينار لهذه الآلية ، ثم تم اعتماد هذه الآلية من قبل بعض المنظمات الدولية في التسعينات من نفس القرن كالبنك المركزي الاوربي وبنك التنمية الآسيوي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفي الالفية الثانية وتحديداً عام 2002 أنشأ الاتحاد الأوربي مجلس تقييم الأثر كهيأة مستقلة تحت سلطة رئيس المفوضية، وثم لاحقاً تم اعتماده كسياق في العملية التشريعية في بعض الدول المتقدمة كاستراليا والنمسا وفرنسا وايطاليا وهولندا وكندا واليابان والنرويج والمانيا والبرتغال والسويد والدنمارك حيث تم اعتماد هذه الآليات بقرار حكومي أو توجيه سياسي، في حين لجأت دول أخرى إلى تقنين عملية قياس أثر التشريع وانشاء مؤسسات أو وحدات برلمانية لهذا الغرض، ففي الولايات المتحدة الامريكية تم تشكيل مكتب المعلومات والشؤون التشريعية للقيام بهذه المهمة وفي بريطانيا تم تشكيل وحدة متخصصة من عدد من الوزراء ترتبط برئيس الوزراء لاعداد التشريعات ودراسة أثر التشريعات على الصناعات الصغيرة وكذلك الحال في هولندا واستراليا ، أما في كوريا فهناك لجنة رئاسية تشريعية تتولى مهام قياس أثر التشريع والاصلاح التشريعي، وفي الدنمارك هنالك مكتب متخصص لهذا الغرض مرتبط بمجلس الوزراء يعمل بالتعاون مع البرلمان. ثانياً : مفهوم قياس أثر التشريع : لغرض معرفة فاعلية وجودة التشريع وما يمكن أن يترتب عليه من آثار لابد من وسيلة أو آلية لتحقيق هذه الغرض، وذلك لضمان نجاح السياسة التشريعية من خلال الوصول للاهداف والاغراض التي صدر التشريع من اجل تحقيقها، فغياب أدوات القياس يؤدي إلى صعوبة الاستنتاج والتكهن بتأثير التشريع على الفئات المستهدفة به، ولكي نتجنب الاخفاق في السياسة التشريعية لابد أن يكون هنالك تخطيط مسبق وعملية تنظيمية تستهدف التعرف على آثر التشريع قبل تطبيق القانون للتعرف على فوائده ومزاياه واجراء مقارنة مع مساوئه أو معايبه ومن ثم ترجيح أحد الكفتين لاتخاذ القرار بالتشريع أم اختيار البديل غير التشريعي لمعالجة المشكلة، ولذلك فإن قياس آثر التشريع يعتبر من العوامل المهمة في نجاح أي استراتيجية تشريعية ونجاح سياساتها، وقد عرف بعض الباحثين قياس أثر التشريع بأنه آلية يمكن من خلالها التعرف على الأثر المتوقع للتشريع قبل وضعه موضع التطبيق من خلال الاحاطة بالمشكلة التي وضع التشريع من اجلها والتشاورات مع الاطراف المعنية، والتحليل القانوني لنصوص التشريع، وتقدير كلفة القانون ومن ثم تصنيف المزايا والاعباء المحتملة وصولاً إلى الخيارات أو البدائل المتاحة وكذلك عرفت بأنها أداة تستخدم في دراسة المزايا والتكاليف والآثار المحتملة المترتبة على التشريعات أو أي تدخل آخر وتقييمها، وتهدف إلى مساعدة الحكومة في صياغة سياساتها بصورة أكثر فعالية، مع بيان التدخلات الممكنة كبدائل لمعالجة المشكلة غير البديل التشريعي إذا كان التدخل التشريعي مكلفاً أو غير دستوري، ولا يوجد نموذج عالمي معين أو قياسي لوثيقة دراسة الأثر التشريعي لكل التطبيقات العملية تشير إلى ضرورة إدراج كافة عناصر قياس الأثر التشريعي فيها. ثالثاً : فوائد قياس آثر التشريع : يمكن تلخيص أهم فوائد اللجوء لاعداد دراسة أو وثيقة قياس أثر التشريع في كون هذه الاداة تمكن صناع القرار في فهم النتائج المتوقعة من التدخل التشريعي ومقدار الفوائد والتكاليف وتوزيع الآثار والجهة التي يقع عليها عبئ الاثار والجهة التي تتمتع بفوائد التدخل التشريعي، كما تساعد على كشف الآثار غير المرغوبة ومحاولة تفاديها قبل تطبيق القانون، إضافة لتبسيط الاجراءات التنظيمية وسهولة رسم السياسة من قبل صانع القرار، كما تعمل هذه الأداة على زيادة الشفافية من خلال أعطاء الفاعلين الرئيسيين وذوي المصالح الحق في أبداء الآراء والمشاروات حول القانون الذي يمثل مشروع التدخل، كما أنها تعمل على تعزيز فاعلية التشريعات وتحسين جودتها، كما أنها تسمح لصانع القرار في اختيار البديل المناسب للتدخل غير التشريعي في حال ارتفاع كلفة التدخل التشريعي وطول فترته الزمنية. رابعاً : مراحل قياس أثر التشريع : إن التشريع قرار سياسي، وهو كما عبر عنه بعض الفقهاء بأنه اختيار أو موقف القابض على السلطة من الامور السياسية والاجتماعية والاقتصادية بغية تنظيمها أو تغييرها ، وان أي قرار يتخذ هو لمعالجة مشكلة قائمة، وهذا يقتضي تحديد المشكلة بشكل دقيق وأسباب ظهورها ونطاقها وآثارها، وفيما إذا كان هناك تشريعات سابقة تتعلق بالمشكلة وفيما إذا كانت كافية لمعالجة المشكلة أو تحتاج لتعديل أو تغيير، إذا كانت بالية ولا تتلائم مع الواقع والمتطلبات الجديدة، وما هي آثار غياب التشريع على المشكلة وتفاقمها، وبعد تحديد المشكلة بدقة يجب اللجوء كمرحلة ثانية إلى المشاورات مع الاطراف المتأثرة بالتشريع سواء أكانت حكومية أم غير حكومية وعلى مختلف القطاعات والشرائح المستهدفة بالقانون أو ممثليهم مع توثيق عملية التشاور وتثبيت الاراء وجمع المعلومات والبيانات والاستفادة من آراء الخبراء والتجارب والتشريعات المقارنة التي عالجت نفس هذا الموضوع أو المشكلة، حيث تعمل الاستشارات الداخلية على بناء برلمان فعال وحَوْكَمَة للتشريعات من خلال الاستفادة من المعلومات وتبني الخبرات والحلول السابقة التي انتهجتها دول في ظروف مماثلة، في حين تعمل التشاورات الخارجية على بلورة شفافة للتشريعات وتحديد درجة الدعم أو المعارضة والآثار والمسائل الانتقالية التي لا يكون المشرع قد أخذها بعين الاعتبار، كما يمكن الاستفادة من منظمات المجتمع المدني، والاكاديميين في الجامعات ومراكز البحوث وبيوت الخبرة، ثم تأتي مرحلة التحليل القانوني للتشريع ومدى توافقه أو تعارضه مع الدستور أو المعاهدات والاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية النافذة والنطاق الزمني لسريانه، وآلية انفاذه، وتاريخ سريانه، كما يجب أن تتضمن عملية قياس أثر التشريع الوقوف على الكلفة المالية للتشريع وما يترتب عليه من نفقات أو اعباء اضافية عل ميزانية الحكومة، اضافة إلى الاعباء والتكاليف التي انفقت على المشروع قبل صدوره من ورش ولجان ومؤتمرات وتشاورات وتحديد الكلفة الاجمالية للقانون شاملة نفقات وتكاليف دراسته وتشريعه اضافة لما قد يترتب عليه من اعباء مالية أو اقتصادية، فعلى سبيل المثال لا الحصر لو كان قانون رواتب ومخصصات مجلس النواب رقم (28) لسنة 2011 قد خضع لدراسة قياس الأثر التشريعي قبل إصداره وما يترتب عليه من أعباء مالية ترهق كاهل الخزينة العامة لما شُرِع هذا القانون، حيث يلاحظ ان هذا القانون لم يكن موفقاً عندما خصص رواتب ومخصصات منصب لرئيس المجلس ونائبيه والاعضاء كونهم غير موظفين بل هم مكلفين بخدمة عامة، فالراتب للموظف، والاجر للعامل، والمكافأة للنائب، كذلك فإن قيام المشرع بتخصيص راتب تقاعدي لكل من رئيس البرلمان ونوابه واعضاء مجلس النواب لم يكن موفقاً في المادة (37/أولاً) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014، وبسبب ما ترتب على النص المذكور من أعباء مالية على الخزينة فقد تم إلغاءهُ من قبل المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرارها المؤرخ 24/6/2014 الذي جاء في حيثياته ما يلي : (... قام مجلس النواب بتعديل المادة المذكورة بأضافة الفقرات (1) و(2) في البند (أولاً) عند تشريعه للقانون ومنح راتباً تقاعدياً...، وحيث أن كل ذلك يشكل اعباء مالية على الخزينة، فكان على مجلس النواب استحصال موافقة مجلس الوزراء على تلك الزيادات وفقاً للشق الاخير من (ثانياً) من المادة (62) من الدستور...، وللأسباب المذكورة تكون المادة (37) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 مخالفة للمادة (60/أولاً) والمادة (62/أولاً) من الدستور والمادة (130) من النظام الداخلي لمجلس النواب مما يقتضي الحكم بعدم دستوريتها...).
#احمد_طلال_عبد_الحميد (هاشتاغ)
Ahmed_Talal_Albadri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المبادىء التي تحكم عمل اللجان التحقيقية في قانون انضباط موظف
...
-
لجنة المراجعة والمصادقة ومهامها في تعليمات تنفيذ العقود الحك
...
-
مجلس الخدمة الاتحادي وتحديات تدريب الموظفين في العراق
-
حوكمة تشريعات الرواتب والامتيازات المالية للموظفين
-
ااستراتيجية الحوكمة التشريعية المؤسسية
-
دور القضاء الاداري في الرقابة على قرارات الضبط الاداري الصحي
...
-
احسنو اختيار مدير ادارة الموارد البشرية في مجال الوظيفة العا
...
-
قراءة نقدية في قانون اسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية الع
...
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|