|
أميركا .. والشيوعية (4)
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 6771 - 2020 / 12 / 26 - 20:55
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أميركا .. والشيوعية (4)
قبل أن أنتهي من البحث في علاقة أميركا بالثورة الشيوعية المتمثلة بمشروع لينين في ثورة أكتوبر في روسيا 1917، يلزم أن أنبه القراء لما يساعدهم على فهم ما أكتب- . كثيرون هم من انتقدوا كتاباتي التي تقدم أفكارا جديدة أو غير مطروقة إذاك دون ذكر المراجع التي تستند إليها . أنا لا أكتب إلا قراءة للتاريخ كما هو تبعاً لوقائعه المعلومة حيث تعلمت خلال سبعين عاماً من دراستي المتصلة للماركسية أن الماركسية كلية الصحة ليست إلا قراءة التاريخ كما هو . ومن هنا فإن الاستشهاد بأي مرجع آخر غير التاريخ فذلك يستبطن بالضرورة الشك في صحة الشهادة . التاريخ هو دائماً وأبداً الشاهد الملك الذي لا توازيه أية شهادة أخرى . أما أن يفسر القراء الواقعة التاريخية تفسيرا مخالفا لتفسيري فذلك حق لهم دون منازع طالما أنه يعتمد على الإعتراف بالواقعة التاريخية .
الأزمة الخانقة التي تنوخ بكلكلها على عالم اليوم وتحول دون تطوره الإجتماعي لا تنتهي قبل أن تدفع به إلى التهتك والانحلال وهو ما نراه اليوم، عالماً غارقاً في الموبقات وإن بدا لبعضهم غير ذلك . يجري الزعم على ألسنة العامة واليسارويون منهم على وجه الخصوص بأن الحرب الباردة بين النظام الرأسمالي من جهة والنظام الإشتراكي من جهة أخرى اىنتهت بانتصار النظام الرأسمالي وانهيار النظام الإشتراكي إلى غير رجعة دون أن يجرؤوا على عرضها على محكمة التاريخ . الحقيقة الكبرى في مثل هذا السياق هي أن البورجوازية الوضيعة تكره التاريخ ولا تعترف به لأن التاريخ لا يعترف بها حيث ينكر عليها أي دور في التسلط على المجتمع وقيادته طالما أنها ليست شريكا في الإنتاج الإجتماعي فهي تعمل في إنتاج الخدمات قصراً والخدمات لا قيمة تبادلية لها وكلفة إنتاجها تتحملها الطبقات المنتجة وهي لذلك لا يمكن اعتبارها طبقة قائمة بذاتها من طبقات المجتمع . بسبب هذا الإعتوار في خلقتها تراها اليوم وبعد أن تمكنت من اختطاف السلطة في مختلف أقاصي الأرض بسبب شروط استثنائية ليست من مقتضيات التاريخ، تراها تهاجم الشيوعية والشيوعيين ومثلهم ستالين صبح مساء في مختلف وسائل الإعلام رغم غياب تام للشيوعيين وموت ستالين قبل سبعين عاماً . مثل هذا النهج السياسي الغريب الذي لا يماثل نهج هتلر أو نهج ترومان في العداء للشيوعية حيث كانت الشيوعية حاضرة بقوة ضد هتلر كما ضد ترومان خلافاً لحرب البورجوازية الوضيعة التي لا تواجهها الشيوعية بأدنى أشكالها، لمثل هذا النهج السياسي الغريب دلالتان قاطعتان .. أولاهما هي أن البورجوازية الوضيعة تدرك بكامل وعيها بأنها تعاني من إعتوار في خلقتها وأنها ليست طبقة إجتماعية موازية لطبقات الإنتاج المعروفة في المجتمع طالما أنها لا تنتج ما له أدنى قيمة تبادلية ؛ والدلالة الثانية هي أن الشيوعيين وليس غيرهم من تؤول السلطة إليهم بعد تفككها وموتها تاريخياً . ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أن الإفلاس الفكري المتأصل في بنية البورجوازية الوضيعة يضطرها لأن تدافع نفاقاً عن النظام الرأسمالي وتدعي أنه لم ينهر وما زال يعمل ؛ تقارف مثل هذا النفاق رغم أن عداءها للنظام الرأسمالي كان قد سبق عداءها للعمال .
طبعاً نحن الشيوعيين البلاشفة لسنا حاضرين كنقيض للبورجوازية الوضيعة فهي ليست طبقة إجتماعية تساهم بشبكة الإنتاج الحقيقي التي تحمل المجتمع، لكننا مع ذلك لن نسمح لهرطقات مستثقفي البورجوازية الوضيعة أن تمر على العامة وتنال من مسيرة عمال العالم إلى القمة بقيادة الشيوعيين . نستجلب البورجوازية الوضيعة إلى محكمة التاريخ لتنظر في دعواها حول انتصار الرأسمالية وهزيمة الاشتراكية في الصراع التاريخي بينهما . لكن محكمة التاريخ رفضت هذه الدعوى بالشكل حيث أن البورجوازية الوضيعة ليست مؤهلة لتدعي بمثل هذه الدعوى طالما أنها لا تنتج قطميراً من الإنتاج الرأسمالي . إذاً هي هرطقة ليست إلاّ .
وقائع التاريخ تدل بدلالات قاطعة على أن حرب النظام الرأسمالي على الشيوعية التي بدأها وريث هتلر مجرم الحرب هاري ترومان حال تسلمه سلطة الاحتلال على اليابان من القوات السوفياتية – الأمر الذي أكد أن استخدام ترومان للسلاح النووي هو جريمة حرب ضد الإنسانية مما زاد من سعار ترومان ضد الشيوعية – واستنها قاعدة أساسية للسياسات الأميركية، تلك السياسة الرعناء التي لم تتعلم الدرس من مصير هتلر كانت قد استهلكت كل مقدرات أميركا خلال 25 عاما فقط ليضع حداً لها الرئيس الجمهوري ريتشارد نكسون ويعقد في العام 1972 اتفاقات تعاون مع قطبي الشيوعية الصين بقيادة دينغ خيساو بنج والاتحاد الاسوفياتي بقيادة بريجينيف أنقذت الولايات المتحدة من الإفلاس التام . إنتهت سياسات ترومان في الحرب على الشيوعية إلى الفشل الذريع وانهيار النظام الرأسمالي في العام 1971 دون أن تنال من الاتحاد السوفياتي قيد شعرة، لا بل يمكن الإدعاء أن سياسات الحرب الاميركية على الشيوعية أطالت من عمر الاتحاد السوفياتي وإلا كان قد تحلل في العام 71 بدلاً من العام 91 فالعدوانية الأميركية كانت قد ضيقت الخناق على حركة أعداء الإشتراكية السوفييت .
التاريخ لا يحتمل المزاح إلا أن زعماء الغرب وفيما بعد انهيار الرأسمالية على وجه الخصوص يمزحون مزاحاً سمجاً وثقيلا مستخفين بصرامة التاريخ . فهم مثلاً لا يذكرون من الحرب العالمية الثانية ونهاية ألمانيا الهتلرية سوى “D-Day” وهو ما يعني فعل حسم الحرب على ألمانيا . في ذلك اليوم 6 يونيو 1944 كان إنزال النورماندي حوالي 197 أف جنديا في نورمانديا شمال غرب فرنسا بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا واضحة في الأفق القريب بعد معركة الدبابات الفاصلة في كورسك في صيف 43، لم يلعب أي دور في مجريات الحرب على ألمانيا لا بل حمّل مجهودات الحرب السوفياتية جهودا إضافية لفك أسره من الحصار الذي وقع فيه من قبل 20 فرقة ألمانية في جبال الآردن (Jardins) في 25 ديسمبر 44 . عندما كان ستالين يلح على تشيرتشل لفتح جبهة غربية تحمل عبئاً من أثقال الحرب الهائلة إلا أن تشيرتشل كان يرفض ذلك ظناً من البعض أن تشيرتشل كن يقصد إنهاك الاتحاد السوفياتي حتى النهاية غير أن هذا الإفتراض كان يعني المغامرة بوجود بريطانيا وبإمكان أن تكون مستعمرة ألمانية أو الأحرى كولونيا هتلرية . كان تشيرتشل يؤكد لستالين أنه ليس بمقدور بريطانيا ولا حتى الدول الغربية الكبرى الثلاث أن تفتح جبهة قادرة على الصمود بوجه ألمانيا ولن تكون إلا لقمة سائغة لألمانيا دون مقابل ودون أن تخفف أي عبئ من أعباء الاتحاد السوفياتي، وهو ما أثبته إنزال النورماندي .
كان الرئيس فرانكلن روززفلن وهو أعظم رئيس لأميركا صديقاً صدوقاً للإتحاد السوفياتي ويرى في ستالين مستقبل البشرية كما كتب في مفكرته الشخصية قبل وفاته . أما تشيرتشل وفي خطبته عن الستار الحديدي في مدينة فولتون الأميركية فلم يقترح على ترومان أكثر من تحالف حضاري أنجلو سكسوني في وجه "صديقه" ستالين السلافي . غير أن ترومان وريث هتلر في العداء للشيوعية وجد في حزب العمال البريطاني من هم خونة للطبقة العاملة وعلى رأسهم العميل المأجور اترنست بيفن (Ernest Bevin) وزير الخارجية يعقد معه حلف شمال الأطلسي ويتجاوز حدود وظيفته ويقيم مكتباً للتجسس في وزارته لمقاومة الشيوعية (MI6) .
يتبع
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أميركا .. والشيوعية (3)
-
أميركا .. والشيوعية (2)
-
أميركا .. والشيوعية (1)
-
لماذا انهارت الأحزاب الشيوعية !؟
-
القصور الفكري مرض عضال في الحركة الشيوعية (2/2)
-
القصور الفكري مرض عضال في الحركة الشيوعية
-
الشتائم في السياسة
-
أين هي الثورة الشيوعية اليوم !!
-
الديالكتيك الماركسي
-
إنتفاضة الشعب اللبناني
-
فُجْرَة رأسمالية الدولة
-
الحوار المتمدن اليساروي
-
إنتهى التاريخ مع نهاية حياة ستالين (تتمة)
-
إنتهى التاريخ مع نهاية حياة ستالين
-
الصراع الطبقي أودى بالإتحاد السوفياتي
-
الحكمتيون المستلبون مرة أخرى
-
النظام الدولي المنافي للطبيعة
-
الحكمتيون المستلبون بالأدلجة
-
رسالة مفتوحة للرئيس محمود عباس
-
نظرية الإعتمادية “Dependency Theory” (2/2)
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|