حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6771 - 2020 / 12 / 26 - 11:26
المحور:
الادب والفن
هل من تلازم بين الذكاء والحنان؟، أو في صياغة أخرى للسؤال: هل الذكي هو بالضرورة حنون؟.
هذا على الأقل، ما يعتقده الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس في كتابه «هوامش سيرة» في معرض حديثه عن والده الذي وصفه بالذكي جداً، قبل أن يضيف: «ومثل كل الرجال الأذكياء كان حنوناً جداً».
لم يقل لنا بورخيس ما إذا كان هذا القول ينطبق على النساء أيضاً، فهل النساء الذكيات أو الذكيات جداً، هن أيضاً حنونات جداً.
لندع هذا جانباً، الآن، ونقصر حديثنا، كما شاء بورخيس، على الرجال، فإذا كان والده الذكي جداً، حنوناً جداً، ماذا عن كثير من الرجال الذين لا مراء في ذكائهم، ومن بينهم ساسة مرموقون وجنرالات في الجيوش، وربما رجال أعمال بارزون، لكن لا يمكن وصفهم بالحنونين أبداً، فهم قساة غلاظ القلوب، لا يترددون في ارتكاب الحماقات، ولا يرحمون كل من يقف في وجوههم أو يختلف معهم.
من العدل أن نُنصف بورخيس، فهو رأى مثالاً في والده الذي له فضل كبير في تنشئته وفي اختياراته في الحياة، ويمكن القول أيضاً إنه ورث الذكاء والموهبة منه، لكن النفوس الإنسانية أكثر تعقيداً والتباساً مما رآه في والده.
لوالد بورخيس جذور إنجليزية، حيث هاجر أحد أجداده إلى الأرجنتين واستقر فيها. كان الأب فخوراً بأولئك الأجداد، لكنه كان على درجة من الظرف تجعله يسخر من أمة أجداده، وينقل عنه ابنه قوله: «ما الإنجليز في آخر المطاف؟ مجرد مجموعة من الألمان يعملون في الزراعة».
والأب الشغوف بكتب الماورائيات، كان أيضاً شغوفاً بالأدب، ويرى بورخيس أن والده هو من كشف له قوة الشعر، حيث «الكلمات ليست وسائل للتواصل فحسب؛ بل رموز سحرية وموسيقى»، كما يقول. ويقول أيضاً إن امه تقول له عندما يُلقي الشعر بالانجليزية، إن صوته يشبه صوت والده.
لم يولد بورخيس ضريراً كطه حسين، أو يفقد بصره وهو طفل. أخذ بصره، الضعيف أصلاً، يتراجع مع الوقت، ولكن ما من رجل ارتبط اسمه بالمكتبة مثله. حتى حين فقد بصره كاملاً استمرّ في القول إنه يبصر الكتب.
هنا أيضاً للوالد أثره البالغ. يقول بورخيس لو طلب منه أن يذكر أهم حدث في حياته، لقال إنه وجود مكتبة أبيه في البيت. وهو يظن أنه لم يخرج أبداً من تلك المكتبة.
وعلى الرغم من مضي السنوات، ظل بإمكانه أن يراها، فمع أنه نسي معظم وجوه من عرفهم في طفولته، لكنه لم ينس أغلفة الكتب التي نشأ بجوارها.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟