|
حرية التعبير حق مصون اقرّته المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية
ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 6770 - 2020 / 12 / 24 - 17:52
المحور:
حقوق الانسان
تعتبر حرية التعبير الوسيلة الأولى التي يجب أن يملكها كل واحد من أجل أن يتمكن من الكشف عن خصوصية تفكيره بدايةً و كيانه أخيراً من خلال الإتصال الإجتماعي. ومن أجل تحقيق هذه الغايات حملت حرية التعبير فيما بعد بصفتها ظاهرة اجتماعية أهمية سياسية خاصة تلك التي تبرر المطالبة بها كحرية ، حيث تزايدت المطالبة الإجتماعية بحرية التعبير في أوروبا في الوقت الذي انفصل فيه الواقع السياسي عن الظاهرة الدينية ، فاكتست هذه الحرية مدلولاً سياسيا يمكن بواسطتها لكل فرد أن يبني رأيه الخاص به و يتخذ اختياراً واضحاً وهادفاً للمجتمع ، و يعتبر المعتقد أُولى هذه الخصوصيات التي يثبت بها وصف الإنسان. اتضحت الصدارة التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لثقافة احترام كرامة وضمير كل إنسان على وجه الكرة الأرضية. ونحن نعتقد أن حماية الحق في حرية الضمير والديانة أو العقيدة ليست مجرد ممارسة قانونية أو ضرورة واقعية، بل هي جزء أكبر بكثير وتعهد روحي جوهري يشكل المواقف والممارسات التي تسمح للإمكانيات البشرية أن تتجلى وأن يزدهر نتاج العقل الإنساني الذي وهب السبب والضمير للبحث عن الحقيقة بحرّية تامة ودون قيود.و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 قد أخضع حرّية التعبير عن الرأي لضوابط واضحة ومعقولة وكذلك فعلت التشريعات الوطنية في مُجمل الدول، وأطلقت حرّية الرأي والتعبير لتصبح أداة في يدّ صاحبها يجب عليه حُسن استعمالها حتى لا يقع تحت طائلة محاسبة قانون الدولة، أو طائلة غضب وثائرة المتضريرين وما قد ينتج عنه، إذ إن إشكالية صاحب الرأي لن تكون مع القانون في ظل وجود تشريعات منظمة وفي ظل ضمانات المحاكمة العادلة وحق الإنسان في قرينة البراءة وسبُل التظلم الفعّالة وجميع المبادئ القانونية الجنائية التي تصبّ في صالح المتهم، بل ستكون مع الآخر، لذلك فأن التمتع بهذه الحرّية تكون (لا ضرر ولا ضرار)وهذا المبدأ إسلامي. إن ظهور مفهوم حرية الرأي فترة القرون الوسطى في المملكة المتحدة بعد الثورة التي أنهت عهد حكم الملك جيمس الثاني، وبعد ذلك بحوالي عام أصدر البرلمان البريطاني قانوناً يسمح بحرية الكلام داخل البرلمان، ثم قامت الثورة الفرنسية، والتي أعلن بعدها عن حقوق الإنسان والمواطن داخل فرنسا، ثم ظهرت بعض المحاولات في الولايات المتحدة التي تنادي بحرية الرأي والتعبير كحقوق أساسية للإنسان، ولكنّ هذه المحاولات جميعها فشلت، ومن أشهر الفلاسفة الذين كانوا ينادون بحرية التعبير: جون ستيوارت ميل الفيلسوف جون ستيوارت ميل(1806-1873) من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي غير أخلاقيا في نظر البعض حيث قال "إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة" وكان الحد الوحيد الذي وضعه ميل لحدود حرية التعبير عبارة عن ما أطلق عليه "إلحاق الضرر" بشخص آخر( أي نفس مبدأ "لا ضرر ولا ضرار" ) ولا يزال هناك لحد هذا اليوم جدل عن ماهية الضرر فقد يختلف ما يعتبره الإنسان ضررا أُلحِقَ به من مجتمع إلى آخر. وكان ظهور المجتمعات الغربية الديمقراطية بالتوازي مع حريتي التعبير و المعتقد, إذ يتطلب المجتمع الحديث الديمقراطي تشكيل "رأي عام " و الذي يستلزم بدوره الإعتراف بالدور المركزي للمعلومة بصفتها إحدى قِيمِه الأساسية. و يتطلب ذلك أن تصل المعلومة إلى المواطن من أجل أن يتمكن من الإختيار و المشاركة في النقاش العمومي . و لا يمكن تحقيق ذلك إلاّ من خلال عملية الإتصال و التواصل مع الغير. و أدت الأهمية الممنوحة إلى فكرة التواصل و إلى نقل المعلومة في المجتمع إلى ظهور حرية التعبير كقيمة أساسية. و لكن كان للأنظمة الشمولية أثر سلبي على هذه العملية ، و تأكد دور هذه الأنظمة من خلال سلطة الكنيسة . لذا كانت بداية التغيير بالقضاء على سلطة الكنيسة من خلال فرض حرية المعتقد بمختلف صورها حتى الإلحادية منها. لذا ارتبط ظهور حرية التعبير في الدول الأوروبية مع تكريس الحرية الدينية و منها حرية المعتقد ، التي أعطاها الغرب مدلولاً مغايراً للفكر الكنسي التسلطي . فنشأت حريتا التعبير و المعتقد كحريتين سياميتين ؛ يرتبط فيهما الحق بالتواصل بالحق في التعبير باعتباره تصور أداتي للحقيقة ؛ و تشكل حريتا التعبير و المعتقد معا معادلة العملية التواصلية، يمثل المعتقد مضمونها و التعبير مظهرها . كفالة حرية المعتقد كما يترأى لضمير الفرد ، أمر جوهري في مسألة التطور الإنساني. فهو بمثابة الطريق في رحلة الإنسان للبحث عن المعنى. فالرغبةِ في المعرفة والتعرف على ذواتنا كبشر هو بالتحديد ما يُميّزُ الضميرَ الإنسانيَ. وتقريرِ الأمم المتحدة للتنمية البشرية لسنة ٢٠٠٤ الذي حمل عنوانًا ذا أهمية بالغة ألا وهو: "الحريَّة الثقافية في عالمِ اليومِ المتنوّعِ" والذي يعترف للمرّة الأولى في تاريخ تقارير برنامج التنمية البشرية (التي بدأ إصدارها منذ عقدين تقريباً) بالحريَّة الثقافية بوصفها "جزء حيوي في عملية التنمية البشرية" وأَكّدَ التقرير على "عمق الأهمية التي يمثلها الدينِ لهويات الشعوب. ومن مصلحة الأنظمة الوطنية احترام الخصوصيات الثقافية و الدينية الموجودة داخل الدولة ، لأن ذلك يعد عاملا مساعدا يؤدي إلى تقوية وحدتها و سيادتها . يعني ترقية المجتمع المدني و مؤسساته و أدوات عمله و السماح له بالمشاركة السياسية الفعّالة . لأنه قد يؤدي إهمال هذه الخصوصيات إلى اتساع الهوة بين الدو ل و شعوبها في العالم النامي ، مما يؤدي إلى زيادة أعباء السيطرة السياسية المفروضة التي يجب أن تفرضها على شعوبها ، و يتطلب هذا الأمر الزيادة في الدعم الخارجي لهذه الدول حتى تحافظ على بقائها. فإذا فقدت هذه الدول السيطرة على شعوبها ستفقد القدرة على الحفاظ على مصالح الدول الكبرى ، مما ينذر بالعصيان المدني و الثورة الشعبية ، و لا يخدم هذا مصالح الدول الكبرى ، خصوصا و أن الدول الكبرى لا تكترث بوضعية حقوق الإنسان في أي مكان في العالم إلا إذا كان ذلك من شأنه توسيع مصالحها. المجتمعات العربية على العموم يمكن تصنيفها أنها مجتمعات محافظة. أي أنها مجتمعات تعمل على الحفاظ على المؤسسات التقليدية في المجتمع، تدعم الاستقرار، وتدافع عن التسلسل الهرمي وليس المساواة، تنظر بعين الريبة للابتكار. وتمنح أولوية لمفهوم النظام، تساند التوزيع القائم للثروة والمكانة الاجتماعية. هذه المجتمعات تدعم أيضا تدخل أفرادها في شؤون الآخرين، والحكم الأخلاقي على تصرفاتهم. وفي معظم الأحيان يقوم الأقل تعليماً والأكثر رجعية بالتدخل السافر في حياة من حوله. وهنالك معايير دولية لأي قانون لحرية التعبير تتمثل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليها من قبل العراق، كما أن القانون يستند إلى المادة (38) من الدستور العراقي التي أعطت الحق في حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. يمتد التزام الدولة بضمان احترام حرية التعبير، و حرية تداول المعلومات إلى العلاقات الخاصة فيما بين الأشخاص العاديين أنفسهم . فلا ترتب حرية التعبير آثارها فحسب في العلاقات العامة فيما بين الأشخاص العاديين و السلطات العامة (العلاقة عمودية) ؛ إنما لها أثر أفقي يتعلق بالعلاقات الخاصة ما بين أشخاص القانون الخاص . إذ تحمي حرية التعبير على سبيل المثال العامل من شروط العمل التعسفية ، وتحمي المدرس في مواجهة السلطات الدينية التي تدير مدرسة معينة . وظهرت نظرية المسؤولية على أساس الفعل غير المشروع كنتيجة للانتقادات الموجهة لنظرية المسؤولية على أساس الخطأ. و يكاد يجمع الفقه على تعريف الفعل غير المشروع، بأنه الفعل الذي يشكل انتهاكاً لأحكام القانون بما فيها أحكام القانون الدولي الإتفاقية أو العرفية أو لمبادئ القانون العامة.و تتمثل عدم المشروعية في التناقض بين تصرف الشخص، حتى و لو كان دولة، في مجال معين و التصرف الذي كان يجب عليه اتخاذه بمقتضى قواعد القانون بما فيها قواعد القانون الدولي في هذا المجال ، سواءً أخذ هذا الفعل غير المشروع شكل التصرف أو شكل الإهمال، سواءً كان في شكل التزام بعمل أو امتناع عن عمل. من صور هذه الأعمال غير المشروعة، و التي تكون مرتبطة بحرية التعبير، بما فيها حرية التعبير عن المعتقد. وقد نصَّت المادة الأولى من الإتفاقية الدولية لإستخدام البث لصنع السلام لعام 1936 على منع و تحريم أنواع معينة من البث من خلال التزام الدول الأطراف في الإتفاقية بوقف ما قد يصدر من أقاليمهم يتضمن برامج قد تكون ضارة بالتفاهم الدولي، أو تشكِّل تحريضاً لشعب دولة أو إقليم تابع لدولة أخرى متعاقدة على القيام بأعمال تخالف النظام أو الأمن الداخلي لإحدى الدول الأطراف، و حرَّمت الإتفاقية أي تحريض عن طريق البث على الحرب الأهلية أو العصيان المسلح أو غيرها من الدعاية الهدامة. إضافة إلى معاهدات عديدة أخرى ثنائية أو متعددة الأطراف. فعلى كل دولة تحاول إرساء نظام ديمقراطي أن تُضَمِّن دساترها نصوصا تحمي حريتي التعبير و المعتقد, وأن تُضمن القوانين الداخلية مختلف عناصر حرية التعبير, أن تحدد القوانين المتعلقة بالمنازعات إجراءات إثبات المعلومات و الأفكار تبعا لإختلاف طبيعة كل واحدة منهما ، بما لا يشكل مساسا بحرية التعبير , وأن تأخذ الحكومات و المشرع إلى البعد الجديد للمواطنة " المواطنة العالمية " ، الذي أنتجه التطور التكنولوجي والعولمة مع بروز مفهوم الإعتماد المتبادل كأحد المفاهيم الحاكمة للعلاقات الدولية في ظل ثورة المعلومات و الإتصال و الإعالم و حرية التجارة العالمية ؛ خصوصا مع انتقال حريتي التعبير و المعتقد إلى المستوى الدولي و التي أقرّتها المواثيق والاتفاقيات الدولية .
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخصومة الجنائية وحقوق المتهم
-
التكليف بالحضور في الدعوى الجزائية ( الاستقدام )
-
التواجد الامريكي في المنطقة والخليج خاصة لأجل السيطرة على حق
...
-
بطلان اجراءات التحقيق الابتدائي
-
دور القاضي الجنائي إيجابي ويقتضي منه أن يبحث عن الحقيقية بكا
...
-
مفهوم الإجرام السياسي وفقاً لطبيعة النظام السياسي
-
ضعف الدولة يُعرف في كثير من الأحيان، بمدى ضعف الشرعية أو قوت
...
-
الازمات الإقتصادية المتتالية التي تعاني منها الدولة العراقية
-
الرِقابَة البَرلَمانية على أعمال السِلطَة التَنفيذِية
-
احباط المخططات الاميركية التي تعمل على تحقيقها بذريعة حماية
...
-
الدهر إذا طال دَمَّر
-
الانظمة العربية التحول الديمقراطي والمنظمات غير الحكومية في
...
-
يُشَكِّل الدستور ضمانة لليمقراطية وحقوق الإنسان
-
النظام الشمولي وكيف للأنظمة الشمولية تمكنت أن تشقّ طريقها من
...
-
إدارة التنوع الثقافي والأمن المجتمعي
-
خطاب التنمية التغيِّر الاجتماعي والمنظمات غير الحكومية
-
المحاصصة الطائفية أسقطت أركان الدولة الوطنية
-
مفهوم الحزب في المدارس الفكرية المختلفة
-
الديمقراطية وحدها لا تكفى بل ما قبل الديمقراطية هو الأهم
-
للقوانين الإنتخابية وبساطة النظام الإنتخابي إنعكاس كبير على
...
المزيد.....
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|