أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - باقي صدقة … الذي مصرُ تعيشُ فيه














المزيد.....

باقي صدقة … الذي مصرُ تعيشُ فيه


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6766 - 2020 / 12 / 20 - 11:47
المحور: حقوق الانسان
    


لن يقرأ هذا المقال! علّه أولُ مقالٍ لي لا يزورُ عينيه منذ عشرين عامًا، رغم أن كلَّ حرفٍٍ في هذا المقال النازف يخفقُ بحبّه، وكلَّ خفقةٍ تشدو وجعًا لرحيله. ها هو هذا العامُ الحزين 2020 يأبى أن يحملَ عصاه ويمضي إلى حال سبيله؛ دون أن يفجعنا بفقد ما لا يُعوَّض، وقبل أن يختطف رموزًا مصرية مشرقة عزَّ أن تتكرر. شمعةٌ وطنية نادرة انطفأتْ ورحل رجلٌ عظيمٌ كان يحمل مصرَ في قلبه ولا ينطقُ إلا عشقًا لها. كان لي بمثابة الأب الروحي الذي يُنير دربي بمشعل الوطن. كان يقرأ جميعَ مقالاتي بجريدة "المصري اليوم" ويهاتفني من أسيوط، مهما كانت حالتُه الصحية، وبصوتِه الواهن يشدُّ على قلبي، ويقويني إن انكسرتُ؛ فاتعلمُ منه المحبة والوطنية والثراء الفكري والروحي. فقدتُ هذا السندَ الطيب وتمضي الحياةُ بي وقد خسرتُ ذلك الصوتَ المثقفَ الذي كان أعظم عطايا الله التي نعمتُ بها سنواتٍ طوالا قبل أن ألتقي به لأول مرة في ربيع العام الماضي في مدينة أسيوط. المفكر الوطني الكبير، القسّ "باقي صدقة"، راعي الكنيسة الإنجيلية بأسيوط وأحد كبار الرموز الوطنية والفكرية المصرية.
دعاني لزيارة مدينة أسيوط، قلب مصر، التي أطلق عليها الجدُّ المصريُّ اسم: "سَوْت"، وتعني بالمصرية القديمة: “الحارس"؛ لأنها حارسةُ حدود مصر العليا وصعيد مصر. ولأنها كانت الصخرةَ المنيعة التي ساندت مدينة "طِيِبة" في نضالها الباسل ضد الهكسوس الغُزاة، الذين دحرتهم مصرُ وطردتهم من أرضنا المباركة، لتتكوّن أقدمُ إمبراطورية عرفها العالمُ، ثم تحوّل اسمُها في اللغة القبطية إلى "أسيوط"، كما نعرفُها اليوم. قلبُ مصرَ النابضُ بالثقافة والحياة والأثر الطيب، وتضمُّ بين ثناياها عشرات المناطق السياحية الفرعونية والقبطية والإسلامية، أهمُّها "الدير المحرّق"، الذي سكنته السيدةُ العذراء مريمُ البتول المطهّرة مع طفلها السيد المسيح عليهما السلام، شهورًا طوالا، ومنها دير السيدة العذراء في درنكة، ومسجد "الفرغل" في أبو تيج، والمسجد الأموي وغيرها، عدا الآثار الفرعونية الخالدة.
وكان لقائي الثري بذلك الأستاذ الجليل، الذي خرجت من تحت يديه أجيالٌ من الوطنين الشرفاء الذين علَّمهم قيمة "مصر" الوطن، وقيمة "الإنسان" الذي يُحبُّ الوطنَ، ويفتديه بكل غال. بدأت علاقتي بهذا الرجل الجليل منذ سنوات. يهاتفني مرةً في الأسبوع أو مرتين، ليُعلِّقَ، بصوته العميق على مقالاتي، ويشدُّ على كفيّ مؤازرًا في المحن التي أتعرّضُ لها بين الحين والحين من الدوجمائيين الإقصائيين أعداء الحياة. في عهد الإخوان التعس، كان يطمئنني ويهدئ من وجلي قائلا: (مصرُنا ستعودُ لنا. فلا تخافي. فهي محميةٌ بأمر الله في الإنجيل والقرآن.) وبعد ثورة 30 يونيو 2013 حين طردنا الإخوانَ، تغيرت عبارتُه إلى: (مصرُنا عادت إلى مصرِنا.)
كان رجلا فريدًا؛ إنْ طابَ لك الحظُّ والتقيتَه، ستعرفُ أنك في حضرة إنسان عزَّ نظيرُه، نسجٌ وحده. إن تكلّمَ، تمنيتَ أن يتوقّف الزمانُ لكيلا يُنهي حديثَه. وإن صمتَ ليُفكّرَ؛ تمنيتَ أن تركضَ الدقائقُ سريعًا حتى يعاودَ الحديثَ. أحببتُه سنواتٍ طوالا قبل أن أراه. كانت المحادثاتُ التليفونية بيننا هي جسر الوصال الوحيد، إضافةً إلى محاضراته التي أشاهدها على الانترنت وكلماته في الصحف وكتبه وترجماته القيمة. ولهذا كنتُ في حال من الشغف لرؤياه رأي العين ومصافحته يدًا بيد بعد سنين من الانتظار لهذا اللقاء الثريّ. في الطائرة من القاهرة إلى أسيوط، كنتُ أعدُّ الدقائق حتى أصل إليه. وبعد مراسم الاستقبال الدافئة في مطار أسيوط بالحبِّ والزهور، كنتُ أسابقُ الجميعَ في الطريق إلى قاعة المناسبات في الكنيسة الإنجيلية الأولى بأسيوط، حتى ألتقي بتلك القامة الفكرية والوطنية الشاهقة: “المفكر باقي صدقة"، الذي أهدى المكتبة العربية قرابة الثلاثين كتابًا من عصارة فكرة ووطنيته وترجماته للفكر العالمي. وأخيرًا التقت عيناي بعيني ذلك الرجل الذي يقُطرُ رقيًّا وتحضّرًا وعشقًا لمصر ومحبةً لله ولجميع خلق الله.
من عطايا الله الطيبة لي كذلك، أن كلّف الأستاذُ "باقي صدقة" الأصدقاءَ في أسيوط بتنظيم عدة زيارات جميلة لي كان من بينها زيارة "دار لليان تراشر للأيتام"، وزيارة "الدير المحرّق" بالقوصية، وزيارة “مدرسة “السلام الحديثة” في أسيوط بمتاحفها: “الفرعوني والبيولوجي والكيميائي”. وكلٌّ من تلك الزيارات الثمينة كانت درسًا عميقًا لي لأتعلمَ أشياءَ لا يُحصّلُها المرءُ في آلاف الكتب وعشرات السنين.
رحمك الله يا أبي العزيز وألهمنا الصبر على فراقك الصعب. وطوبى لمصر برموزها الثرية مشاعل الوطن، وطوبى للمصرين بمصرنا العظيمة، وطوبى لكل من يحبُّ الوطن. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يعيشُ في قلبه الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمّ نجيب … لقاءٌ أولُ .. لقاءٌ أخير
- صندوق تحيا مصر … هاتريك!
- أوركسترا وطني بقيادة المايسترو عبد الفتاح السيسي
- واحد من المصريين
- الوصية … اعرفْ جيشَك
- الذبائحُ
- أضواء -سوهو- … نبوءةُ مصرَ للنور
- أولُ لصٍّ … أولُ مفتاحٍ ... في التاريخ
- فاروق الجوهري …. مايسترو الخطوط والألوان
- شمعةٌ مصرية ضد البغضاء
- في الهالوين … يكبر الأطفال ويحبّون العالم
- معجزةُ الأسمرات …. مدينةُ الأميرات
- جانا نهار وقدر يدفع مهرها … ثلاثةُ متاحفَ مصرية
- عيد ميلاد -دولة الأوبرا- المصرية
- مهرجانُ الجونة … رسالةُ مصرَ للعالم
- دموع جمال الغيطاني … في باريس
- بانوراما السِّحر في سيرة حبّ بليغ
- هل أنت فقيرٌ حقًّا؟
- العتبة الجميلة … مازالت مخطوفة!
- اليوم العالمي للإبصار… هذا الرجل أحبّه!


المزيد.....




- الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة ...
- الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد ...
- الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي ...
- الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...
- صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي ...
- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - باقي صدقة … الذي مصرُ تعيشُ فيه