أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - ثانياً: الحرية














المزيد.....

ثانياً: الحرية


فارس تركي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 6765 - 2020 / 12 / 19 - 18:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إن سمات المجتمع المنتج للدولة الحديثة مثلها مثل سمات المجتمع المنتج للدولة القديمة يؤدي بعضها إلى بعض ويخلق وينشأ ويقوي ويعزز بعضها بعضاً ، لذلك فإن سمة الفردية ستصبح إحدى العوامل المساعدة على إنتاج وترسيخ سمة أخرى من سمات المجتمع المنتج للدولة الحديثة وهي الحرية . فالإنسان الذي يشعر بفرديته والذي يقلل من سيطرة العقل الجمعي عليه لا بد له من أن يخلق الإرهاصات الأولى للديمقراطية والحرية ، ولا بد له من أن يسعى إلى رفع سقف حريته بكل أنواعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية ، ولا بد أن يكون ذلك كله على حساب النظام الأبوي والديكتاتورية ، ولا بد أن الظروف الجغرافية التي ساعدته على خلق فرديته ستساعده على خلق حريته وديمقراطيته . فمثلما اصطدمت الظروف الجغرافية بسمة العقل الجمعي وانتجت سمة الفردية كبديل لها ، اصطدمت أيضاً بسمة أخرى من سمات المجتمع البدائي ألا وهي سمة القمع والنظام الأبوي والديكتاتورية ودخلت في صراع معها استمر لفترة طويلة وأسفر عن تآكل وتراجع وإضعاف تلك السمة إلى درجة كبيرة من جهة ، وخلق وتنمية وتعزيز سمة بديلة عنها وهي الحرية من جهة أخرى .
إن المجتمعات البدائية عند خط الشروع أي عند بداياتها الأولى كانت كلها تتسم بسيطرة النظام الأبوي وتغول الديكتاتورية وغياب الحرية إلا أن بعض هذه المجتمعات لم تساعدها ظروفها الجغرافية على تقوية وتجذير هذه السمة ، فعلى الرغم من اضطرار البشر وبحكم المصلحة وتحقيق الربح – وكما ذكرنا سابقاً - إلى العيش في جماعات ، وعلى الرغم من أن هذا الاضطرار الأول قادهم إلى اضطرار ثاني وهو إيجاد وخلق طبقة أبوية عشائرية دينية أسرية للعناية بشؤونهم وحل منازعاتهم وخلافاتهم ، إلا أن حجم ومساحة نفوذ وسيطرة هذه الطبقة في المناطق الخضراء كان أضعف بكثير مما هو عليه في المناطق الأخرى ( الصحراوية ، شبه الصحراوية ، تضاريس صعبة ، مناخ متقلب ) . وذلك لأن المناطق الخضراء تزود ساكنها بآليات ووسائل تمكنه من مناورة ومشاكسة وحتى تحدي النظام الأبوي ، فالأراضي الخضراء والمنبسطة والمتعددة الخيرات تجعل من كل البيئة المحيطة بالإنسان بيئة صالحة للعيش والعمل والابتكار مما يعني أن هذا الإنسان تمتع طوال تاريخه برفاهية وخيار الانتقال من مكان إلى آخر ما أن يواجه وضعاً لا يرتضيه أو أفكار لا تقنعه أو سلطة تضطهده أو نظام أبوي يقسو عليه ، وتمتع أيضاً ببيئة مشجعة للاختلاف والابتكار والتساؤل والانتقاد .
وفي مثل هذه البيئة تصبح الحرية شرط أساسي وضرورة لا غنى عنها ، فلا يمكن أن يوجد ابتكار وتطوير للذات بدون سقف معقول من الحرية ، ولا يمكن أن يستطيع الإنسان أن يستغل ويستثمر البيئة المحيطة به بالشكل الأمثل ما لم يتمتع بهامش من الحرية ، وبما أن الجغرافيا الخضراء تصنف ضمن البيئات القابلة للاستثمار والتطوير والابتكار فإنها ستدفع ساكنيها دفعاً إلى رفع سقف حرياتهم ، وإلى البحث عن المزيد من الحرية وخلق مناخات جديدة لها وعلى مختلف المستويات . وكلما أثبتت الحرية أنها نافعة ومفيدة وكلما مكَّنت الإنسان من مزيد من الاستغلال النافع لمحيطه ، كلما ازداد تعلقه بها حتى تتحول في نهاية المطاف إلى جزء أصيل من تكوينه النفسي والعقلي ، وتصبح سلوكاً يومياً يمارسه الإنسان بدون تكلف بل وبدون وعي وكأنه روبوت لا يفعل إلا ما بُرمج عليه ، فيصبح مجبراً على أن يكون حراً على الرغم مما تحتويه العبارة من تناقض .
إن التمتع بهذا الخيار وهذه البيئة ترتب عليه نتائج كثيرة أهمها إضعاف سطوة الطبقة الأبوية والحد منها ، وإجبارها – أي الطبقة – على التقليل – وبدافع المصلحة أيضاً - من حدة نبرتها الآمرة والمهددة والمتوعدة ، ومن ارتفاع صوتها التسلطي وزجرها ونهرها ، والتخفيف من استخدام وسائل القهر والقمع ، كذلك سيزداد تدريجياً ميلها وتفضيلها لأساليب الإقناع والحوار السلمي والعقلاني الهادئ ، وستتعلم فن الإنصات لما تقوله العامة وأفراد المجتمع وتتعلم كيف تتحاور معهم وستبدأ شيئا فشيئا تحسب حساباً لما يقولونه وما يفكرون به وما يفضلونه وما يميلون إليه وكل ذلك سيصب في نهاية المطاف في مصلحة تعزيز وتقوية وغرس مفهوم الحرية والديمقراطية والنظرة النسبية للحياة وتعدد الآراء وقبول الآخر المختلف والتواصل معه ، وسيسحب بالتدريج ويقلل من رصيد الديكتاتورية والنظام الأبوي ويوهن أركانهما .
أضف إلى ذلك أن وجود مثل هذا الخيار ومثل هذه الأجواء حتى إذا كان بشكل بسيط سينعكس بشكل أو بآخر على نفسية وعقلية وسلوك أفراد المجتمع وعلى كافة المستويات كالعلاقة بين أفراد العائلة والرجل بالمرأة والأب بأبنائه والكبير بالصغير وعلاقة الزعماء بمن يتبعهم ورجل الدين بمريديه وكل العلاقات البينية بين أفراد المجتمع البدائي ، وسيؤدي حتماً إلى رفع سقف الحرية وسيغير بالتالي من الأسلوب والطريقة التي سيدار بها هذا المجتمع البدائي . فعلى الرغم من كونه مجتمع بدائي وعلى الرغم من أنه كأي مجتمع بدائي آخر يحتاج إلى مستوى من القوة والتسلط من أجل إدارته ، إلا أن هذا المستوى سيكون بالتأكيد أقل في هذا المجتمع قياساً بغيره من المجتمعات المختلفة عنه . إن هذا ( الأقل ) حتى إذا كانت نسبته ضئيلة فإنه حتماً سيترك أثره التراكمي على المجتمع ، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى رفع هذه النسبة مما سينعكس على المجتمع مرة أخرى وهكذا دواليك ، وكل ذلك ستكون نتيجته الحتمية الاقتراب أكثر وأكثر من مناخات وشروط ومقدمات الحرية والديمقراطية والابتعاد عن مناخات الديكتاتورية والنظام الأبوي المتسلط .
إن وجود هذا الخيار وما تمخض عنه من خلق وتشجيع لمفاهيم الحرية والديمقراطية كان أحد الأسباب التي حدت من قدرة المجتمع المتمتع به على إنتاج الدولة القديمة ، لأنه أسهم بإضعاف واحدة من أهم السمات التي يحتاجها المجتمع البدائي من أجل إنتاج الدولة القديمة أي سمة النظام الأبوي والديكتاتورية ، لكنه من جهةٍ أخرى كان خير معين له في إنتاج الدولة الحديثة وفي نقل سمة الحرية والديمقراطية إليها .



#فارس_تركي_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سمات الدولة الحديثة/ أولا: الفردية
- تأثير الجغرافيا على أفكار البشر وسلوكياتهم
- الدولة الحديثة
- سادساً: غياب منظومة حقوق الإنسان
- خامساً: الروح الحربية وفلسفة القوة
- رابعاً : العقلية البدائية
- ثالثا: المنهج الوعظي الخطابي
- ثانياً : النظام الأبوي والديكتاتورية
- سمات الدولة القديمة / اولاً : العقل الجمعي
- الدولة القديمة
- ثالثاً : الصراع من أجل نيل الاعتراف ( الثيموس )
- ثانيا: التاريخ حر
- سنن التاريخ وقوانينه
- هل أصبح العالم غابة مرة أخرى ؟ وهل يجب على الأمريكيين أن يهت ...
- من نحن ؟
- مبدأ ترامب والمواجهة مع إيران
- النسق القيمي
- عقول وحقائق
- عقلنا عندما ينتخب !
- الانتخابات الأمريكية والتدخلات الروسية


المزيد.....




- هل ينام الأطفال بعمق أكبر في الشتاء؟
- روسيا تواصل تقدمها العسكري في أوكرانيا وتسيطر على ست مناطق ج ...
- روائح واخزة تنبعث من أماكن الغارات الإسرائيلية على الضاحية ا ...
- الخارجية الإيرانية: مزاعم ضلوع طهران في محاولات اغتيال ترامب ...
- مستشار أوكراني سابق: زيارة زيلينسكي إلى هنغاريا كارثية
- حريق ضخم يلتهم السيارات في شارع الحمرا ببيروت (فيديو)
- سيناريوهان متناقضان ينتظران إيران في عهد ترامب الجديد
- كيف أعادت غزة ترامب إلى البيت الأبيض؟
- اشتعال عشرات السيارات في حريق ضخم بشارع الحمراء ببيروت
- إيران: اتهامنا بالتورط بمحاولة اغتيال ترامب -عار عن الصحة-


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - ثانياً: الحرية