"ولا بعمرهم حيتهنوا بكرسي أو بوزارة طالما ظلوا أولادنا في السجن وإذا رجع أوسلو، لأننا خدعنا نحن وأولادنا بأوسلو". بهذه الكلمات القوية والواضحة عبرت أحدى النساء الفلسطينيات من أمهات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين عن حكومة أبو مازن الجديدة وعن القيادات الفلسطينية الجالسة في مقر المجلس التشريعي الفلسطيني وعلى مسامع العقيد محمد دحلان المرشح لشغل منصب وزير الدولة للشؤون الأمنية في الحكومة الجديدة، وكذلك على مسامع رئيس الوزراء الجديد محمود عباس أبو مازن، حيث كانا يمران بمحاذاة المتظاهرات الفلسطينيات على أبواب مقر الرئيس عرفات في المقاطعة وبالقرب من القاعة التي حصلت فيها جلسة المجلس التشريعي الفلسطيني للتصويت على حكومة أبو مازن المرتقبة.
هذا وقد دخل كل من الرئيس عرفات ومحمود عباس واحمد قريع ثلاثتهم إلى قاعة الاجتماع وكان باديا على وجوه كل من عرفات وعباس التجهم والحيرة والقلق وعدم الرضا عن الأمور ،هذا بالرغم من الكلام العسل المتبادل الذي سمعناه فيما بعد عبر كلمات كلاهما.
وقبل أن يتحدث عرفات وأبو مازن للحضور، قام أبو علاء بتلاوة رسالة من الحركة الأسيرة تعبر عن مطالب أساسية للأسرى وأهمها عدم التوقيع على أية اتفاقيات إسرائيلية فلسطينية قبل الإفراج عن الأسرى و المعتقلين الفلسطينيين.
وقد لوحظ في كلمتي أبو مازن وأبو علاء أن التحية خصصت للقادة الفلسطينيين المعتقلين من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ولم توجه أية تحية لشيوخ حركتي حماس والجهاد المعتقلين في السجون الإسرائيلية وخاصة الشيخ حسن يوسف مسئول حماس في الضفة الغربية.ترى لماذا تم تجاهل هؤلاء الأسرى ماداموا مثلهم مثل غيرهم من أسرى فلسطين، مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي يتم تجاهلهم فيها مع سبق الإصرار، هذا إذا ما عدنا لأيام قليلة ماضية حيث كان رئيس المجلس التشريعي خاصة تجاهل في كلمته الرسمية هذه الفئة من المعتقلين والأسرى.أما الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات فحاول أن يكون مميزا بعض الشيء عن أخويه في فتح الجالسين على يمينه ويساره، حين قاطع أبو علاء وقال نوجه التحية أولا للأسيرات الفلسطينيات المعتقلات في سجون الاحتلال..
أبو عمار طالب أعضاء التشريعي في كلمته بمنح الثقة للحكومة الجديدة وقال لأبي مازن ألله يعينك عليهم، ونحن نقول لهم كلهم باسم الشعب الفلسطيني الله يعينكم عليهم،لأن الشعب الفلسطيني يريد حكومة وطنية فلسطينية ببرامج وحدوية فلسطينية وطنية وليس ببرامج تعتمد على خارطة الطريق التي تعج بالشارات الإسرائيلية والأضواء الأمريكية، لذا فأن الذي سيتعامل مع تلك الطريق القصيرة بعقلية أوسلوية تفاوضية لا مجال أمامه سوى أن يعتمد على وسائل أمريكية لبلوغ النهاية الحتمية، وإذا كان البعض يفكر بالحصول منها على مكاسب وطنية فأننا نطمئنه إلى أنها خالية مما يفيد القضية الفلسطينية،باستثناء إمكانية العودة إلى ما قبل اندلاع الانتفاضة الثانية.وكان رئيس وزراء إسرائيل ارييل شارون قد أكد يوم الاثنين الموافق 28نيسان الحالي أنه يتعين على رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس العمل بحزم ضد فصائل المقاومة الفلسطينية ،وذلك كشرط لاستئناف المفاوضات السياسية معه.وأضاف شارون أنه من أجل إحراز تقدم سياسي يجب على حكومة أبي مازن أن تبذل 100 في المائة من الجهود للعمل بحزم ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة، ويجب عليه ألقاء القبض على ناشطين فلسطينيين وتقديمهم إلى المحاكمة ومعاقبتهم،كما ينبغي عليه العمل على تجريد التنظيمات "المقاومة" من الأسلحة الموجودة بحوزتها، وحذره أيضا من عقد أي هدنة مع حماس والجهاد لأن إسرائيل ستعتبر ذلك تطورا سلبيا...
كل هذه النصائح أوالتهديدات الشارونية كانت بالتأكيد حاضرة في مخيلة أبي مازن وأعضاء حكومته، وما ورد في بيان أو كلمة محمود عباس أمام أعضاء التشريعي اليوم يؤكد أن لدى هذا الرجل ومن معه من الذين يريدون القضاء على المقاومة لأجل خارطة طريق تعيدهم لطريق أوسلو المعقدة والطويلة برنامج عمل واضح الأهداف نستطيع من خلال كلمة أبو مازن اختصاره بالتالي:
1. سحب سلاح المقاومة والفصائل الفلسطينية بحجة أن السلاح الشرعي الوحيد هو سلاح السلطة الفلسطينية الذي سيستخدم فقط لحفظ القانون والنظام.
وهنا يجب التوقف مليا وجديا عند هذه النقطة لأنها توضح أن هناك توجه قوي عند الحكومة الجديدة لضرب المقاومة من خلال انتزاع السلاح الشعبي المقاوم الذي استمد شرعيته من بحر الدماء التي دفعها شعبنا ودفعتها الفصائل الفلسطينية وهي تدافع عن الوطن والسلطة والشعب والقضية بينما الذين كان يفترض بهم القتال وصد العدوان وحفظ النظام والقانون هربوا أو سلموا أسلحتهم للغزاة كما حصل في بعض مقرات السلطة،والسلاح الذي يحافظ على القانون عليه أولا الدفاع عن الوطن ليضمن سيادته وفرض القانون. نقول أنه لا شرعية للسلاح الذي يهرب من المعركة ويتقاعس عن صد ورد الغزو والعدوان ويفر من ساحة المعركة ومن الميدان ،بينما كان في السابق يتفنن في عرض العضلات على الشوارع وفي طرقات البلدات والمخيمات الفلسطينية. الشرعية الشعبية الفلسطينية هي مصدر شرعية البندقية المقاومة، هذه البندقية التي لازالت تدافع عن الوجود الفلسطيني وترفض أملاءات الاستسلام والتسليم بلاءات شارون وخرائط بوش. ولا يوجد سوى طريقة واحدة لنزع السلاح الفلسطيني يمكن الآن أن تكون ناجعة، وهذه الطريقة هي انسحاب الاحتلال من كافة الأراضي الفلسطينية وإزالة المستوطنات وقيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة،بعاصمة في القدس الشريف ومع حل عادل ومشرف وشرعي وقانوني يضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم عن ممتلكاتهم وما حل بهم من عذاب يكبر عذابات التشرد والمعاناة اليهودية بكثير.
2. دعوة الفصائل لوقف سياسة التعبئة والتحريض
هذه دعوة غريبة عجيبة،لأنها تمنع الفصائل من الدعوة لمقاتلة الاحتلال ومقاومته مع أن الطرف الآخر يمارس عمله الدعائي والإعلامي بكل حرية وبلا معوقات، وهل هذا يعني أن كل ما من شأنه معاداة الاحتلال والتشجيع على المقاومة ممنوع على الفلسطينيين في عهد حكومة مهندس أوسلو عن الجانب الفلسطيني؟
3. تعامل الحكومة الجديدة مع خارطة الطريق لن يتأثر بالإشارات الإسرائيلية ولن تقبل طرحها للتفاوض فخارطة الطريق هي للتنفيذ وليست للتفاوض،مع دعوة اللجنة الرباعية التي طرحتها وأعدتها إلى إعادة طرحها كما أطلع عليها الجانب الفلسطيني وضمان تنفيذها. كما أكد البيان رفضه للاستيطان وأكد أن السلام لا يتم مع استمرار الاستيطان.
نعتقد أنه كان من الأفضل أن تقول الحكومة أنه لا سلام مع الاستيطان القديم والجديد وأنه لا يمكن أحلال السلام وإقامة الدولة بوجود المستوطنات والمستوطنين على أرض فلسطين. وخارطة الطريق العتيدة بالتأكيد لن تفكك المستوطنات ولن تعيد الجيش الإسرائيلي إلى ثكناته و مواقعه التي كان بها قبل اندلاع الانتفاضة في 28أيلول 2000 . كما أن التجارب الماضية علمتنا أن الإسرائيليين لا يملكون قرارهم لأن القرار الإسرائيلي مرتهن لليمين الاستيطاني الفاشي الذي لا يقبل بأي حل لا تكون فيه إسرائيل كبرى بالمعنى الاستيطاني والتوسعي للكلمة. وشارون وحكومته هم الممثل الأكثر إخلاصا للسياسة الإسرائيلية اليمينية الإسرائيلية المتطرفة التي لا تؤمن بالسلام والعيش بجوار الجيران العرب بلا حروب وهيمنة.وتعتمد اعتمادا كليا وأساسيا على الاستيطان ومصادرة الأراضي وفرض الأمر الواقع على الأرض وعلى أصحابها وعلى العالم أجمع.
4. تحدث البيان عن رفض الحكومة للإرهاب بكل أشكاله ،كما تحدث أيضا عن قضية اللاجئين وطالب بحلها جلا عادلا ومتفقا عليه ومنصفا ومقبولا للاجئين يطبق قرارات الشرعية وخاصة 194 سيكون أحد أسس السلام الدائم بين الطرفين والتعايش المأمول في المستقبل. كما أكد البيان على قيادة ياسر عرفات للسلطة الفلسطينية وعلى رمزيته ومكانته و رئاسته، كذلك تحدث البيان عن الأوضاع الداخلية الفلسطينية وإعادة بناء البنية التحتية وسيادة النظام والقانون والشفافية والمحاسبة والمراقبة.
كل هذا الكلام جميل وأكثر من جميل لكن لكي يصبح الكلام أجمل والفعل أفضل علينا انتظار ما ستبديه الأيام القادمة،خاصة أن ردود أفعال الفصائل الفلسطينية جاءت واضحة وأجمعت على رفض سياسة شطب المقاومة وسحب أو جمع السلاح المقاوم تحت شعار لا شرعية سوى شرعية سلاح السلطة. وعلينا أيضا العودة لما قالته المرأة الفلسطينية التي تحمل صورة أحد أفراد عائلتها وتتظاهر مع الآخرين مطالبة بحل قضية الأسرى وبرفض أي حلول أخرى قبل حل قضاياهم، وبرفض العودة لسياسة ونهج أوسلو مهما كان الثمن. كما علينا تذكر أن المعركة بين عرفات وأبو مازن لم تنته وأنها بدأت الآن.