علاء داوود
الحوار المتمدن-العدد: 6764 - 2020 / 12 / 18 - 23:04
المحور:
الصحافة والاعلام
يوم قرر الشيطان غزو الجنة، بماذا كان يُفكر ؟!
لم يجرؤ على الإقتراب من ابتهالات الذكريات، لأنه لو فعل ما كان أقدم على جريمته،
كان كل حجر في الشام يروي قصته، وتروي أغصان أشجارها حكاياها الخاصة،
عندما جاء نازيو العرب والأعراب إليها لم يفقهوا لغتها حتما ً، فشتان بين ألحان الحب وأصوات البعير،
وأنهم غزاة الإمبرطوريات الواهمة أيضا ً ما أبصروا لمعانها، فما يُبصرون سوى أوهامهم الدفينة،
لن يكفي الزمن لنستطيع ملء أجفانه بلعنات الدهر.
كل الخُطى في شوارع المكان تمضي خائفة من ذكرى هنا وأخرى على الطرف المقابل،
ومحض صدفة تُجبر العابرين على إبصار عينٍ دامعةٍ خجلة، ليس باستطاعتها إخفاء الحزن،
تكاد تصرخ صامتة ً أن كُفوا عن السؤال وإن لم تهمسوا به، فليس في الروح إجابة سوى الصمت،
حتى الأبواب رغم ضوضائها تحكي بفصاحة الأوجاع ما كان، هنا كان المكان، هنا صار اللامكان،
هنا تعانق الأنبياء، هنا نزل الكتاب، هنا حملت الأمهات أوجاعهن، هنا مشى الوحي حافيا ً دون اكتراث،
هنا صرخ يوسف من جُبه، هنا رست ذات يوم لنوحٍ سفينة، هنا سالت دماء الغزاة، هنا اكتمل الميلاد،
هنا جثى محمدٌ لربه ساجدا ً، هنا تلألأت السماء لمجد عيسى، وهنا كانت كل الذكريات.
يا لفصاحة التاريخ الغبي، كيف يُنكر علينا جنة أرضٍ بأخرى لسنا نراها،
لو جاءت كل السطور والأحبار، لن تقدر على وصف نسائم الهوى في الشام إذ تتعانق،
سنترك قُبلة على كل جدار، ربما يأتي رحيقُ ذات ليلة ويلامس شفاهنا الحجرية،
سنروي كل شجرة على أطراف قلوبنا هناك بدمعات عاشقة، علّها تمنع الذكرى من الإحتراق،
يا أنبياء السماء، يا آلهة الكون، يا حُماة الأبواب العتيقة، يا جنون القلب القابع خلف الأسوار،
كونوا جميعا ً بخير الى أن نلتقي ذات إغفاءة هائمة.
ربما يكون بالإمكان كبح جماح الاقلام عن المواصلة، ربما تعصِف الريح بالأوراق، ربما تتجمد اللحظات،
ربما تتوقف الأزمنة عن شريعتها، لكن لنا في ثناياكِ العتيقة مجدنا، هناك تحت ثراكِ تركنا القلب،
هناك على قٍمة قبةٍ تركنا تراتيل الصلوات، هناك على امتداد جدرانكِ تركنا أجراس أعيادنا،
هناك تركنا ما أمكننا من نبضات، لكنكِ كنتِ خجلة ً لأن تتركي فينا عشقكِ، فتمسكتِ به كي لا ننساكِ،
فكُنا على يقين أن قواميس الحياة ليست قادرة على احتواء الشوق والنسيان في آن معا ً بين طياتها،
فاقبلي منا ينابيع الدمع، فما زال مجدكِ التليد بين ضلوعنا ساريا ً كما الدماء.
#علاء_داوود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟