|
من هو المثقف الديني الناقد؟
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 6764 - 2020 / 12 / 18 - 15:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مقال له، كتب الدكتور عبد الجبار الرفاعي، وهو كاتب معروف واستاذ مختص في الفلسفة الاسلامية، مع تحفظنا على مصطلح "الفلسفة الاسلامية"، كتب مقالًا بعنوان "ولادة مجهضة لبذرة مثقف ديني عراقي". يريد القول بذلك: إنه وُلد عندنا مثقف ديني عراقي "ناقد" أي ينتقد بعض الاطر والافكار المتدنية أو، بمعنى آخر التي هي ليست لها علاقة وثيقة بالدين "الحقيقي" الدين الذي نزل من السماء من خلال ملاك ليخبر الانبياء بأنهم مبعوثون من الله الى الناس كافة، ليخبروهم بعبادة اله واحد والخضوع الى تعليماته وبعكسه سينتقم الاله منهم، في الآخرة، ويعذبهم بعذاب شديد!. لكن بعض الفقهاء حوروا وحرفوا في كثير من تعاليم الدين، او بمعنى اكثر دقة، وضع هؤلاء الفقهاء خرافات وترهات، بدل التعاليم الصحيحة التي جاء بها الانبياء، او يمكن القول: إن هؤلاء الفقهاء وضعوا احاديث مزورة على لسان النبي، احاديث فيها الغث والسمين، ما انزل الله بها من سلطان. ومن خلال هذه الاحاديث تفرقت الامة الاسلامية الى ملل ونحل وفرق ومذاهب، كلٌ منهم يدعي إنه على الحق والصواب، وغيره على الباطل والضلال، وهنا، وبحسب ما اراد الاستاذ الرفاعي القول، بإنّ الناقد الثقافي الديني، واجبه أن ينتقد الاحاديث المزورة، فينفض الشوائب والغبار عنها، ويتعرض بالنقد والتمحيص الى الخرافات التي وضعها بعض الفقهاء وروات الاحاديث، بغرض هدف معين او منفعة دنيوية او غير ذلك، ويبين الناقد للناس زيف تلك الاحاديث والفتاوى والآراء المغلوطة، التي شتت شمل الامة بدل لملمتها. لكن – وبحسب الاستاذ الرفاعي- فإن مشروع ولادة المثقف الناقد قد باء بالفشل، او ولد ميتا، وهذا المشروع هو من قام به عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي من خلال كتابه "وعاظ السلاطين"، كما يرى الرفاعي. ويتأسف الاستاذ الرفاعي إنه قد "أجهضت ولادةَ هذا النوع من المثقّف القيمُ التقليدية الراسخة في العشيرة، ونمطُ التدين الكلامي الفقهي الذي تنتجه معاهدُ التعليم الديني". ويرى الرفاعي في مقاله المشار اليه إن "المثقّف الديني النقدي يتخذ العقلَ مرجعية، ولا يتردّد في النقد العلمي لمختلف المسلّمات والمفاهيم المتجذّرة والقناعات الراسخة. لا يخيفه اللايقينُ والشك، يعلي من قيمة العلم والتعليم، لا يؤجل التفكيرَ بأيّة قضية راهنة، ولا تثنيه أيةُ ذريعةٍ عن فتحِ أرشيفات التاريخ المطمورة، ودراسة ما هو منسي ومهمَّش ومتكتَّم عليه فيها..." ويضيف الكاتب من إنّ "المثقّف الديني النقدي ليس مرادفًا للمتكلم القديم أو الفقيه، ولا بديلًا عنهما، بل يمكن أن يكون هذا النوعُ من المثقّف أحيانًا متكلمًا جديدًا، وفقيهًا مجدِّدًا". ويوضّح بأنّ "همومُ المثقّف الديني النقدي ترمي إلى بناءِ الإيمان وتمتينِه، لا تبديده وتهديمه، والعملِ على حمايةِ الأجيال الجديدة من القلق والتمزّق والعبثية والضياع، وفقدانهم لمعنى الحياة". وهنا لدينا مآخذ على هذا المقال نود بيانها: اولًا: إن علي الوردي لم يكن رجل دين ولا متدينا، بل كان رجل علماني وله ثقافته ومنهجيته الخاصة به، وقد ردوا على كتبه الكثير من رجال الدين والمشايخ، حيث إن الرجل ينتقد القضايا التي تتعلق بالدين في صورة مباشرة، وفي لغة جميلة سلسة، لا يشوبها الغموض، بحيث قد يؤولها البعض لاويا عنقها لصالحه هو نفسه. والوردي بهذا لا يفترق عن طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" ولا يفترق عن عباس عبد النور فيما كتب بهذا الشأن، ولا يفترق كذلك عن مصطفى جحا في كتاب "محنة العقل في الاسلام" كذلك الدكتور كامل النجار في كتاب "قراءة منهجية للإسلام" والدكتور نصر حامد ابو زيد في كل ما كتب بهذا الخصوص، لاسيما في كتابه "مفهوم النص" او حتى الدكتور فالح عبد الجبار في كتابه "العمامة والافندي" وغير هؤلاء الكثير. فهل هؤلاء هم نقاد مثقفون دينيون؟ الكلام موجه للدكتور الرفاعي. ثانيًا: إن رجل الدين او الفقيه او المفتي، ليس من العقل في شيء أن نطلق على كل هؤلاء بأنهم مثقفون، بل هم دينيون او مختصون او مفسرون او غير ذلك. فمثلا إن الذي يعتقد إن المرأة ناقصة عقل كثير بحقه أن نطلق عليه عبارة مثقف. فالدين له شأن بعينه، والعلم له شأنه الخاص، وهو التجربة، وجناب الاستاذ الكريم سيد العارفين بهذا الموضوع، فمصادر العلم والمعرفة هي التجربة والتمحيص، وخضوع كل القضايا الى المشرط والتشريح بمعية العقل والتحليل الموضوعي. وهذه القضايا لا يخضع لها الفقيه بقدر ما يذهب الى الاحاديث المروية والى الموروث وما جاء فيه من قضايا، وجُلها يصدم العقل، والواقع الراهن، وحتى المنطق، خذ مثالا كتاب "صحيح البخاري نهاية اسطورة" للكاتب رشيد ايلال، ستجد تلك الاحاديث تستهزأ بالعقل البشري ولا تنسجم معه، من قريب او بعيد. ثالثا: يمكن أن نطلق على الذي يريد أن ينتقد الموروث وما جاء به من ترهات وخرافات وغير ذلك، عبارة "ناقد الموروث" وهذا "الناقد الديني" وهو ايضا يخضع لبعض الخرافات ويؤمن بها، (ولا يسمح المجال بإعطاء الامثلة بذلك) فينتقدها الجانب الآخر، ولا يقر بها المثقف اللامنتمي، بحسب تعبير كولن ولسن. اما المثقف الذي يحمل هذه الصفة بحق وحقيقة هو "مثقف" من دون عبارة الديني. وبمختصر مفيد: الديني، ديني، والمثقف مثقف، وإن كانت ثمة قواسم مشتركة بين الاثنين فهي طفيفة. مع تقديري واعتزازي بالكاتب ولرأيه.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(غبار الهذيان) قصيدة داود السلمان.. رؤية انطباعية
-
غبار الهذيان
-
نداء البحر
-
ملامح الدهشة في نص(الغارقون بأحلام منفية)داود السلمان*
-
جحيم ابيض!
-
مكابرة غير يائسة
-
حانة الدرويش
-
لربما
-
في فلسفة المعري: رأيان مختلفان1 /2
-
في فلسفة المعري: رأيان مختلفان2 /2
-
رفض
-
مكاشفة
-
مسامير الذهول
-
أغنية الفقد
-
نصوص قصيرة - نصوص
-
الوجودية السارترية 1 / 2
-
الوجودية السارترية 2 / 2
-
وجودية دوستويفسكي 1 /2
-
وجودية دوستويفسكي 2 /2
-
معتوه!
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|