|
روح السياسة ل غوستاف لوبون
ندى أسامة ملكاني
الحوار المتمدن-العدد: 6760 - 2020 / 12 / 14 - 16:33
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
اسم المؤلف: غوستاف لوبون اسم المترجم: عادل زعيتر عدد الصفحات: 359 الطبعة الأولى 2019 دار التنوع الثقافي
كتاب روح السياسة من تأليف الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون. وكما يذكر المؤلف في الفصل الأول من الباب الأول فإن روح السياسة تعني أساليب الحكم أو فن الحكم، وعلى لسان لوبون فإن اهتمام المؤلف انصرف إلى تطبيق قواعد روح السياسة على حوادث العصر وحدها . حيث تتصف حوادث العصر بحلول سلطان العوامل الاقتصادية محل سلطان الملوك والقوانين. يرى المؤلف أن السياسي الحقيقي كالعالم الفلكي يباشر بحثه وهو يضع في ذهنه أن العامل الواحد الذي لا أهمية له في زمان ما قد يغدو مهما في زمان آخر. إن تكوين كل حادثة يتم بفعل عوامل كثيرة متفاوتة في أهميتها، لذلك يرى أن روح السياسة عبارة عن تعيين أهمية هذه العوامل وتمييز الأساسي والثانوي منها. يفرد غوستاف لوبون فصلين للحديث عن مساوىء القوانين ومصدر القوانين، إذ يرى أن القانون عنوان مؤقت لحقوق تتجدد بلا انقطاع بينما الحياة الاجتماعية لا ينتظم أمرها بمراسيم يقترحها الخياليون ، بل بتأثير مقتضيات الاقتصاد وأخلاق الشعوب. كما يرى أنه وبتأثير الثورة الفرنسية حلت قدرة القوانين محل قدرة الآلهة. بعبارة أخرى، كان رجال الثورة الفرنسية مقتنعين بأن المجتمع يتم إصلاحه بقوة الأنظمة، وهم بذلك_ برأي لوبون_ ألهوا العقل التي كانت المراسيم تصدر باسمه. فالعقل من وجهة نظر المؤرخ الفرنسي هو قوام العلم والمعارف فقط بينما المشاعر والمعتقدات هي التي تقود التاريخ، لذلك فإن لروح السياسة مقومات أهمها روح الأفراد وروح الجماعات وروح الشعوب. إن روح الشعب – كما يرى لوبون- لا تتجدد بالقوانين.، فعلى سبيل المثال فيما يخص نظام التعليم في فرنسا، يرى المؤلف أن المشكلة فيه ليست القوانين والبرامج بل في طرق التعليم التي يجب تعديلها وروح الأساتذة الذين هم أساس كل بلاء في فرنسا. يرى المؤلف أن قوة الاستنباط والاختبار وقوة الإرادة وصحة التمييز هي ما ينفص المناهج المدرسية التي تعتمد فقط على اجتياز الامتحانات. ومن جهة ثانية وبالإضافة إلى القوانين التي حلت محل قدرة الآلهة، يخصص لوبون فصلا للحديث عن "الحكومية"، فهو يرى أن الحكومة أيضا حلت محل الآلهة القديمة فإذا عجز أصحاب السفن مثلا عن مزاحمة الأجانب طالبوها بتعويض مالي. لكن الحكومة كما يذكر المؤلف ليست قادرة على كل شيء، فرقي الأمة يتم برقي أحوال الأفراد النفسية. وعلى صعيد آخر، يشرح غوستاف لوبون أزمة مقت النظام النيابي وخيبة الآمال بقدرة المذهب الحكومي. إن ذلك نتيجة أوهام نشأت عن الإسراف في الوعود، عدم القدرة على تحقيقها، ففوضى في الأمور التجارية والصناعية والمالية، فاضطهاد لطبقات من الأمة في سبيل إنجاز تلك الوعود. ويخلص إلى القول إن الاشتراكية قد تكون أشد استبدادا من استبداد قدماء الملوك، والاستبداد هو ما يستهوي الجماعات وقادتها. وهو يطلق على رواد الاشتراكية اسم قساوسة الاشتراكية، إذ إن الاشتراكية نجحت في وقت يكفر الإنسان بآلهته القديمة ويبحث عن آلهة أخرى ، فالإنسان غير قادر على العيش بغير دين أي بدون أمل. إن الجماعات تتأثر بالأفكار المولدة للخيال، تثير الكلمة صورة ذهنية ما في روح الجماعات، كأن يدل رأس المال على غني يعيش من كد الشعب. إن الصور العاطفية التي تولدها بعض الكلمات في النفوس هي من يؤثر في روح الجماعات وليس الخطابات العقلية الخالصة ، والتأثير هو أهم قواعد الحكم. فمن جهة تأثير الأساطير والديانات، من جهة ثانية تأثير السياسيين بخطبهم العاطفية، ومن جهة ثالثة المنطق العقلي حيث تتكون المعارف والعلوم. فالمنطق العقلي هو ركن المعارف بينما المنطق العاطفي والمنطق الديني فعليهما تقوم المعتقدات. إذا كان نقد لوبون للاشتراكية في وجه من وجوهه يرتكز على الصفة الرئيسة فيها وهي – كما يذكر المؤلف- الحقد على أفضلية النبوغ والثروة والذكاء، لتغدو قوة قادرة على إقامة عالم جديد يحقق السعادة الأبدية على أنقاض المجتمع القائم، فإنه يشن هجوما لاذعا على النقابية الفوضوية التي ترتكز على تقويض المجتمع ذاته، ما يؤدي إلى إشاعة الفوضى بالشكل الذي لن يستطيع مقاومته أي تدبير اجتماعي. إن الاشتراكية هي عنوان الحكومية بينما النقابية ترفض كل مداخلة من الحكومة. بينما الأولى تمقت رأس المال وهي نتيجة انحطاط الطبقة الوسطى، نجد أن النقابيين يدركون شأنه. يخصص غوستاف لوبون الباب الخامس من الكتاب للحديث عن أغلاط روح السياسة في مادة الاستعمار. ينتقد فيه مبادئ الاستعمار الفرنسي للجزائر وهي نزع أملاك العرب ودحرهم إلى الصحراء، وحملهم على التفرنس بإكراههم على قبول أنظمة الاستعمار. ويرى أن من أسباب عجز الحضارة الأوروبية عن تحويل الشعوب المتأخرة هو أن الشعوب الواقعة تحت تأثير الحضارة الأوروبية بالمناهج المدرسية والتربية والتعليم لديها أفكار ومشاعر موروثة خاصة بها. الباب الأخير من الكتاب يفرده غوستاف لوبون للحديث عن تطور الفوضى ومصارعة الانحلال الاجتماعي . وهو يعدد العوامل التي تجر المجتمع إلى الفوضى أولها الحركات الثورية وما تشيعه من اضطرابات اجتماعية وسياسية، فالحركات الثورية – كما يقول لوبون- خطرها ليس فقط بما توجبه من العنف، بل أيضا في الفوضى النفسية التي تنتشر بفعل العدوى بين جميع الطبقات أيضا. العامل الثاني الذي يشيع الفوضى والانحلال هو الجرائم ويرى أن التقليل من تطبيق عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة يؤدي إلى استفحال الجرائم. يمثل القتل السياسي مظهرا من مظاهر الفوضى الاجتماعية . يشبه لوبون المعتقد السياسي بالمعتقد الديني فكلاهما يحركان عواطف الجماعات ويدفعها للتصرف وفقا للمبدأ فتكون المعتقدات دليلا لسيرها وحركتها. الحاجة إلى التخريب برأي المؤلف من مقومات المزاج النفسي للرسول (السياسي والديني، من يدعو لرسالة دينية ما وكذلك صاحب مذهب سياسي ما) ويطرح تساؤلا: هل ظهرت رسالة بغير قتل بعض النفوس وهدم بعض الأشياء؟. ويتحدث المؤلف عن العوامل الأربعة في إدخال الإيمان إلى قلوب الجماعات وهي النفوذ، التوكيد غير المبرهن، التكرار، والعدوى النفسية. فالزعماء في خطبهم يقنعون الناس بنفوذهم أكثر مما ببراهينهم التي تكون غالبا ضعيفة والنجاح في ميدان السياسة قائم على وعد الأوهام والتوكيد بلا دليل وتكرار الوعود نفسها تكرارا متصلا. يرى لوبون أنه قد ذاع أمر الديانات الكبيرة كالنصرانية والإسلام بتأثير العدوى النفسية وسرعة التصديق الذي تتسم به الجماعات
#ندى_أسامة_ملكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعبوية ٢
-
الشعبوية ١
-
لمجتمع المدني: دراسة نقدية 2
-
قراءة في كتاب المجتمع المدني : دراسة نقدية 1
-
قراءة في كتاب غريزة الحرية 2
-
قراءة في كتاب غريزة الحرية 1
-
هل انتهى القرن الأمريكي 2: قراءة نقدية
-
قراءة نقدية في كتاب القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة ال
...
-
المجتمع المفتوح والثقافة المدنية
-
قراءة في كتاب أفيون الشعوب
-
العبثية 3
-
قراءة في كتاب سيكولوجية الإنسان المقهور 2
-
قراءة في كتاب سيكولوجية الإنسان المقهور1
-
قراءة في كتاب -في العنف-
-
قراءة في كتاب هل انتهى القرن الأمريكي 1
-
قراءة في كتاب فن الحرب
-
قراءة في كتاب الإنسان ذلك المجهول
-
قراءة في كتاب السيطرة على الإعلام
-
العبثية وما بعد الحداثة: 2 _مفهوم العبثية
-
رهان أمريكي جديد للضغط على أنقرة
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|