|
هيمنة ثقافة الليبرالية الجديدة وضعت البشرية على مفترق دربي الديمقراطية او الفاشية
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 6760 - 2020 / 12 / 14 - 11:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
البشرية على مفترق دربي الديمقراطية او الفاشية
الليبرالية الجديدة مظهر للراسمالية العالمية أطبقت بقبضة اقتصادية على اقتصادات العالم وبقبضة ثقافية فرضت حصارا على وعي الشعوب بهدف تدمير الدفاعات الأمامية عن إنسانية البشر. رفع التحذير المبكر من تهديد الليبرالية الجديدة للثقافة والوعي الإنسانيين نوعام تشومسكي ، المفكر الأميركي المشهور . تقديرا لدوره المجيد في المجال الثقافي وجه التحية له، في عيد ميلاده الثاني والتسعين، الاكاديمي الأميركي هنري غيروكس بمقالة قي 11 كانون اول الجاري، عنوانها مؤشر لجميع المعنيين بقضية التغيير الديمقراطي، "الدور المركزي للتعليم النقدي في الزمن المظلم: تحية لنوعام تشومسكي في عيد ميلاده الثاني والتسعين". غيروكس يشغل حاليا منصب رئيس قسم بعثات الأكاديميين للدراسات الثقافية بجامعة ماكماستر الكندية، وهو علامة متميز في التربية النقدية على خطى باولو فريري وانطونيو غرامشي. من مؤلفاته "أعطاب التعليم في اميركا والحرب على الشباب"، و " حرب الليبرالية الجديدة على التعليم العالي". ومع تعاظم خطر فاشية الليبرالية الجديدة برعاية إدارة ترمب، وضع غيروكس عام 2018 مؤلفه "الجمهور في ضائقة: "ترمب وخطر التسلطية الأميركية" و"الكابوس الأميركي : مواجهة تحدي الفاشية". وتحت الطبع سيصدر في العام القادم مؤلفه "حول البيداغوجيا النقدية والعرق ، بيداغوجيا السياسة والوباء ، التربية في زمن الأزمة" . كم هو ملح بديل التربية النقدية يدمجه أحزاب التغيير الاجتماعي الديمقراطي العرب ضمن برامجهم السياسية. فحتى اللحظة الراهنة تناول هذا الموضوع الهام والمصيري عدد محدود من خبراء التربية، جوبهوا بمقاومة شرسة من قبل عملاء الليبرالية الجديدة داخل أجهزة الحكم الأبوية العربية. فالتعليم والتربية قضية سياسية بامتياز، والأخذ بمناهج التربية النقدية وأساليبها التعليمية باتت ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل. مقال غيروكس إنذار للمثقفين وللبشر جمعاء اننا امام كوارث لا حصر لها إن لم ينهض السياسيون والمثقفون لدرء خطر الفاشية الثقافية والتربوية. إما ديمقراطية جذرية او الفاشية، صدى لتحذير سمير أمين إما الاشتراكية او فناء البشرية.
صدّر غيروكس مقالته بعبارة للكاتب الأميركي أرثر ميلّر ، نصها " الكُتاّب يقولون ما لا يقال، وكلما اقتربوا من المسكوت عنه، تتوضح حقيقته، وهذه مساهمة في جعل الحياة ممكنة للأجيال القادمة ". فيما يلي ترجمة لمقالة هنري غيروكي تحية لتشومسكي، مع الإشارة الى أن العناوين الفرعية تعود للمترجم: كرس نوعام تشومسكي معارفه ومهاراته وقيمته الاجتماعية طوال حياته مثقفا عاما يدعو لإحداث التغيير الجذري للمجتمعات التي لم تستطع التجاوب مع وعود الديمقراطية الجذرية ومُثلها. اوضح تشومسكي أن المثقفين والفنانين والمربين وكل شغيلة الثقافة يتحملون مسئولية توظيف عملية التعليم لمعالجة المشاكل الاجتماعية الخطيرة ، مثل تهديد الحرب النووية والتلوث البيئي والتدهور الحاد للديمقراطية. نهض تشومسكي بالمهمة من خلال الاتصال بمختلف المجالات بجمهور متنوع . باتت أعماله الأكاديمية وتدخلاته في الشأن العام نموذجا لإغناء الحياة العامة ومخاطبة الأشكال الصادمة للامساواة الاقتصادية والحروب التي لا يحتاجها أحد والمظالم الطبقية والعرقية . عمل بلا كلل من أجل إلهام الأفراد والحركات الاجتماعية كي يطلقوا العنان لكل ما هو ضروري من طاقات ورؤى ومشاعر للإبقاء على جذوة روح الديمقراطية الجذرية ووعودها ومثلها . جعل من نشاطه الخاص نموذجا للمسئولية الملقاة على كاهل المثقفين لرسم طيف واسع من الحقول التنظيمية، ومم ثم اعتناق فكرة عن التعليم تحيل المثقفين وسائر شغيلة الثقافة اناسا يخترقون التخوم ويعملون على تنقية التخييل الأخلاقي. يؤكد هذا الكلام شجاعته وروح المقاومة التي لا تهدأ في نفسه.
آلية الموافقة على الاستلاب والإذعان للقهر عبر الكرة الأرضية فُرِض الحصار على المؤسسات الديمقراطية ، مثل الميديا المستقلة والمدارس والنظام الحقوقي وبعض المؤسسات المالية والتعليم العالي . وتتراجع وعود الديمقراطية ، ناهيك عن مثلها، بينما تنطلق الشعبوية اليمينية وأنماط مطورة للسياسات الفاشية ، تشوه اللغة والقيم والشجاعة والرؤى وتشوه كذلك الأمل في عالم أكثر عدالة وإنسانية. في اللحظة التاريخية الراهنة نقف شهودا على ازمة في التعليم والوعي والخيال المدني والقيم الديمقراطية. وبصورة متزايدة يغدو التعليم أداة للهيمنة، حيث الأجهزة التربوية لليمين الخاضعة لسيطرة مقاولي حملات الكراهية تهاجم الفقراء والملونين واللاجئين والمهاجرين من الجنوب، ممن يعتبرون فضلات بشرية. في وسط حقبة ، حيث تتهاوى النظم الاجتماعية القديمة وتناضل نظم جديد كي تتشكل، يتراءى زمن الاضطراب والخطر ولحظات القلق العظيم. اللحظة الراهنة ، تدخل من جديد مفترقا تاريخيا ، حيث تدخل هياكل التحرر وهياكل السلطوية الشمولية في تنافس حاد من أجل تشكيل مستقبل يبدو إما كابوسا يصعب التفكير به او حلما قابلا للتحقق. الأزمنة المعتمة التي تطارد عصرنا يقدَّمها كمثال نفر من المتسلطين ممن يتجاوبون مع سياسات الأنظمة الشمولية الماضية، وتسلموا الحكم في الولايات المتحدة وعدد من المجتمعات الأخرى. إن هؤلاء البناة المهندسين لنمط جديد من الفاشية يوسعون هيمنتهم على الأجهزة الثقافية الكبرى وغيرها من المؤسسات السياسية والاقتصادية ذات النفوذ في أرجاء المعمورة. يجري قوننة سيطرتها الكابوسية من بؤس وعنف وتوسيع كتل البشر الفائض عن الحاجة ، جزئيا من خلال السيطرة على جميع انماط المعرفة المنتجة لتشكيلات تصطنع آلية الموافقة على حالة الجور. تشمل هذه التشكيلة التعليمية الرجعية الميديا الإذاعية الرئيسة والمنابر الرقمية والانترنت وثقافة الطباعة، التي تشارك جميعا في عروض لا تنقطع من العنف و تجميل السياسات وشرعنة الرأي فوق الوقائع واحتضان ثقافة الجهل . مثال ذلك في الولايات المتحدة غدا تشكيل الثقافة السياسية على أيدي دونالد ترمب، بطرق عدة، أشد سمومية وتدميرا من سياساته العامة في ضوء تقويضه للنسيج المدني وحكم القانون والديمقراطية ذاتها. إنه يضفي حالة طبيعية مألوفة على العنصرية والعنف والكراهية والتشويه ، ليس فقط من خلال إحلالها مركزية في سلطته ، بل وكذلك حقن الوعي والثقافة في العمق داخل أميركا بسياسات سامة وقاتلة. استخدم ترمب مفهوم اخبار كاذبة أداة سلطوية لازدراء الحقيقة واعتبار الصحافة عدو الشعب الأميركي. غدا العداء للثقافة وكراهية الحقيقة المألوف الجديد في الثقافة الأميركية. في ظل هذه الظروف أعلنت السيطرة المتنامية للسلطوية والحركات الشعبوية اليمينية الحرب على الأنماط النقدية للتعليم، ونظرت بازدراء الى الحقيقة، وأقدمت على تتفيه مجرد وجود الأحكام النقدية في أي مجال تفصح المعرفة المدنية عن نفسها. استقر طاعون الجهل وثقافة الأكاذيب وسط وباء كوفيد المميت ، والذي تضاعف خطره جراء نمط حكم متهافت يزدري البينات العلمية ويحط من خطورة الفيروس دون ان يقدم خطة وطنية للتعامل مع الوباء، ويخلط العلم بالعلم الزائف. ومع ارتفاع وتيرة الإصابة والوفيات تحولت الولايات المتحدة بيت الجنازات. اما رد فعل ترمب فكان التركيز المضطرد على ادعاءات غامضة بأنه فاز في انتخابات الرئاسة مع محاولات يبذلها بلا كلل لشرعنة ونشر مسلسل من نظريات المؤامرة السوقية اليمينية المضللة.
التربية النقدية قارب الإنقاذ
يصعب تخيل لحظة أشد إلحاحا لتوجه جاد يدعو لإحلال التربية في مركز السياسة. ان فرض الحكم السلطوي بواسطة الانقلابات العسكرية أهون مما تفرضه قوة التعليم السلطوي، الممتدة من المدارس الى الميديا الاجتماعية وبقية الأجهزة الثقافية. يجري توسيع القوة التعليمية للمجال الثقافي عن طريق مزج السلطة بأدوات ثقافية جديدة أسفرت عن مواقع قوية للنضال ضمن مجهود لتعميم وشرعنة الأفكار والقيم والعلاقات الاجتماعية المهيمنة. يُقصَد بإحلال التعليم في مركز النشاط السياسي ان على أي فكرة للتعليم قابلة للحياة مقاربة القوى الثقافية التي تشكل النشاط السياسي والمجتمع، وذلك من اجل إبداع ثقافة تكوينية تعمل في خدمة أنماط حرية الاختيار والرغبات والهويات الديمقراطية . إذا ما اريد للتعليم أن يؤدي خدمة للديمقراطية فإنه بحاجة الى رؤية ولغة جديدتين تتردد فيهما أصداء دعوات التغيير الحقيقي بالحاجات والرغبات والقيم المحددة ، وكذلك أنماط التماثل التي تستطيع شتى شرائح الطبقة العاملة ان تدركها وتنتسب اليها نقديا. وكما طرح القضية ستيوارت هول ذات مرة بدون سياسات التماثل لا أمل في تعليم يستشرف إبداع عناصر مطلعين نقديا. هنا يحدق الخطر بالفكرة القائلة أن التعليم مفهوم اجتماعي متجذر في هدف تحرير جميع الشعوب. علاوة على ما تقدم فهذا تعليم يشجع الاستحواذ على الأشكال الإنسانية لحرية الاختيار، لا تقتصر على تمكين الناس من التحول الى مفكرين نقديين، بل عناصر فاعلة للتغيير، يفترض فيهم الانخراط كذلك فرادى وعناصر اجتماعية، تحدوهم الرغبة في التدخل لتشكيل المجتمع. إنها تربية تدعونا لأن نتجاوز الذات ونعمل على تفعيل المحفزات الأخلاقية للعناية بالآخرين وتفكيك هياكل الهيمنة، ولكي نغدو مقررين للسياسات وللسلطة وليس مواضيع لها. وإذا انتوينا تطوير سياسات قادرة على إيقاظ أحاسيسنا النقدية والتخييلية والتاريخية فمن المهم للغاية أن يبدع المربون وغيرهم مشروعا سياسيا حافلا بلغة نقد واحتمال، مطلعين على الفكرة الهامة للغاية القائلة لا ديمقراطية فاعلة بدون مواطنين جيدي الاطلاع. ولغة كهذه ضرورية لتمكين الشروط لبلورة مقاومة أممية جماعية في أوساط المربين والفنانين والشباب وغيرهم من شغيلة الثقافة ليس دفاعا عن الصالح العام فحسب، إنما كذلك دفاعا عن ديمقراطية تضمن ، الى جانب الحقوق المدنية والسياسية ، الحقوق الاقتصادية التي تؤمن الكرامة وحرية الإرادة والاختيار. حركة كهذه هامة لمقاومة وقهر كوابيس الفاشية الاستبدادية التي صعدت الى السلطة في الولايات المتحدة وهنغاريا والبرازيل والهند وفي عدد آخر من بلدان أوروبا المبتلاة ببروز حركات شعبوية وأحزاب النازية الجديدة. في عصر العزلة الاجتماعية وفيض المعلومات وثقافة التسطيح والاستهلاكية والعنف الاستعراضي، يغدو من المهم للغاية أن نتناول بجدية الفكرة القائلة لا تقوم ديمقراطية ولا يمكن الدفاع عنها بدون مواطنين مطلعين وناشطين سياسيا.
تعليم الديمقراطية والمسئولية الاجتماعية يتوجب إدراك التعليم على نطاق واسع، بالنظر لكونه يتموضع في اماكن عدة، ويحدَّد في جزء منه ، من خلال تحرياته بادعاءات الديمقراطية . وكما يقول أرييل دورفمان فقد حان الوقت لابداع مؤسسات ثقافية وشروط تربوية في مواقع متعددة تتراوح ما بين الصحافة الرئيسة والعالم الرقمي ، وذلك من أجل" تحفيز الشجاعة والطاقة والبهجة وكذلك التعاطف التي من خلالها يستطيع ملايين الثائرين تحدي الخوف والإبقاء على الأمل حيا في أزمنة الاضطرابات"(2) . اما بيير بورديو، عالم الاجتماع الفرنسي الراحل، فقد طرح القضية على النحو التالي: " ان الأشكال الهامة للهيمنة ليست اقتصادية فقط، إنما هي أيضا ثقافية وتربوية تكمن في جانب الاعتقاد والقناعة [ تحيل بازدياد مضطرد ] أهمية الإقرار ان المثقفين يتحملون مسئولية كبرى في تحدي شكل الهيمنة هذا."(3) ان هذا لمطلب ينطوي على أهمية خاصة في زمن تعمل قوة الثقافة التعليمية والتربوية عبر تقاطع عدة مواقع. ليست المدرسة وحدها مكانا للتعلم ، بينما السينما والتلفزة والكتب والمجلات والانترنت والميديا الاجتماعية والموسيقى قوى هامة في تشكيل وجهات النظر الدولية وانماط حرية الاختيار ومختلف أشكال التماهي. إن ما قد توحيه هذه البصيرة أن الأكاديميين والمثقفين وغيرهم من منتجي الثقافة يتحملون مسئولية كبرى في مقاربة المشاكل الاجتماعية وتثقيف الجمهور الواسع بأساليب تتيح له التفكير النقدي والتصرف بقناعة وشجاعة. كما انهم بحاجة لدعم هذه المؤسسات والأماكن العامة والأجهزة الثقافية، حيث تتم مناقشة قضايا الجمهور، وحيث تتم مساءلة السلطة ، وتمنح الاستجوابات الثقافية الإمكانات النقدية والتخييلية على أبعد مدى .
كما تشير مسئولية المثقف العمومي، حسب طروحات سي ميلز في كتابه "التخييل الاجتماعي" الى نشاط ترجمة القضايا الخاصة الى تنبؤات منهجية أضخم، والتحدث الى الناس بأساليب مفهومة ، توقظ لديهم مشاعر التماثل، وتُلْقي الأضواء بصورة نقدية على الظروف التي تثقل حيواتهم. وبصفتهم مثقفين ، من المهم للغاية تذكر استحالة قيام ديمقراطية حقة بدون وجود مواطنين يرغبون في الإمساك بالسلطة المسئولة والانخراط في أشكال من المراقبة الأخلاقية ، وكسر روتين الإدراك العام وتحدي الاعتياد على المؤسسات والسياسات والعلاقات الاجتماعية غير الديمقراطية . في زمن غدت الحقيقة طيعة وتبلّغ الأميركيون ان التزامهم الوحيد كمواطنين هو الاستهلاك، باتت اللغة أرفع وأكثر فردانية من ذي قبل ، مستبعَدة عن التاريخ وذات توجه داخلي متزايد ، مقوضة في هذه الأثناء المجالات الاجتماعية الديمقراطية القابلة للحياة، نظرا لكون هذه المجالات حيزات، فيها يحشد النشاط السياسي الناس مع بعضهم البعض، عناصر جماعية ترغب في الاندفاع نجو تخوم التخييل الأخلاقي والسياسي. نسي الأميركيون دروسهم المدنية ، وهم بذلك يسلمون أرضية التاريخ لمقاولي الأكاذيب والعسكرة وتفوق العرق الأبيض. إن دعم ترمب لمثل الكونفيدرالية يوضح بأن اللغة ممر يمكن أن يفضي الى إحالة اهوال الماضي أمرا عاديا. يحمل الفشل في التعلم من التاريخ في طياته مخاطرة الفشل في رؤية عناصر الماضي الرهيب تبزغ من جديد "نظام إنذار مبكر"(4). يترتب على إحالة التعليم مركز النشاط السياسي أننا، بصفتنا فنانين وبحاثة وأكاديميين، نوجه أسئلة غير مريحة حول ما دعاه آرونداتي رويْ " قيمنا وتقاليدنا، رؤيتنا للمستقبل ، ومسئولياتنا كمواطنين، ومشروعية ‘مؤسساتنا الديمقراطية’ ودور الدولة والشرطة والجيش والقضاء والمجتمع المثقف"(5). مهمة التعليم هي إبداع الشروط حيث يطور الناس شعورا جماعيا بإلحاح الضرورة تحث فينا الرغبة كيف نحكم بدلا من تعلم كيف نخضع لأحكام الآخرين، لا أكثر. يقصد من التعلم من اجل التمكين تكوين حركات اجتماعية واسعة الاطلاع دأبها الانتقاد ترغب في الكفاح ضد الأوبئة الانفعالية واللامساواة الاقتصادية، والبؤس الإنساني والعنصرية المزمنة وتداعي دولة الرفاه في عهد الليبرالية الجديدة ومختلف أنماط التسلطية. يتوقف بقاء الديمقراطية على وجود نسق من العادات والأفكار والقيم والثقافة والمؤسسات التي تستطيع الحفاظ عليها. الديمقراطية هشة ودوما غير مكتملة ، مصيرها ومستقبلها ليسا قضية سياسية فقط، إنما هما قضية تعليم كذلك. في النهاية لا ديمقراطية بدون مواطنين مطلعين ولا عدالة بدون لغة عدالة نقدية. يتوجب أن تكون الديمقراطية وسيلة للتفكير حول التعليم، ذلك الذي ينمو ويتعاظم بدمج التربية مع ممارسة الحرية وتعلم الأخلاق والقدرة على التعبير عن وجائب المسئولية الاجتماعية والصالح العام. في عصر الفاشية البازغة لا يكفي ربط التعليم بالدفاع عن العقل والأحكام المستنيرة والقدرة على التعبير النقدي؛ إنما يتوجب انحياز التعليم الى سلطة المقاومة الجماعية وقدراتها. نحن نعيش في أزمنة خطرة؛ وبالنتيجة تلح الحاجة لتجمع الأفراد او المؤسسات والحركات الاجتماعية يحدوها إيمان بإمكانية مقاومة أنظمة الطغيان الراهنة ، وبأن مستقبلا بديلا ممكن، وبان النشاط وفق هذه المعتقدات عبر مقاومة جماعية سوف يسهم في إنجاز التغيرات الراديكالية. حفِل نشاط نوعام تشومسكي بالفكرة القائلة أن التاريخ مفتوح على شتى الاحتمالات، وان من الضروري أن يفكر الناس بطريقة مغايرة كي يتصرفوا بطريقة مغايرة، خاصة إن أردنا تصور وتحقيق ‘مستقبل ديمقراطي بديل وآفاق احتمالات ديمقراطية بديلة’. تكمن أهمية تشومسكي في تطوير رؤية حافلة بخليط من العدالة والأمل والنضال لم تكن يوما على ما هي عليه من أهمية راهنة. يضاف لذلك أن الوقت قد حان، ونحن نواجه الطغيان البازغ وسياسات الفاشية التي تعم العالم كله، لأن نصغي لدعوته لدمج إحساس الغضب الأخلاقي بإحساس شجاعة مدنية ونشاط جماعي. في أقل تقدير يحتل التعليم مكانة مركزية في النشاط السياسي ، وذلك لأنه يزودنا، نحن المؤمنين بالأساس، بأن الديمقراطية موقع للنضال ، الذي لا يمكن خوضه إلا من خلال وعي بهشاشة الديمقراطية وضرورتها . وما لا نستطيع القيام به ان ندير ظهورنا . كان غويا محقا حين حذر ، "نوم العقل يتمخض عن كائنات شريرة". ملاحظات 1. Ben Fountain, “What Has Minimalist Democracy Gotten Us?” The New York Review. (November 19, 2020 issue). Online: ↑ 2. 2- أرييل دورفمان: "تحدي الخوف في أزمنة الاضطراب"- كاونتر بانش،11 نوفمبر ↑ 3- يير بورديو و غونتر غراس: الإحياء‘ التقدمي’/ حوار فرتسي –ألماني نيو ليفت ريفيو 14 مارس- أبريل 2002 4- جوناثان فريدلاند: بإلهام من ترمب العالم قد يعود الى ثلاثينات القرن الماضي/ الغارديان22حزيران 2018 5- أرونداتي جوي: النشاط السياسي للسلطة ، كامبردج ساوث إند بريس، 2001
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل تتهم الآخرين بالكذب !!!
-
سوف تتكشف عن سراب الآمال المعلقة على بايدن
-
يوم التضامن مع شعب فلسطين.. يوم تقسيم فلسطين
-
يستحيل التفاهم مع إسرائيل الأبارتهايد
-
تل الزعتر يشهر بالفاشية المسكونة بشهوة الموت والتدمير
-
بصدد الكفاح المسلح وتعدد أشكال النضال التحرري
-
سفاهة تقف خلفها مكائد سياسية
-
الراسمالية مستنبت الفاشية-الحلقة الأخيرة
-
الراسمالية مستنبت الفاشية – الحلقة الرابعة
-
الرأسمالية مستنبت الفاشية حلقة ثالثة
-
الرأسمالية مستنبت للفاشية-2
-
الرأسمالية مستنبت للفاشية-1
-
هجوم رأسمالي يستهدف صحتنا العقلية
-
ثقافة الإلغاء .. ثقافة فاشية
-
-الكولنيالية الفكرية والأخلاقية-، تعزز أنماط -الكولنيالبية ا
...
-
عشرون عاما من السيطرة المطلقة للاحتلال وبالمقاومة الشعبية يت
...
-
ضوء على الصحافة والسياسة في بلاد الراسمال
-
رحيل أندريه فالتشيك المفاجئ
-
ترمب أخطر إجرامي في تاريخ البشرية
-
ثقافة المقاومة تنافس لاكتساب العقول
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|