أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - سمير محمود ناصر - الدين والسياسة وإشكالية العلاقة بينهما في الفكر العربي















المزيد.....


الدين والسياسة وإشكالية العلاقة بينهما في الفكر العربي


سمير محمود ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 1614 - 2006 / 7 / 17 - 11:18
المحور: ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
    


تقديم :
لا يمكن التحدث عن الفكر العربي وبخاصة السياسي منه بمعزل عن التاريخ بعمقه ومدلولاته. فإذا مابحثنا عن الجذور التاريخية التاريخية الفكرية للعالم العربي نلاحظ أن الفكرة المسيطرة هي " فكرة الإسلام " ...هذه الفكرة التي دخلت في تناقضات كثيرة مع أفكار أخرى مما خلق الكثير من الإشكاليات لعل أهمها إشكالية
" التفكير العربي " فالعقلية العربية- الإسلامية خاصة – مربوطة مكبلة لشيء يحد من انطلاقها مما يجعلها تتحرك إلى حدود يمنع المساس بها " الله- النبوة – الشريعة – السلطة السياسية – التقاليد والعادات " وأكبر دليل على ذلك هو أن الذهنية العربية تحمل في طياتها فكرة " الخلق من العدم " لكن ماذا كأن قبل العدم هذا ما لا يجوز لنا التساؤل عنه، ففي قصة أبن طفيل " حي بن يقظان " التي يروي فيها قصة الطفل " آسام " الذي عاش بالأدغال موضحاً في بداية القصة أن هناك رويتان :
الأولى : أن ابنة أحد الملوك قد حملت سفاحاً بابنها " آسام " ولما وضعته جلبت صندوقاً ووضعته فيه وجعلته يجري مع مياه النهر حتى قذفت به المياه على أحد الشواطئ ومن ثم تأتي الظبية التي كأنت قد فقدت ابنها وترضعه.
هذه الرواية لا تلفت الانتباه، لكن الذي يلفت الانتباه هو الرواية الثانية، التي تتحدث عن أن وجود آسام هو نتيجة لتفاعل مواد الطبيعة مع بعضها البعض.
فالفكرة التي يطرحا هنا ابن طفيل " أن هناك طريقة أخرى افتراضية ترجع لنشوء الإنسان غير لا هوتية " فلا وجود للعدم هنا.
ثم يتربى" آسام " على حليب هذه الظبية وفي لحظة معينة تموت الظبية ويأتي قارب إلى الجزيرة، عليه أناس أصحاب ديأنة توحيدية ويتناقش آسام معهم ثم يدعونه إلى ديانتهم ويجوبهم آسام قائلاً : أن ما توصلتم إليه أنتم عن طريق الشريعة توصلت إليه عن طريق العقل .وفي هذا المجال يقول ابن رشد : أن الحكمة أخت الشريعة، ولايمكن حق أن يضاد حقاً آخر . فالدين حق والفلسفة حق و الحقيقة واحدة .
فهنا أبن طفيل يطرح فكرة " إمكانية استغناء العقل عن الشريعة ". وأنه ليس هناك فرق بين الحقيقة " العقل " والشريعة " الدين " وبالتالي ليس بالضرورة أن يعتنق آسام ديانتهم، لكن بالقصة آسام يعتنقها وينضم إليهم ويذهب إلى بلدهم. فالسبب الذي يدعو : ابن طفبل " أن يكتب أن بطل قصته " آسام " اعتنق الديانة التوحيدية هو خوفه من المرجعيات والوضعية الموجودة، فهو لا يستطيع أن يكتب هذا بشكل مجرد مباشر فهذا يتناقض مع " الإيديولوجية الدينية السائدة " .
ففي الإسلام هناك شريعة وعقل ويجب أن يتوافقا فهناك حد لا يجوز لعقل الإنسان أن يتجاوزه وأن تجاوزه أصبح من " الهراطقة" أو ذنديقاً .
إذاً في الفكر العربي الإسلامي هناك حالة " توفيقية " بين العقل والشريعة، بين السياسة والدين، فالفعل السياسي العربي يستمد سلطته من قوة مفارقة عنه هي " الله" فلا سلطة بعد سلطة الله " أي الفعل السياسي يستمد سلطته من الشريعة " .
وحدود الفعل السياسي العربي تتجسد في مقولة " دار الإسلام ، دار الحرب " فدار الإسلام أينما وجد الإسلام أي أن الفعل السياسي العربي الإسلامي يتجسد ضمن إطار : إمبراطورية " وليس ضمن إطار " مدينة " كما كأن عند الإغريق .
أن إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي لن تستطيع أن تتجاوز البنية الفكرية للعقل العربي الإسلامي التي تحدثنا عنها . وحالت بالتالي دون نجاح المشروع النهضوي العربي .
هناك إيديولوجيات أربع في الساحة العربية وعلى مدى أكثر من قرن من الزمن، فهناك الليبرالية وهناك الاشتراكية القومية العربية الثورية وهناك الحركة الإسلامية وهناك أيضا الماركسية العربية، وكانت حصيلة تجارب الماضي للإيديولوجيات الأربعة هي الاستبعاد المتبادل، فإذا ما أتت إحداها السلطة استقصت الأخرى أو أودعته السجون، ولم تسمح له حتى بالمعارضة العلنية الشرعية [1]
أن عدم نجاح المشروع النهضوي العربي يعود بشكل أساسي إلى أن هناك كانت محاولة للعودة إلى مرحلة السابع الميلادي والعصر الراشدي، فعصر كأن يحاول أن يبني حضارة مستقبلية بالعودة إلى الخلف، وهذه مغالطة منطقية فريدة من نوعها " ففي اعتقاد النهضويين العرب أن كل شيء أكتمل عند الأسلاف " أما أوروبة قامت على العودة إلى الماضي ونبشت التراث اليوناني والروماني وأعادت إنتاجه .[2]
إن التوفيقية في الفكر العربي الإسلامي أي أن نأخذ من الحضارة الأوروبية ما يتوافق مع عقائدنا وننبذ ما لا يتوافق، هم كلام باطل معرفياً لأن البشرية الآن توصلت إلى مرحلة مختلفة نوعياً وهي مرحلة كونية الفكرة, مرحلة العولمة، فلا نستطيع أن نحدد ما نأخذ وماذا نترك، ففي رواية " ذهنية التحريم " لصادق جلال العظم، وتتحدث الرواية عن خصائص الرأسمالية العالمية، وكيف استطاعت أن تقتحم أكثر الحلقات عتماً في الكرة الأرضية، وكيف أن الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالدين لم تنفع والقصة هي : في إحدى القرى المتخلفة تمرض ابنة عمدة القرية، استدعي الطبيب لكن الطبيب ليس من أهل القرية ويختلف بدينه عنهم ، فيرفض والدها استدعائه لأنه لا يسمح له أن يكشف عنها " الوضعية متخلفة " لكن هل الممانعة والإجراءات الاحترازية المتعلقة بالدين ممكن أن تحول دون موت الفتاة. الحل الاحترازي كأن- وضع ستار بين الطبيب والفتاة – بحيث لا يراها و... لكن بعد فترة اكتشف أن هذه الفتاة حامل من هذا الطبيب. [3 ]
وفي نفس الطريق التي شقها النهضويين كالأفغاني ومحمد عبده، ظهر حسن البنا. وتواصل العمل في نفس الإطار مع سيد قطب وابن تيمية والمودودي الباكستاني الذي حدد السياسة الإسلامية بأربعة مبادئ :
- سلطة قومية في أيدي علماء الشرع.
- انصياع الشعب لهذه السلطة .
- نظام فكري أخلاقي تفرضه هذه السلطة .
- مكافأة وثواب لأولئك الذين يطبقون أحكامها.[5]
ولا يخفى على أحد أن لا وجود لسلك الكهنوت في الإسلام ومع ذلك فهناك جماعة من أهل العلم والفقهاء " العلماء " الذين تتمتع مدوناتهم وسيرهم باستقرار مرموق عبر الزمان والمكان. ويمكن لهؤلاء أن يشغلوا مناصب مهنية متنوعة كمعلمين وقضاة وأئمة مساجد ويمكن أن يستأثروا بإقامة أماكن العبادة.
أن النزعة إلى تشكيل مؤسسات كهنوتية هي نزعة متأخرة مصدرها الدولة وليس رجال الدين "باستثناء إيران " فالدولة تسيطر على كبريات المدارس أو الكليات وتعين المفتي وتحاول حصر سلطة تعيين أئمة المساجد والاجتهاد الفقهي " الفتاوى " فيها، وهكذا ظهر رجال دين رسميون " موظفون ".
أن الدولة تؤمم الإسلام بتحويل رجال الدين إلى موظفين وبإنشاء مؤسسات مركزية " الجامعات الإسلامية، والمدارس الدينية التي تنشأها الدولة " [6]
الإشكالية :
لم يفكر الإسلام بالدولة، ولا كانت قضية إقامتها من مشاغله، لكن الدولة كانت دون شك، أحد منتجاته الجانبية والحتمية. ولم يتحدث الإسلام عن السياسة أو يقدم رأيه فيها، فهي تعني المقابل للوحي والمعرفة الدينية لأنها مرتبطة بالعقل والحنكة والحيلة والخدمة. وليس من قبيل الصدفة تجاهل القرآن لها. فهذا التجاهل نابع من الاختيار الأول للدين " الروح " بالمعنى الباطني مقابل الدولة
ولم يعد القرآن، العرب أو المسلمين بدولة ولكنه وعدهم بالجنة والمغفرة ولم يطلب منهم أن يحكموا الآخرين لكنه طلب منهم الرحمة وتبليغ الرسالة والمعاملة الحسنة والتقوى والعدل والإحسان والصدقة ومخافة الله، حتى صاروا يخشون الحكم ويرفضونه كي يتجنبوا مخاطر الظلم. ولو تحدث القرآن والرسول في الدولة والسياسة لأخضع الدين للدولة، ولكانت النتيجة تأسيس الدولة الإلهية الدينية.
وعندما توفي الرسول لم تطرح مشكلة السلطة السياسية والزعامة لكن طرحت مشكلة الخلافة وملء الفراغ. ولم يخطر ببال أحد أن يبني دولة. لذلك لم يفكر أبو بكر ولاغيره في أن يطلق على نفسه لقب " سلطان أو ملك " ولكنه استخدم ببساطة كلمة " خليفة " رسول الله، فهم وجدوا أنفسهم في وضع جديد كلياً، وضع الدين بدون نبي وليس وضع شعب بدون زعيم .
ويؤكد تاريخ اليهودية والمسيحية التناقض العميق والدائم بين الدولة،فهو يظهر في اليهودية ضياع الدين في الدولة، فقد تحولت اليهودية إلى عصبية جماعية شبه قبلية إعادة بناء الدولة الزمنية. ويظهر في المسيحية، ضياع الدولة في الدين، فالمسيحية لم تكن ترى في الدين إلا السلطة الروحية. وفي مواجهة اليهودية والمسيحية ركز الإسلام على الرسالة الإنسانية والقيم الأخلاقية واللحمة الأخوية, وأكد على أهمية الجهاد لنشر الدعوة الروحية، وتأكيد السلطة الإلهية.
لقد كأن الجهاد عاملاً حاسماً في دفع المسلمين إلى الأخذ بالمبادرة العسكرية وبناء الجيش وتكوين القيادات العسكرية وبناء الجيش وتكوين القيادات العسكرية التي سوف تلعب دوراً في تركيب الدولة المقبلة ونشوء السياسة المدنية .
أن اغتيال عثمان بن عفان والفتنة الكبرى التي أثارها ومن ثم نجاح معاوية في حربه سيكون المولد لأول دولة إسلامية فعلية منتقلاً من حقبة الروح الرسالية للخلافة....حيث أنتهي الصراع بين العقل والإيمان، وبين المصالح القاهرة التي تولدت بعد الفتوحات لصالح قوى المصالح . فقد تم إخضاع الدين والعقيدة لمنطق السياسة والدولة وتوظيفه فيها. والنتيجة من هذا كله أن ولدت دولة إسلامية " إسلامية فقط بمعنى أنها دولة المسلمين كجماعة سياسية " فلم تكن دولة الإسلام أنما كانت دولة تشتغل على الإسلام، أي تعيش عليه، فهي دولة إسلامية من هوية الجماعة والانتماء وليس من حيث المبدأ والغاية . [7]
واستمر الأمر على هذا النحو إلى مرحلة ما يسمى " الخلافة العثمانية" حيث قبل انهيار هذه الخلافة تبلور في المجتمعات العربية تياران رئيسيان وهما:
- التيار القومي : الذي ترافق مع فكرة الاستقلال وبناء الدولة الحديثة القطرية .
- التيار الديني الإسلامي
لكن ظروف انهيار الخلافة العثمانية وتفاقم وطأة الاحتلال الغربي الذي تنعه، قد ساعدت – خلال فترة الحربين العالميتين – على التخفيف من حدة التناقض بين التيارين، كذلك فأن حاجات المواجهة والرد على الاستعمار، بلور صيغ من التحالف ساهمت في نشأت " الحركة الوطنية الحديثة " على أساس التركيب العملي بين " تراث الإسلام من جهة وإرادة التحرر والعصرنة من جهة أخرى " ونتيجةً لذلك ولدت دولة الاستقلال القطرية، دولة المصالحة المؤقتة بين السياسة والدين وبين التراث والحداثة .
لكن في فترة بعد الاستقلال سيعمل الاستقلال نفسه على تنمية جميع قوى التناقض والتعارض الكامنة في الفكرة الوطنية والتي كانت حاجات الكفاح قد كبحتها.
أن فهم ما يجري اليوم على الساحة السياسية الدينية والمدنية يقتضي أولاً التمييز بين الإسلام كواقع ديني يمارسه المسلمون بصرف النظر عن عقائدهم السياسية والفلسفية، وبين الإسلام كواقع سياسي أي كتنظيمات سياسية.
ويقتضي ثانياً عدم الخلط داخل الحركة الإسلامية السياسية نفسها بين أطرافها وتياراتها المختلفة. فالعودة إلى الإسلام كمصدر ثابت لاستلهام قيم الأخوة والإنسانية ظاهرة مستقلة كلياً عن استخدام بعض الحركات السياسية له من أجل تدعيم مسيرتها نحو السلطة، فالسبب الأكبر في فساد النظرية التي يطرح من خلالها اليوم موضوع الإسلام في المجتمع هو " الاتفاق المضمر بين الإسلاميين المتطرفين وخصومهم على تجاهل واقع الإسلام الديني في سبيل تجييره جميعاً لصالح المعركة السياسية كل طرف لأهداف مختلفة، والتسليم بأن الإسلام القائم ليس إسلاماً صحيحاً والقفز فوق الإسلام المعاش.
فرفض النظر إلى الإسلام " كتجربة " وخبرة جماعية وفردية كما تطور وكما هو عليه بالفعل، والكشف عن معانيه وغاياته وأزماته الداخلية أيضاً، أي رفض النظر إلى الإسلام الفعلي هو الموقف الوحيد القائم في الساحة العربية. وهذا هم السبب الذي يفسر لماذا لم يكن من الممكن أن يظهر في العالم العربي المعاصر والإسلامي منه خاصة محاولات جدية في الدين والإصلاح الديني كما لم يظهر في العلم وفي الشق العلماني منه أيضاً أي شكل من أشكال البحث العلمي فيما يتعلق بالإسلام كدين. واقتصر الموضوع على المناقشات والتعليقات والتعقيبات والحوارات السياسية حول القيم والأفكار فقط.
لكننا على صعيد تناولنا لبحث علاقة الدين بالسياسة لابّد من أن نستحضر فكرة كتاب " علي عبد الرازق" – الإسلام وأصول الحكم – الصادر عام 1924 فلأول مرة في تاريخ الفكر السياسي العربي ستطرح على بساط البحث مشكلة دين الدولة.فقد كأن هناك دائماً توحد في الذهنية الفكرية العربية كما أسلفنا القول، بين الدين والدولة. فشرعية الخلافة العربية الإسلامية كانت مستمدة من الإسلام، أما " على عبد الرازق سيعطينا شرعية جديدة- وهنا تبرز الفكرة التثويرية- فهو يقول ، أن لا يوجد نظام إسلامي للحك وأن العلاقة بين السلطة الدينية والدنيوية هي ليست علاقة تكامل ومحمد الرسول لم تكن له زعامة سياسية بل زعامة دينية وما كان سياسي إلا بحكم الظرف الديني فقط وع وفاته انتهت الزعامة والزعامات التي جاءت بعده هي زعامات من نوع جديد ، هي زعامات السلطة والحكومة. كما أنه يقول أن الدين هو حالة فردية وليس حالة جماعية، وعليه فأن العرب من قبل لم يتوحدوا سياسياً بل دينياً.
إذاً فكرة العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي فكرة طرقت منذ فترة بعيدة حتى قبل علي عبد الرازق، فهناك من كأن يدعو إلى تنحية الدين عن الدولة تعود " لعبد الله ابن المقفع " لكن بلغة مرمزة بكتابه المعروف " كليلة ودمنة " فهو كتاب بالسياسة يروى على لسان الحيوانات.
وهنا مفكرين كثر تناولوا هذه العلاقة منهم المفكر العربي المعاصر " طه حسين " في كتابه " في الأدب الجاهلي" حيث أخضع الأدب الجاهلي لمبدأ الشك الديكارتي نتيجة لذلك ثار عليه الأزهر فهو بالتالي يمكنه أن يخضع وأن يجعل الآخرين يفكروا بأن يخضعوا الآيات القرآنية وأحاديث الرسول إلى الشك أيضاً.
زمن المفكرين أيضاً " نصر حامد أبو زيد " الذي طرح فكرة إمكأنية تأويل وتفسير القرآن ليساير التطور وبأن تفسيره يختلف من عصر لآخر " فالإسلام مرن " .[8]
السياسة الدينية الإسلامية الجديدة " الانبعاث الإسلامي المعاصر " :
هناك أسباب تكمن وراء ظهور هذه السياسة تشمل :
- التطورات الواسعة الحديثة في الرأسمالية" العولمة " التي زادت الإنتاج الكلي ولكن بشكل غير متساوٍٍٍٍ حسب المنطقة والطبقة والعرق واتسعت بالتالي فجوات توزيع الدخل وعدم ضمان العمل، الأمر الذي أدى إلى تفاقم السخط " ضياع الهوية ".
- هذا السخط شجعه الركود الاقتصادي الذي أصاب أغلب مناطق العالم. إضافة للحركات اليمينية الشعوبية " القوميات الصغيرة والسياسات الدينية الممزوجة غالباًً بالقومية " الأصولية " في مناطق عديدة في العالم.
- الهجرة المتزايدة " لتحسين المعيشة " والتي تؤدي إلى توترات ناتجة عن معاناة المهاجرين النفسية" الغربة " ومن السياسات الدينية المعادية لهم في المهج، مما يؤدي إلي نشوء إيديولوجيات مضادة وتمركزها في الخارج " الأصولية ".
- وهناك أسباب تتعلق بالتغيرات الحديثة في بنية العائلة، إضافة على النمو الحضري والتعليم الذي سمح للناس أن يعبروا ويصبحوا أكثر استقلالاً وشوقاً لإيجاد هويات جديدة يعبروا من خلالها عن سخطهم بفاعلية أكبر. [9]
- تنامي المعارضة السياسية بموازاة أزمة الشرعية التي تعيشها الدولة والسياسة العربية ولا تنبع هذه الأزمة من تفاقم نظم الاستبداد وتراجع قدرات وإمكانيات الدولة القطرية نفسها على مواجهة الحاجات الاجتماعية فقط، وإنما تنبع أيضاً من " المأزق التاريخي " لهذه الدولة نفسها الذي يعود إلى أسباب عالمية منها:
1 – التجمعات والتكتلات الإقليمية، التي أصبحت وحدها فقط تستجيب لاحتياجات تطور القوى المنتجة وتنظيم المبادلات الإنسانية الثقافية والروحية.
2 – الشركات المعددة الجنسيات، التي لا تعترف بالحدود القطرية في علاقاتها الإنتاجية مما أدى إلى إضعاف شرعية الحدود السياسية وألغت إلى حد كبير مفهوم " السيادة القطرية المستقلة عن بقية الدول ".
- نمو الطالب اللا أخلاقية، وذلك في تنامي عناصر الحلل والسقوط والتنكر للذات وانعدام الحس بالكرامة الآدمية وتوسع دائرة الاحتقار المتبادل، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية والبؤس الاجتماعي والتمييز شبه العنصري والتنافس الحيواني على المكاسب المادية والاستهلاكية، والمناصب على حساب أي نوع من المبادئ والقيم والمثل الإنسانية، هذا الأمر دفع بمشاعر العودة إلى التوظيف في الدين وإحلاله محل السياسة المدنية أي تحويل الرهان الأخلاقي إلى رهان رئيسي في المعركة السياسية. [10]
- أن جوهر نجاح الأصولية قائم علة ما تنكره عليها الحركات السياسية الأخرى" أي توظيف هذه الحركة الإسلامية للثقافة والروح العربية والإسلامية في المعركة السياسية وبالتالي تحويل " الإرث الجماعي العام " إلى رصيد بنخبة اجتماعية مناوئة للنخبة القائمة، فإذا كأن هناك رفض من قبل النخبة القائمة للأصولية فليس ذلك بسبب رفضها اقتسام السلطة أو كرهها للدين، بل لأن الأصوليات أصبحت الآن في طريقها لأن تؤسس في المجتمعات العربية ولأول مرة، وضعاً سياسياً داخلياً قائماً على وجود نخبتين متميزتين كلياً" فهي تهدد الحزب الواحد ووحدة السلطة" وهذا يعني وضع مسألة تداول السلطة موضع البحث لأول مرة في السياسات العربية الحديثة في حين لم تكن المعارضة الكلاسيكية العاملة في إطار " النظم العلمانية والوطنية " تلغي إمكانية اقتسام السلطة مع النخبة القائمة والمشاركة معها.
ونلاحظ الآن تطوراً باتجاهين متعارضين معاً:
1 – من جهة – تصاعد قوة فكرة العلمانية في المجتمع كرد على الموقف الديني المتطرف في العمل السياسي.
2 – ومن جهة ثانية – توظيف مكثف للقيم الدينية في العمل الاجتماعي- ينعكس في تنامي الحركة الإسلامي.
مما يوضح أن هناك أزمة انتقال خاصة بالمجتمع الإسلامي في سياق هذا التحول المجتمعي الحضاري الجديد.
وجهة نظر متبناة:
أن العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي لم تكن يوماً من الأيام منفصلة بعضها عن بعض في عهد الرسول محمد وفي العهد الراشدي، لكن ومنذ العهد الأموي بدا أن السلطان والدولة قفذت فوق الدين لتحتويه ولتبعد الجانب الروحي للدين مقابل الجانب المادي.. واستمر الوضع حتى عصر النهضة " القرن الثامن عشر " الذي طرح فكرة المواءمة والتوفيقية بين الإسلام وتقاليد المدنية الغربية. ومع اتساع المد الإسلامي المعاصر وظهور الحركات الإسلامية المعاصرة ظهرت فكرة القطيعة الفكرية والمادية مع الغرب وحتى إبعاده حضارياً فلا حضارة غير الحضارة الإسلامية.. الأمر الذي زاد الأمور تأزماً.
و من هنا يمكننا القول أن الفكرة الدينية ليست حكراً " ضمن تأثيراتها الاجتماعية " على أحد فهي في مجال الجميع بلا استثناء سواءً رغبنا أو لم نرغب فالمنظومة الموجودة في مجتمعنا هي منظومة دينية... ولأن الدين أحد أهم مصادر القيم الاجتماعية التي يعيشها الأنسان العربي، فلا يستطيع السياسي أن يمارس أفعاله خارج إطار المنظومة الاجتماعية الدينية الموجودة. ولذلك، فالفكر العربي المعاصر يجب أن بأخذ بعين الاعتبار العامل الديني لكن ضمن إطار فكرة " العقد الاجتماعي السياسي" فإذا كنا قد فقدنا فرصة بناء الاجتماع المدني على الأخوة الديني بسبب تغير اتجاه مشاعر الإيمان، كما فقدنا فرصة بنائه على الفكرة الوطنية بسبب إجهاض الدولة الوطنية " إسلامياً وقومياً"، فعلى أي مبدأ يمكن لنا أن نراهن لإعادة بناء اجتماعنا المدني؟! علنا أن ندرك أنه لم نعد نملك أي مبدأ ثابت وفاعل وجامع، فجوهر وجودنا المدني الراهن هو " التمزق والانقسام والتشتت " وهو أساس الأزمة التاريخية التي تخبط فيها ولن نخرج منها إلا:
1 – بتوحيد العقيدة والعقائد ولكن فقط على أساس الاعتراف بالاختلاف.
2 – وذلك ببناء المؤسسات السياسية والمدنية التي نستطيع من خلالها أن نحييد نزاعاتنا العقيدية والفكرية. ومن هنا تبرز " الدولة القانونية " لا تجسيد لقيم معينة ليبرالية أو غيرها، وإنما كوسيلة إجرائية مناسبة، وإلى جانبها لابد من الديمقراطية التي تبرز كمؤسسة عملية لا كقيمة عقلية.
أن للدين فيما يقدمه لهذا الفريق أو ذاك من عناصر شرعية لخوض الصراع اليومي على السلطة، دوراً أساسياً في بناء الأساسيات العميقة للاجتماع المدني وفي المجتمعات العربية بشكل خاص لايزال الدين عامة والإسلام خاصة المصدر الأول أن لم نقل الوحيد للقيم الرمزية والتاريخية والأخلاقية التي يقوم عليها بناء المدنية والحس الحضاري فهو من هذه الزاوية أهم مرتكز لهويتهم شاءوا أم أبوا.
المراجع :
1 – أنظر، د.حسن حنفي، الدين والثقافة والسياسة في الوطن العربي، ص 226- 227 .
2 – أنظر، أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروه، ص 38- 39 .
3 – أنظر، برهأن غليون، نقد السياسة " الدولة والدين " ص
5 – أنظر، روجيه غارودي ، الأصوليات المعاصرة أسبابها ومظاهرها، تعريب د.خليل خليل، ص ( 75- 78 – 79 ) .
6 – أنظر، أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، مرجع سابق، ص 35 – 121 .
7 – أنظر، برهأن غليون نقد السياسة.. مرجع سابق، ص 50 .
8 – اظر محاضرات ألقاها الدكتور سمير اسماعيل، أستاذ الفكر السياسي في المعهد العالي للعلوم السياسية بدمشق، الفصل الثأني، عام دراسي 1999 – 2000 .
9 - أنظر، نيكي آر.كدي، السياسات الدينية الجديدة أيم ولماذا، مجلة النهج، عدد 59/ صيف 2000 ص 49 - 50.
10- أنظر، برهأن غليون، نقد السياسة " الدولة والدين " مرجع سابق.



#سمير_محمود_ناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إرهاب الشرطي القابع بإرادتنا في رؤؤسنا
- التخلف الإداري في القطاع العام
- الطبقة العاملة والتحزب
- مدلولات وأبعاد مفهوم جماعات المصالح الاقتصادية الدولية
- نظرية الفوضى البناءة


المزيد.....




- هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي ...
- هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
- ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
- محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح ...
- إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
- سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
- الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
- تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف ...
- هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
- نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد ...


المزيد.....

- ما بعد الإيمان / المنصور جعفر
- العلمانية والدولة والدين والمجتمع / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - سمير محمود ناصر - الدين والسياسة وإشكالية العلاقة بينهما في الفكر العربي