|
لِمَاذا الأَسْبَقِيَة لِلْبُوليس في التَلْقِيح؟
عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)
الحوار المتمدن-العدد: 6750 - 2020 / 12 / 2 - 14:48
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
في بيان للسلطة السياسية بالمغرب، الصّادر في يوم 9 نونبر 2020، المُخصّص لِوضع اِستراتيجية التلقيح ضدّ فيروس "كوفيد 19"، قَرَّرت السلطة السياسية إنجاز عملية التَّلْـقِيح ضدّ "كُوفيد 19" لِصَالِح كل سّكّان البلاد. وهذا الـقرار هو إجراء جيّد. لكن، لِأَيَّة فِئَة من المواطنين سَنُعطي الأسبقية في عملية التلقيح؟ مِن الناحية المنطقية، ينبغي أن يكون الترتيب في أسبقيات تلقيح المواطنين كما يلي: 1) العاملين في ميدان الصحة؛ 2) الأشخاص الأكثر عُرضة لخطر الموت بسبب الإصابة بِفِيرُوس "كُرُونَا 19" (وهم الأشخاص ذوي سِنٍّ يتجاوز 65 عامًا، أو الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، مثل السكّري، والقلب، والشرايين، والضغط الدموي، أمراض الرِّئَة، القُصُور الكَلَوِي، إلى آخره. لأن كل هذه الأمراض تَهلك «مَنَاعَة» الجسم لدى الإنسان)؛ 3) باقي السكان. لكن السلطة السياسية بالمغرب قرّرت «ترتيبًا» مخالفًا في عملية التلقيح، ومنحت الأسبقية لِمُوظفي أجهزة وزارة الداخلية، وللأجهزة القمعية. حيث حَدَّدَ البيان الرسمي الصادر في 9 نونبر 2020 الأَسْبَـقِيَّات كما يلي: «وَسَتُعطى الأولوية على الخصوص للعاملين في الخطوط الأمامية، وخاصة العاملين في مجال الصحة، والسلطات العمومية، وقوات الأمن والعاملين بقطاع التربية الوطنية، وكذا الأشخاص المُسنين والفئات الهَشَّة لِلْفِيرُوس، وذلك قبل توسيع نطاقها على باقي الساكنة». وَمَعْنَاه أن «الأشخاص المُسِنِّين»، و«الفئات الهَشَّة لِلْفِيرُوس» سَتُلَقَّحُ مِن بَعد تلقيح موظفي «السلطات العمومية»، والإدارات التابعة لوزارة الداخلية، وأفراد الأجهزة القمعية (مثل الشرطة، البوليس، المخابرات، الدرك، القوات المساعدة، القوات الخاصة، قوّات التَدَخُّل السريع، الجيش، إلى آخره). وَلَوْ أن هؤلاء الموظفين هم شُبّان وأَصِحَّاء في غالبيتهم. وهذا ترتيب مُؤْسِف للأسبقيّات، لأنه تَلَافَى إعطاء الأسبقية للأشخاص الأكثر عُرضة لِخَطر الموت. ولأن التجربة، في كل بلدان العالم، بَيَّنت أن أكثر مِن 85 في المِئَة من المَوتى ضحايا فيروس "كُوفِيد 19" هم مِن الأشخاص الذين يتجاوز عُمرهم 60 سنة. لماذا إذن هذا الاختيار المُؤْسِف؟ هل لأن أغلبية المسؤولين الذين هم أعضاء في ذلك المجلس "الأمني" المصغّر (الذي قرّر التلقيح) هم مِن قيادات الأجهزة القمعية؟ هل لأنهم فضلوا خدمة أنفسهم في المقام الأول؟ هل، كما طرح البعض، لأن الدولة القمعية تُعطي تِلْـقَائِيًّا الأسبقية لأجهزتها القمعية؟ والتبرير الرسمي الوارد في بلاغ 9 نونبر 2020 يقول: «سَتُعطى الأولوية على الخصوص للعاملين في الخطوط الأمامية». لكن ما المقصود بِعبارة «الخطوط الأمامية»؟ وهذه «الخطوط الأمامية» تُوجد في أيّ صِدَام؟ أو في أَيّة مواجهة؟ أو في أية حرب؟ وهل يُوجد صراع أو صدام خطير في المغرب؟ هل يُوجد المغرب في حالة "حرب سياسية"، أو "حرب أهلية"؟ وهل الأشخاص البالغين سنّ 65 سنة أو أكثر ليسوا في «الخطوط الأمامية» لِمُوَاجَهة خَطر العَدوى والمَوت بِـفِيروس "كوفيد 19"؟ وقد بَرَّرَت أجهزة أخرى تَابِعة للدولة تلك الأسبقيّات المُؤسفة بِـكون أفراد الأجهزة القمعية يقومون بِـ «وظائف استراتيجية»! لكن ما معنى «الوظائف الاستراتيجية»؟ وهل الوظائف الأخرى، والمِهن الأخرى، والأعمال الأخرى، التي يقوم بها باقي المواطنين، هل هي غير «استراتيجية»؟ هل العامل، والفلاح، والمأجور، والتاجر الصغير، والصانع، والمعلم، والطالب، والتلميذ، والعَالِم، والباحث، والمفكّر، والمقاول، والمرأة في المنزل، والمتـقاعد، وغيرهم، هل هم غير «استراتيجيّين»؟ هل نحن في «دولة الحق والقانون»، أم أننا في دولة بوليسية أنانية؟ وهل القمع هو حَـقًّا «الوظيفة الاستراتيجية» الأساسية للدولة؟ مِن أين أتى هذا «المنطق» الجديد الغريب، وغير الدستوري؟ وإلى أين يمكن أن يقودنا هذا المنطق «البوليسي» الغريب؟ وفي مقارنة مع فرنسا، أعلن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، في خطاب ألقاه يوم 24 نونبر 2020، أن الأسبقية في التلقيح سَتُعْطَى للأشخاص المُهدَّدِين أكثر من غيرهم من طرف فيروس "كوفيد 19"، وهم الأشخاص الموجودون في "مؤسّـسات إقامة كبار السّن المُعَالِين" (EHPAD)، وعموم كِبار السّن، والأشخاص ذوي الأمراض المُزْمِنَة (مثل أمراض القلب، والشرايين، والسكّري، والضغط الدموي، إلى آخره). ولم يتكلم الرئيس الفرنسي ماكرون عن منح أية أسبقية، أو أيّ امتيّاز، لموظفي السلطات العمومية، ولا للأجهزة القمعية، ولا للجيش. هل إعطاء الأسبقية لأفراد الأجهزة القمعية، في عملية التلقيح ضدّ فيروس "كُوفِيد 19"، يُؤكّد الأطروحة القائلة أن الدولة في المغرب هي «دولة بُوليسية» ؟ لم أفهم لماذا لم تَحْتَج هيئة الأطباء على هذه «التَرْتِيبَات» أو «الأسبقيَّات» التي قَرَّرتها "السلطات العمومية"، في مجال مُعالجة المرضى، أو في تلقيح المواطنين، ضِدَّ فِيرُوس "كُورُونَا 19". فَمِن المعروف أن "أخلاقيّات" مِهَن الطِّب ترفض إعطاء «الأسبقية» للحاكم على المحكوم، وَلَا للغني على الفقير، وَلَا للقوي على الضعيف، وَلَا لِلنَّبِيل على الحَقير. وإنما مِهَن الطب تُعالج كلّ المرضى، دون تَمْيِيز سياسي أو اقتصادي أو أخلاقي، ودون أن يَسأل الطبيب المُعالج عن مِهنة المرضى، أو عن مَوْقِعِهِم في تَرْتِيبَات مَنْظُومَة العَلاقات المُجتمعية. ويعلم المواطنون المغاربة أن أفراد "السُّلُطَات العمومية"، ووزارة الداخلية، والأجهزة القمعية، يحصلون، ومنذ عشرات السِّنِين، على «أسبقيّات»، أو على «امتيَّازات»، متنوّْعة ومتعدِّدة. منها مثلًا «امتيازات»، أو «تسهيلَات»، أو «تخفيضات»، في اقتناء السّكن، أو في الأجرة، أو في التنقل عبر القطار أو الطائرة، أو في العلاج الطِبِّي، أو في الشُّغل المضمون على مَدَى الحياة، أو في مَعَاش التَـقَاعُد، إلى آخره. [وفي مثال موضوع امتيّاز «الشُّغل المضمون على مدى الحياة»، نَسْأَل : إذا كان مثلًا «التَعَاقُد» المفروض على بعض المعلّمِين والأساتذة عَادِلًا وَقَانُونيا، فلماذا لَا تُطبّـقه الدولة كذلك على أفراد الأجهزة القمعية؟] وتَـقْتَضِي الصَرَاحة أن نُلاحظ أن حالة النظام السياسي القائم في المغرب، هي أنه يميل أكثر فأكثر إلى الانفاق على الأجهزة القمعية، وعلى الجيش، وعلى وسائل الدعاية السياسية، أكثر مِمَّا يُنـفق على التعليم العُمومي، وعلى المنظومة الطِبِّيَة العُمومية، وكذلك على الاستثمار في "تنمية الاقتصاد الوطني". معنى هذه الإشارة، هو أن إعطاء الأسبقية في التلقيح إلى الأجهزة القمعية، ليس سوى رأس كُثْلَة الثَّلْج الذي يَطْفُو على الماء، والذي يُخْـفِي ظاهرة عامة وشاملة، هي إعطاء الأسبقية في كل شيء إلى الأجهزة القمعية. وهكذا، قد تظهر بعض التطورات التي تحدث في الساحة السياسية تَافِهَة، أو عادية، لكنها قد تُعَبِّر، في حالات أخرى، عن حُدوث تغييرات سياسية كَـيْـفِـيَـة وَهَامَّة في الدولة، وفي المُجتمع. رحمان النوضة، 1 ديسمبر 2020.
#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)
Rahman_Nouda#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نَقد الدعوة إلى إنشاء حزب يساري جديد
-
نَقد الحركات الأَمَازِيغِيَة
-
بَلَادَتُنَا المُشتركة
-
كَيْف نُقَوِّي اليَسَار؟
-
هل نَقد الأَحْكَام القَضائية جريمة؟
-
التركيبة الطبقية للتنظيمات الإسلامية
-
هشاشة التنظيمات الإسلامية
-
رِهانَ بعض اليساريين على الإسلاميين انحراف
-
كيف التَعامل بين اليساريين والإسلاميين؟
-
مَزْحَة لَا تُصَدَّقْ: الإسلام هو الحل!؟
-
هل يُمكن لحزب إسلامي أن يُصبح دِيمُوقْرَاطِيًا أو ثوريًّا؟
-
أَلَا يُعَادِي الإسلاميّون اليساريين؟
-
هل التناقض بين اليساريين والإسلاميين رئيسي أم ثانوي؟
-
لَا يَدْعُو لِلتَّحَالُف بين اليساريين والإسلاميين سِوَى من
...
-
سُوءُ تَفَاهُم سياسي مُدْهِش
-
نقد تعاون اليسار مع الإسلاميين
-
أين وصلنا؟ وإلى أين نسير؟
-
الحَلّ هو فَصْل الدّين عن الدولة
-
هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات
...
-
نقد شعار ”المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة“
المزيد.....
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
-
بعد القطيعة.. هل هناك أمل في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق؟
...
-
ضابط أوكراني: نظام كييف تخلص من كبار مسؤولي أمن الدولة عام 2
...
-
رئيسة البرلمان الأوروبي: ما يحدث في ألمانيا اختبار حقيقي لأو
...
-
مباشر: قتلى وجرحى في ضربة إسرائيلية على مبنى سكني وسط بيروت
...
-
أوكرانيا تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة دفاع جوي حد
...
-
غارات إسرائيلية مكثفة على وسط بيروت والضاحية
-
أوكرانيا تطالب الغرب بأنظمة دفاع جوي حديثة للتصدي لصواريخ رو
...
-
عشرات الشهداء والجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة من غزة
...
-
كيف يواصل الدفاع المدني اللبناني عمله رغم التهديدات والاستهد
...
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|