|
مرض كورونا وتجربتي معه
عامر عبد زيد
الحوار المتمدن-العدد: 6750 - 2020 / 12 / 2 - 10:18
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
كلما تراجعت الذاكرة إلى يوم الإصابة تجدني كمن يتراءى له الجب في اللحظات القلقة المنفتحة على فلات من المخاوف التي لا تحدها حدود . يرتسم في مخيلتي أقربائي ، وأصدقائي الذين فقدتهم بسبب كورونا . في الليل تعلو درجات الحرارة ويبدأ معها جسد وقد غرق بكميات غزيرة من العرق تبتل معها ثيابي وفراشي . وأشعر أن روحي تسافر بي صوب الغروب كما تشتهي ، وهي تمرغني بأوحال المخاوف حالة الرعب تصاحبني كقريني كما تصوره الديانة الفرعونية ، وعندما اغفو تبدأ معي الهلوسة ، والأفكار التي تعيد انتاج نفسها من دون انقطاع . أصحو مثقلا بالخوف والسعال الذي يكاد يمزق صدري لا يفتر أبدا أبتلع الأدوية وهي الطريق المتاح للنجاة من هوس مخيف لا يتوقف أحاول الهروب منه صوب التسبيح الذي مثلما هو مناجاة لله ، "لزوم صرف العمر كله في ذكر الله وطاعته والعبادة "الناصح / .ص227. أدركت أثر البعد المعنوي في تعزيز روح المقاومة للداء فهو وسيلة بقطع الطريق على مخاوفي التي تتناسل بلا انفكاك . فالقوة كما يصورها نيتشه " القوة يجب أن لا تعرف في ذاتها وإنما تعرف كفعل " هذا اثرها الذي يعزز روح المقاومة ، ويحمل المشاعر الإيجابية في ظل المرض تشيع المشاعر السلبية ألتي تغرق كل ما حولنا فلا تعد هناك من جهة نقتفي أثرها فتهيم أرواحنا ،غارقة في الوحدة المخيفة كحال من يغرق ولا يجد من ينقذه ؛ على الرغم من أن عائلتك تحيط بك الا إنك تشعر بالوحدة محملا بسلاسل ثقيلة لا تجد منها انفكاك ، تحاول مخاوفك أن تصرعك ، وأنت تهرب منه تحاول ترميم ما تصدع من جدران المقاومة ، وأنت تؤطر ممانعتك للخوف حتى لا يغلبك فينتصر عليك الداء المخيف .وأنت وأناملك تحاول أن تتشبث بحبات مسبحتك طريقة حتى تنجو من شرك مخاوفك التي تروم اصطياد ما فيك من أمل متشبث بالحياة ، أمل يقيك من غواية المرض المميت .وما نقلته ووفقا لصحيفة "مترو" البريطانية، تحدث مارك ستابس (28 )عامًا بقوله :" شعرت بعد إصابتي على الفور أنه ليس مثل الإنفلونزا، ليس فقط بسبب درجة الحرارة التي تتجاوز الـ 40 درجة، ولكن أيضًا بسبب شعور الإعياء المستمر". أجده فعلا أدق من خلال تجربتي أيضا . كنت في الأيام التي سبقت الإصابة ، أتابع الأخبار وأجل أن العالم في صدمه كبيرة لا يشغله التفكر كيف ستكون الحياة بعد كورونا؟ بل كل ما يشغله أن يجد العلاج الذي يوقف هذا الوحش الهائج ، وقد تهاوت أمامه الدول بكل جبروتها العسكري والصناعي ، فيما الإعلام يزيد من وتيرة الخوف ، ويجعل من الوباء وحشا كاسرا وقد دعمت الوقائع ما ينشره الإعلام ؛ فقد ازدادت أعداد الضحايا وأرقام المصابين ، تعداد يومي يتابعه العالم على مدار الساعة ، لكن في التوقيت نفسه الذي يخشى فيه الجميع الموت يعرف بعضهم ش أن البقاء على قيد الحياة بعد كورونا لن يكون أمرا سهلا. فالوباء الذي يتضخم كإعصار مدمر يطوي كل ما يعترض طريقة من دون رحمة على الرغم من تهريج السياسيين في الدول التي تدعي أنها دول كبرى تتصارع فيها الوقائع والأماني في حالة من الهستيريا . كنت أجد في تلك الأخبار حاجتي التي استثارتها مخاوفي من الداء القاتل إلا أني بعد الإصابة أبعدت عني تماما كل خبر حتى لا أتيح لمخاوفي أن تنتصر علي ، أحاول أن أدعم جسدي وهو يقاوم بشراسة الداء لا أريد أن أخذله لهذا اخترت أن أراجع طبيب متخصص في الباطنية ، وأمراض الصدر وهو من أكد لي اصابتي بعد أن أحالني الى المختبر القريب منه ، إلا أنه كان خير معين لي يحاول أن يكون دقيقا بالتشخيص ، وفي الوقت نفسه أن يهون علي الأمر ويمنحني دعما نفسيا يعزز لدي المقاومة . تكررت مراجعتي له ، وفي كل مرة يحاول أن يقودني إلى بر الأمان ، فكان نعم الطبيب "دكتور صباح الحلو" صاحب الابتسامة الهادئة ، والمنطق الهادئ الجميل يزرع الأمل في ويعزز مقاومتي . في الوقت نفسه أدخلت على نفسي السرور الاتصالات من الاصدقاء وطلبتي الذين كان لهم المواقف الطيبة ، ومنهم على وجه الخصوص العزيز "الشيخ عدنان الماجدي" و في العمل والفيس ممن كانوا يزرعون في نفسي الرغبة بالمقاومة ، والتشبث بالحياة ، فضلا عن الاتصالات من جهات متطوعة أعلنت رغبتها بالمساعدة ، وقد شكرتهم إلا أنهم أظهروا مواقف عززت في نفسي الأمن النفسي . تقوس ظهري يوم شعرت أن الداء أصبح حقيقة بعدما كنت أظنه مجرد مخاوف تحول الى واقعه ، تقلبني ريثما يستنطقن الألم والخوف جسدي وروحي وهو يتبرعم في جسدي محولا إياه الى خراب بل مصنع للفايروس يجعلني أشعر بالخوف على عائلتي من أن أكون انا مصدر الداء بالنسبة لهم ، وهذا حملني مسؤولية مضاعفة فجمعت بين : ( الألم ، والخوف ،والحجر الصحي) الذي حول مكتبتي الى مكان للحجر حتى لا أصيب أحدا من أفراد أسرتي .شعور حزين يتضخم داخلي بصمت فيوشم روحي بالشواظ والألم معا . لكن هذا جعلني في أثناء مراجعتي للطبيب أو إلى المستشفى من أجل أن استخرج تشخيصا أكتشف كثيرا من التجارب المرعبة وأدرك معها أن حالتي كانت خفيفة وسط حالة التوسع التي يعيشها المرض تجارب متنوعة من الوسط الصحي ، ومن الناس المراجعين الذي كانوا يروون لي تجاربهم وآلامهم . لمن لا يهتم للوقاية أقول فأدرك كم هم مقصرين بحق أنفسهم ، ومحيطهم الاجتماعي من لا يهتمون بشروط الوقاية من المرض ، ولا يدركون خطر الوباء على أنفسهم وعلى عوائلهم ، الداء مدمر ومنهك بل في أحيان مميت . ولا يتوقف أثر الوباء عند الإصابة بل توصل الباحثون إلى أن الناجين تعرضوا للعديد من التغيرات النفسية والعصبية والعاطفية كان أقلها الاكتئاب الخفيف، صعودا نحو الاكتئاب الحاد والهلاوس السمعية والبصرية وصولا إلى الانتحار. وهذا ما تدعمه تقارير منظمة الصحة العالمية بشأن التداعيات النفسية للأوبئة،" فإن في مقدمة المشاعر السلبية التي يتعرض لها الناجون الخوف من تحمل أدوار جديدة تفرض عليهم بعد فقدان أحد أفراد الأسرة، أو مخاوف متكررة من التعرض للإصابة والمرور بالتجربة مرة أخرى، أو الخوف من الموت، كما أن الخسائر التي تعرض لها الناجون من الأوبئة لها عامل كبير في حالتهم النفسية، وتنقسم -بحسب تقرير منظمة الصحة- إلى نوعين: الخسائر المادية أيا كان حجمها، وخسائر أخرى غير ملموسة، مثل الخوف وفقدان الإيمان."
#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاويل و سلطة القارئ
-
انصهار آفاق التراث والمعاصرة - بمناسبة احتفال الجامعة الكوفة
...
-
الحب الالهي والأنوثة بين الاسطورة والتصوف
-
- نقد الخطاب الاعلامي الغربي عند محمود حيدر -
-
- الحادث الإجرامي ضد يونس قنديل -
-
مؤتمر الفلسفة بين الرهان السياسي وآفاق المستقبل
-
عمارة ما بعد الحداثة (زُها حديد أنموذجاً)
-
يوليانا واستعادة الذات
-
الخطاب التربوي النبوي
-
الهوية واليات التلفيق
-
هوامه الهوية واليات الصراع على الاصول
-
انفتاح المعرفة ضرورة اليوم
-
الارهاب والقوة الناعمة في الفن في أعمال صفاء السعدون
-
مكارمُ الأخلاقِ - قيمةٌ العدلِ أُنموذجًا -
-
الشك المنهجي لدى فلاسفة اليونان
-
المعرفة عند افلاطون
-
المعرفة عند أرسطو
-
المعرفة في الفلسفة الاسلامية
-
الهويّة وتحوّلاتها في السرد مقاربة في روايّة (يحدُث في بغداد
...
-
التأويل ورهانات السياسة في التراث الإسلامي
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|