|
قراءة في البيان الأول لثورة 14 تموز 1958 العراقية
رياض الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 1613 - 2006 / 7 / 16 - 12:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتب البيان الأول لثورة 14 تموز الخالدة من الزعيم عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف والعقيد عبد اللطيف الدراجي. كان العقيد عبد السلام عارف قد احتل في الهزيع الاخير من الليل مبنى الإذاعة في منطقة الصالحية واتخذ من بناية قريبة منها مقرا له. ثم انتقل قبل الساعة السادسة صباحا إلى مبنى الإذاعة بانتظار الموظفين العاملين فيها لتشغيلها على انغام البلبل الصياح الذي لما يزل صداحا إلى يومنا هذا بعد توقف طوال مدة الاحتلال الاولى للعراق عام 2003. كان عبد السلام ولوعا منذ البداية بالظهور، ولذلك فقد أوكلت أليه مهمة إذاعة البيان الاول صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958. كما ان الصفة الدائمة التي رافقت عبد السلام عارف "كضابط متهورمن الطراز الأول" بقيت ملازمة له، وان إذاعة البيان من قبله قد اوحى لنفسه المريضة سلفا بأنه (رجل الثورة وقائدها) ولعل هذه الفكرة هي التي اوحت اليه بالقول عند لقائه الاول الرئيس عبد الناصر في القاهرة وسؤال الاخير عن شخصية عبد الكريم قاسم بقوله: سأقتله بطلقة بعشرة فلوس!! ولذلك فإن من اكثر الاخطاء الكبرى التي رافقت الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم هو اعتماده في المدة الاولى من حكم الجمهورية الاولى على شخص عارف باعتباره (مقداما) اكثر من اللازم، وربما لم يكتشق الزعيم قاسم هذا الخطأ إلا متأخرا.. وحاول بعض المعنيين بتاريخ العراق المعاصر من التيار القومي العربي الإيحاء بهذا الشكل او ذاك، بان عبد السلام عارف كان وراء كتابة البيان الأول، بل أنه قد أضاف إليه عبارات من عنده أيضا، لكن مثل هذه التوقعات لما يؤيدها التاريخ السياسي للعراق على أية حال. ومن المفيد الذكر في هذا المقام الآن بان البيان الاول للثورة لم يحظ بالاهتمام الكبير من عديد من الباحثين او المهتمين بالجانب المتعلق بتاريخ العراق السياسي المعاصر. ومن الاخطاء الستراتيجية التي اقترفها الضباط الأحرار وقتذاك أنهم قد احتلوا مبنى الإذاعة في حين ان المرسلات كانت في منطقة أبي غريب، ولو ان عناصر النظام الملكي قد تنبّهت إلى ذلك لرفعت احد صمامات المرسلات لتتوقف أهم عملية في الثورة ، لكن الله سبحانه شاء للثورة أن تكون، ليسقط واحد من أهم أركان الفساد والاستعمار في العراق. لكن الثورة على الرغم من جميع ما احيط بها من مشكلات إلا أنها بقيت واحدة من اهم معالم النهضة الحديثة في الشرق الاوسط. ومن الملاحظ ان البيان قد كتب في من ضباط مهنيين قليلي الخبرة بالسياسة والثقافة العامة. وقد وجد فيه عدد كبير من الأغلاط الإملائية كما في "العراق يدا واحدة" والأصح العراق يد واحدة، وكذلك ان الحكومة تنبثق من الشعب والأصح عن الشعب وغيرها من الأغاليط.. وهو بيان لا يتعدى الصفحة الواحدة من الفول سكاب! بيد ان هذا الأمر لا ينتقص من تحديد هوية البيان السياسية من خلال إعلانه الصريح عن إسقاط النظام الجمهوري وقيام الجمهورية العراقية. وجاء البيان مقتضبا ومليئا بالشعارات العاطفية من مثل: إن الجيش هو منكم وإليكم.. فما عليكم إلا ان تآزروه في رصاصه وقنابله وزئيره المنصب على قصر الرحاب.. لقد أقسمنا ان نبذل دماءنا وكل عزيز في سبيلكم.. وطن واحد وشعب واحد !! وغيرها من الكلمات النارية الاخر. ويعكس البيان على العموم الرغبة الكاملة للثوار في التأكيد على وحدة الوطن والتمسك بالوحدة العراقية الكاملة كما عبر عنها صائغوه. لكنه في الوقت نفسه لم يحدد وعدا مهما للعراقيين حول طبيعة النظام القادم اللهم إلا معاداة الثوار للأستعمار والفساد الذي استشرى في النظام الملكي دون ان يحدد أيضا ماهية الفساد والاناس المسؤولين عنه باستثناء شخصية نوري السعيد التي وردت صراحة في البيان. وفي الوقت الذي دعا فيه البيان الشعب إلى الهدؤ ولزوم المنازل طلب من الشع الإخبار عن عناصر النظام الملكي، ومن هنا فإن دور الشعب في نظر الثوار كان غائما وربما بقي غير واضح حتى نهاية الثورة يوم 8 شباط 1963 . وبغض النظر عن الاخطاء النحوية والاسلوبية والترتيبية في العرض لأن كتابه كانوا من قادة الجيش وليس من السياسيين والمثقفين إلا أنه سجل موقفا محددا من هوية العراقيين الوحدة ووحدة وطنهم وهذا ما يقتقر إليه كثير من ساسة العراق الحاليين، مما لا يدع مجالا للشك في وطنية الضباط الاحرار الذين صاغوا ذلك البيان المقتضب والذي أذيع مرارا من إذاعة بغداد. ويظهر البيان الاول للثورة بان الضباط الأحرار هم صناع الثورة وحدهم وان ما درج عليه بعض الباحثين من أعطاء دور ما صغر أم كبر إلى القوى السياسية المعارضة للنظام الملكي ما هو في حقيقته إلا نوع من المبالغة (طيبة النية) التي اقتضتها طبيعة النظام السياسي الذي شكل بعد الثورة مباشرة ومحاولة وضعها في أطار أكبر. ومن الملاحظ في الوقت نفسه تلك البساطة المتناهية التي تقترب من السذاجة احيانا في وصف وضع العراق السياسي إبان حقبة النظام الملكي حيث لم يكلف البيان نفسه كبير عناء في وضع تقييم شامل لوضع العراق الداخلي وعلاقاته الإقليمية وكذلك الاطار العام الذي ستسلكه الجمهورية الجديدة في العراق. كما ان البيان كان خلوا من عبارة بسم الله الرحمن الرحيم أو أية آية أفتتاحية من القران الكريم كما درجت عليه بيانات الانقلابات العسكرية التي لحقت بعد ذلك مثل " وسيعلم الذين ظلموا .. وما ظلمناهم.. " وغيرها من الآيات الكريمات التي كانت تحشر جزافا في بيانات العسكرتاريا. ومن هنا فإن بيان الثورة منذ البداية لم يتخذ أي طابع ديني ضد النظام الملكي.. لماذا؟ إن تفسير ذلك من وجهة نظري يعود إلى رغبة الضباط الاحرار بعدم الظهور بغير المظهر العسكري للشعب العراقي وهم مجرد خدم لهذا الشعب وهدفهم تحريره من قوى الاستعمار البريطاني المهيمن على العراق آنذاك.. كما رغب البيان إظهار اكبر قدر من الوحدة بين العراقيين حيث وردت يعابير أيها الأخوان كرمز للوحدة الوطنية العراقية، فهل كان الثوار يتوقعون إمكانية تفتت تلك الوحدة بمجيئهم إلى سدة الحكم؟ وهم الخلو من أية تجارب سياسية؟ أما أكثر القضايا إثارة في البيان هو تلك الخاتمة التي تعد الشعب باجراء انتخابات لرئيس الجمهورية وهذا ما لم يحدث قط!!
#رياض_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحت خوذة منخوبة
-
يوسف الصائغ من الشيوعية إلى الفاشية ..لماذا غير خطّ سيره؟
-
إحمد ربك كاكا كمال كريم لست شروقيا
-
تعال إلى انسية زارالولو
-
جدل العلماني/الديني: علي الوردي ومحمد باقر الصدر
-
إلى العراقيين الذين ينامون وارجلهم بالشمس: من ينهب العراق ال
...
-
الرأي العام في العراق الآن
-
الإعلان الرسمي للحرب الاهلية في العراق
-
الكتاب المستقلون العراقيون.. لماذا؟ وإلى أين؟
-
ميكروسكوب عراقي- عراق الداخل
-
بيان إلى (بلابل جنجون
-
الاواني المستطرقة
-
أدب الحرب العراقي:كتابات إنسانية ام اكذوبة حكومية؟
-
دراسات في الفكر الوطني
-
الأوتجية واللوكية
-
سياسات دمقرطة الشرق الإسلامي،طروحات الولايات المتحدة حول (ال
...
-
شعارات القطيع الاسمنتية - سياسات إفراغ المحتوى الإنساني- الع
...
-
توماس فريدمان: قناعاتنا الأميركية بازاء عالم متغيّر
-
الأغلبية الصمتة في العراق دراسة سياية وميدانية
-
قراءة في كتاب ( علي ومناوئوه) المنهجيتان العلمية والتقليدية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|