أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الحلقة الرابعة















المزيد.....


الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الحلقة الرابعة


امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)


الحوار المتمدن-العدد: 6745 - 2020 / 11 / 27 - 21:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إعادة بناء مفهوم النضال الديمقراطي الثوري

الشهيد إبراهيم صيكا : وحدة النضال ضد العدو المشترك.

خرج الشهيد من أيت باعمران حاملا سلاحه، السلاح الذي حمله الشهيد سلاح فتاك، رأى في محيطه الطفولي كل أشكال الحرمان : الفقر يسود في مجتمع منح الكثير لهذا الوطن، حتى أصبح لعب الأطفال بالسلاح جزءا من هواية الطفولة المحرومة، أثناء الخروج من المسيد، في بدايات تحصيل العلم والمعرفة، كان لعب الأطفال تعبيرا بالتمثيل باللعب بالنار، بين حمل سلاح اللعب بالنار في الطفولة المحرومة وحمل سلاح الفكر الثوري، يكمن موقف الدفاع عن الهوية الثورية للصحراويين الباعمرانيين، في الممارسة النضالية للشهيد في حركة الطلبة الصحراويين، أصبح لديه سلاح الكلمة زاده الوحيد في عالم الحرب الرجعية التي تحاصره في كل مكان، نطقها، كتابتها، شيئا فشيئا تكبر في ذهن الطفل ذي الجذور الثورية، كلمات كلها رفض الواقع المر، واقع لم يفهمه في مدرسته المهمشة مرورا بالثانوية بقرية كلميم، باب الصحراء كما يسمى، حيث نضج وعيه عبر متابعته لحركة الطلبة الصحراويين، في احتجاجاتهم مطالبين بحقوقهم في التعليم والشغل، اليوم تكبر الكلمات في وعيه حاملة دلالات ثورية واضحة المعالم، وجدت في ممارسته الثورية وعاء يسقيها لتكبر أكثر فأكثر.

خرج الشيوعي الصحراوي المتمرد من أيت باعمران، دار المقاومة وجيش التحرير، إلى مراكش الحمراء عاصمة الإمبراطوريات التي انطلقت من الغرب الإفريقي لتشمل كل بلدان شمال إفريقيا وجنوب إسبانبا/الأندلس وامتداداتها بالغرب الإفريقي إلى واد السنيغال، صحراوي مخضرم : أمازيغي ـ صحراوي بالطبيعة والتاريخ، من وادي أسكا إلى تانسيفت طلبا مزيدا من العلم والمعرفة، في الوقت الذي كانت في حركة الطلاب الصحراويين في أوجها، انتفاضاتهم بالصحراء الغربية مطالبين بالاستقلال، رافضين المفاوضات السياسية، تمت خلالها ولادة الخط الثوري : خط الشهيد الولي مصطفى السيد.

ما بين 1995 و2005 تمت سمسرة السلع السياسية البائرة خلال سنوات السبعينات والثمانينات : الماركسيون اللينينيون الفاشلون يحومون بضواحي القصر، الشعب المغربي يتم استبعاده عن اللعبة السياسية للمرة الثانية تحدث المؤامرة بأياد جديدة، يحملون ملفاتهم الفارغة من المضمون السياسي الماركسي اللينيني، يعرضونها للبيع، يتهافتون في طوابير تسليم الشيكات من زعيمهم القيادي التاريخي التصالحي "بنزكري"، لكل زعيمه في تجارة الملفات السياسية ولكل منهجه في لعبة المؤامرة على الشعب المغربي، في نسخة مشوهة لملفات "المقاومة وجيش التحرير" نسخة باسم "الإنصاف والمصالحة" على حساب مصالح العمال والفلاحين، في النسخة الثانية من بيع دماء الشهداء، هذه المرة تمتزج معها دماء شهداء الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية واليسار الثوري المغربي، بعد بيع دماء شهداء حملة السلاح ضد الاستعمار القديم والجديد، وحملة سلاح الفكر الماركسي اللينيني.

في ظل هذه الشروط، قطع الشهيد إبراهيم صيكا مسار سنوات الدراسة الابتدائية والثانوية، ليلج الدراسات الجامعية، وقد عرفت قضية الصحراء الغربية نشاطا كبيرا بداخل أسوار الجامعات المغربية، عبر نضالات الطلبة الصحراويين السياسية والاقتصادية، التحق الشهيد بهذه الحركة فأصبح أحد قيادييها البارزين، كانت حنكته في التنظيم قوية، أصبح تحت أعين المخابرات والبوليس السياسي، علمه حرمانه في سنوات الطفولة كيف يكون أمميا في طرحه للقضايا السياسية بارتباطها بالحرب الإمبريالية ومصالحها الطبقية على الشعب الصحراوي، ساهم في بروز الطرح التقدمي الأممي لقضية الصحراء الغربية الذي تجاوز الطرح القومي للجبهة، أي ربط قضية تقرير مصير الصحراويين بالواقع الموضوعي للاستعمار الجديد بالمغرب في علاقته بتقرير مصير الشعب المغربي، الطرح الذي يلتقي بالمنظور الماركسي اللينيني للقومية في علاقتها بالأممية البروليتارية، الذي تخلى عنه رواد "التجميع" و"الإنصاف والمصالحة"، رواد الانتهازية التي برزت بشكل علني بعد "العفو سنة 1995"، التي اختزلت مصير الشعب المغربية في نزاعاتهم الزعاماتية داخل الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية التي تم تصريفها على شكل تنظيمات سياسية تحريفية قزمية.

كان للحركة السياسية للشباب الصحراوي داخل الحركة الطلابية التي قادها الشهيد بشكل عقلاني أثر كبير في الضغط الجماهيري بالصحراء الغربية من طرف الشبيبة عبر الاحتجاجات بالأحياء الشعبية خاصة بالعيون، مما أعطى نفسا جديدا للطرح السبعيني الذي قاده الشهيد الولي مصطفى السيد داخل الحركة الطلابية المغربية قبل تأسيسه للجبهة والدولة، مما أثار انتباه البوليس السياسي والمخابرات السرية المغربية التي تتابع حركة الطلبة الصحراويين التي عرفت دينامية جديدة بعد كشف مؤامرات النظام الملكي الدموي وتهاون قيادات الجبهة في ظل مفاوضات مغشوشة دون الوصول إلى حل للقضية، مما ساهم في تأسيس خط الشهيد الولي مصطفى السيد في صفوف الشبيبة الصحراوية المناقض لخط قيادات الجبهة، مما قطع الطريق أمام محاولة خلق شبيبة صحراوية موالية للانتهازية الصحراوية بالأحزاب الاصلاحية التي تم فضحها وتغيير مسار الحركة الطلابية الصحراوية في علاقتها بالطلبة الماركسيين اللينينيين المغاربة بالجامعات المغربية، أدى على إثرها الشهيد ضريبة النضال الثوري بثلاث سنوات سجنا نافدا، في محاكمة صورية تم فيها تلفيق تهم رخيصة للشهيد كعادة البوليس السياسي من أجل تفادي المحاكمة السياسية للطلبة الصحراويين.

هكذا بدأ من جديد المسار الحقيقي لدولة المخابرات، دولة البوليس السياسي، استمرارا لسنوات القمع الأسود بطرق أكثر مأساوية، التي يتبجح رفاق بن زكري بتجاوزها ومعالجتها عبر تلقي الرشاوى مقابل كتابة توصياته الوهمية حبرا على ورق سرعان ما تم طرحها في مزبلة التاريخ، التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي عبر تلفيق تهم لطلب غاضبين عن أوضاعهم الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وأوضاع عائلاتهم الفقير بالبوادي وهوامش المدن المغربية والصحراء الغربية، وأصبحت السجون بالمدن الجامعية مليئة بالطلبة المعتقلين الماركسيين اللينينيين والصحراويين، بتهم ملفقة، حد الاستشهاد.

خرج الشهيد إبراهيم صيكا في مغامرات في سواحل المعرفة، من أسكا إلى النيل، من أيت باعمران إلى أرض الكنانة، أم الدنيا، مرورا بمراكش الحمراء، بالجامعة، بدهاليز سجن بولمهارز : دروس من تاريخ النضال الثوري تستمر عبر مناضلين صحراويين ثوريين يرفضون الاستسلام للانتهازية الصحراوية، يشقون طريقهم بالجامعات المغربية بعد 30 سنة من مغادرتها من طرف زعماء جبهة البوليزريو، حيث تنتعش حركة الطلبة الصحراويين، ترفض الفساد المستشري على حساب القضية الصحراوية، على حساب تفقير الشعب الصحراوي، وبيع دماء شهداء الحرب، يستلهمون ثورتهم الجديدة من روح الشهيد الولي مصطفى السيد، الذي يسمى خط الشهيد المعارض للمفاوضات السياسية التب قادتها الجبهة.

غادر الشهيد إبراهيم صيكا السجن، حاملا إجازة في علم الاجتماع، يعلم أنه لا مجال لمتابعة دراسته في ظل شروط القمع الأسود، متجها إلى مصر لدعم من عائلة ماديا ومعنويا، كما فعل يوما بن خلدون لما ضاقت به الحال بالمغرب، بعد هروبه من طغيان أمراء الأندلس رفضا حياة البلاط، رفض كراسي السلطة على أنقاض الفقراء وحل بمصر نشرا المقدمة : الكتاب الذي حول مجرى النظر إلى التاريخ، وضعا أسس علم الاجتماع، انطلاقا من الدراسة المادية للوقائع والأحداث خارج القصور والدواوين، في الممارسة العملية للواقع الموضوعي المتحرك، هكذا اختار الشهيد ديار الغربة من أجل متابعة دراسته حيث حصل على شهادة الماسر في علم الاجتماع السياسي، وكأنه يعيد ما جرى لابن خلدون في شروط أكثر مأساوية، يعتبر فيها كل صحراوي رافض للواقع المزري للصحراويين، رفض المتاجرة بقضية الصحراء الغربية، متهما بالانفصال، التهمة المجهزة لنزع هويته الإنسانية، ككائن بشري يفكر، من حقه التعبير عن رأيه والدفاع عنه بكل حرية.

رجع الشهيد حاملا تجربة خارج حدود البلاد التي كان فيها يوما غريبا بسبب أفكاره معمقا نظرته الأممية للقضايا وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية، أممي في دراسته، تحليله، أنشطته الجماهيرية، ضد الفقر، الفقر قضية أممية، قضية الصراع ضد الطبقات المسيطرة، ضد الأولغارشيا، في التحالف الجماهير، في الوحدة في العمل الجماهيري، ضد العدو الوحيد، في تحالف الطبقة العاملة والفلاحين، كل خطاباته تنبع منها روح الأممية، روح نداء ماركس "يا عمال العالم اتحدوا !".

للمرة الثانية، يعيد البوليس السياسي ممارسته الحاطة بالكرامة، ضد الشهيد، في شروط أكثر مأساوية، بباب الصحراء الغربية، أيت باعمران وادنون، حيث الشهيد بعد رجوعه من الغربة عانق من جديد هموم جماهير الفقراء، بشوارع كلميم المهمشة، المعزولة، يقود مجموعة الرفض، مجموعة المعطلين، المحرومين من الحق في الشغل، ينظمهم، يوجههم، يعلمهم معنى أن تكون مثقفا عضويا، مرتبطا بهموم جماهير الفقراء، أن تكون منحازا للمضطهدين، أن تترجم مضمون المقدمة في أرض الواقع، أن ترفض هذا الواقع، أن تعمل على تغيير هذا الواقع، هكذا انخرط الشهيد في الحركة الجماهيرية بكلميم، ليس من أجل الشغل فقط، بل أيضا من أجل وضع أسس البناء الجماهيري لتغيير الواقع الملموس، ذلك ما أزعج البوليس السياسي، الذي قرر اعتقال الشهيد، في عز استعداده لتحمل مسؤولية قيادة النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين بكلميم.

خرج الشهيد من بيته، كما هي عادة، دائما يكون الأول في موعد المعارك النضالية، في اتجاه مكان الوقفة الاحتجاجية، في الشارع العام مع رفيق له، مرافق له في كل حركاته، تنقض عليه ذئاب البوليس السياسي، تعتقله، تكبل يديه، تحجب عينيه عن النظر، تطرحه بداخل عربة الاعتقال، تنقض عليه الذئاب بكل وحشية، تنهال عليه بالضرب عشوائيا، تنتزع منه مفاتيح البيت، تداهم منزل العائلة، تفتش المنزل، غرفة، غرفة، أمي عائشة لم تفهم أي شيء، غير أنه الهجوم الوحشي، عبرت عن رفضها لهذه الممارسة الحاطة بالكرامة، رفضت اعتقال ابنها الشهيد، إنها ممارسات سنوات القمع الأسود، في أبشع تجلياتها، في شروط مأساوية، في واضحة النهار، في السبعينات كانت تقع في أوقات متأخرة من الليل، ما يسمى زوار الليل، يداهمون منازل المناضلين يعتقلونهم، هي نفس الممارسات ضد المناضلين، اليوم في واضحة النهار.

الهدف من اعتقال الشهيد، هو لجم الحركة الجماهيرية بكلميم، التي بلغت أشدها، بعد عزمه معانقة هموم الفلاحين الفقراء بواد أسكا بعد اشتغاله أربعة أشهر في صفوف المعطلين بكلميم، بواد نون، بأيت باعمران، البوليس السياسي قرر اعتقاله، اغتياله، ضرب هذه الحركة في مهدها، بتهم ملفقة، مضحكة، تنم عن تخلف البوليس السياسي المغربي، تهم الضرب والجرح، إهانة موظفين، من يقرأ محاضر الشرطة القضائية، يفهم جيدا معنى القمع، معنى قمع الحريات، معنى إعادة سيناريوهات اعتقال الشهيد وهو طالب، تم إقحام تلك التهم فيما يسمى سوابق، إدراجها في محاضرهم المزورة، كل ذلك من أجل إهانته كمثقف عضوي، مرتبط بهموم الجماهير، من أجل فصله عن الجماهير، بمخافر البوليس السياسي، تعرض للتعذيب، تم نقله عدة مرات إلى المستشفى، رفض التوقيع على المحاضر المزورة، أخبر قاضي النيابة العامة بالتعذيب الذي تعرض له، تمت تزكية جميع التهم التي سجلها البوليس ضده من طرف القاضي، بدأت محاكمته دون مراعاة حالته الصحية المتدهورة، ينهار بالسجن، يتم نقله إلى المستشفى الجهوي بأكادير، في طريق الشهادة.

كان اعتقال الشهيد في فاتح أبريل 2016 ضربة للحركة الجماهيرية بكلميم وادنون، تشكلت لجنة التضامن مع المعتقل، معتقل الحركة الجماهيرية، من الإطارات السياسية، الحقوقية، النقابية والجمعوية متضامنة، مستنكرو الاعتقال التعسفي الذي تعرض له الشهيد، دون أن يتم بلورة هذا الموقف السياسي الشكلي إلى فعل ملموس في الواقع بقدر ما حولته الانتهازية والاصلاحية إلى صمام أمان للصراع بين الشبيبة والتحالف الطبقي المسيطر الذي تحول إلى المواجهة المباشرة : اعتقال قائد الشبيبة الواعية.

وشكل هذا الاعتقال التعسفي بالنسبة للنقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين ضربة للتنظيم الجماهير بكلميم وادنون، فبعد الهجوم الذي تعرضت له النقابة طيلة ثلاث سنوات مضت لفرملة عملها وعرقلة تطور تنظيمها بالجهة، جاء اعتقال الشهيد باعتباره مناضلا جماهيريا، تقدميا، أمميا التحم بصفوف الفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين، لوقف توسيع العمل النضالي في أوساط الجماهير الشعبية، وفقدت بذلك النقابة الفلاحية أحد المنظرين للتنظيم الجماهيري للفلاحين، ومعلم طليعة الشباب التقدمي في جهة تعرف تهميشا ممنهجا وهجوما منظما على حقوق الفلاحين الصغار والفقراء وكافة الجماهير الشعبية، في جهة تتحكم فيها مافيا العقار التي حولت الجهة إلى مرتع للمضاربات العقارية ومجال لنهب المال العام، ومنطقة تحولت إلى مسرح لقمع الفلاحين الصغار والفقراء، وكانت النقابة الفلاحية فيها أحد أعمدة النضال الجماهيري ضد مافيا العقار.

كل الأجهزة القمعية تم تسخيرها لنزع حقوق الفلاحين الصغار والفقراء : أعوان السلطات، المستشارون الجماعيون عديمو الضمير، الشرطة والدرك، مؤسسة القضاء، شهود الزور، سماسرة الانتخابات ... كل هذه الأجهزة القمعية مجتمعة، مسخرة من طرف مافيا العقار ترى في كل تحركات الشهيد والمجموعة الشبابية الملتفة حوله، وتوسيع هذه المجموعة لتشمل الفلاحين الصغار والفقراء، خطرا على مصالحها التي تتوسع لتشمل الجهة قاطبة : السيطرة على أراضي الجموع، أراضي الفلاحين الصغار الخاصة، الوديان، الواحات، السهوب، الجبال، الخيرات الطبيعية بصفة عامة، من أجل وقف زحف النضال الجماهيري الثوري في اتجاه الصحراء الغربية التي تعرف غليان احتجاجات الشبيبة الصحراوية في صفوف المعطلين، من أجل وقف وحدة النضال الجماهيري ضد العدو المشترك الذي ينظر له الشهيد بعد بروز إمكانية التحالف مع الفلاحين.

لقد أصبح الفلاحون الصغار والفقراء يتنفسون رائحة الموت، في كل حركاتهم وسكناتهم، في كل مطالبهم بحقوقهم، في كل محاولة التنظيم في صفوف النقابة الفلاحية، في مخافر الدرك والشرطة، ودهاليز النيابة العامة، والسجون، ومكاتب المحاكم وجلسات المحاكمات الصورية، يتنفسون رائحة الزور، الأحكام الصورية، الاعتقالات التعسفية، التهديد بالقتل... يشاهدون بأم أعينهم أراضيهم يتم اغتصابها، ممتلكاتهم يتم حجزها تعسفا بأحكام جائرة، أموال عامة يتم استغلالها للسيطرة على أراضيهم باسم مشاريع الدولة الفلاحية.

كان الشهيد، بحكم تكوينه السوسيوـ سياسي يرى كل هذه الممارسات غير طبيعية، في منطقة عرفت في الماضي القريب مقاومة الاستعمار، ثورة أحمد الهيبة ضد الاستعمار واستمراريتها بأيت باعمران، إلى تاريخ قريب جدا : القضاء على جيوب الاستعمار الإسباني بجبال الأطلس الصغير، على مشارف المحيط الأطلسي، سيدي إفني، كان أب الشهيد من المقاومين، من حملة السلاح في هذه الحرب التحررية، كان ابنه الشهيد، يرى في كل تضحيات أجداد وآباء الفلاحين الصغار والفقراء بوادي أسكا، وادنون، أيت باعمران تاريخا قد مضى، تاركا وراءه مأساة شباب أيت باعمران وادنون، تاريخ يعيد نفسه بشكل أكثر مأساوية، حينما يكون العدو من صلب من ضحى الأجداد والآباء من أجلهم، تاريخ في حاجة إلى تصحيح.

إنه الاستعمار الجديد، حكم الألغارشيا كما يسميه الشهيد : استعارة من أدبيات المنظور الماركسي اللينيني للنظام الملكي الدموي، نظام الإقطاعيات البرجوازية العربية حلت مكان الاستعمار القديم، في استمرارية قوانينه الاستعمارية وتجلياتها في المضاربات العقارية كما سمته النقابة الفلاحية، في شعارها في المؤتمر الجهوي لسوس ماسة وكلميم وادنون في 02 يناير 2016 بأكادير، في نضال الفلاحين الصغار والفقراء ضد الملاكين العقاريين الكبار، الذين اغتصبوا الأرض، الماء والثروات الطبيعية ببلادنا، هكذا قيم الشهيد الوضع السياسي بالمغرب متجاوزا المنظور القومي ـ الشوفيني للتحليل، الذي يحاصر كل شيء إلى المنظور القبلي، الإثني، في بناء الدولة، مركزا التحليل الطبقي : من المفهوم القومي في علاقته بالمفهوم الأممي لبناء الدولة، بدءا بالنضال من أجل كسر قيود التفكير القومي ـ الشوفيني مرورا بمعانقة معاناة أوسع الجماهير المضطهدة وصولا إلى بناء وحدة النضال الجماهيري، في قاعدته الواسعة لتحالف العمال والفلاحين، لكون العدو واحدا ومشتركا، كما يقول الشهيد.

هكذا رأى الشهيد ضرورة توسع مجال النضالي الديمقراطي الثوري ليشمل جماهير الفلاحين الصغار والفقراء، ورأى النقابة الفلاحية منفذا لتنظيم أوسع الجماهير في علاقته بالتحالف الطبقي بين العمال والفلاحين، في علاقته بالتحالف التاريخي بين البوادي والمدن، ضد هجوم الملاكين العقاريين الكبار، على الأرض، الماء والثروات الطبيعية، بالبوادي وضواحي المدن، ولم يكن اعتقال واغتيال الشهيد منفصلا عن مخطط مافيا العقار، الهادف إلى قطع الطريق أمام توسع العمل النقابي الفلاحي الجماهيري التقدمي، في أوساط الفلاحين الصغار والفقراء بجهة كلميم وادنون، وبالتالي بالصحراء الغربية عامة، خاصة بعد نشر تهمة الانفصال والتخابر مع الجبهة، التهمة المشروخة الملفقة للنقابة الفلاحية بعد استشهاد الشهيد دون أن يتوفر البوليس السياسي القمعي على أدنى دليل بعد اعتقال الشهيد وتفتيش منزل عائلته بشكل تعسفي قمعي، فتم تسخير الانتهازية داخل النقابة الفلاحية من أجل تصفية التنظيم الفلاحي التقدمي داخل الاتحاد المغربي للشغل.

إن منظوره الأممي لم يستثني قضية الصحراء الغربية من مشروع بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية، لم ينحز إلى النظرة الفاشية للنظام الملكي الدموي ولا إلى القومية ـ الشوفينية للجبهة الذي حاولت المخابرات تلفيقها للشهيد، إنما كان موقفا ماركسيا لينينيا يرى الحل في شموليته : وحدة النضال ضد العدو المشترك كشعار مركزي رفعه الشهيد.

كان يوم اعتقاله بالشارع العام حاما لسلاحه الوحيد، الذي يحمله دائما، فكره الأممي في علاقته بالممارسة العملية، وحول احتجاجات المعطلين إلى منبر للتحليل المادي للوضع السياسي العام والمهام المنوطة بالمناضلين وخاصة الشبيبة الثورية، في شكل من أشكال الجامعة الشعبية المفتوحة على عامة الجماهير الشعبية، محورها الشبيبة الرافضة للوضع السياسي عامة والوادنوني خاصة، هذا المنبر الشعبي الذي يتنقل إلى صالونات الأحزاب، النقابات والجمعيات الحقوقية خلال أنشطتها السياسية، النقابية والحقوقية في مناسباتهم المعروفة وفي غير مناسبة، يتخذها الشهيد منبرا لإبراز القضية : إشكالية الحرية والديمقراطية في ظل نظام ملكي دموي.

كانت الفترة القصيرة التي قضاها في صفوف التنسيق الميداني للمعطلين الصحراويين بكلميم كافية لبلورة منظوره للنضال الديمقراطي الثوري في أوساط الشبيبة الوادنونية الواعية، وكان لضيق الأفق التنظيمي الانتهازية والاصلاحية بالمنطقة أمام شبيبة واعية يحير الشهيد، مما دفعه للبحث عن تنظيم أوسع وأقوى، فكانت النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين في نظره الإمكانية الوحيدة لتوسيع أفق العمل الجماهيري التقدمي ضد التحالف الطبقي السائد وخدامه الانتهازيين والاصلاحيين، ورأى في تاريخ نضال هذا التنظيم بوادنون إمكانية لأفق "وحدة النضال ضد العدو المشترك" في التحالف بين الفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين وأبنائهم المعطلين، وكان البوليس السياسي يتابع كل خطواته النضالية مخططا لتلفيقه التهمة المعروفة المشروخة بقوة استعمالها منذ السبعينات من القرن 20 : الانفصال.



#امال_الحسين (هاشتاغ)       Lahoucine_Amal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الح ...
- الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الح ...
- الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الح ...
- عهد جديد
- الغبراء
- ضد حرب الإمبريالية على الشعوب المضطهدة - من أجل بناء أسس الم ...
- من أهوال الأستار
- من ذاكرة النسيان
- أنس حزين
- ساعد يمتد
- حوار
- ساعد ممتد
- نجمة العيد
- عودة يوم جديد
- نقد كتابات موقع 30 غشت، ورقة -الصراعات الطبقية وحركة 20 فبرا ...
- همسات
- نقد كتابات موقع 30 غشت، ورقة -الصراعات الطبقية وحركة 20 فبرا ...
- سحر المدينة
- حصار
- نقد كتابات موقع 30 غشت ورقة -الصراعات الطبعية وحركة 20 فبرا ...


المزيد.....




- ما هي أبرز مخرجات الاجتماع بين الفصائل الفلسطينية في دمشق؟
- الفصائل الفلسطينية:نؤكد ضرورة التلاحم بين الشعبين السوري الف ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- حزب العمال: مع الشعب السوري في تقرير مصيره في إطار سوريا حرة ...
- بيان صادر عن الفصائل الفلسطينيه في دمشق
- مجتمع في أوغندا يعود لممارساته القديمة في الصيد والزراعة لحم ...
- بيان صادر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
- س?بار?ت ب? ?ووخاني ?ژ?مي ئ?س?د و پ?شهات? سياسيـي?کاني سوريا ...
- النسخة الإلكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 582
- الثورة السورية تسقط الدكتاتورية بعد 13 عاما من النضال


المزيد.....

- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - الثورة بالغرب الإفريقي والحروب الوطنية الثورية الجديدة - الحلقة الرابعة