أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد زهدي شاهين - قبلة الوداع الأخير














المزيد.....

قبلة الوداع الأخير


محمد زهدي شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 6744 - 2020 / 11 / 26 - 22:37
المحور: سيرة ذاتية
    


محمد زهدي شاهين _ القدس المحتلة
حينما صعدت إلى قاطرة الحياة البرزخية لأقوم بتوديع المسجى بها رمشت عيناي، وقبل أن يرتد إلي طرفي مرّ شريط من الذكريات. ذكريات جميلة وحزينة ومؤلمة على حد سواء. ما كان صعودي لهذه القاطرة في حقيقة الأمر إلا نزولا إلى جوف الأرض؛ لأقوم بتوديع من كان بداخل القبر، أو كما أسميتها مقطورة الحياة البرزخية. هذه الأرض التي احتضنت عزيزا مقربا إلى قلبي منها خلقنا وإليها نعود، فيا ترى كم طوت في أحشائها من شقي وسعيد.
عندما أصبحت في داخل القبر لم أقوَ على تمالك نفسي، ففاضت عيناي من شدة البكاء على فراق من أحب. فراق من نبت لحمي وقوي واشتد ساعداي من كدّ يديه. وحينما قام من حظي بإنزال والدي للقبر بفتح ثوبه الأخير لرش الحناء عليه ما رأيت نفسي إلا وأنا منكب على تقبيل يده النضرة بحرارة وبشغف، كوني أعي بأن هذه القبلات هي قبلات الوداع الأخير، نعم لقد كانت قبلات الوداع الأخير التي لن تتكرر ما حييت. كانت قبلات دافئة من أعماق قلبي ترجمتها شفتاي التي أبت إلا أن تشاركهما مقلتاي ذرف الدموع، التي بدورها أحرقت وجنتيّ ولسان حالها يقول: نم قرير العين يا أبتاه، تاركة غصة ومرارة في القلب لم أعهدهما قبل هذه التجربة المؤلمة وهذا الاختبار الصعب، الذي لا مهرب ولا مناص منه وكأنه كأس من حنظل الكل منا لا ريب شارب منه.
إن التجربة الإنسانية في جوهرها تجربة واحدة ومتشابهة إلى حد كبير، فكلنا من آدم وآدم من تراب، فعندما يفقد الإنسان شخصا عزيزا مقربا إلى قلبة يقف مكتوف اليدين لا حول له ولا قوة، حينها يدرك المرء معنى العجز تماماً مما يولد لديه ألم، وغصة، ومرارة لا أستطيع وصفها إلا بأن الموت بالفعل لا ريب مصيبة، وأي مصيبة هو!
نحن نبكي موتانا، وما بكاؤنا عليهم إلا بكاء ميت لا محال على ميت، فهم تقطعت بهم السبل، فهل ننتبه نحن الباكين عليهم على ما فاتنا نحن وأضعنا لغاية الآن.
رغم تأخيرنا المتعمد من قبل جنود الاحتلال المتواجدين على الحاجز العسكري المقام على أراضي السواحرة الشرقية، الذي يفصلها عن السواحرة الغربية التي تحتضن مقبرة البلدة قرابة ساعة أو يزيد عنها؛ بذريعة أننا نحن أبناء الفقيد لا يحق لنا المشاركة في دفن الجثمان كوننا ممنوعين من دخول مدينة القدس التي ولدنا فيها بدواعٍ أمنية، لأن مقبرة البلدة داخل جدار التوسع الاحتلالي، ورغما عن ذلك وبفعل إصرارنا وإصرار المشيعين تمكنا من دخول الحاجز، وقمنا بدفن جثمان والدنا، فهذا هو قدر الفلسطينيين فهم في رباط إلى يوم يبعثون.
في الأعلى تتعالى أصوات المشيعين مطالبين من بعضهم البعض مساعدتي على الخروج ظنّا منهم بأنني لن أقوى على الصعود من تلك الحفرة، التي أعتقد جازماً بأنها روضة من رياض الجنة.
ها أنا قد صعدت وأكملت المسير وانطلقت شاقاً طريق الحياة بعزم وثبات وتوفيق. لابسا عباءة أبي التي حيكت من خيوط الصدق والايثار على النفس ومساعدة الآخرين والسعي لتلبية حوائجهم والنصح لهم، فهي نعمة حُبينا بها.
26-11-2020



#محمد_زهدي_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسرائيل وسياسة فرض الأمر الواقع
- الحركة الوطنية الفلسطينية والمشروع السياسي الموحد
- خريف العمر
- التنمية السياسية وأزماتها في الساحة الفلسطينية
- الأولوية للقلم والثقافة
- الطبقات الإنسانية
- النباهة والبلاهة وثقافة الاستحمار
- الإسلام في مواجهة الإرهاب من كل حدب وصوب


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد زهدي شاهين - قبلة الوداع الأخير