|
نحو سياسية تربوية رشيدة في بناء المناهج الدراسية في العراق
احسان عمر الحديثي
الحوار المتمدن-العدد: 6742 - 2020 / 11 / 24 - 20:02
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
نحو سياسية تربوية رشيدة في بناء المناهج الدراسية في العراق إحسان عمر الحديثي تُمَثِّلُ السياسية التعليمية عنصرًا مهمًّا من عناصر السياسة العامة للدولة، ومن الأمور الحيوية لتحقيق الأهداف المجتمعية؛ لذا لا يمكن ترك مسؤولية تنمية الموارد البشرية وإعداد الأجيال وبناء الإنسان للصدفة؛ فلابد من وجود سياسة تعليمية ذات أهداف واضحة ومحددة مبنية على أسس علمية سليمة.( ) ولا يخفى أنَّ المناهج الدراسية في التعليم تُعَدُّ من بين أهم الأدوات في بناء الانسان، وهي – بعد هذا - قراءة للفلسفة التي يؤمن بها أي بلد، لذا تبذل الدول جهودًا كبيرة في تحسين نوعية التعليم وجودته، وتخصص من موازناتها المالية مبالغ كبيرة من أجل أن تأتي تلك القراءة صحيحة ومن ثَمَّ تأتي المخرجات رافدًا مهمًا للمجتمع عن طريق بناء أفراد يمتلكون المهارات اللازمة لسوق العمل ومتطلباته. إن تقدم البلدان وازدهارها لم يكن يومًا ما ضربًا من الخيال أو ضربًا من ضروب العرافة، بل هو بحث في تراب اليوم عن بذور ستورق يومًا، فحياة المستقبل – عند هذه البلدان - ليست مثل حياة اليوم والتعليم في المستقبل عندهم غير التعليم في الوقتِ الحاضر، فالأهداف، والحاجات، والمتطلبات التنموية، والمعارف، والقيم، والمهارات اللازمة، حلقات تكمل إحداها الحلقات الأخرى، وان المتعلم عندهم نواة عملية التعليم والتعلم ومحورها. إنَّ نظرة ثاقبةً إلى التعليم في الدول المتقدمة توقفنا على أمرٍ مهمٍ يتمثَّلُ في أنَّها تعمل على وفق تخطيط سليم يقود بالنتيجة إلى نتائج سليمة، وهذا التخطيط يكون على وفق معايير ومؤشرات تضمن الشفافية اللازمة للنجاح، لا عشوائية ولا اجتهاد ولا تغريد خارج السرب؛ لأنهم يتعاملون مع بناء الإنسان وليس مع أي شيء آخر .
لذلك كله تجد هذه الدول تنتقي من المناهج الدراسية ما يسهم ببناء الإنسان العالمي وتمكنه من مهارات الحياة المختلفة بحيث تجعله قادرًا على التواصل والعطاء الانساني. وفي هذا السياق أثبتت التجارب الدولية ولاسيما الأوروبية منها أو تلك التي تبنّتها دول جنوب آسيا أن تقبل الطلبة بشكل عام للمنهاج الدراسي يتوقف على مدى ارتباط المناهج بالتوجهات العقلية والنفسية والاجتماعية للطلبة من جهة، ومدى مواكبة محتوى المناهج للتوجهات والتغيرات العالمية مثل التغير المناخي وتكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل وغيرها من جهة أخرى. وأكدت تلك التجارب أيضًا أنَّ المنهاج هو إحدى وسائل تعزيز القيم الذاتية والوطنية للطلبة وهو ركيزة البناء المعرفي والمهاراتي والسلوكي بما يعزز المكانة الذاتية للطالب لدى العائلة والمجتمع ويحدد مساره العلمي أو العملي بشكل سليم ( ) . فالنظام التعليمي القوي يعزز قدرة الوصول للفرص ويحسن الصحة، ويعزز من متانة المجتمعات وصلابتها أيضًا ، ويقوم في الوقت نفسه بزيادة النمو الاقتصادي بشكل يعزّز من تلك العمليات ويسرّعها، فالتعليم يوفر المهارات التي يحتاجها الناس من أجل أن ينجحوا في اقتصاد مستدام جديد، وعلى المدارس أن ترعى جيلًا جديدًا من المواطنين الذين يتمتعون بالمعرفة البيئية لدعم التحول من أجل مستقبل مزدهر ومستدام( ) . وفي هذا السياق أيضا أثبتت الكثير من التجارب الدولية أنَّ الهوة آخذة في الاتّساع بين "المحصلة التعليمية" للطالب ومتطلبات عالم اليوم اقتصاديًا واجتماعيًّا وتقنيًّا على الرغم من الجهود الكبيرة والأموال الطائلة التي أُنفقت في هذا المجال (والتي وصلت إلى 2 ترليون دولار عالميا في العام 2006 وإلى حوالي ٣ تريليون دولار عام ٢٠١٦). لقد دفعت هذه الظاهرة ببعض البلدان (ومنها الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا وألمانيا وغيرها) إلى مراجعة محصلات الطلبة وتحليلها في الرياضيات والعلوم على مدى العشرين سنة الماضية للخروج بأفضل الحلول لتقليل تلك الهوة . أما في العراق فنجد أن الاصوات تتعالى وبشكل عشوائي مطالبة بإضافة مادة أو مادتين في اختصاص معين إلى المناهج الدراسية في وزارة التربية، مما يثير الاستغراب عند المختَّصين في مجال التربية والتعليم عن مسوّغاتِ تلك الجهات في دعواتها إلى الاضافة أو التغيير، ويثير في الوقت ذاته التساؤل الآتي: أين السياسية التربوية التي ينبغي أن يحتكم إليها الجميع في تحديد مسارات التعليم ومن تلك المسارات المناهج الدراسية ؟ ولنا – بعد ذلكَ – أن نتساءل : ألا يُعد ذلك تدخلًا في عمل مؤسسة لها رؤيتها ورسالتها وأهدافها؟ في نظرة سريعة على واقع المناهج الدراسية في العراق نجد أن الظروف التي مرت بالبلد خلال عقود من الزمن، قد ألقت بأعبائها على مفاصل الحياة كلها ومنها التعليم، لا بل أصبح الأكثر عرضة للخطر والتهديد في ظل تلك الظروف، التي أفرزت ندرة المختصّين في إعداد المناهج وتأليفها( )، وعدم وجود استراتيجية واضحة في إعداد المناهج وتأليف الكتب( ) مما أدى إلى غياب استقرار المناهج وأنها في كثيرٍ منها دون المستوى المطلوب؛ إذ نلحظُ أنَّ كثيرًا منها لا تساير التطورات العلمية الحاصلة في العالم، ومنها ما يعتمد على التدريس النظري وضعف الجانب التطبيقي (العملي) فيها، فهي تؤكد على الجانب المعرفي وتغفل الى حد كبير القيم والمهارات. وعودا على بدء فإن أبرز ما يواجه واضعي السياسات التروبوية والمناهج الدراسية في العراق هي الفجوة بين التطور الحاصل في العالم في ميدان التعليم وبين واقعنا التربوي والتعليمي، فالعالم اليوم يسير على وفق أجندة 2030 للتنمية المستدامة، وأن الاستجابة لأهدافها وبداية الطريق الصحيح نحوها يكون عن طريق بوابة التعليم لا غير، لأنه الركيزة الأساس للانطلاق نحو بناء الإنسان والحضارة. وعليه أقول إن هدف استراتيجية إعداد المناهج الدراسية في العراق ينبغي أن يكون في ضوء كفايات منظومة اقتصاد المعرفة والتنمية المستدامة. إن المستقبل والأمل مرهونان بنوعية التعليم وجودته، وهما يتطلبان مواجهة التحديات بكل جدية من خلال رؤى مستقبلية، وتطوير سياسة تربوية ترتقي بمستوى النظام التربوي وتضمن تخطيطًا استراتيجيًا يُسهم في تحقيق التطوير الشامل المنشود. إن التنمية لن تقوم إلا بإحداث تغييرات إيجابية في السلوكيات والطاقة الوظيفية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وهنا يأتي دور التعليم لإحداث هذا التغيير المنشود، فالغالبية من الخبراء والباحثين التربويين يرون في منظومة التربية والتعليم طريقًا للتغيير المجتمعي وأداة مهمة للتنمية البشرية يُعتمد عليها في تنمية الأوطان في جميع المجالات وطريقًا لاستثمار اقتصادي وهو ما يُعرف باقتصاد المعرفة.( ) وأقدِّم هنا مجموعةً من الخيارات الاستراتيجية التي يمكن أن تسهم في الارتقاء بالمناهج الدراسية أداة الدولة في بناء الإنسان : 1- إصدار قرارات عليا تكون مُلزمةً بحظر التدخل في عملية إعداد المناهج ومحتواها ومنع المساس بها وبأي شكلٍ من الأشكال ومن أي جهة كانت خارج الجهات التعليمية والتربوية المختصة. 2- الدعوة الى إنشاء المجلس الوطني أو الأعلى للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي يُعنى برسم سياسات المستقبل بطريقة تنسجم مع أفاق المعرفة الجديدة في ظل الثورة الصناعية الرابعة وما تعززه من تداعيات على الأمن الأنساني وعلى مستقبل الأفراد، اسوة في المجلس الأعلى للاسكان والمجلس الاعلى لمكافحة الفساد، ومجلس القضاء الاعلى،وما تلك الدعوة لإنشاء المجلس الوطني أو الأعلى للتربية والتعليم الا لان مستقبل البلد مرهون بالتعليم ونوعيته. 3- إعداد مشروع لإحكام التأليف بما يتناسب مع معايير الجودة العالمية. 4- تعزيز المناهج والكتب الدراسية بمستوى يرتقي بقدرات الطالب العقليّة والمعرفيّة على وفق استراتيجية (التعلم يقود النضج). فنحن بحاجة الى نوع اخر من التعليم غير التعليم التلقيني _التقليدي_، بحاجة الى تعليم يُسهم ببناء الأنسان الناقد والمفكر والمبدع . 5- الاتجاه نحو حوسبة المناهج ولاسيما بعد جائحة كورونا التي فرضت على العالم كله نمطًا آخر في التعليم وهو (التعليم عن بُعد). 6- ربط المناهج الدراسية بسوق العمل وحاجاته ومتطلباته. 7- تاكيد دور التعليم المهني وأنهُ أحد أهم الروافد لسوق العمل، وينبغي رعايته بوصفه يدعم الشريحة العاملة الوسطى في المجتمع مما يُسهم في رفع العبء المالي عن كاهل الدولة ومحاربة الفقر. 8- زيادة التخصيصات المالية للارتقاء بالمختبرات والمكتبات والتعليم الالكتروني، وهذا يؤدي بها الى مستوى جيد يتلاءم مع تطورات طرائق التدريس الحديثة. 9- ديمومة العمل بالتعليم الالكتروني وتطوير آليات التعليم عن بعد والإفادة من التجارب الدولية كون العالم لن يعود الى ما كان عليه الوضع في التعليم قبل جائحة كورونا. 10- تأكيد أهمية تنويع التعليم في الدراسة الاعدادية والثانوية واعتماد مسارات جديدة تتوافق وميول الطلبة في الرياضية وتكنولوجيا المعلومات والاجتماع والاقتصاد. 11- دعم وزارة التربية بتخصيصات كافية لطبع الكتب المدرسية وإخراجها ضمن المواصفات العالمية وبجودة عالية . 12- تأكيد العمل بتوجيه الطلبة بالمحافظة على الكتب المدرسية واسترجاعها وتغريم كل من يقوم بإتلافها أو عدم إعادتها لترسيخ الشعور بالمسؤولية، والمحافظة على الممتلكات العامة لديهم, وإمكانية الإفادة منها عند الضرورة. وتبقى قائمة الخيارات مفتوحة لكل ما من شأنه الارتقاء بالتعليم في العراق يقول نيلسن ماندلا : (Education is the most powerful weapon we can use to change the world))) أي أن (التعليم السلاح الامثل أو الامضى لتغيير العالم) . أختم بما قاله المفكر الإسلامي مالك بن نبي: (الجهل في حقيقته وثنية لأنه لا يغرس أفكارًا بل يصنعُ أصنامًا).
#احسان_عمر_الحديثي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطوير المهارات البحثية في إعداد الرسائل العلمية لطلبة الدراس
...
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|