جاسر عنيبة
(Jesser Aniba)
الحوار المتمدن-العدد: 6732 - 2020 / 11 / 14 - 14:40
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
يبدو أن معضلة التعليم عن بعد و المشاكل التقنية إلى يواجهها الطلبة و الأساتذة الجامعيين على حد سواء أصبحت مركز اهتمامهم الوحيد, لكن هذا المأزق التكنولوجي و البيداغوجي أخد منحى آخر لتضليل الطلاب عن اصل هذه المشاكل, و بالطبع تواصل وزارة التعليم العالي و البحث العلمي تقديم استراتيجيات و حلول مؤقتة, كما لو أن الجامعة التونسية اليوم تمر بفترة صعبة كسائر الجامعات العالمية و ستنقشع الغيوم مع زوال الوباء لتبزغ شمس المعرفة من جديد و تتألق الجامعة التونسية كعادتها.ففي كل أزمة هنالك فرص لمن يمتلك البصيرة لاستغلالها, و بالطبع الوزارة كانت صاحبة البصيرة الثاقبة فاتخذت من الجائحة كبش فداء لكل مشاكل الجامعة التونسية بمساعدة رعيتها من الطلبة على وسائل التواصل الاجتماعي.
لا وجود للجامعة في تونس أصلا إذا اتخذنا الحد الأدنى من الشروط المتفق عليها عالميا كمعيار ( UNESCO : Conférence mondiale sur l enseignement supérieur 2009 ) , لكن نواصل كما لو أن هناك جامعة اليوم يجب المحافظة عليها , دعنا من الغوص في مشكلات الجامعة و تاريخها و واجباتها تجاه المجتمع و تجاه طلابها مراعاتاً لمشاعر الرعية و نناقش الموضوع على أساس أن الجائحة هي منبع كل التدهورات , و هنا يجب فتح المجال للمقارنة بين مفهوم المحافظة بين الجامعات العالمية و الجامعات التونسية.
حسب تدخلات الفيلسوف الإطالي جورجيو أغامبين في عدة مواقع إلكترونية فأن مشاكل التعليم عن بعد لا تتمحور أساسا حول زوال الحضور المادي رغم أهميته في علاقة الطالب بالأستاذ لكن حول اختفاء الندوات و منقشاتها الجماعية التي كانت تمثل العنصر الأكثر حيوية في التعليم , إنها نهاية كل ما يجعل الطالب طالب كشكل من أشكال الحياة فالجامعات ولدت في أوروبا من الجمعيات الطلابية ( Universitates ) و يعود فضل الاسم لهم. بالنسبة لأغامبين أن تكون طالبا يعني أن تستلزم أولا و قبل كل شيئ شكلا من أشكال الحياة حيث تكون الدراسة و الاستماع إلى المحاضرات من سماتها الحاسمة لكن هذا لا يقل أهمية عن اللقاءات و التبادلات الثقافية و الأكاديمية المستمرة مع الأساتذة و الطلبة . هذا الشكل من الحياة تطور بطرق مختلفة على مر القرون من clerici vagantes ( الطلاب المتجولين ) في العصور الوسطى إلى الحركات الطلابية في القرن العشرين , ظل البعد الاجتماعي للظاهرة ثابتا. في الجامعة تنشأ الصداقات بين الطلاب ,و وفقا لاهتماماتهم الثقافية والسياسية يتم تشكل مجموعات دراسية وبحثية صغيرة تستمر حتى بعد انتهاء الفصول الدراسية. كل هذا ، الذي استمر قرابة عشرة قرون ، بالنسبة لأغامبين انتهى الآن إلى الأبد , فحسب قوله " إن كل موت لظاهرة اجتماعية
هو موت تستحقه لحد ما " فقد وصلت الجامعة لمستوى من الفساد لدرجة لا يمكن الحداد عليها و بالتالي فإن شكل حياة الطالب اصبح فقيرا بنفس القدر.
الآن بالعودة للجامعة التونسية إلى تتعامل مع الوضع كأنها صمامة نفط اقصى طموحاتها هو مواصلة التدريس مهما كلف الأمر بتشجيع من طلابها المرعوبين من فكرة وقف الضخ نلاحظ أننا على بعد بعض السنوات الضوئية لمواجهة مثل هذه المشاكل التي لن تسنح لنا الفرصة للتفكير في حلول لها إذ لم تتوفر الإرادة السياسية اللازمة لإصلاح الجامعة التونسية على أمل مواكبة القرن الواحد و العشرين , لكن من الواضح أن الإرادة السياسية لن تتوفر طلما أن هذا الإصلاح لا يصب في مصالح المترددين على حكم منذ انتفاضة 2011.
أخيرا يوجه جورجيو أغامبين رسالة للأساتذة الجامعيين و الطلبة تتكون من نقطتين , أولا : إن الأساتذة الذين يوافقون كما يفعلون بشكل جماعي على الخضوع لديكتاتورية تقنيات المعلومات الجديدة وعقد ندواتهم عبر الإنترنت فقط , هم النضير المثالي لمدرسي الجامعات الذين أقسموا في عام 1931 بالولاء للنظام الفاشي. كما حدث بعد ذلك ، من المحتمل أن خمسة عشر فقط من بين ألف سيرفضون، لكن أسمائهم ستذكر بالتأكيد إلى جانب أسماء الخمسة عشر الذين لم يحلفوا اليمين. ثانيا : سيتعين على الطلاب الذين يحبون الدراسة حقًا رفض الالتحاق بالجامعات التي تغيرت على هذا النحو ، وكما في البداية، يشكلون أنفسهم في جمعيات طلابية في مواجهة البربرية التكنولوجية ، حينها فقط ربما يولد شيء مثل ثقافة جديدة إذا كانت ستولد.
لسوء الحظ معظم طلبة الجامعة التونسية لا تعنيهم هذه المشاكل حتى إن تم تسليط الضوء عليها , طالما لازال هدف الناجحين في البكالوريا تحصيل شهادة جامعية في اسرع وقت و هذا مما لا شك فيه جراء التلقين المعمول به في المعاهد التونسية من أوهام حول يوتوبيا الجامعة, فيعود الطالب للعائلة الكريمة بتكوين هش لا يواكب تطورات سوق الشغل , غير جيد بما فيه الكفاية للعمل في القطاع الخاص ولا الفرصة للعمل في القطاع العام, و بشخصية غير ناضجة فكريا تعاني من صراعات إيديولوجية نلاحظ مخلفاتها اليوم على المشهد السياسي.
#جاسر_عنيبة (هاشتاغ)
Jesser_Aniba#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟