نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 1610 - 2006 / 7 / 13 - 07:19
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدر عن " كاف ادوم " من منشورات " هكيبوتس همؤحاد " كتاب حوارات مثير للاهتمام , مع الكاتب العبري الكبير سامي ميخائيل , اجراها معه الصحفي العبري المعروف , روبيك روزنتال, والكتاب عدا مقدمة سامي ميخائيل , ومقدمة روزنتال , عبارة عن ثمانية احاديث يتناول فيها سامي ميخائيل قضايا متنوعة ومتشعبة من مسيرة حياته وتجربته الادبية والسياسية والانسانية , منذ كان طفلا في العراق , وخروجه من العراق وقدومه الى اسرائيل .
أبناء جيلي يرتبط بذهنهم اسم سامي ميخائيل باسم " سمير مارد " وهو الاسم " العراقي " لسامي ميخائيل , الذي نشر تحته اول اعماله الادبية ( باللغة العربية ) في الصحف المحلية , خاصة صحف الحزب الشيوعي الاسرائيلي , ثم غير اسمه ولغته , ومع ذلك بقي سامي ميخائيل ذا حس انساني , وموقف تقدمي متنور وصادق , رغم الفجوة التي اتسعت بينة وبين جذوره العراقية والعربية ...
في مقدمته يطرح سامي ميخائيل معادلة سقطت على اساسها سذاجة الايمان , بدءا من سقوط الوهم حول حقيقة الحضارة الاوروبية , والالمانية خاصة , بفشلها في وقف المد الاجرامي للنازية , وصولا الى انهيار الشيوعية الذي يعني , كما يقول : " انهيارا للاتجاه الانساني للثقافة الاوروبية , وصولا للاشكالية التي لم تبق امام الانسانية الا وضع يتحول فيه الدولار , والمجتمع النووي الامريكي , الى القوة الحافظة للنظام والسلام وحقوق المواطن ".
ويشير سامي ميخائيل في مقدمته بان انسانا طبيعيا لا يترك بيته واملاكه ولغته الام , واجواء طفولته من اجل فكرة عليا , ويقول ان خيانة القرن العشرين " لهم " هي التي وجهت خطواتهم الى اسرائيل , وانه حتى اليوم " لا يأتي الينا " ( لاسرائيل )اليهود المتخمون والآمنون من الولايات المتحدة وانكلترا , انما يجيء يهود من البلاد الفقيرة .
يطرح سامي ميخائيل التناقض الذي الم به في هذا الانتقال من تاريخه العراقي الى تاريخ " ارض اسرائيل ", ويطرح قلقه الشخصي من الواقع المتقلب في الشرق الاوسط , ويعترف بانه يعيش في عالمين مثل كل الذين تركوا واقعا لواقع آخر , وان بينه وبين اسرائيل لم ينشأ حب من اول نظرة , انما تطورت علاقة خاصة من الحب والاخلاص والتقدير , وانه بقي بعيدا عن النظرة الرومانتيكية المزيفة في نظرته للواقع الاسرائيلي .
الحديث الاول : عن الهوية والثقافة
يقول سامي ميخائيل : " أنا غير صهيوني , لست معاديا للصهيونية, انا وطني اسرائيلي ".ويفسر ذلك بقوله منذ فجر شبابي عرفت نفسي كيهودي, المقياس الاعلى بالنسبة لي هي اليهودية ,ومن هذا التعريف اتساءل ماذا يضر باليهودية وماذا يفيدها ؟ ماذا يضر بي كيهودي وماذا يندمج جيدا مع هويتي كيهودي ؟ " ويقول : " كان في العراق يهود نشطاء في الرابطة المعادية للصهيونية ". ويضف : " انا غير صهيوني من الناحية الايديولوجية. ولكني غير معاد للصهيونية عاطفيا , انا معاد للصهيونية حتى الحد الذي يؤدي هذا الفهم للأضرار باليهودية ودولة اسرائيل . أنا لا اعرف نفسي كصهيوني , واختلف مع طروحات كثيرة للصهيونية قديما وحديثا , الصهيونيون الحقيقيون اليوم هم اؤلئك المستوطنون , اليهود اللآخرون يشملون انفسهم بالصهيونية , ويتجملون بامور لم تعد قائمة " .
ويوجه نداءه لأولئك الصهيونيين الذين يعرضون أنفسهم ومستقبل أطفالهم للمخاطر بمخاطبتهم : "عودوا الى البيت!" ويقول ان نداءه لا يجيء شفقة على العرب , فالعرب ليسوا بحاجة لشفقتة وحبه .
يأخذ الصحفي المحاور سامي ميخائيل لمواضيع متنوعة للغاية , ويدفعه للافصاح عن مفاهيمه حول قضايا اجتماعية وفكرية وفنية وأدبية متنوعة , تتعلق بتجربته الاسرائيلية , وبما ترسب في وجدانه من هويته الشرقية ... من عراقيته والتناقضات المثيرة التي اوجدها المجتمع الاسرائيلي الخاص والمميز, وليس شرطا بالمفهوم الايجابي !!
وينتهي الحديث , كما في سائر الاحاديث بمقطع ادبي من كتابات سامي ميخائيل .
الحديث الثاني : حول الهجرة والقدوم الى اسرائيل
" في الهجرة انت تنتحر بأمل ان تعود الى الحياة ". هكذا يلخص رؤيته الفلسفية لمفهوم النزوح اليهودي الى اسرائيل .
ويتحدث عن تجربته الشخصية بالهجرة من العراق , والحياة غير المتوقعة والمتناقضة في اسرائيل .
الحديث الثالث : المجتمع الاسرائيلي
يطرح تصوراته حول بعض القضايا التي تشغل المجتمع الاسرائيلي , ويحاول الاجابة على سؤال حول تطور القومية العربية , ويرى بها تقليدا لنشؤ القوميات الاوروبية , وانها غير اصيلة , لان مضامينها تختلف من جيل الى آخر .
لن ادخل في نقاش حول الصواب والخطأ في رؤية سامي ميخائيل , انما احاول ان انقل للقارىء جزءا من رؤيته .. كذلك نجده يتسرع فيما يطرحه من ان المركب الديني للعرب , تحول الى مركب اساسي في الانتماء ( بمفهوم ما يساوي بين اشكالية الانتماء اليهودي والانتماء القومي العربي , ربما ليخلق انطباعا اننا لا تختلف – وان واقع الانتماء القومي اليهودي هو نفس واقع الانتماء القومي العربي ) .
سامي ينتقد بشدة تحول دولة اسرائيل الى دولة حرب , وينتقد بشكل خاص حرب سيناء ( 1956) ويقول : " لاتوجد حرب لا يمكن منعها " ويرى باتفاقات السلام , من مدريد وحتى واي بلانتيشين انه سلام مفروض على الجانبين .
الحديث الرابع : عن الشيوعية
يسرد ذكرياته عن الشيوعية منذ كان شيوعيا شابا في العراق , ويلخص تجربته الشيوعية بانها نتيجة ظروف صعبة ليهودي في العراق .
هذا الفصل مليء بانطباعات وذكريات عراقية . يتحدث عن تجربة الخروج من العراق , وظروف القدوم الى اسرائيل , وبحثه في اسرائيل عن الحزب الشيوعي , ويروي حادثة حاول فيها السوفييت تجنيده للتجسس , ويتحدث عن عمله في جريدة " الاتحاد " – صحيفة الحزب الشيوعي الاسرائيلي , وعلاقاته مع الشيوعيين .. ويقول انه يقدر الشيوعيين العرب لانهم يحبون شعبهم , لذلك بقوا في الحزب ,وهو لا يفهم بقاءاليهود في الحزب ..وهو لا يوضح ان كان موقفه رفضا للفكر الشيوعي كفكر سياسي واجتماعي , ام رفضا لاطار محلي , ام تبريرا ذاتيا لموقفه الاسرائيلي ؟
الاحاديث الخامس : الدين والعلمانية والسادس :عن الطبيعة , والسابع : عن الادب والثامن : عن دولة اسرائيل
ويطرح فيها سامي موقفه من الدين ومن فصل الدين عن الدولة, ويطرح قضايا مجتمعه اليهودي , واشكالية العلاقة بين الدين والعلمانية , وهذا الحديث يستحق مراجعة خاصة .
ويتحدث عن موقفه من الطبيعة والقضايا العامة السياسية والفكرية والادبية .
ويتحدث عن تجربته الكتابية وعن قراءاته , ويقول ان روايته الاولى كانت تحمل اسم " المعابر " ( اشتهرت المعابر في السنوات الاولى لاقامة دولة اسرائيل حيث اسكن القادمين اليهود في مجمعات سكنية اشبه بالمخيمات وتفتقد للكثير من الخدمات وهي احياء للفقراء اليهود الشرقيين بالاساس , اليهود من الدول المتطورة , الاشكناز – اي الغربيين .. لم يعانوا من السكن في المعابر, واصبحت المعابر من رموز التمييز بين اليهود الغربيين والشرقيين ) كتب سامي رواية المعابر باللغة العربية عام 1950 وفازت بالجائزة الاولى في مسابقة لكتابة الرواية نظمها الحزب الشيوعي , والجائزة كانت اصدار الرواية , ولكنه في نفس الفترة ترك الحزب الشيوعي , ولم يشأ بنشر الرواية , و"تخلص" منها وهو لا يملك اليوم نصا عنها , ويتحدث عن اعماله القصصية باللغة العربية التي كان ينشرها باسم " سمير مارد " . في صحافة الحزب الشيوعي بالاساس .
وينهي احاديثه عن تجربته الاسرائيلية من زاوية اخرى , فيتحدث عن قادة الدولة ورأيه فيهم , وارتباط ذلك بشتى الاحداث , بدءا من بن غوريون واشكول وغولدا مئير وبيرس ورابين وبيغن ونتنياهو وصولا لبراك .
القارىء يلمس بوضوح , رغم كل محاولات فلسفة الواقع المتناقض , ان سامي والجيل الذي يمثله سامي ما زال عربيا عراقيا في اعماق نفسه , ويعيش حالة اغتراب في مجتمعه .. ولكن الاساسي ان هذا الجيل يتلاشى ويختفي ويحل مكانه جيل اسرائيلي لا يعرف الماضي , وقيمة كتاب الاحاديث مع سامي ميخائيل , انه شهادة على
امكانية بناء واقع آخر في العلاقات العربية اليهودية , لا دور فيها للبندقية وسفك الدماء .
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟