|
في التوجس من التنظير و الفلسفة و علوم الانسان عربيا و اسلاميا
حمزة بلحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6725 - 2020 / 11 / 6 - 14:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان التحسس و التوجس العربي و الاسلامي من التنظير و التجريد و الفلسفة لرهيب و مفزع و له تبعاته و كلفته الباهظة على كل مفاصل الحياة و الاقتصاد و التنمية و الاجتماع و السياسة و الثقافة و الدين...
ترى ما بين " التجريد " و " الواقعية" ..كيف يعجز العقل العربي النظر إلى عمق مشكلاته..
هنالك مغالطات كثيرة ترتبط بالذهنية العربية تندرج تحت عنوان " الإسراف في التجريد " و الإنفصال عن الواقع ...
هنالك من يتسائل ما جدوى الحديث عن "نيتشه " و غيره و هل نكتفي عربيا و اسلاميا ب"مالك بن نبي" مثلا باعتباره قد طرح رؤية حضارية عملية من خلال ما يفهمون من نص مالك بن نبي ...
و قد يغفل الكثير مثلاا عن طرح السؤال لماذا لم تكن ل"مالك بن نبي" حساسية سلبية من " نيتشه " و غيره بل كان عائدا إليه و إلى هيجل و غيرهما في محطات تفكيره المختلفة...
هذا إن منحنا نحن نص مالك بن نبي الحصرية في تقديم خلاص لحالة التخلف التي تعيشها امتنا الاسلامية و الامر غير ذلك ...
قد يتسرب اليأس إلى الجامعي طالبا و باحثا و مثقفا و رجل تربية و هو يقع في حالات من الإلتباس و الإستقطاب و تأثير فهوم الديني السطحية و الشائعة عليه مستخفا و منتقصا من مكانة و دور الفلسفي في صناعة العقل و تحريره ...
إن عجز العقل عن إدراك قيمة بعض ما يتوهمه تجريدا و حديثا منفصلا عن مشكلات التخلف هو من يدفع ببعض من ذكرت من شرائح المتعلمين العرب إلى عدم رؤية تناسق و تعاضد و جدوى قضايا فلسفية مختلفة و كم هائل من المعارف التي تقع في قلب مشكلة التخلف أهمية...
بل جهلا بمكانة الفلسفي في مشاريع النهوض الغربية و مفاصل الدولة الحيوية في الغرب من تربية و مقاربات تعليمية لمختلف العلوم و المواد الدراسية و علوم تربوية و بحث علمي و حقوق انسانية و نماذج تنموية و اجتماعية ...
إن الحديث عن التخلف يلامس حتما مشكلة التعليم و التربية و التكوين و البحث العلمي الجامعي و برامج التكوين الجامعي و الثقافة و كل قطاعات الحياة المفصلية و الاستراتيجية ...
إنه يلامسها من حيث طبيعة و ملامح المخرجات النهائية التي نريد و دور هذه المخرجات في بناء المواطن الذي نريد و الذي يشارك حضاريا في عملية الاقلاع ....
ترى ما موقع و مكانة مواد التدريس في انظمتنا التعليمية التي تسمى بمواد إيقاظ العقل و صناعته و بناءه من استراتيجيات التربية و التعليم و الجامعة و البحث العلمي و المواطنة و الحوكمة في عالمنا العربي و الإسلامي...
ما مكانة الفلسفة و العلوم الإنسانية و العلوم العقلية و العلوم التجريبية و العلوم الاسلامية في استراتيجية صناعة العقل و إيقاظه من سباته...
عندما نكتب عن قضايا أساسية مثلا في الخطاب الفلسفي الغربي و العربي و نتناول مثلا " نيتشه " و كيفية قراءته و فحص مقولاته المركزية ..الخ إنما نتناول مشكلة أساسية تتعلق بالقول الفلسفي تهم طلاب الفلسفة و المثقفين و رجال التربية و أسأتذة الجامعات ..الخ و تحررهم من ارتهانات و استلابات القول الفلسفي الغربي و اختراقاته للوعي الجمعي العربي و الاسلامي..
أن لا يقف العقل العربي على أهمية و قيمة و جدوى " نيتشه " والفلسفة عموما و كل ما ذكرت فليس العيب في كون ما يسميه البعض ترفا فكريا و تجريدا هو مفصول عن الواقع.... بل العيب في العقل الذي عجز عن تلمس مخاطر كبيرة و رهيبة في القول الفلسفي و الإناسي و العلم إنساني الغربي و دوره في بيئته الحضارية و أثره علينا و ظن توهما أن هذا مجرد تجريد و ترف عرفي..
و لا عذر لمن اشتغل بخطاب ما بعد الحداثة و مخرجاته الأدبية و الفنية و الثقافية و التربوية و تداعياته على تشظي المعنى و القيمة و الحقيقة أن يجهل و يتجاهل قيمة الفلسفة و الإناسة و علوم الانسان و الفكر و الثقافة ..الخ ا و لا يرى انعكاس و أثر ذلك في برامج التربية و التعليم و الخطاب الناقد للمقدس و للدين ...
إن عجز العقل مرده الى محدودية أفق النظر و حالة اليأس و الإخفاق التي تعترض طريق العقل و تتسرب الى النفس العربية و الاسلامية و ليس إلى لا واقعية الخطاب أو تجريده أو إغراقه في النظري و كم نحن فقراء الى التنظير و التأسيس و رؤية حضارية عميقة ...
ناهيك عن تمترس بعض عقول من ذكرت حول كسبهم و أرائهم و ظنهم أنهم يملكون الحقيقة النهائية و تعاليهم إلى حد يفضلون التلميح على التصريح و الهروب إلى حصونهم المغلقة و عند من يشبهونهم و لا يصدمون مسلماتهم...
بدل الإفادة في حصون الغير و المختلفين و من يخلخلون اوهامهم و اعتقاد الأستاذ و الجامعي أن السؤال و التعلم من غيره جريمة و انتقاص قيمة من شخصه و قد يراه طلابه سائلا فيرمونه بالعجز ...
إن الطلاب جزء كبير منهم يتفاعل ظرفيا مع أساتذتهم لمصلحة و غاية و حاجة عندهم فيصنعون لديهم اوهاما فإذا حصلوا الشهادات هجروا و أنكروا أنهم يوما ما كانوا طلابا عندهم و يمارسون هم بدورهم نفس الادوار ..
و من أسباب ذلك تدميرنا للمنظومة القيمية الرمزية و العرفية و الاخلاقية و تراتبية و هرمية تداول العلم و أخلاق التعلم...
إن العقل الذي سقفه و مبلغه من العلم مثلا هو " مالك بن نبي" يعتبره اقصى عتبات الابداع و الفكر النهضوي العملي و بديلا خلاصيا حصريا يمثل نهاية البدائل و خلاصتها لأنه يلامس الواقع هو عقل اختزل مشكلات التخلف و النهضة و انخرط في تمترسه حول ذاته و تصنيم مالك بن نبي او غيره و قد يكون محمد اركون لا يهم و الخلاصة واحدة هو انه سجن نفسه داخل اقنوم مغلق و وضع للمعارف عنده سقفا و للابداع نهاية ...
و لن يكون بهذه الذهنية باحثا و لا فيلسوفا و لا عالم اجتماع أو إناسي أو مفكر مرموق كما هي بعض القامات العالمية التي أنتجها الغرب و ساهمت اليوم و أمس و في إطار سيرورة حضارية في تبديل قيم العالم و محاصرة المقدس...
إن فلاسفة الغرب و زجال الفكر لا يهرفون فلسفيا و فكريا و معرفيا عندما نحكم عليهم بالترف المعرفي بل يساهمون في التحولات العالمية و يشغل منجزهم حضورا مركزيا في كل مناحي الحياة و نظام الحكم ...
إن جل الحراك العالمي في حقل التربية و التعليم و الإصلاحات التي نلزم بها في أنظمتنا التربوية العربية و التي ترتسم في إطار و تحت عنوان " عولمة القيم " هي نتاج العقل الفلسفي الغربي...
إن مشكلة المساواة بالنسبة للمرأة و مكافحة ما يسمى بالنمذجة lutter contre les stériotypes ..théorie du genre..ونظرية الجندر..وموضوع الحرية و الحرية الجنسية و تبديل قيم العائلة و الإنقلاب على تعريف نواة المجتمع الأسرة و تعريف الزواج و مؤسسة الزواج و إباحة الزواج المثلي ..الخ.... و عولمة قضية الحق في الإعتقاد و الكفر و حرية سب المقدس و الله باعتبارها من الحريات ...
و حق التدخل الأجنبي بعنوان حماية الحق الإنساني المنتهك و طرح بديل عن المقدس الديني هو المقدس الأرضي الذي ينبغي أن يعم العالم كدين أرضي إنساني مكان و تعويضا للدين المتهم بالطائفي الذي عجز عن بسط الأمن و التعايش بين الانسانية ....
و كان وراء العنف و الارهاب و قضايا الدين و الحكم و السياسة و في الفضاء العام و قضايا الهوية و الخصوصية التي تجتاح باسم العولمة و الكونية حميمياتنا التي نتهم فيها بانها اقانيم مغلقة و قضايا اللغة و اللسان و التعدد اللغوي و اعادة تعريف الهوية ...
و سيل من القضايا التي تطرح اليوم كبدائل للنظام التربوي و الإعلامي و الثقافي و الحضاري و الحقوقي ...الخ هي من صميم الخطاب الفلسفي التي تناولها الفلاسفة الغربيون و من صميم الموضوعات التي تناولها مثلا لا حصرا " نيتشه" و " دريدا " و "فوكو" و "دولوز" و " دو سارتو" و " هابرماس" و "سيمون دي بوفوار" و "بورديو" و "ما بعد بورديو" على نحو ما تتبناه نجاة فالو بلقاسم و تيارات الحركات النسوية في نقدها لأطروحة " الهيمنة الذكورية " عند بورديو و هي من صميم القضايا التي تناولها بقوة القول الفلسفي الغربي الحداثي و ما بعد الحداثي ...
يعجز العقل العربي والمسلم اليوم و الذي هجر التنظير و المفهمة و التأسيس الفلسفي و الإنساني و ترك هذا الواجب العيني و قلل من شأنه و انتقص من قيمته في فهم كل ما يحدث في العالم و تقدير أهميته ..
إن مهام الشرائح المتعلمة تنقسم إلى قسمين قسم تنظيري أكاديمي معرفي مركب و دقيق و قسم وسيط يعمم الخطاب و يبسطه للناس لإيقاظ العقل السبات الذي يقلل من مكانة ما يسميه هو التجريدي أو هو يظنه تجريدي... إن للأنظمة العربية و الاسلامية المسؤولية الكبرى في منح هذه القضايا أهمية استراتيجية ....
بل إن قلة الإنفاق المالي الرسمي من الانظمة الحاكمة عربيا و اسلاميا او من اصحاب رؤوس المال و المستثمرين طوعيا في هذا الحقل و مأسسته و تعميمه و تعبئة النخب حوله هو عين التقصير و العجز و السقوط و الإثم بل هو دينيا من الكبائر المستحدثة...
فلا فلسفة بل و لا علم إنساني اليوم معلقين بين سماء و هواء من غير معالم بل كل التفلسف الغربي له إحداثياته و معالمه و أسسه و مرتكزاته و قواعده الجيوسياسية و الجيو إستراتيجية و مرتكزاته الضاربة جذورها في التاريخ و المتشكلة في السيرورة التاريخية كذلك الحال بالنسبة للعلوم الإنسانية ...
كم ظلم مثلا لا حصرا مالك بن نبي من طرف محتكري خطابه و فهمه و كم اختزلوه و صنموه و حنطوه و قاموا بأدلجته فوق ما هو من جوهره ايديولوجيا بل توهموا امتلاكه حصريا كما فعل تيار اسلامي في الجزائر و خارجها في بعض الدول الاجنبية و دول الخليج و هو تيار عرف باسم " الجزأرة " و قد نظم نفسه اليوم في حركة سياسية تنشط في الحراك الشعبي و تحاول ايضا احتكاره بتمثيل هزيل ...
إن العقل الفلسفي العربي المسلم عازف عن المعارف و التنظير و التفلسف الجاد و قلة من المشتغلين به عملهم سطحي و غير نافع و هامشي و اشهاري مقلد ...
و يعتقد أنه يجب على كل النخب إنتاج و استهلاك المسطح و الذرري من الفكر و المعرفة و الفلسفة و عدم الوقوف على ثغرات باتت اليوم عارية لا مرابط يقف عليها و الإغراق في ما يعده فعالية و فاعلية و شهودا حضاريا و هي غالبا و عموما جعجعات و طنين ...
#حمزة_بلحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يمكن لفكر النهضة و المدرسة العقلية أن يكون أعلى سقف لمشرو
...
-
الفكر يحاور بالفكر و سعتي الإطلاع و الأفق..
-
محمد فاضل حمادوش رجل فكر قدير .. جزائري أصيل
-
في العلم النافاع و خصائصه
-
في العقل الإنطباعي
-
أسد القصير ..فقيه ..بمنزع وحدوي إسلامي و إنساني
-
أمير الموسوي ..إيراني بروح جزائرية ..و منزع إنساني كوني
-
جيل التقليد باسم الانفتاح على الاخر و باسم الاصالة و التراث
-
احسان الفقيه و شكرا كورونا
-
ما غاب عن الحراك الجزائري مدة عام من النضال
-
أسئلة الشك في منظومة العدم و اليقين البشري المهدد
-
الفتنة و نار الله الموقدة ..في جيوسياسا النصر العربي و الإسل
...
-
الرفاعي و فلسفة الدين و أنسنته
-
في الفساد السياسي و المالي و الإداري و التربوي..تصحيح رؤية .
...
-
لا نيابة في التفكير في الدين..
-
بوح الدواخل : معناه و رمزيته
-
في النقد العلمي عند الشيعي و السني و اعتباره فتنة و جريمة
-
في الإصلاح التربوي بلا مشروع و رؤية...
-
محمد حسين فضل الله بين قراءة إنكفائية و قراءة إبداعية تسبح ف
...
-
مناهج التعليم في العالم الإسلامي و إنتاج المعرفة..الجزائر أن
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|