لو أراد الإنسان أن يتعلم فن الكذب عليه أن يعمل في وزارات الأعلام ومؤسسات الحكم لدى الأنظمة العربية التي أكلها الصدأ ولم تعد صالحة للاستعمال البشري،ولكي ينال إجازة وشهادة في الدراسات العليا لفن الكذب السياسي والعهر الأخلاقي،عليه التسجيل في المدرسة البوشية للأكاذيب المدعومة دوليا والمبررة عالميا. ونستغل هذه الفرصة الذهبية من الفرص القليلة التي تسنح لنا بالدخول في العلوم البوشية الحديثة لنقدم لكم باقة جديدة من أقاويل ومأثورات جورج دبليو بوش رئيس الدولة الأقوى والأعظم في عصر البقر والقرود والبول الأمريكي الأصفر الذي سيستخدم عما قريب كماء للشرب لكل حمامات بوش من طيور السلام الأمريكي العتيد، تلك التي تغرد عاليا وبعيدا عن أسرابها. ومن الفقه البوشي الذي يجتاح المنطق العالمي هذه الأيام لكم هذه المأثورات التي تستحق القراءة، يقول أبن أبيه جورج ديبليو بوش ما يلي :
1 سكان اليونان هم اليواننة
2 الإسرائيلي أرييل شارون هو رجل سلام
3 الباكستاني الجنرال مشرف هو ديمقراطي
4 الأكثرية العظمى من وارداتنا تأتي من خارج البلاد
5 في حال لم ننجح، سنواجه احتمال الخسارة
6 لقد اتخذت أحكاماً جيدة في الماضي. لقد اتخذت أحكاماً جيدة في المستقبل
7 سيكون المستقبل أفضل غدا
8 سنحصل على أكثر شعب أمير كي متعلم في العالم
هذا منطق بوش وتلك أقواله وسنترك ما تبقى لدينا من مجموعته الذهبية لمقالات أخرى ستغني مكتباتنا العالمية، لأنها بالتأكيد تنم عن جهل رئيس أكبر دولة في العالم بما يقول، وهذا عائد لكونه لا يفرق بين القول والبول وبين المنطق وألا منطق وبين السكر والصحو.
لذا فليس غريبا أن نجد في بلادنا من هم على شاكلة بوش ومن هم معجبون بغبائه وقلة ذكائه، لأن الطيور على إشكالها تقع ودائما يتجمع الذباب على المزابل والأوساخ وحيث
العفن الذي يسيطر على الأعلام، ولإعلامنا العربي أصبح العفن اليومي شيئا عاديا أعتاد عليه المشاهد العربي وأصبح بمثابة المنوم أو المخدر لهذا المشاهد الذي بدوره تحول إلى شاهد ما شفشي حاجة كما قال الممثل القدير عادل أمام في مسرحيته الشهيرة التي تحمل نفس الاسم أو مشاهد لم يشاهد أية حاجة لأنه مواطن يعيش برغد وحرية وسعادة وبلا قمع وبوليس يجثم على حريته ويكمم فمه ويرد الهواء عنه ويمنعه من التنفس بشكل طبيعي.
لقد كان العراق في حروبه العديدة أيام حكم حزب البعث العراقي يدير شبكة كذب إعلامي غير عادية، كنا نسمع الأخبار فنعتقد أنها قادمة من عالم آخر وعند نهاية الحرب الأخيرة في العراق، حرب الهيمنة والسيطرة التي انتهت بسقوط النظام وخراب العراق واحتلاله، ظل
وزير الأعلام العراقي السابق الصحاف ينفي كل الروايات الأمريكية والأخبار التي تغاير ما يقوله هو إلى أن اختفى فجأة وظهر مكانه الجندي الأمريكي الذي قام بوضع العلم الأمريكي على تمثال صدام حسين في وسط بغداد،قبل لحظات من تدميره وإسقاطه بعد جره بدبابة أمريكية. هذه الأعمال التي حصلت في بغداد والمدن العراقية الأخرى تجعلنا نعي أكثر مدى حقد المواطن العربي على تلك الحكومات وتلك الوسائل و الوجوه التي كانت تحكمه ومنها من لازال يحكم بنفس طريقته السابقة وكأن شيئا لم يحدث وكأن الزلزال الكبير الذي جرف النظام العراقي ويحاول القضاء على الرئيس الفلسطيني ويهدد سوريا ولبنان ويقمع العرب في عقر دارهم وبموافقة حكامهم قد مر بالعراق وفلسطين فقط وقد لا يمر عليهم، هم مخطئون بكل تأكيد لأن الزلزال الأمريكي جاء ليشمل المنطقة العربية بشكل شامل وكامل، وقد فهم البعض تلك الزلزلة فقام بتغيير سياسته لأنه يعرف أنه لا يستطيع وحده حماية العلماء والقادة العراقيين من يد العدالة الأمريكية الغازية التي تشبه عدالة هولاكو في زمن لا عربي، لكن البعض الآخر لازال يتصرف وكأنه يعيش على كوكب آخر.
بينما القادة والعلماء العراقيون يقعون في قبضة الذين شنوا الحرب من أجل اعتقالهم واحتجازهم كي لا تقوم قيامة علمية جديدة للعراق بحجة أن هؤلاء علماء صداميون وليس عراقيون، يقوم فريق من الكتاب العراقيين زمن المحسوبين على أهل الثقافة والفكر والسياسة بالتطبيل والتزمير والتهليل للاحتلال الأمريكي. والله أن الإنسان يخجل ويذوب بسرعة وبعكس ذوبان الشمعة البطيء عندما يسمع ويقرأ ويشاهد الذين يبررون للاحتلال احتلاله ويشرعون الاعتقال وتصفية الثروة العلمية العراقية على أساس أنها من بقايا النظام المهزوم ، يا عار أصحاب الفكر الشمولي الجديد، فكر التسليم والقبول بدور العبد والأجير،مع أن أمهاتهم ولدتهم أحرارا،أهكذا تريدون العراق الجديد، عراقاً لحاخامات التصهين العراقي من المتأمركين والمتصهينين الذين أضاعوا أنفسهم سابقا ويريدون أضاعة العراق حاليا.
فليخسأ هذا الفكر، لقد خجلت من هذه الأفكار والمفردات حتى أمهات الذين يرددونها ويبررون اعتقال العلماء العراقيين وكأنهم أعداء للوطن العراقي وللتنمية الوطنية العراقية.
من آخر الأخبار التي قرأناها في وسائل الأعلام تصريح للرئيس الأمريكي جورج بوش يقول فيه أنه كان معجبا بالوزير الصحاف، حد أنه كان يقطع اجتماعاته من أجل الذهاب لمتابعة المؤتمرات الصحفية للوزير العراقي الذي بدوره نال إعجاب المشاهد في كل العالم تقريبا، وكان للمفردات التي أحسن اختيارها دورا وأثرا في ذاك الإعجاب المثير، لكن أن يقول بوش أنه معجب بأبي العجائب الصحافي فهذا بدوره عجيب وغريب لأن تصريحات بوش تعتبر بسخافتها مضربا للمثل ولم يقم أي رئيس أمريكي سابق بارتكاب مثل هذا الكم الهائل من الهفوات والأخطاء السياسية والتصريحات الضارة بأمريكا وعلاقاتها التي هددت السلم العالمي مثلما فعل جورج بوش الابن في عهده القصير والمثير. كلنا نذكر تصريحه الشهير بعد حوادث التفجيرات في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا، حيث قال أنها حرب صليبية، وأنها حرب العدالة الإلهية، أي بما معناه أن بوش نصب نفسه مخلصا للبشر وخليفة على الأرض، يقسم الناس بين أخيار وأشرار وبين مناصر ومعادٍ، فأما أن تكونوا معه أو ضده ولا مكان للحل الوسط أو للموقف الثالث.ذاك بوش ونفهم أنه يفكر بتلك الطريقة لكننا لا نفهم عربنا الذين لا يفكرون بما تفكر به شعوبهم بل بما يفكر به نيابة عنهم وعن شعوبهم بوش ومن معه في إدارته التي تعتبر أخطر إدارة تهدد السلم العالمي وتعبث بمصير البشرية. فهؤلاء يحكمون شعوبهم على طريقة الحكم القديمة التي لم تعد قائمة عمليا إلا في أنظمة القبائل والعشائر، وأنظمة الحكم العربي التي ابتليت بها الشعوب العربية. تعتبر تلك الأنظمة العربية أنظمة تمثل العوائل والعشائر والقبائل ولا تمثل الشعوب بكل فئاتها ومللها وتشكيلاتها. مثلا هذه الدول السعيدة والتي تعتبر بعيدة عن الحرية والاستقلالية في القرار وهذا بعكس ما تتبجح به وسائل أعلامها التي لا تتمتع بمصداقية، فهي كلها عاجزة وتلتزم باللعبة الأمريكية التي فرضها بوش منذ عاصفة الطائرات المخطوفة في أمريكا يوم 11 أيلول الأسود. خذلت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في حصاره المستمر والممتد منذ حملة السور الواقي وحتى يومنا هذا، الذي يشهد حملة الأخوة الأعداء على ختيارهم الذي صمد ولم يقدم التنازلات المصيرية ولم يتخل عن الثوابت الوطنية على الرغم من البلدوزر الذي يحفر السقف فوق رأسه والرصاص والشظايا المتطايرة والمتناثرة من حوله. الختيار أبو عمار يواجه تعقيدات المرحلة الحالية من خلال تصديه للخطر الذي يسببه منصب رئيس الوزراء الجديد على مستقبله السياسي والرئاسي الفعلي لا الشكلي، ونقول لأبي عمار أنه ولكي يستطيع صد تلك الهجمة والحفاظ على بعض أوراق اللعبة عليه أن يطلق سراح أحمد سعدات ورفاقه السجناء على خلفية المقاومة وأن يدعو لتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ومجلسيها المركزي والوطني وأن يجري إصلاحات عاجلة في تلك الأطر من أجل تعزيز الوحدة الوطنية وتمتين الصف الوطني،لأن هؤلاء بالتحالف مع القوى الإسلامية المجاهدة هم في النهاية من سيدافع معه ومع الشعب الفلسطيني عن القرار الفلسطيني المستقل وهم من سيقاتل إلى جانبه دفاعا عن البيت الفلسطيني،أما الذين تخلوا عنه عند أول منعطف خطير وحقيقي، هؤلاء لا بد أنهم سيزولون بعدما يقوم شعب فلسطين باكتشاف حجم الأذى والخطر الذي يشكلونه على القضية الوطنية والثوابت الفلسطينية ومستقبل فلسطين العربية. هذا من جهة ومن جهة أخرى يستغرب الإنسان الفلسطيني مواصلة بعض عناصر وقيادات السلطة
نهج العبث بمشاعر شعبنا وتوجيه الأذى لأهلنا الفلسطينيين من خلال منعهم زيارة السجناء السياسيين في معتقل أريحا المعروف .أليس من المعيب أن تقوم الشرطة أو السلطة الفلسطينية بمنع وفود تضامنية عالمية من أمريكا وألمانيا والدنمارك بزيارة المناضل أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية في سجنه، وكل شعب فلسطين ومؤسساته ومنظماته على الجهة الأخرى وفي نفس الوقت تنادي العالم وتناشده من أجل الضغط على إسرائيل كي تسمح لهؤلاء وغيرهم بزيارة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
بالنسبة لنا لا فرق بين الذي يمنع الزيارة عن احمد سعدات في معتقل أريحا والذي يمنعها عن مروان البرغوثي وملوح وتيسير خالد وحسن يوسف وحسام خضر وباقي المعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
أليس من المعيب والمهين أن ترد المفوضية الأوروبية على الإدارة الأمريكية بِلا كبيرة لمقاطعة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والتعامل مع أبي مازن فقط، بينما كافة الدول العربية تقاطع الرئيس الفلسطيني منذ أن تمت محاصرته في رام الله ،أما الذين يرسلون مندوبيهم للقاؤه فهم يأتون لممارسة الضغط والابتزاز على الرجل الذي لازال صامدا ومتماسكا بالرغم من الزلازل الكبيرة التي عصفت ببلاد العرب وبالسياسة الدولية.
أليس عارا على العرب أن يقوموا بممارسة الضغط على الرئيس لحساب المرؤوس وبممارسة دور الضاغط والمبتز بدلا من الوقوف مع المصلحة الوطنية الفلسطينية والمصلحة القومية العربية؟؟
ليس لنا في هذا الزمن الأمريكي العاقل كما يسميه البعض سوى دعوتكم أيها العرب للجنون العام، ولا نملك في هذه اللحظات سوى ترديد ما قاله الكاتب السوري الكبير محمد الماغوط في كتابه الشهير والمضغوط سأخون وطني :
" فشلنا في فلسطين وفي اليمن وفي إثيوبيا وفي أوغندا وفي الصحراء الغربية وفي لبنان وفي إيران وفي أفغانستان.. فشلنا في أمريكا وروسيا. فشلنا في الحوار العربي- الأوروبي وفي دول عدم الانحياز،فشلنا في الملكية والجمهورية،فشلنا في هزيمة حزيران و انتصار تشرين، فشلنا في مؤتمر الخرطوم وفي مؤتمر الرباط وفي مؤتمر جنيف وفي التضامن وفي الصمود وفي وحدة الهدف وفي وحدة المصير وفي المبادرة وفي مفاوضات الحكم الذاتي، فشلنا حتى في الخيانة.. ولأن ا لكذب العربي بلا حدود ، والإرهاب العربي بلا حدود والتسامح العربي بلا حدود ، والتطرف العربي بلا حدود والتعقل العربي بلا حدود. صار الوطني العربي بلا حدود..".
ونضيف لما قاله الماغوط :
فشلنا في العراق والكويت وخسرناهما كلاهما بعدما ذهبت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية إلى حظيرة الدولة الصهيونية، والآن يطالب الإسرائيليون بنفط العراق وبأنبوب من الموصل حتى حيفا وبسفارة في قلب بغداد وبخط سكك حديد جديد يصلهم عبر الأردن والعراق بتركيا فأوروبا وهم يعتمدون ليس على أمريكا فقط بل على قيادات عراقية جاءت على ظهر الدبابة الأمريكية. وغدا سيطالبوننا بتحديد حصتنا من الطعام بعدما حددوا لنا حصتنا من الماء والنفط. يا لهذا الزمن ويا لهذه الأمة، كل الأمم خرجت من عصر الظلمات إلى النور ألا أمة العرب فهي الوحيدة التي عادت من عصر النور إلى عصر الظلمات.