أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر الشريف - ما هي آفاق الدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي؟















المزيد.....

ما هي آفاق الدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي؟


ماهر الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 32 - 2002 / 1 / 11 - 09:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




السفير


جمال الدين الأفغاني

اظهرت الاحداث التي تدور من حولنا منذ اشهر اهمية الدعوة الى تجديد الفكر الاسلامي، بما يمهد الطريق امام احياء اصلاحية دينية جديدة، تسهم في اشاعة مبادئ العلمانية في مجتمعاتنا، بوصفها شرطا رئيسا للنجاح في تحقيق مهمة النهوض العربي في عالم جديد يعيش مخاض ولادة عسيرة، وتسعى فيه القوى المهيمنة، الباحثة عن عدو جديد بعد انتهاء الحرب الباردة، الى تصوير الاسلام على انه دين متعصّب، ماضوي ومنغلق على نفسه، لا يؤمن بمبدأ التفاعل الحضاري الايجابي مع ((الآخر)).
بداية، وقبل الحديث عن الآفاق المفتوحة امام مثل هذه الدعوة، لا بد من طرح السؤال التالي: هل من الصحيح ان العلمانية لم تترسّخ في المجتمعات العربية لان الاسلام يختلف عن الاديان الاخرى في انه ((دين ودولة))، كما ذكر حسن البنا في زمانه ودعمه في ذلك الاسلاميون من بعده؟ ام انها لم تترسخ لأن الاسلام هو، من حيث جوهره، دين لا يتوافق مع مبادئ العلمانية والحداثة، كما يزعم بعض المستشرقين الغربيين؟
في اجتهادي ان العلمانية لم تترسخ في مجتمعاتنا لأن هذه المجتمعات لم تحقق، على الرغم من كل التغيرات التي شهدتها في القرنين الماضيين، ثورة ثقافية حقيقية تطاول مجال فهم الدين. والعلمانية التي أعنيها هنا ليست عقيدة، بل هي مبادئ لتنظيم الاجتماع، من ابرزها: إحلال مفهوم الفرد/المواطن محل مفهوم الرعية، واعتبار ان الشعب هو منبع السلطة، وأن العلاقة بين الانسان وربه هي علاقة فردية لا تحتاج الى رقيب ولا وسيط، والدعوة الى الابتعاد عن التكفير، وضمان استقلال الارادة وحرية التفكير والبحث حتى في المسائل الدينية. وعليه، فإن العلمانية، بهذا المعنى، تمثل، الى جانب الديموقراطية، وجهين لعملة واحدة هي الحداثة، وهي لا تُختزل الى مجرد فصل الدين عن الدولة، بل يمكن القول بأن مثل هذا الفصل هو النتيجة المنطقية لشيوع مبادئ العلمانية في المجتمع. وقد كان للعلمانية، بهذا المعنى بالذات، تاريخ في مجتمعاتنا العربية في العصر الذي أطلق عليه ألبرت حوراني اسم ((العصر الليبرالي)). فرجال الاصلاح الديني، الذين شكلوا جزءاً لا يتجزأ من حركة النهضة والتنوير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، لعبوا دورا بارزا في إشاعة مبادئ هذه العلمانية، حتى وإن لم يلجأوا بصورة صريحة الى المصطلح. فدعا جمال الدين الى اعادة النظر في الاسلام من زاوية العقل وروح العصر، وسعى الى تحطيم السد الذي كان قد أُقيم، منذ إحراق مؤلفات ابن رشد، بين الاسلام والفلسفة، وأعاد فتح باب الاجتهاد، وشدد على ان الاسلام لا يخالف الحقائق العلمية وأنه لا بد من العودة الى التأويل في كل مرة يظهر فيها تناقض بين الدين والعلم. أما محمد عبده، فقد حرر الفكر من التقليد ورفض احتكار تفسير النص من قبل فئة واحدة، وأكد ضرورة احترام حرية الاعتقاد والتعبير، ودعا الى الابتعاد عن التكفير وعن الغلو في الدين، بعد ان أرجعهما الى الجهل بالاسلام الحقيقي، وانفتح على الجوانب الايجابية في الحضارة الغربية الحديثة، واعتقد بالتآلف بين الاديان السماوية. وأقام عبد الرحمن الكواكبي علاقة وثيقة بين الاستبداد والجهل واعتبرهما السبب الاول للتخلف، وأكد على الحرية السياسية وأهمية الاصلاح السياسي، بعد ان فضح العلاقة بين الحكام المستبدين والعلماء ((المدلّسين والجهال))، وذهب الى حد الدعوة الصريحة الى فصل الدين عن الدولة، وهي الدعوة التي عمّقها من بعده الشيخ الازهري علي عبد الرازق.
باختصار، ادرك رجال الاصلاح الديني ان الحداثة يمكن ان تشكل قاعدة تقوم عليها المجتمعات الاسلامية، وبخاصة بعد ان استوعبوا حقيقة ان هذه الحداثة، التي ولدت في الغرب، قد تحوّلت الى مكتسب انساني وان تملك المسلمين لأسبابها هو امر لا يتعارض مع شريعتهم.
غير ان الوعد الذي حمله الاصلاح الديني بتحقيق ثورة ثقافية في مجال فهم الدين ما لبث أن خاب اثر القطيعة التي وقعت في مسار هذا التيار والانقلاب الذي طرأ، اعتباراً من العقد الثاني للقرن العشرين، على تفكير الشيخ محمد رشيد رضا، وهو الانقلاب الذي جعله يتنكر لأفكار أستاذيه، جمال الدين ومحمد عبده، بل وحتى للافكار الاصلاحية التي كان يشيعها هو نفسه. وشكلت تلك المواقف النكوصية لمحمد رشيد رضا احدى الركائز الفكرية التي استندت إليها دعوة حسن البنا، الذي اندفع، في سياقات تاريخية مستجدة تميزت، على الصعيد الدولي، بانفجار ازمة اقتصادية خطيرة وبتنامي النزعات الفاشية والنازية في اوروبا وبتزايد استفزاز مشاعر المسلمين في اكثر من بلد، وعلى الصعيد المحلي المصري، بتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتعثر التجربة البرلمانية، اندفع على طريق التعصب ورفض الاعتراف بشرعية الاختلاف. فلم ير في الحضارة الغربية سوى وجه واحد هو المادية والشهوات وفساد الاخلاق، ودعا الى مقاطعة كل المؤسسات الحديثة التي اقتبست عن الغرب، وأكد على دعوة الحسبة ورفض التعددية السياسية وطالب بتصفية الحزبية وتجميع كل قوى الشعب في حزب واحد. واكتسبت هذه الافكار، مع سيد قطب، بعداً أكثر تعصّباً، اذ انتج هذا الاخير، وبخاصة في فترة سجنه الطويلة في معتقلات النظام الناصري والتي انتهت بإعدامه، فكرا إسلاميا متشددا ومنغلقا، قام على أساس التنظير للقطيعة بين الاسلام والفلسفة، ونبذ الفلسفة العربية الاسلامية وعلم الكلام، ومخالفة دعوة محمد عبده الى اعتبار العقل البشري نداً للوحي والى إباحة التأويل، وتكريس الواحدية في التفكير واعتبار ان هناك ((حقيقة)) مطلقة واحدة تمتلكها ((طليعة مؤمنة))، تستعلي على المجتمع ((الجاهلي)) وتهجره وتعيش وحدها ((بمنهج الله)).
وينبغي الاعتراف بأن هذه الايديولوجية الاسلامية، التي سعت بعض قوى الاسلام السياسي الى التحرر من قبضتها بينما ظلت قوى أخرى أسيرة لها، لا تتحمّل وحدها مسؤولية إعاقة مهمة تحقيق ثورة ثقافية في مجال فهم الدين، بل إن المسؤولية، في هذا الصدد، تقع ايضا على عاتق المعبّرين عن الايديولوجيتين القومية العربية والماركسية، الذين استخفّوا بأهمية المسألة الثقافية ولم يدركوا ضرورة استكمال الثورة التي بدأها، في هذا الحقل، رواد النهضة والتنوير. وتتعاظم مسؤولية المعبّرين عن القومية العربية بشكل خاص لكونهم قد وصلوا الى السلطة، وتوافرت لهم، من الناحية الموضوعية، الفرصة التاريخية لاستكمال مثل هذه الثورة، الا انهم لم يحققوا ذلك نتيجة التباس علاقتهم بالعلمانية وخلطهم بين حقل الاسلام وحقل القومية، ووضعهم الديموقراطية الاجتماعية في مواجهة الديموقراطية السياسية وتنكرهم لتجربة الديموقراطية السياسية التي تراكمت في العهد الذي سبق وصولهم الى السلطة. فجمال عبد الناصر الذي هدف الى بناء دولة ومجتمع حديثين في مصر، والذي اضاف في الستينيات الى بعدي الثورة، السياسي والاجتماعي، البعد الثقافي، قصر مفهوم الثورة الثقافية على إشاعة العلم على نطاق واسع في المجتمع ونزع طابعه الطبقي، ولم يدرك حقيقة ان شيوع العلم يحتاج الى بيئة ديموقراطية تسود فيها العقلانية في التفكير والحرية في البحث، ومع انه كان معجبا بمحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي، وكان نزاعا الى روحنة الدين، الا انه بقي حذرا ومتحسبا من ردات فعل القوى التقليدية في المجتمع وداخل المؤسسة الدينية الرسمية وفي أوساط الاسلام السياسي المنافس.
  
لقد تصاعدت في السنوات الاخيرة الدعوة الى تجديد الفكر الاسلامي وإعادة بعث الروح النقدية والعقلانية والمنفتحة فيه، وهي دعوة يتبناها اليوم عدد من الباحثين ورجال الدين المتنورين، الذين يميزون بين الظاهرة القرآنية والظاهرة الاسلامية، فينظرون الى الاولى على انها متعالية ومفتوحة على المطلق والى الثانية على انها تاريخية ومتنوّعة، وينتقدون الخطاب الديني التقليدي الذي يرفض التأويل ويلغي العقل لحساب النص ويهدر البعد التاريخي فيه، ويفرقون كما يفعل السيد محمد حسن الامين ما بين علمانية مؤمنة وعلمانية ملحدة، ويعتبرون ان الاولى اذ تدعو الى فصل الدين عن الدولة لا تنفي الدين بل تؤكد على ان السلطة هي شأن بشري ومصدرها البشر، وأن البشر أحرار في التشريع لأنفسهم. فما هي حظوظ نجاح مثل هذه الدعوة في احياء اصلاحية اسلامية تندرج، بعد ان تراعي ظروف اليوم، في الخط العام الذي اختطّه جمال الدين وعبده والكواكبي وحسين الغروي النائيني؟
الواقع، ان حظوظ هذه الدعوة في النجاح في تحقيق هذا الهدف تبدو ضئيلة الى الآن، وذلك لأن اصحابها، المبعدين عن اجهزة الدولة العربية التربوية والاعلامية، لا يستندون الى قاعدة اجتماعية واسعة بين جمهور المؤمنين، بل لا تزال دعوتهم بمثابة صرخة مثقفين ورجال دين معزولين، في ظروف تتميز بافتقاد الحريات، لا سيما حرية التعبير والتفكير والبحث، وتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وتعثر مسيرة السلام العادل والشامل في المنطقة نتيجة استمرار السياسات العدوانية والتوسعية لحكام اسرائيل، المدعومة من سياسات ((الاستكبار)) الاميركية، وهو ما يغذي في مجتمعاتنا الدعوات الى الانغلاق والتقوقع على الذات، وينمّي العداء للغرب ويسوّغ المسعى الرامي الى مماهاة الحداثة بالوجه الهيمني والاستئثاري لهذا الغرب.
ومهما يكن من امر كل هذه المعوقات التي تعترضها حالياً، تبقَ هذه الدعوة التجديدية، كما يبدو لي، مدخلاً الى طريق نهضة العرب.
 كاتب وباحث فلسطيني.



#ماهر_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر الشريف - ما هي آفاق الدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي؟