|
ألبير كامو وأسطورة العبث
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6722 - 2020 / 11 / 3 - 13:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عن العبث والحرية ٠٢ - ألبير كامو
على طوال التاريخ وجد نوع من البشر ذوي وعي وحساسية مرهفة تجاه العالم والأشياء وتجاه العلاقات البشرية المعقدة. ومنهم من يجتاز هذه الحياة كالنيازك، تحترق في خلال لحظات بفعل السرعة والإحتكاك بالمحيط الذي تجتازه. وفي أغلب الأحيان ينتمي هذا النوع من الرجال والنساء لعالم الفن، حيث يذوبون وينصهرون كالشمعة التي تحترق من الجانبين. ومن هؤلاء سانت إكزوبيري، أرثور رامبو، أبوللينير، جون كييتس، لوتريامون، ماياكوفسكي وخليبنيكوف، جيمي هندريكس وجانيس جوبلن وغيرهم العديد من الشعراء والأدباء والرسامين والفنانين. ولابد أن نذكر الشاعر السوري المنسي : عبد الباسط الصوفي - 1846 - 1870 وديوانه اليتيم "أبيات ريفية"، وكذلك أبوالقاسم الشابي، أمل دنقل، رياض الصالح حسين ومجدي الجابري وغيرهم كثيرون من الشعراء الذين يكتبون بالعربية. والكثير من هذه الشخصيات الخلابة والمعذبة من لا يعرفه إلا المتخصصون في الدراسات الأدبية والفنية ويختفون نهائيا من المكتبات الخاصة ومن المكتبات العامة، وأحيانا لا يعرفه أحد خارج حدوده الجغرافية مثل خليبنيكوف أو داغرمان. وهناك من يسعفه الحظ وينال جائزة نوبل ويصبح رمزا لجيل كامل وتدرس أعماله في المدارس والجامعات مثل ألبير كامو. يرتبط إسم كامو بفكرة "العبث"، مثله مثل صامويل بيكيت، يوجين يونيسكو أداموف آرتو وغيرهم من كتاب ما بعد الحرب، وهي الفكرة التي عالجها في رواية الغريب وفي عدة مسرحات مثل "كاليجولا" و"سوء تفاهم"، ثم في كتاب نظري هو أسطورة سيزيف، الذي ترجم إلى العربية تحت عنوان "العبث". ولد ألبير كامو في 7 نوفمبر سنة ١٩١٣ في موندافي Mondovi قريبا من مدينة عنابة في الجزائر المحتلة في ذلك الوقت، وكانت عائلته من المستوطنين الفرنسيين في الجزائر وكانت تنتمي للطبقة الفقيرة، حيث توفي والده أثناء الحرب العالمية الأولى بعد ميلاده بفترة قصيرة فعاش كامو مع والدته كاثرين كامو والتي كانت من أصول إسبانية ومصابة بالصمم الجزئي وتعمل شغالة في تنظيف البيوت ولم تكن تقرأ ولا تكتب، وله أخ أكبر اسمه Lucien. درس كامو في مدرسة البلدية المحلية وكان طالباً ذكيا ومواضبا على الدراسة فلفت انتباه مدرسه لوي جيرمان Louis Germain الذي نصحه بالتقدم لمنحة دراسية لاستكمال دراسته الثانوية، فالتحق عام 1923 بمدرسة lycée Bugeaud، حاليا ثانوية الأمير عبد القادر lycée Émir Abdelkader، التي ضمّت تلاميذ من خلفيات مختلفة، وبعدها قُبِل في جامعة الجزائر حيث درس الفلسفة وكان يلعب في فريق كرة القدم في الجامعة في موقع حارس المرمى، إلا أنه ترك الفريق بعد الهزيمة التي لحقت بالفريق عام 1930 وأيضا لأنه أصيب بالسل في هذه السنة، كان هذا المرض بمثابة نهاية ممارسة الرياضة وبداية الكتابة لألبير كامو. فأخذ بعدها يركز على تحصيله الأكاديمي، وبحلول عام 1936 كان كامو قد حصل على شهادة الدراسات العليا في قسم الفلسفة. أهتم بعالم السياسة أثناء سنوات دراسته بالجامعة، فانضم للحزب الشيوعي ثم لحزب الشعب الجزائري، وكان من أبرز المدافعين عن الحقوق الفردية فوقف ضد الاستعمار الفرنسي وكان يدافع عن حق الجزائريين في ممارسة السياسة وفي العمل، ليرتبط اسمه لاحقاً بكونه لم يكن من دعاة تحرير الجزائر رغم دفاعه عن الحقوق المدنية للسكان الأصليين ودفاعه عن الفقراء عموما. في بداية الحرب العالمية الثانية انضم كامو للمقاومة الفرنسية بهدف المساعدة على تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، فالتقى بجان بول سارتر أثناء فترة خدمته العسكرية، وشأنه شأن سارتر كتب كامو ونشر تعليقاته السياسية حول ذلك الصراع طوال أعوام اشتعاله، وفي عام 1945 كان واحداً من بين قلة قليلة من صحفيي الدول الرأسمالية الذين أدانوا استخدام الولايات المتحدة للقنبلة الذرية في هيروشيما ونجازاكي. غير أنه أصبح تدريجيا يميل نحو الأفكار اليمينية الليبرالية وأصبح عدوا للنظرية الشيوعية ولفكرة الثورة، الأمر الذي قاده أخيراً إلى الشقاق مع سارتر وميرلوبونتي. ولأنه لا يثق في الأيديولوجيات، وبالذات الإيديولوجيات الثورية الشمولية، فمنذ عام 1945، رفض كامو نهائيا فكرة الثورة، وشدد على مخاطر الانحراف الثوري وأن أي ثورة ستتحول أوتوماتيكيا إلى نظام دموي سلطوي يسحق الفرد. وفي أكتوبر 1951، بعد نشر "المتمرد" انقشع كل الغموض أو الشك حول مواقفه فيما يتعلق بالثورة الروسية وبأي تغير جماهيري بقوة السلاح. ويبقى كامو "رجلاً من اليسار المعتدل"، حسب بعض المتفائلين، يضع نفسه على مسافة من اليسار الشيوعي واليمين الليبرالي لريموند آرون Raymond Aron. وقد أثار هذا الكتاب جدالات عنيفة وتعرض كامو لهجوم حتى من قبل أصدقائه. ونقطة التحوُّل في علاقة سارتر بكامو بدأت في نهايات العام 1949، ففي منتصف شهر نوفمبر من ذلك العام، وأثناء حفل حضره عددٌ كبير من المثقّفين الفرنسيّين اللّامعين، هاجَم كامو الفيلسوف ميرلو بونتي بسبب مقال كَتبه هذا الأخير تحت عنوان "البورجوازي والبروليتاري" واتّهمه كامو بـ "تبرير" المُحاكمات التي أقامتها موسكو ضدّ المُعارضين لحُكم ستالين. ودافعَ ميرلو بونتي عن وحهة نظره، وسانده سارتر في ذلك. عندئذ انزعج كامو، واندفع إلى الشارع وهو ينفخ غاضباً. وبعد هذه الحادثة، ازداد كامو عنفاً ضدّ الشيوعيّة، وكرهاً لها. وقد كتبَ يقول إنّ "قبول الماركسيّة باعتبارها فلسفة مُطلَقة يُعادِل إجازة القتل". وفي مكانٍ آخر، كتبَ يقول: "بحسب المنظور الماركسي، فإنّ مائة ألف جثّة لا تساوي شيئاً إذا كان ثمن السعادة مئات الملايين". لقد بالغ في إنتقاد العنف الثوري وجعل من استخدام السلاح النووي والعنف الماركسي قضيّة أساسيّة، ومن ناحية أخرى نراه لا يكاد يشير إلى العنف الذي تمارسه الحكومة الفرنسيّة سواء في مسنعمراتها أم داخل البلاد. وبينما بذل قدراً هائلاً من طاقته ليُحلِّل ويُفنِّد ما أعتبره عُنفاً مُتأصِّلاً في الشيوعيّة فإنه يكتفي بالنزر اليسير من التعليقات النقديّة بشأن العنف الحكومي المنظَّم، مُشيراً فقط إلى مَظاهر "الإفراط" في العنف حين تمارسه فرنسا. وردّاً على كامو، كتبَ سارتر يقول إنّه قد يكون صحيحاً أنّ استخدام العنف ضدّ العنف لا يؤدّي إلّا إلى استمرار العنف، ولكنْ على الرّغم من هذا كلّه، فإنّ العنف قد يكون الوسيلة الوحيدة لإنهاء العنف. وربّما ليزيد في تعميق الهوّة بينه وبين كامو، وصفَ سارتر الحريّة في ظلّ الرأسماليّة بأنّها "خداع" ذلك لأنّ العمّال لا يملكون حريّة اقتصاديّة حقيقيّة، لذا لا بدّ من المُطالَبة بأن يتحرَّروا من الحاجة، وأن يكونوا بشراً بالمعنى الحقيقى للكلمة. وازدادت المشكلة حدة مع جان بول سارتر في عام 1952، بعد نشر مقال لفرانسيس جانسون Francis Jeanson في مجلة الأزمنة الحديثة Les Temps modernes التي يرأس تحريرها سارتر، والذي ينتقد فيه متمرد كامو الذي يبقى "ساكنًا عن عمد". كما قطع علاقته بالشاعر الجزائري جان سيناك Jean Sénac، الذي وصفه بـ "الذابح الصغير"« petit égorgeur » بسبب مساندته للثوار في الانتفاضة الجزائرية.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الحرية والعبث
-
فردة الحذاء والكورونا
-
عدو الوطن
-
جففوا المطر
-
تحب تفهم تدوخ
-
الشاعر لا يحب الأزهار
-
الله غني عن الكينونة والوجود
-
الله والخياط
-
قط شرودنجر
-
التمرد على الكلمات المتشيئة
-
بين الكلمة والصورة
-
وتبعثرت قشور الليل
-
الجسد المكهرب
-
الرنين
-
كوجيتو
-
قلق الزوايا
-
الجريمة الأولى
-
قابيل وهابيل - الإخوة الأعداء
-
لقاء آدم وحواء على الأرض
-
السيدة حواء
المزيد.....
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
-
زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص
...
-
إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد
...
-
تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
-
لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
-
الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
-
لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال
...
-
سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
-
مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م
...
-
فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|