|
فخامة الرئيس الدستوري اللبناني (2)
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 6722 - 2020 / 11 / 3 - 08:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عقبّتُ في مقال نُشر في "الحوار المتمدن" في أب/أغسطس الماضي على مقابلة للرئيس الدستوري (يملك ولا يحكم) اللبناني ميشال عون مع جريدة إيطالية، واليوم أكتب عن ظاهرة التنمّر السياسي/الديني العالمي بطبعة لبنانية وبرعاية رئيس دستوري وتحت بصره ودعمه وتبريره، بل وطرحه مقولة غريبة للمعارضين "أللي مش عاجبه يفل". (يعني يرحل بالفصحى) "هات من الآخر" جملة كان يرددها الرئيس اللبناني فؤاد شهاب لأي وزير أو ضيف يشعر أنه يدور حول موضوع ويمهّد بشكل مبالغ فيه لقوله، وسأفعل مثلما كان يطلب الرئيس الراحل. من الآخر لفت نظري أن بعض المسيحيين طلبوا من الرئيس الفرنسي ماكرون عندما زار لبنان بعد الانفجار الذي حدث في مرفأ بيروت، أن تعود فرنسا وتحتل لبنان. الطلب كان مستغربا خصوصا لمن يعيشون بعيدين عن لبنان ولا يهتمون بأخباره بشكل يومي مثلي، لكن بعدما بدأت أتابع مواقع التواصل الاجتماعي، وسألت بعض الاصدقاء في لبنان عرفت سبب الطلب الغريب. يعلم الجميع أن هناك جمهورية حزب الله غير المعلنة حتى اليوم في لبنان، لكنها قادرة على تعطيل أي عمل أو مشروع سياسي بدءا من تعيين شخص في وزارة ما حتى تأليف وزارة إلى انتخاب رئيس الجمهورية، وهذه الجمهورية لها دوائر نفوذ في كل المجالات الداخلية والخارجية أقوى من الحكومة اللبنانية، ولها شبكة اتصالات وهواتف ومعلوماتية خاصة بها غير خاضعة لإشراف السلطة اللبنانية، وقادرة في الوقت نفسه على القرصنة على شبكة الاتصالات اللبنانية، وما هو موجود فيها سري للغاية وغير مسموح حتى لرئيس لبنان الاطلاع عليه لأنه يخص "المقاومة"، ناهيك عن حرسها الثوري الأقوى عتاداً وتسليحاً ونفوذاً من الجيش اللبناني، وجهازها الأمني الذي يسيطر على مرافق سيادية في المرافىء اللبنانية غير مسموح لسواه بالأشراف عليها، ويسمح بدخول ما لا تراه أعين رجال الأمن اللبنانيين إلى البلد، ويستطيع أن يسأل أي زائر في مطار لبنان عن سبب زيارته، وأن يراقب تحركات واتصالات أي مواطن لبناني أو ديبلوماسي أو ضيف، لكن لا تستطيع سلطات الدولة اللبنانية أن توقف أي مطلوب في حماية أو ضمن حدود هذه الجمهورية. وصلت نفوذ هذه الجمهورية إلى منع الإعلام اللبناني حتى من تصوير جلسات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في رسالة واضحة للغاية: هذه المفاوضات لا تهم الولي الفقيه. تنمّر الجمهورية جمهورية "حزب الله" التي تقع على الأراضي اللبنانية، لم تكتف باليد العُليا والسلطة المطلقة وتعطيل صلاحيات وسلطات الحكومة والدولة، بل بدأت منذ سنوات بتوسيع رقعة أراضيها إما بالبلطجة أو وضع اليد أو بالتدليس بشراء أراض بأسماء مواطنين عاديين لكنهم ينتمون للجمهورية الإلهية. ووصلت بلطجة إظهار سطوة نفوذ جمهورية حزب الله في الشهور الاخيرة إلى اقتحام موتوسيكلات عناصر من الحزب للمناطق المتاخمة لحدود جمهوريته، مثل مناطق الحدث وكفرشيما وجنوبي الحازمية، وهي مناطق ذات أغلبية سكانية مسيحية، وترويع السكان بضرب النساء وسرقة شنطهن في الشوارع، وصدم المارة أو دفعهم بالأيادي على الارض سواء كانوا أطفالا أو رجالا أو حتى نساء حوامل، وسرقة الخارجين من أي فرع بنك في هذه المناطق، والدق على الأبواب وهم يدّعون أنهم رجال مخابرات أو عناصر من الجيش، علاوة على السير ليلا بهذه الموتوسيكلات بضجة عالية. الامر وصل إلى تسليح بعض مواطني هذه المناطق لأنفسهم بسلاح شخصي، وتفكير بعض المواطنين كبار العمر الذين لم يشتروا حتى أثناء الحروب الأهلية اللبنانية بشراء سلاح لحماية أنفسهم، ووضعت بعض البلديات سلاسل حديدية على مداخل احيائها لمنع بلطجية هذه الجمهورية ليلا من الدخول بموتوسيكلاتهم، وكأننا في العصور الوسطى حين كانت كل بلدة تبني سورا حولها. وصدرت عدة بيانات وزعها الجيش اللبناني بأنه لا يرسل أي عناصر لجمع معلومات من المواطنين أو للبحث عن مطلوبين. هذه الامور وأكثر منها تحدث في ظل أزمة معيشية لم تحدث في لبنان أبداً، ونسبة بطالة تخطت 50% بين الشباب، ووباء وانهيار للعملة وشلل الجهاز المصرفي واستخدام اراضي لبنان لوصول بضاعة ووقود إلى سورية، وزاد استخفاف هذه الجمهورية بالمواطنين واعتبارهم مجرد دمى لا قيمة لحياتهم، بسبب الغياب التام للدولة بمن فيها رئيسها الذي يعيش في قصره الرئاسي، وهو محاط بعناصر كثيرة من الجيش لحراسته من غضب شعبي، لا تبالي به أو تتبناه أو تدعمه أي جهة، ولا حتى منظمات حقوق الانسان، لأن لبنان تحول إلى دولة توفت سريرياً بسبب رئيسها وتوحش فساد غالبية السياسيين والاداريين ورجال الدين. النتيجة المحتومة لما يحدث هو ما حدث لمسيحيي الشرق، وهجرة من لا يستطيع التأقلم من المسلمين، وخنوع بقية الطوائف لمخطط أعلن عنه صراحة أمين الحزب العام منذ أكثر من عشرين سنة : "في الوقت الحاضر ليس لنا مشروع نظام في لبنان.. نحن نعتقد بأن علينا أن نزيح الحالة الاستعمارية والإسرائيلية، وحينئذ يمكن أن يُنفذ مشروع، ومشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع دول إسلامية وحكم الاسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه في الحق الولي الفقيه الإمام الخوميني". الحالة الاستعمارية هي إنهاء حالة التعددية والانفتاح وتوزيع المناصب طائفياً، أمّا انهاء الحالة الإسرائيلية فهي مجرد تقية مُخادعة يرددها الحزب، وجوهرها طالما إسرائيل موجودة نحن كذلك، حتى لو عادت مزارع شبعا إلى أصحابها سواء كان لبنان أو سورية، كما يكذبون. أدوار مشبوهة كان ميشال عون منذ اندلاع الحروب اللبنانية الأهلية معروفا بأنه كارها للميليشات. كان ضابطا برتبة صغيرة آنذاك، وعندما أصبح سنة 1989 رئيساً للوزراء بسبب الفراغ الدستوري الذي حدث بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، بدأ حربيّن ضاريتين ضد سورية ثم ميليشا "القوات اللبنانية"، كانتا من أسباب دفع مسيحيين كثيرين للهجرة بسبب الخراب الذي حدث للمناطق المسيحية، وما أثار انتباهي أثناء هاتين الحربين هو فتح "حزب الله" لمعابر منطقته لوصول وقود وطعام وغيره إلى المناطق المسيحية الواقعة تحت سيطرة ميشال عون، رغم أن "حزب الله" حليف لسورية التي يحاربها ميشال عون، وعدو عقائدي لميليشا "القوات اللبنانية" المسيحية. عندما عاد ميشال عون من منفاه في فرنسا، كان أول حزب أقام علاقات تفاهم معه هو "حزب الله" الذي مهد الطريق له لزيارة سورية، ثم مرت الايام وإنتخب ميشال عون رئيساً بفضل أصوات الشيعة في المجلس النيابي، بعدما فرضه الحزب فرضاً على لبنان، بعد فراغ المنصب لأكثر من سنتين. هل التاريخ مجموعة أكاذيب مُتفق عليها كما قال بونابرت؟ وهل من هذه الأكاذيب وجود رجل من الدين نفسه يعمل على تقزيم أتباعه تمهيدا لسيطرة دين آخر؟ رأينا هذا الأمر كثيراً في تاريخ الشرق الأوسط، ويحدث الآن في الغرب إما جهلاً أو عمداً. ما يحدث في لبنان يتم برعاية رئيس ماروني دستوري لا يملك من أمره شيء، وتواطؤ دولي بالصمت لأن اللبنانيين قبلوا بحكم مهرجين طائفيين يمارسون أدواراً في مقهى تنظير سياسي لا قيمة له أو معنى. مجرد فاسدين لا علاقة لهم بالسياسة أو القانون أو بحماية الأوطان، لا يتأفف أي زعيم منهم مشاركة أي تاجر ولو كان صغيرا في تجارته، ولا يتورع عن اصدار أوامر لجماعته لإفلاسه إذا لم يخضع لأطماع الزعيم، كما لا يستنكف أي زعيم حتى في الوصول إلى مستوى تعيين موظف عادي من طائفته، وفرض هذا الموظف حتى لو كان لا يملك الكفاءة المطلوبة لأداء العمل.
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الليبرالية المطلوبة من البابا فرنسيس
-
خلية ثانية في منظومة الشيزوفرانيا
-
خلية في منظومة الشيزوفرانيا
-
فخامة الرئيس الدستوري اللبناني
-
رفيق الحريري راح ضحية جريمة شرف!
-
الضحك دواء بدون أعراض جانبية
-
أخي الإنسان: أنت أهم عندي مما لا أراه
-
إسلام القرآن وإسلام العصر الأموي
-
رواية إحداثيات خطوط الكف
-
سلامة المجتمعات من الانهيار
-
رسالة إلى الرئيس ترمب
-
الناجحون في الفشل
-
الشك في بقاء المسيحية حيّة في الشرق الاوسط
-
-مدرسة المشاغبين- ثمرة عصر الارتجال
-
صندوق الاسلام وصندوق الانسان
-
-غَزَل البنات- أيقونة مصر والمتمصرين
-
قبل تحوّل أوروبا لعشوائيات إرهابية
-
أيهما كان الأسبق: عبد الناصر أم الخوميني؟
-
بوتين أصدق أنباءً من الليبراليين
-
سبعون سنة أخرى من التعاسة
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|