خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)
الحوار المتمدن-العدد: 6721 - 2020 / 11 / 2 - 23:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من نافلة القول أن الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة ، أي إلى علمانية الدولة ، ليست ضد الدين ، كونه معتقدا روحانيا ذاتيا ، و إنما هي مرافعة من أجل نظام سياسي وطني يتولى إدارة الشؤون المعيشية للناس و رعاية مصالح البلاد على المستوى الدولي .
و بالمناسبة فإن هذه الدعوة تنسجم انسجاما كاملا مع فحوى أحاديث نبوية ، متضمنة في كتب التراث نفسها . فمنها مثلا حديث تأبير النخل و هذا نصه : "كان الرسول ماراً بحي من أحياء المدينة فسمع أزيزاً فاستغربه ، فقال : " ما هذا ؟ " ، فقالوا : " النخل يؤبرونه " ، أي يلقحونه ، فقال " لو لم يفعلوا لصلح " فـمسكوا عن التلقيح ، فجاء النخل شيصا ، أي لم يثمر . فلما ارتدوا إليه يسائلونه قال " أنتم أعلم بأمور دنياكم " و في رواية أخرى : " ما أنا بزارع و لا صاحب نخل ، فما حدثتكم عن الله فهو حق ، و قلت فيه من قبل نفسي ، فإنما أنا بشر أخطئ و أصيب " و هناك صياغة غيرها " أنتم أعلم بما يصلحكم في دنياكم ، و أما آخرتكم فإليّ " (عن جورج طرابيشي ، هرطقات )
استنادا إليه ، من البديهي أن الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة ، لا تتعارض مع الحكمة التي يمكن استخلاصها من هذا الحديث . و لا أظن أننا نجازف في القول أن السياسات المتبعة تحت غطاء الدين غالبا ما تكون مزورة و منحرفة ، لتصب في صالح الخاصة على حساب عموم الناس . فالدين في جوهره ليس شخصا أو فئة معينة ، أو حزبا ، و انما هو ينبوع يستطيع أن ينهل منه جميع الناس ، و لكن إذا كان الينبوع واحدا ، فإن الذين يقبلون عليه ، و المؤمنون منهم على وجه الخصوص ليسوا بالقطع متشابهين .
و في حديث نبوي أيضا " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة ، من يجدد دينها " ، دليل على أن الإنسان هو ابن البيئة ، حيث يتعرض لتغيرات و تبدلات . ينبني عليه أنه لا توجد "قوالب و أنماط و مناهج ثابتة بل تبدلية عاملة دائبة . و كل توقف في التكيف داخل أطر ، يصيب الأفراد و الجماعات بتحجر يؤول إلى حتمية تخلف ، بل انحدار ذريع " (الشيخ عبد الله العلايلي )
ولابد أخيرا من التوقف عند مفهومية الدولة الحديثة في نظر المواطن العادي , فهي ببساطة القوة المؤتمنة على الامن الاجتماعي و الوجودي ، الأمر الذي يتطلب رسم سياسات لإدارة شؤون الناس في الحاضر و استعدادا للمستقبل . و إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ظروف العيش تفرض في كثير من الأحيان التنقل من بلاد إلى أخرى إلى حد الهجرة و الاستقرار في بلاد غير البلاد الأصلية ، فإن الأمن الاجتماعي يتطلب المساواة بين الناس دون تمييز على أساس الدين أو العرق ، ينجم عنه أن الدولة إما أن تكون علمانية فتعكس تعارف وتعاون الناس فيما بينهم و تكيفهم مع الظروف في إطار العيش المشترك فينعمون بالأمن الاجتماعي الضروري للعمل و الإنتاج و التقدم و أما أن ينقسموا في داخل البلاد إلى طوائف وجماعات متحاسدة متنابذه تحت إشراف دولة ذات نظام ليس فيه من الدين إلا اسمه .
#خليل_قانصوه (هاشتاغ)
Khalil_Kansou#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟