|
سَمْتُ الإنتفاضة العراقية
عبدالحميد برتو
باحث
(Abdul Hamid Barto)
الحوار المتمدن-العدد: 6720 - 2020 / 10 / 31 - 20:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعمدت إختيارَ كلمةِ السَّمْتِ، وليس الصمت، في هذا التناول السريع لهذه اللحظات الهامة في طريق الإنتفاضة العراقية. بديهي أن حدثاً إستثنائياً في فترة إستثنائية أن يثير الكثير من المناقشات، ويساعد على إطلاق الأوصاف والتقدبرات والتحليلات المختلفة. هذا طبعاً بعد تجاوز حالات الذهول والقلق وعدم الإكتراث، البادية على كل الناظرين، ومن مواقعهم المتباينة. يسعون الى أهداف متماثلة أو متقاربة أو متضاربة. يتمثل الحدث الإستثنائي برفع الخيام من ساحات الإعتصام والعودة الى البيوت دون بلاغات تطمئن المتابعين عن قرب أو عن بعد. وينبغي عدم تجاهل وجود قلة من الشباب في الساحات بإرادة إستثنائية.
لاحظت حالة الذهول العامة التي أصابت أنصار الإنتفاضة، كما أصابت خصومها. هذه حالة إعتيادية في كل المنعطفات الحادة. ربما بعد سويعات تخرج أعداد كبيرة من المعنيين وغير المعنيين من حالة الذهول والحَيرة، عند مواجهة الأسئلة الأولية، التي تطرح نفسه بنفسها على الجميع: ما سر هذه الإنسحاب المفاجئ؟ هل هو إستراحة محاربين؟ هل طغت روح المساومة على روح التضحية والإيثار؟ هل كان نتيجة لضيق النفس؟ هل بفعل جبروت القمع الدموي؟ هل بفعل مهارة وخداع القوى الحكومية والدينية والقوى الإقليمية؟ هل الأطراف المهيمنة على القرار في البلاد تعرف أنها ستدفع ثمناً باهظاً، لا يقف عند حدود تجريدهم من الإمتيازات، وإتخذت قرار القتال حتى النهاية؟ كيف تم التوافق بين الأطراف المتعددة الألوان على الإنسحاب في وقت واحد؟ ما سر صمت المؤسسات الإعلامية على مختلف حجومها ومواقعها وحتى غالبية المدونين والمغردين؟
أطلق عدد من الأشخاص، بعضهم وصف بقادة من الساحات، تصريحات زادت اللوحة غموضاً. هناك مَنْ قال قبل ساعات من الإنسحاب إن الإحتجاجات ستستمر. وآخرون تحدثوا عن تصعيد محتمل. لا شك أن الساحات تحمل أطيافاً من المواقف، التي لا يجمعها جامع سوى ضغط الحياة نفسها. لا ينبغي إسقاط المنطلقات الذاتية أيضاً. سوف يجهد كل طرف أو فرد لتبرير ما قاله قبل رفع الخيام، دون حساب أثر ذلك على واقع الإنتفاضة وأهدافها المعلنة. سوف يطلق الجميع العنان لرواسبهم الفكرية وإستنتاجاتهم الجديدة. لكن أصحاب المصلحة الوطنية الحقة لهم منطق آخر. يقوم على التحري عن الحقيقة، دعم ثقة الشعب بنفسه، والتوضيح التام والواسع لأسس المواقف.
في هذه اللحظات الحرجة تقع مسؤوليات تحديد المكاسب التي حققتها الإنتفاضة، سواءً تلك الراسخة منها، أو تلك التي سوف تتبخر، أو يمكن تحويلها الى ضدها النوعي. إن الذاكرة القصير مدمرة للطموحات النضالية. لنواجه هذا السؤال الآن من اللحظة الأولى بالتاكيد على ما تحقق، ووضع بعض الخلاصات الأولية: إن اللحظة الثورية يمكن أن تنفجر في وقت غير معلوم، ولا تنتظر قراراً من أحد. ولكن وجود قيادة معروفة ومجرب ويثق بها الشعب يمكنها مجتمعة بأن تحقق النصر المنتظر. قدمت الإنتفاضة الدليل الملموس على أن الطائفية حالة مرضية تنزل أفدح الأضرار حتى بحياتهم الشخصية. الفساد الإداري هو الوجه الآخر للإرهاب الوحشي. لا توجد فئات إجتماعية طاهرة تماماً وأخرى فاسدة تماماً. أثبتت الإنتفاضة أن المرأة العراقية باسلة وشجاعة وعميقة الروح الوطنية. الفاسدون غادرون وليسوا شجعاناً، والسلاح ليس مصدر قوة مطلق الحسم، وإن حسن إستخدامه تعتمد على مَنْ يقف خلفه. الشباب ولا سيما الكادحون منهم هم أكثر فئات الشعب جسارة وقدرة على قراءة الأوضاع المحيطة بهم وببلادهم. هذا فضلاً عن عمق روح التضحية عندهم.
مَنْ يريد أن يواصل الخطاب الحماسي أو نقيضه غير المسؤول، فهذا شأنه ومن حقه. لكن ربما يكون غير بناء. يكمن الموقف البناء حالياً في التواضع والتحليل المعمق، القائم على الصراحة والوضوح. ينبغي بذل الجهود للتعرف على القوى الحية في الشعب كماً ونوعاً. التعرف على حجم وواقع القوى الغيبية ومدى إرتباطها بالشعب وتأثيرها عليه. العمل على التعرف على كل منافذ التأثير على المواطنين. حذار من تلك المؤسسات التي مازالت تنقسم بين قولين جائرين: "جوع كلبك يتبع" و "شبع كلبك يتبعك".
أحذوا المثقف الفاسد، لأنه لن يكون مع الشعب أبدأ، بل هو الأكثر خطراً عليه. وبدلاً من القول إن الشعب لا ينخدع ينبغي العمل على فضح الخداع بكل ألوانه وقدسياته ومهاراته ورعونة وبغيه.
كل الثورات والإنتفاضات العظيمة في التاريخ مرت بفترات مد وجزر. قامت الإنتفاضة على أسباب ملموسة شكلت قوة تأثير جبارة بالأمس، فإنها تلعب ذات الدور غداً. حين تلتهب الإنتفاضة الموقف الصحيح يتجلى بدعمها، مع إيجاد الفرص والمواقع المناسبة للهمس فيما يتعلق بقانونيات الثورات الإجتماعية.
أنتم يا شباب الساحات الأحرار أنتم الخميرة الثورية للشعب العراقي. ليس الإنتصارات وحدها هي التي تعلم الأبطال المخلصين.
#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)
Abdul_Hamid_Barto#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منى سعيد: جمر وندى 4 من 4
-
منى سعيد: جمر وندى 3 من 4
-
منى سعيد: جمر وندى 2 من 4
-
منى سعيد: جمر وندى
-
الإنتفاضة وجه العراق الحقيقي
-
الموّال السومري 5 من 5
-
الموّال السومري 4 من 5
-
الموّال السومري 3 من 5
-
الموّال السومري 2 من 5
-
الموّال السومري 1 من 5
-
خطيئة جديدة للمدى
-
الى رئيس تحرير المدى
-
آرا خاجادور يزور المدى؟!
-
الخيبة حين تضرب أطنابها
-
تجربة خاطئة أم خطوة صحيحة؟
-
بصري بين الجبال 12 من 12
-
بصري بين الجبال 11 من 12
-
بصري بين الجبال 10 من 12
-
بصري بين الجبال 9 من 12
-
بصري بين الجبال 8 من 12
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|