|
علم بنات الإسلام
صبحي حديدي
الحوار المتمدن-العدد: 1608 - 2006 / 7 / 11 - 10:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل أيام سقطت الحكومة الهولندية، أو بالأحرى أسقطت نفسها بنفسها ودعت إلى انتخابات برلمانية مبكرة، بعد انهيار ائتلافها الليبرالي جراء انسحاب الحزب الأصغر في التحالف، احتجاجاً على سعي وزيرة الهجرة ريتا فردونك إلى سحب جواز السفر الهولندي من النائبة الصومالية الأصل أعيان حرسي علي. ورغم أنّ فردونك كانت تطبّق القانون بحذافيره على نائبة يحدث أنها تمثّل الحزب الليبرالي ذاته الذي تنتمي إليه الوزيرة، خصوصاً بعد أن أقرّت حرسي علي علانية بأنها خالفت القوانين المرعية وقدّمت معلومات كاذبة في استمارة طلب اللجوء، إلا أنّ البرلمان صوّت على قرار يطالب فردونك بإيقاف إجراءات سحب الجواز، الأمر الذي امتثلت له الوزيرة. كادت القضية أن تنتهي هنا، إذاً، مع تسجيل نقطة لصالح الديمقراطية ضدّ البيروقراطية بصرف النظر عن اتفاق المرء أو اختلافه مع سلوك وزيرة معروفة أصلاً بالتشدد في مسائل الهجرة (مؤخراً، في مناسبة كأس العالم، اتهمها اللاعب الهولندي الأسطوري يوهان كرويف بإضعاف الفريق الوطني الهولندي لأنها عرقلت منح الجنسية لللاعب سولومون كالو، من ساحل العاج). لكنّ قضية حرسي علي لم تنته عند رضوخ الوزيرة العنيدة، لا لشيء إلا لأنّ النائبة العتيدة برهنت على عناد أشدّ وأمضى، فلم تكتفِ بالاستقالة من البرلمان، وإنما أدارت ظهرها للبلد بأسره، ويمّمت شطر الولايات المتحدة، لتلتحق بالمعهد الأمريكي اليميني المحافظ The American Enterprise، حيث ستعمل ـ صدّقوا الخبر! ـ خبيرة في شؤون الإسلام! "شهادات الخبرة"، التي جعلت المعهد الأمريكي يسارع إلى توظيف حرسي علي، "ابنة الإسلام المتمردة على آيات الله" كما قال أحد الناطقين باسم المعهد (دون أدنى خجل من هذا التخابث الرخيص في حشر تعبير "آيات الله" كيفما اتفق)، لا تكاد تتجاوز الشريط التالي من وقائع حياة المهاجرة الصومالية في هولندا: 1992، تصل إلى هولندا، وتحصل في زمن قياسي على اللجوء السياسي بسبب ما تعرّضت له من اضطهاد على يد الإسلاميين في الصومال؛ 1997، تُمنح الجنسية الهولندية، دون مشكلات تُذكر، وفي زمن ماراثوني بالقياس إلى الغالبية الساحقة من الحالات المماثلة؛ 2002 يضمّها الحزب الليبرالي إلى لائحة مرشحيه للبرلمان، فتضطرّ عندها إلى الإقرار بأنها قدّمت معلومات مضللة في طلب اللجوء والجنسية؛ 2003، تفوز في الانتخابات، وبعد سنة فقط تظهر شبه عارية في شريط ثيو فان غوغ "خضوع"، حول اضطهاد المرأة في الإسلام، يسفر عن اغتيال الأخير واختباء حرسي علي بعد وضعها تحت حراسة أمنية مشددة... أيّ مسار "مهني" و"أكاديمي" و"ميداني" هذا الذي أهّلها للعمل خبيرة إسلام ومسلمات ومسلمين، في المعهد الأمريكي العريق، الحصين المنيع الذي لا يدخله إلا ثقاة المحافظين والمرضيّ عنهم من أهل اليمين! أم لعلّ إدارة المعهد وقعت في غرام الدرّة النفيسة التي صاغتها حرسي علي مؤخراً، أي كتابها "العذراء في القفص: صرخة امرأة مسلمة في سبيل العقل"، الذي يُعدّ أحدّ أشدّ الكتب عن الإسلام ركاكة وغثاثة وتلفيقاً واختلاقاً وتنميطاً، حيث مؤسسة الزواج في الإسلام اغتصاب دائم مرخّص له دينياً واجتماعياً، وعنف الرجل ضدّ المرأة جزء لا يتجزأ من واجبه الشرعي وفق أحكام الدين؟ ولكن لِمَ العجب من تشغيل حرسي علي خبيرة في شؤون الإسلام، إذا كانت الدورية الشهيرة Foreign Policy، التي يصدرها معهد كارنيغي الأمريكي الشهير، اختارتها في المرتبة 37 من لائحة الـ 100 شخصية الأكثر تأثيراً في الوظيفة الحساسة التي يطلق عليها الغرب تسمية "المثقف العمومي" Public Intellectual؟ لا نعرف أيّ "فكر" أنتجته هذه المفكِّرة العمومية، ما خلا ركاكة أقوالها عن الشريعة، وعزفها على ذات الأوتار التي تطرب خواف الغرب من الإسلام، وتغذّي بعض نزوعاته العنصرية. المرء، بالطبع، لا ينكر حقّ حرسي علي في طلب اللجوء السياسي أو الإنساني على خلفية ما تعرّضت له في بلدها، وما يمكن أن تتعرّض له مثيلاتها هنا وهناك في العالم المسلم، وفي كلّ وأيّ عالم آخر، من تنكيل واضطهاد وقهر. وانتهاك حقوق المرأة في الإسلام، أو في أية ديانة أخرى، مسألة اجتماعية وتاريخية وثقافية خاضعة للسجال المشروع في كلّ زمان ومكان، وينبغي أن تكون حكايات نساء مثل حرسي علي عوامل مساعدة على نقاشها في أفق مفتوح، لا على حجرها في تنميطات مسبقة. هذا إذا وضعنا جانباً اشتغال العديد من المؤسسات الغربية على تلقّف قضايا المرأة المسلمة تحديداً، وتحويلها إلى صناعة يومية يُراد منها تأثيم الإسلام بالمعاني الثقافية والسياسية، وصولاً إلى تصنيع النمط الأعلى الاكثر رواجاً: العلاقة الوثيقة بين الإسلام والإرهاب. ولكن، في هذه المناسبة: أين الروائية البنغالية تسليمة نسرين؟أين تلك الابنة الأخرى من "بنات الإسلام" الخبيرات، التي حظيت ذات يوم غير بعيد بمقدار من الاهتمام والرعاية والدلال يفوق بكثير ما تحظى به حرسي علي هذه الأيام؟ مَن يتذكرها، ليس في دكا عاصمة بنغلادش، أو في لاهور أو جاكرتا أو كوالالمبور، بل في عواصم غربية مثل واشنطن، لندن، باريس، ستوكهولم؟ الأهمّ من هذا: أين ذهبت خبراتها؟ ومَن انتفع بما امتلكت من "علم" إسلاميّ؟
#صبحي_حديدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تبحث إسرائيل عن حسن نصر الله... فلسطيني؟
-
ما بعد أرض الميعاد
-
واشنطن والبربرية المعاصرة: مباركة في فلسطين، وتواطؤ في سورية
-
أيقونة الوجدان الجمعي
-
أحدث أطوار الاستبداد السوري: قطع الأرزاق بعد كمّ الأفواه
-
بديل الكراهية
-
صومال ستان، أو كيف تعيد واشنطن إنتاج الطالبان
-
كاواباتا ضدّ ماركيز
-
المعرفة السورية والنطاسيّ الغربي: ضحالة على ضحالة
-
في ذكرى إميل حبيبي
-
الحملة ضدّ المثقفين السوريين: حين يصبح البوق سوط الجهاز
-
سينما دمشق
-
الاستبداد السوري بوصفه ستراتيجية بقاء وسيرورة حفظ نوع
-
اللآلىء والخنازير
-
دومينو التفاح الفاسد في عوالم ما بعد الحرب الباردة
-
حاوية العقارب والقردة
-
جنبلاط وإخوان سورية: البقاء البسيط أم البقاء الأفضل؟
-
أرخبيل النفاق
-
سنة على الإنسحاب السوري من لبنان: أزمة تشتدّ ولا تنفرج
-
فلسطين: الماعز أم التمساح؟
المزيد.....
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|