|
بين آلهة الأرض وآلهة السماء – شذرات فكرية
كامل السعدون
الحوار المتمدن-العدد: 1607 - 2006 / 7 / 10 - 11:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
-1- حين كانت الآلهة على الأرض ، أمكن للناس ان تخلق حضارات عملاقة جبارة جميلة . فارس والأغريق والفراعنة والبابليين والآشوريين والهنود والصينيون . حين كان الناس وثنيون ، حين كانت الآلهة متعددة ، كُلٍ مكلف بوظيفة ، أمكن للفراعنة أن يبنوا الأهرامات وللصينيون أن يمدوا سور الصين العظيم وللفرس أن يقيموا دولة راقية جميلة ، في حين لم ينل اليهود والمسيحيون والمسلمون من توحيدهم إلا الهوان والذل والطرد من جانب ، ومن جانب آخر القمع المفرط لبعضهم البعض وللآخرين إبان فترات مجدهم القصيرة . ما السر في ذلك ؟ لماذا حين تكون الآلهة على الأرض ، ترقى الأرض ويسمو البشر ، لكن حين تعلق في السماء يتيه الناس وتضيع الأرض وتهدر الثروات وينتشر العنف المفرط ؟ لأن آلهة الأرض بين الناس ، مرئية مفهومة معلومة مُتخيلة مُتصورة على نمط الإنسان نفسه ، وبالتالي فإن الإنسان لا يخافها من حيث أنك لا تخاف ما تعرف ، بل تخاف ما لا تعرف . الخطر المجرب المرئي المعاش اهون بكثير من خطر غير مرئي وغير مفهوم وغير معاش ولا محسوس ولا ملموس . هذا الآخر يفضي إلى الإضطراب النفسي والقلق والتمزق والخضوع والخنوع والذل والجبن والنفاق . كل المتدينين بالديانات السماوية يتميزون بهذا القدر أو ذاك بهذه الصفات . الجبن ، الخوف ، الخنوع ، الذل ، الكذب ، النفاق ، اللصوصية ، الخ الخ الخ . وواقع الحال ، آلهة الأرض كما آلهة السماء لا اكثر من تخيلات وإستنتاجات ورؤى روحية يتداخل بها الحق بالباطل ويغلب فيها الباطل على الحق حين تسيس . الأخوة اليهود سيسوا الدين وأعتقلوا الإله في حضيرتهم ، والأخوة المسلمون فعلوا الأمر ذاته . اليهود فعلوه لاحقا عقب موسى ، أما المسلمون ففعلوه على يد محمد ذاته بعد أن قويت شوكته حين إنسجمت إرادة قريش مع إرادته بعد ان ادركت أن منفعتها التجارية تكمن في التسليم بدينه ثم تعميق خط التسيس لهذا الدين ودفعه صوب الخارج حيث الدول الغنية الوفيرة الثروات في فارس والعراق والشام ومصر . وتحقق لها ذلك عقب القضاء على آخر وأجمل الروحانيين العرب في الفترة المحمدية ، أعني علي بن ابي طالب . في نادرة جميلة من نوادر أهل الدين أن احد الفقهاء اراد إختبار تلميذ من تلاميذه فأعطاه دجاجة وقال له ، اريد منك ان تذبحها في مكان لا يراك فيه احد . اخذ الفتى الدجاجة والسكين وخرج يبحث عن مكان لا احد فيه ... غاب ساعات وساعات وأخيرا عاد عند المساء باكيا وقال لأستاذه ... سيدي لم اجد مكانا لا احد فيه ... حيث اذهب أدرك أن الله يراني . حيث أذهب ... يراني الله .... ! لا نشك في أن الله يرانا لأنه فينا اصلا وليس في الخارج ... يرانا لأنه منّا ولنا وفينا ... ! لكن إلى اي مدى نراه نحن ...؟ هذا هو السؤال ... تلك هي المعضلة ... ومن هنا بدأت لعنة الشعوب التي آمنت بإله معلق في السماء . حيث نذهب يرانا ، وحيث نذهب فهو معلق فوق رؤوسنا بسيفه ودفتر حساباته وميزانه غير العادل ومتطلباته الطفولية القرقوشية الساذجة . لا شغل لديه إلا التسجيل وتصفح الدفاتر القديمة وتقليبها ليل نهار ... ولكننا لا نراه ... بل كل ما رأيناه نماذج منّا ... بشر مثلنا يتغوطون ويتبولون ويجامعون ويكرهون ويحبون و.... يموتون ... ! اسلافنا الوثنيين .. التعدديين ... كانوا أكثر حرية منا بكثير ولهذا امكن لهم أن يبدعوا حضارات ويخرجوا فلاسفة وقادة ومفكرين وفنانين وشعراء . لماذا ؟ لأن آلهتهم لا تتجول ليل نهار بحثا عن الأخطاء لتدونها ، بل كانت مثلهم تتجامع وتعشق وتثور وتغضب ولا تملك وعودا كبيرة وليس لديها متطلبات وشروط قاسية وسيف معلق على الرقاب . الفرق الأجلى بين آلهة الأرض وإله السماء تجده اليوم في الفرق بين الأمريكان والأوربيين من جهة والعرب والفرس والترك وبقية الشعوب المغلوبة على أمرها والسابحة عيونها في السماء بحثا عن المفقود وتوسلا له في أن يعود . اولئك خلقوا حضارات عظيمة وقيم أخلاقية عالية وديموقراطية جميلة ومستوى عال من العدل ، اما نحن فإننا لم نخلق إلا الحروب والفتن والصراعات وملاحقة المفكرين ورجم المرأة ووأد الطفل وإغتصاب الإنوثة ( بل والذكورة كما في السعودية وغيرها تأسيا بجنة محمد وغلمانه المخلدون ) .
-2-
محمد أخذ من اليهود والفرس والبابليين والمسيحيين كل ما في كتابه من ترهات . امر بديهي ومفهوم ومعلوم من الجميع تقريبا ، لكن اطرف ما اخذه من اليهود والمسيحيين فكرة المهدي الموعود الآتي في آخر الزمان . الرجل أخذ كل شيء ، حتى هذه لم تفته فألتقطها وحشر مهديه وراء المسيح ... لا... عفوا قبل المسيح لأن المسيح من سيصلي خلفه .... ! يا رجل تميز قليلا عن اليهود واحفظ كرامتك وسمعتك وإبداعك . لكنه حتى حين يشأ التميز ، يضطر لإفلاسه أما إلى قلب النص الفقهي او الشرعي أو الحكاية أو يقوم بالزيادة أو النقصان فيها . مثلا : ( إفترق النصارى إلى أحدى وسبعون فرقة ، واحدة ناجية وسبعون في النار ، وأفترق اليهود إلى إثنان وسبعون فرقة ، واحدة ناجية وإثنان وسبعون في النار ، وتفترق أمتي إلى ثلاث وسبعون فرقة ، واحدة ناجية وإثنان وسبعون في النار ) . إنظر التصنع في إفتعال أعداد الفرق لدى المسيحيين واليهود والمسلمين ، وهذا الحشر المفتعل للمسلمين مع تلك الديانات القديمة التي سبقته بما لا يقل عن 1800 سنة بالنسبة لإبراهيم جد اليهود وأول الموحدين ، ثم المسيحية قبل محمد بستمائة سنة . ومثل هذا النص العشرات بل المئات المستقاة من اليهود والمسيحيين والتي قلبها محمد إذ اولج فيها إصبع ربه ليقلبها على لسان هذا الرب في كتابه الشعري الأسطوري المثقل بسجع الحمام . ملحوظة : فكرة المهدي المنتظر ، كما فكرة خلق الإنسان من الطين وأفكار أخرى عديدة ، هي في الأساس أفكار بابلية وسومرية إنتقلت إلى الشرق كله والنتقفها العبرانيون ثم المسيحيون وأخيرا ورثها المسلمون وأختلفوا فيها لتصل إلى الأخوة الشيعة فينسبوها لهم حين ضاع طفل من أطفال الحسن العسكري في سامراء ، فقالوا انه المهدي الموعود . ولا يُعرف ما إذا كان الطفل قد اكله ذئب تائه أو إنه سقط في بئر ، وما اكثر تلك الحوادث في ذلك الزمان وفي ظل الرعب الذي كان يعيش فيه الشيعة في عاصمة الخليفة ... سر من رأى . _________________________________________________________ أوسلو في ال9 من تموز 2006
#كامل_السعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وهم الحاكمية لخالق يسكن السماء – شذرات فكرية
-
اليقين الكردي ... اليقين اليهودي أين يفترقان وأين يلتقيان
-
حصان طروادة الأمريكي
-
عن المسواك والفطائس الإسلامية العفنة
-
إلى الشيوعيين في عيدهم – شعر
-
الطاقة الروحية – العلاج الأنجع لمجمل المتاعب المادية الحياتي
...
-
إلى فضولية حمقاء
-
الطاقة الروحية – العلاج الأنجع لمجمل المتاعب المادية الحياتي
...
-
بابا محمد الذي هبط عبر المدخنة
-
القائمة العراقية ...البديل الوطني العراقي الوحيد
-
الترياق في الحبو عند حوافر البراق
-
هل سننتج دكتاتور آخر في يده مسبحة وعلى الرأس عمامة ؟
-
تلك القبور التي لا زالت تحكمنا
-
عودا حميدا يا أحمد الجلبي
-
من وحي رسالة صديقي المتفائل
-
إلى فينوس فائق .. مرحى.. ولكن لا تتعجلي
-
لنكف عن مصمصة أصابع الأجداد الراحلون
-
أحتفالية عرس الشهداء – شعر ونثر ورجاء
-
حزمة إستراتيجية مخابراتية أمريكية واحدة
-
هل كانت أمريكا غبية كما يتوهمون ؟
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|