من هو المثقف الحق؟

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)

الحوار المتمدن-العدد: 6713 - 2020 / 10 / 24 - 16:29
المحور: المجتمع المدني
    

حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي

فريق دار الأكاديمية: من هو برأيك المثقف الحقيقي؟

مصعب قاسم عزاوي: المثقف الحقيقي هو شخص مدرك لعمق ومحورية مسؤوليته التي يحملها كفرد أتاحت له ظروفه الشخصية والموضوعية أن يكون عارفاً في حقل ما بشكل متعمق أكثر من أقرانه، والتي تتمثل بواجبه الضروري السرمدي في تبسيط وتقديم المعرفة الحقة لأولئك الآخرين الذين لم تتح لهم ظروفهم الشخصية أو الموضوعية امتلاك نفس المستوى من الخبرة والاطلاع في الحقل المعرفي الذي يمثل ميدان تخصص ذلك المثقف. وهو بمعنى آخر مثقف ملتحم و متواشج العرى أبداً مع واجبه الاجتماعي في إعادة إنتاج ما قُدِّرَ له أن يستبطنه معرفياً، بصورته الحقة غير المزيفة لأي أغراض نفعية أو انتهازية، و تقديمه إلى أقرانه في المجتمع الذي يعيش فيه بشكل مبسط، و دون أن يتخلى عن دوره اللازم في تقديم كل عون لكل راغب بالحصول على المعرفة الحقة، ومساعدته في الارتقاء إلى نفس المستوى المعرفي الذي وصل إليه ذلك المثقف؛ بالتوازي مع التزام لا يتغاير بسعي لا ينقطع لتأصيل نهج الاجتهاد المعرفي الصابر المصابر لكشف الحقيقة، و الجهر الصريح بها خالصة، و نفض أستار التزييف، و غلالات التورية، و حبائل المخاتلة، و أفائك المواربة عنها في كل زمان و مكان متى استطاع إلى ذلك سبيلاً. وذلك هو النهج التطبيقي والمبدأ الوحيد الذي ينقل المثقف العالم المتعلم من رتبة «الحمار الذي يحمل أسفاراً» إلى منزلة المثقف الحق.

والنقيض لذلك التعريف العملي للمثقف الحق، أشكال وتلاوين ممن يستمرؤون دعوتهم بالمثقفين وهم في واقع الأمر أبعد ما يكونون عن ذلك. وفي تلك الفصيلة يقع «المثقف الخلبي» الذي هو في حقيقة الأمر متعالم أتقن صناعة الكلام المفرغ من أي مضمون ذي فائدة اجتماعية أو معرفة حقيقية ضرورية، و «المثقف التيس المستعار» الذي جوهره داعية منافق أفَّاق من فئة وعاظ السلاطين واجبه الجوهري تزييف الحقائق وتلميع صورة الطغاة وغسيل آثار دماء المسحوقين عن أياديهم العفنة. والقائمة التوصيفية تطول لتحولات من قد يسمي نفسه مثقفاً دون أن يستحق التصَعُّد لتلك الرتبة بعمله واجتهاده المعرفي للارتقاء إلى مستوى المثقف الحق.

فريق دار الأكاديمية: هل في رؤيتك لمفهوم «المثقف الحق» استعارة لمفهوم المثقف العضوي الذي طرحه غرامشي؟

مصعب قاسم عزاوي: مفهوم غرامشي للمثقف العضوي، مفهوم ملتحم برأيه حول (الهيمنة Hegemony) مفصحة عن نفسها في سياق انتقال الكتلة التاريخية التي هي برأيه مجموع تآثر المجتمع المدني بآلياته وتفاعلاته الداخلية وحتى تناقضاته مع جهود الطليعة الثورية، إلى مرحلة تحقيق الهيمنة القائمة بالفعل في سياق تطور طبيعي لحركة التاريخ الحتمية وفق المنظار الماركسي تجاه تحقق الاشتراكية. وبرأيي المتواضع ذلك المفهوم مُحَمَّلٌ بحمولة إيديولوجية هائلة، واندفاع ثوري عرمرم طامح لتحقيق هدف فكري أسمى برأي غرامشي.

وما أشرت إليه آنفاً من توصيف للمثقف الحق، هو تصوير وظيفي تنويري مبسط خال من أي حمولة إيديولوجية أو إرادوية. فالمبدأ الوظيفي البديهي في تعريف المثقف الحق يقوم على أن تكون «عارفاً في حقل ما» هو «تكليف لا تشريف» يقتضي واجباً اجتماعياً من ذلك المثقف لتوظيف تلك المعرفة في خدمة المجتمع الذي ينخرط فيه، واجتهاداً لا يكل ولا يلين لتعرية الزيف والمزيفين، وإبراز الحقيقة ناصعة، وتوطينها في لحمة المجتمع بنيوياً ووظيفياً، والدفاع عن كينونتها وديمومتها بكل ما أوتي من علم وقوة وعزم في كل الظروف والأحايين.

#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)       Mousab_Kassem_Azzawi#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات