أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خضر عبد الرحيم - حرائق الذاكرة















المزيد.....


حرائق الذاكرة


خضر عبد الرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 6712 - 2020 / 10 / 23 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


26
(ذات شهيد) ..... خضر عبد الرحيم
لم تنصفه الحياة ُ، كدأبها مع الشرفاء، حتى رمت بأشرس اثقالها على كاهله الغض، وهو لم يبلغ الحلم بعد، وضعت على سكة الجمر قدميه، وأجبرته على خوض معترك صعب، بعدة غير متكافئة، فأيقن أن العدالة محض طريق شائك، لا يسبر أغواره إلا الصادقون مع أنفسهم ومع شعبهم.
غادر ( ابو شفيع ) ، مقاعد الدراسة مبكرًا، ليعمل أجيرًا مع أخوته في مهنة النجارة، أخوته اللذين أصبحوا ساتره الأول، بعد أن فقد والديه، في سن ٍ، كان في أمس الحاجة لهما، كي يعيش كبقية أقرانه، وينعم بطفولة عادية، على الأقل، سنوات الجمر التي عاشها في مقتبل العمر، أوقدت في نفسه شعلة التحرر، والغضب، والخلاص، من نظام سياسي واجتماعي متهرئ، لا يمكن اصلاحه إلا بطريقة ثورية تأتي على قواعده الهشة، وتقيم على أنقاضه، نظام العدالة الاجتماعية، بصورتها الحقة.
أدرك لا جدوى التحصيل الدراسي، فأعتبره مضيعة للوقت، وتبديدًا لجهود يجب استثمارها في مقارعة نظام فاشي لا يعرف غير لغة القوة والبطش، وأن التغيير، لا يأتي بالنوايا الحسنة فقط، والأهداف لابد لها أن تكون ضمن منهج ٍ واضح، وواقعي، فوجد في الفكر الماركسي ضالته، وفي تنظيمات الحزب الشيوعي راحته، وطمأنينته.
تخلى عن فكرة الزواج، وهذا قرار شخصي، حسب ما أورده شقيقه (عباس)، وأعتبره عائقًا كبيرًا في حياة أي مناضل يسعى لتحقيق أهداف سامية، إذ كان يقول لعائلته
(أنا، لست ملكًا لكم، حياتي وهبتها لناسي، لشعبي، لفقراء وطني، للأفكار التي آمنت بها، ولا يمكنني التخلي عنها).
وحين الهجمة الشرسة التي تعرضت لها تنظيمات الحزب الشيوعي، في بداية العام (1982 ـ 1983)، كان (أبو شفيع)، من أكثر الرفاق حرصًا، وحذرًا على التخفي، عن عيون أجهزة الأمن ، التي عملت المستحيل، من أجل اختراق التنظيمات، والعمل على إبقاءها تحت مجاهرها ، و مجساتها التي زرعتها في جسد التنظيم، حتى أن عائلته فقدت أثره لعدة شهور، معتقدين أنه قد ألقي القبض عليه ، كان يتنقل من وكر حزبي الى آخر ، نام لأسابيع في معامل صناعة الأحذية في منطقة ( الغريري ) في شارع الرشيد ، حيث كان أبن خالته ( ناصر فنجان ) يعمل هناك ، و بات لمرات عديدة ، في معمل لصناعة ( الكاشي ) في الكمالية ، و تخفى ، مع مجموعة من عناصر التنظيم ، في أحد معامل صناعة ( البلوك ) في اليوسفية ، ليكونوا بعيدًا أنظار رجال الأمن ، و وكلائهم ، و مكث طويلًا ، في وكر الحزب في الشرطة الخامسة، وفي وكر ( السيدية ) ، الوكران الأساسيان في بغداد ، حيث يلتقي أغلب عناصر التنظيم .
وفي دوامة تلك الاحداث ، و الظروف الصعبة ، التي كان يمر بها أعضاء التنظيم في بغداد ، نمى الى نفوس مجموعة أبو شفيع ، ( عواد حريجة ، شريف فرج ، كمال عطية ، محمد زهراوي ، رياض قاسم ، أبو يوسف ، ونبز محمد أمين ) الشك ، إزاء التصرفات المريبة ، لأحد مشرفي ، وقادة تنظيم بغداد للحزب الشيوعي ، المدعو ( عباس حسون ) أبو وسام ، فبعد طلب الاشراف الحزبي من قبل ( أبو يوسف ) ، لمناقشة أمور لا تتحمل التأجيل ، التقى ب ( عباس حسون ) في منطقة (التكارته ) في بغداد ، وشكى له وضع الاوكار الحزبية المتردي ، وحاجة الرفاق الى وثائق ، و هويات يتنقلون بها ، لإن الوضع العام مريب ، و التحرك بدون هوية ، أو وثيقة أمر في غاية الصعوبة ، ناهيك عن الانتشار الواسع ، لسيطرات النظام في شوارع بغداد ، وساحاتها ، و مرافقها العامة .
كانت لا مبالاة الرجل ، إزاء الشكوى التي أوصلها له ( أبو يوسف ) ، مثار ريبة و شك كبيرين ، ناهيك عن ملاحظه ( أبو يوسف ) لهندام الرجل ، و ملابسه الغالية الثمن ، و الاناقة التي لا توحي بأنه يعيش وضع المطاردين ، و المطلوبين للأجهزة الأمنية ، في تلك الفترة العصيبة ، كان يتحدث باسترخاء ، وهدوء ، غير متحمس ، أو متفاعل مع الوضع المزري ، الذي يعيشه عناصر التنظيم ، في الاوكار الحزبية ، الامر الذي جعل ( أبو يوسف ) يعرب عن قلقه ، من السلوك الغريب ، ل ( عباس حسون ) ، فألقى بشكوكه في حضرة رفاقه ، معربًا عن عدم ثقته بهذا الرجل ، فشكله و سلوكه لا يدلان على شيوعيته ، ناهيك عن حالة مريبة ، لاحظها أثناء اللقاء ، وهي وجود مجموعة من الرجال ، كانت تتابعهم من بعيد ، مما زاد من مخاوف ، وقلق ( أبو يوسف ) ، الأمر الذي دعاه ، لإنهاء اللقاء ، و مغادرة المكان بسرعة .
لم يصدق الرفاق ، ملاحظات، و شكوك ( أبو يوسف ) ، عن الرجل ، فهذا الرفيق كان محل ثقة الجميع ، ومن غير المسموح أن نشكك برفاقنا ، في هذه الأوقات الصعبة ، لاسيما و أنه زوج ، لرفيقة مهمة في التنظيم ، رفيقة فوق كل الشبهات ، وغير مسموح لأحد من الرفاق ، أن يخدش صورتها أمام التنظيم ، فهي أبنة أحد شهداء الحزب ، و زوجة سابقة ايضًا ، لأحد الرفاق الشهداء .
هي (نادية عبد الأمير سعيد) ، ابنة الحزب كما يحلوا للبعض أن يسميها ، فقد تربت في كنف الحزب ، الذي أشرف على رعايتها ، وعلى تربيتها ، أكرامًا لذكرى والدها الشهيد ( عبد الأمير سعيد ) عضو تنظيم بغداد ، الذي تمت تصفيته في (قصر النهاية ) ، فقد كانت مثار إعجاب ، و تقدير لدى كل أعضاء التنظيم ، اللذين كانوا يتنافسون في كسب ودها ، والتقرب اليها و لعائلتها ، و تقديم ما يمكن من خدمات لهذه العائلة الكريمة .
لكن الأمر أختلف كثيرًا ، عندما أخبرهم أحد الرفاق ، الذي كانت تأويه ( نادية عبد الامير ) في أحد الاوكار ،التي تشرف عليها في بغداد ، بأنه أكتشف أشياءً مريبة ، في البيت ( الوكر ) ، أولها أن ( عباس حسون ) كان يأتي الى الوكر، وبيده مدالية موشومة عليها صورة ( صدام حسين )، وعندما لاحظ أنتباه الشاب للأمر ، أخبره أنها لأجل التمويه ، لا أكثر ، لكن الاكتشاف الخطير ، الذي وضع جميع النقاط في محلها الصحيح ، عثوره على أشياء ٍ مهمة ، وخطيرة ، في الغرفة التي كانت مغلقة على الدوام ، و أستطاع فتحها عندما كان لوحده في ( الوكر ) ، فقد وجد الشاب و اسمه ( منذر ) ، باجات باسم ( عباس حسون ) ، صادرة من مديرية الأمن العامة ، باجات مخصصة لضباط الأمن ، يُسمح لحاملها الدخول ، و الخروج لدوائر الأمن، بحرية كاملة ، كما عثر على ألبوم صور تخص ( نادية و زوجها عباس حسون ) أثناء سفرة لهم الى بيروت ،حيث تشير التواريخ المعلمة على ظهر الصور، أنها التقطت في العام 1981 ، الامر الذي وضع أكثر من علامة استفهام ، على هذا التاريخ ، كما وجد ( منذر ) ، دفتر خدمة عسكرية ل ( نصير ) في كردستان ، لا يعرف مصيره .
وقد أثار أستغراب أحد عناصر المجموعة ، الذي كان مرتبطًا بموعد حزبي مع ( عباس حسون ) ، لغرض ترحيله لمسؤول آخر ، وكان اللقاء في منطقة الطالبية ، جاءه ( عباس حسون ) يقود سيارة مرسيدس تاكسي ، وطلب منه أن يصعد معه السيارة ، وفي الطريق أستوقفتهما ( سيطرة ) ، طلبوا منهم هوياتهم ، دفع ( الشاب ) و قد كان طالبًا ، في ذلك الوقت ، بهويته لرجل السيطرة ، قلب رجل الأمن الهوية ثم أعادها له ، بينما أخرج ( عباس حسون ) ، باجًا ملونًا ودفعه لرجل الأمن الذي أوقف السيارة لغرض التفتيش و التحقق من هوياتهما ، و أعاد الرجل الباج بسرعة ل ( عباس حسون ، وقال لهم تفظلوا ، أخفى ( عباس حسون ) باجه في جيبه بسرعة ، و أرتباك وانطلقا . وعندما أخبر هذا العنصر مجموعته بالأمر، أصبح ( عباس حسون)، محل شك وريبة أكثر من أي وقت مضى.
وفي حادثة مثيرة أخرى ، دخل ( عباس حسون ) على المجموعة ، مستبشرأ ، وهو يزف خبر وصول أحد الرفاق الذي طلب الالتحاق ، بفصائل الانصار في كردستان ،
ـ يابه صاحبكم يسلم عليكم .... اليوم ألتحق بالانصار
أستبشر الجميع وشكروا الرفيق ( عباس حسون ) على جهوده الكبيرة ، لكن الاقدار ، والصدف ، غالبًا ما تؤدي أدورًا رائعة يعجز عن أنجازها الجميع ، فقد أعتقل ( الامن الاقتصادي ) ، أحد أصدقاء ( عواد حريجة ) الذي كان يعمل في ( الشورجة ) ، و كان شيوعيًا سابق ، فقد شاهد هذا الرجل ، بطريق الصدفة ، ( الرفيق ) الذي زف ( عباس حسون ) ، بشرى وصوله لكردستان ، معتقلاً في أقبية الأمن ، معصوب العنين ، مكبل اليدين ، و في وضع بائس ، لقد كان الخبر صادمًا لكل أفراد المجموعة ، التي أيقنت و صدقت بما لايقبل الشك أن هذا الرجل خائن ، ويجب معاقبته .
ومما جعل الشكوك، ترقى لمستوى اليقين، ملاحظة والد الشهيد (عواد حريجة) عندما حضر (عباس حسون) لعيادته، اثناء مرضه في بيته، ببغداد وهو يضع مسدسًا في نطاقه، الأمر الذي أثار حفيظة الرجل، فأبدى استغرابه لهذا السلوك غير المعهود بالنسبة للشيوعيين في تلك الفترة، إذ قال لأبنه (عواد)
(اول مرة أشوف شيوعي، يشيل مسدس بشكل علني، وبهيج ظروف، هذا صاحبك مو راحة)
هذا الأمر، وما تقدم من ملاحظات، جعل ناقوس الخطر مسموعًا لدى المجموعة، بوضوح، وفأر الشك لعب في عب الاحتياط والحذر، وطلائع الخطر باتت على الأبواب، لذلك عزموا على معالجة الأمر بسرعة.
كانت الاخبار تصل لقيادة الحزب في الخارج بأن خروقات حاصلة في تنظيم الداخل، وهي خروقات كبيرة و واسعة ، ومن الواجب بمكان ، العمل على أيجاد حلول سريعة، وتدارك الوضع ، قبل أن تسوء الأمور، كثر من ذلك، فتم تكليف مجموعة من الرفاق ، للقيام بهذه المهمة الصعبة ، و العسيرة، لكن الاختيار لم يكن موفقًا في أناطه هذه المهمة ببعض الأسماء ، فتم اختيار أسماء كانت تعمل تحت وصاية الأمن البعثي ، الامر الذي فاقم من تردي الحالة ،و صار الأمر أكثر وبالًا ، و خطورة على العاملين في الداخل ، فقد قام هؤلاء ، بكشف خطوط تنظيمية كاملة ،و تسليمها للأمن ، أمثال ( عدنان الطالقاني ) أبو هيمن ، و هو من الكوادر المتقدمة في الحزب ، لكنه كان يعمل تحت أشراف أجهزة الأمن ، فقد سلم هذا الخائن ، العشرات من رفاقه لأجهزة الأمن ، بدم بارد ، اُعدم العشرات ، و غُيب العشرات ، جراء النذالة التي مارسها ، هذا القيادي الخائن ، كان يذهب الى كردستان ،ويعود الى الداخل ، بشكل طبيعي دون أن تؤشر عليه أي ملاحظة ، أو شكوك ، لأنه كان محميًا من أجهزة الأمن ، وخونة التنظيم .
فيما عمل البعض، ممن كانوا على درجة عالية من الإخلاص، و التضحية والخبرة التنظيمية، بجد لإتمام هذه المهمة النبيلة، لكنهم لم يوفقوا في انجاز المشوار ، أمثال الشهيد ( عبد الحسين كريم كحوش ) أبو علي ، الذي حاول انتشال التنظيم من براثن الأمن ، لكن سرطان الخيانة ، كان قد نخر جسد التنظيم ، واصبح يعمل بفوضوية و تخبط .
كانت تحركات (عبد الحسين كحوش ) مرصودة لدى أجهزة الأمن ، منذ لحظة مغادرته كردستان ، حتى وصوله الى بغداد ، راقبوه دون علمه ، و وثقوا كل تحركاته ، فوتوغرافيًا ، وتصويرًا بالفيديو ، حتى انه لم يستطع أن ينكر ما حصل ، أثناء التحقيق ، كسروا ذراعه ، و مزقوا جسده ، وتركوا من الاثار ، و الطعنات ، التي لا يمحوها غير الموت ، على جسده ، لكنه رسم أروع مواقف الرجولة و البطولة ، و البسالة الفريدة ، في الصمود بوجه جلاديه ، رفض التخلي عن أفكاره ، و البراءة من الحزب ، في مقابل حياته ، فصعد المشنقة ، كمن يتطلع بسعادة لموته ، كان يردد قول تشي جيفارا ( لا يهمني أين و متى سأموت ، بقدر ما يهمني ، أن يبقى الثوار يملؤون العالم ضجيجًا ، كي لا ينام العالم بثقله ، على أجساد الفقراء ، والبائسين المظلومين ) .
اجتمعت ، في وكر ( الطالبية ) مجموعة ، (عواد حريجة، وكمال عطية، وشريف فرج ، و حسين الاحمد ابو شفيع ، محمد زهراوي ، نبز محمد أمين ) ، ناقشوا ما توفر لديهم من معلومات أمنية ، واتخذوا قرار تصفية الخائن ، ضابط الأمن و الرفيق العميل (عباس حسون ) ، بعد أن توفرت القناعة الكاملة بعمالة ، و خيانة هذا العنصر ، أتفقوا على كيفية استدراج هذا الخائن ، وتنفيذ حكم ( الحزب ) به ، طلبوا منه ( أشرافًا حزبيًا ) ، لمناقشة وضع الاوكار الحزبية ، و المخاوف التي كانت تساور الرفاق ، في تنقلاتهم داخل بغداد ، فجاءت الموافقة ، وتحدد يوم العاشر من حزيران ، موعدًا للأشراف الحزبي .
و في صباح حزيراني ، من عام 1984 ، أستقل كل من ( كمال عطية ، و أبو شفيع ، و نبز الكردي ) ، سيارة ( جي ال زيتوني ) تعود ل ( عواد حريجة ) ، و ذهبوا لمقابلة ( عباس حسون ) ، بعنوان ( الأشراف الحزبي ) ، فكان اللقاء ، في تقاطع منطقة الشرطة الخامسة ، في ضواحي بغداد ، قرب ( جوبة ) لبيع المواشي ، أرتدى الجميع زي ( الجيش الشعبي ) للتمويه ، فيما كان ( عواد حريجة ، وشريف فرج ، و محمد زهراوي ) في سيارة أخرى ، يقومون بمهمة المراقبة ، و الحماية ، من بعيد، خوفًا من حصول تطورات غير محسوبة ، وجدوا ( عباس حسون) واقفاً، بانتظارهم، كان واثقاً من نفسه، و بمعيته شخصاً أخر كان يقف على الجانب الآخر من الشارع، توقفت السيارة ، فأستل ( كمال عطية ) ، وقد متهيئًا ، مسدسًا كان بمعيته ، وقال له ...
(هذا قرار الحزب أيها الخائن) ....
فوضع طلقتين في قلبه، كانتا كافيتين، لوضع نهاية مستحقة لمسلسل الخيانة ، الذي لعبه هذا العنصر ، الذي باع رفاق دربه ، بعد أن منحوه الثقة ، و الاحترام ، باعهم ، بدم بارد ، من أجل متع شخصية قذرة، حاول الآخر الذي كان بمعيته ( عباس حسون)، التدخل، فأطلق عليه ( كمال عطية)، طلقتين هشمتا زجاج السيارة الخلفي، و إصابة واحدة كتفه، ارتبك الرجل، و هرب من المكان، وانطلقت المجموعة بأقصى سرعتها لتغادر المكان، وتترك الخائن جثة هامدة على قارعة الطريق.
هزت عملية تصفية (عباس حسون)، أجهزة الأمن ،والخونة المرتبطين بها، جن جنون (نادية عبد الأمير)، عندما أخبروها بالعملية، كانت تعمل في ذلك الوقت ، في محل لبيع الهدايا والتحف ، في منطقة ( الرصافي ) وسط بغداد، أبلغوها أن تترك المكان، كان بمعيتها (حيدر وروار) وصفي ، الذي جاء هو الاخر لنفس مهمة (عبد الحسين كحوش)، فاستضافته (نادية) في منزلها، وعمل معها في نفس المحل، كان شابًا وسيمًا، يمتلك طولا فارعًا ، و مسحة جمال مغرية ، فتنت به، واستهوت معاشرته، و في يوم الحادث طلبت منه ان يذهب لأحد أوكار الحزب ، و يبقى هناك ، حتى تأتي تعليمات جديدة ، لكنها قامت بتسليمه ، بعد أيام لأجهزة الأمن ، عندما أبرمت معه موعدًا قرب مستشفى اليرموك .
تفرقت المجاميع، تركوا الاوكار الى مناطق مختلفة من بغداد، ذهب الكثير الى محل سكناهم، و القي القبض على العشرات، بمساعدة (نادية عبد الأمير) حتى ان معلومة تقول، انها سلمت أكثر من (75) عنصرًا للأمن، نفذ حكم الإعدام بأكثر من خمسين عنصرًا منهم.
كانت تحضر، عند كل محاكمة، في (محكمة الثورة)، لتشهد أن هؤلاء، من عناصر (الحزب الشيوعي العراقي) النشطين والفاعلين، فيُحكم عليهم بالإعدام فورًا، كانت تعرف أسمائهم الحركية، وأماكن عملهم، وفي أي (وكر) يختفون.
بعد اربعة أيام ، من تصفية ( عباس حسون ) ، ذهب ( ابو شفيع ) لمنزل ( عواد حريجة ) ، ليطمئن عليه ، ويستطلع ما أستجد من اخبار ، لكنه فوجئ بشقيق ( عواد ) ، يخبره بأن بأن الاجهزة الامنية ، جاءت الى هنا و أعتقلت ( عواد ) ، وكان معهم في سيارة الأمن (كمال عطية ) ، مقيدًا ، ومعصوب العنين ، عند ذلك قرر ( ابو شفيع ) أن يترك ( بغداد ) ، وطلب قبل ذلك، من شقيق ( عواد ) أن يتخلص من حقيبة ، كانت معه ، فيها أوراق و متعلقات تخص عمل ( ابوشفيع ) ، فتخلص الرجل منها بالفعل ، بعد وضع حجرًا بداخلها ، و القى بها في ( قناة الجيش ) ، لتستقر في قعر النهر .
هرب (أبو شفيع) الى الموصل، ضنًا منه، أنه سيكون في مأمن هناك، حيث كان يتردد على فندق (صقور الحضر)، بل هو نزيل شبه دائم في الفندق، دخل الفندق بشكل طبيعي، سأل عن (جاسم عبد الرزاق)، الذي هو (ناصر فنجان)، فأخبره صاحب الفندق أن (الجماعة) ، ويقصد (محمد فليح و حسن زامل ) ، في السوق الآن، وسيعودون لاحقًا ، أعطاه مفتاح أحد الغرف
ـ أرتاح هسه .... لمن يجون الجماعة ...
صعد الى الغرفة، ألقى بنفسه على السرير، كان متعبًا، وقلقًا، لكنه كان سعيدًا ، وفخورًا ، بعد أن أنجز هو ومجموعته، مهمة بطولية، أطاحوا ، بأهم مفصل من مفاصل الخيانة، وانتقموا لأرواح الشهداء، اللذين أوصلهم هذا الخائن ، الى قاطع الإعدام، لم تدم فرحة الرجل كثيرًا ، حتى دخلت عليه الغرفة ، مفرزة أمنية، طلبوا منه هويته، دفع لهم ب (دفتر الخدمة العسكرية)، كان واثقًا من سلامة الوثيقة التي بحوزته، قلبوا (الدفتر)، لم يلاحظوا شيئًا، غير سليم به، سأله أحدهم
ـ أنت ... أبو شفيع...؟
ـ لا ..... أني ما متزوج ، أصلاً ... وما عندي ولد ......
ـ تفضل ويانه ... استفسار بسيط، وترجع ...
قادوه الى (مديرية أمن الموصل)، حققوا معه، سألوه عن طبيعة تواجده في الموصل، لم يكن بحوزته ، ولا بتصرفاته ، ما يثير الريبة ، والشك، فقد كان حذرًا للغاية ، و يمتلك حسًا أمنيًا ، يؤمن له الإفلات ، من أشد المواقف حرجًا ،و خطورة ً ، هم كانوا يبحثون عن شخص أسمه (أبو شفيع)، (حسين أحمد عباس )، و (دفتر الخدمة العسكرية) ، الذي بحوزته يُشير الى أسم آخر، ولا توجد تهمة، يمكن أن توجهها السطات الأمنية له، كان موقفه سليمًا حتى هذه اللحظة، أكثر من أسبوع مضى على وجوده في أمن الموصل ، دون أن يجدوا ما يدنه، لكن أحد خبثاء الأمن من الضباط، طلب احضار (ناصر فنجان)، لقطع الشك باليقين،
نواجه الاثنين ،ونعرف حقيقة أمر هذا الرجل ، الغريب عن الموصل،
جاءوا ب (ناصر) وقابلوه، بالشخص الذي كانوا على وشك أن يطلقوا سراحه، لعدم توفر دليل أدانة ضده، بالإضافة الى تماسكه، و هدوئه ، وتصرفه السليم، والذي جعله في مأمن لحد الآن، تقابل الشخصان ...
ـ ناصر هذا منو؟
سأله ضابط التحقيق
أرتبك (ناصر) لدى رؤيته (أبو شفيع) ، مقيدًا بين رجال الأمن ، فقد كان من ضعف الخبرة ، و هشاشة الحس الأمني ، و القدرة على الإفلات ، من الأسئلة المحرجة التي يستخدمها رجال الأمن ، في هكذا مواقف ، صمت للحظات ثم قال ....
ـ سيدي ... هذا ابن خالتي (أبو شفيع)، حسين أحمد،
وقع كلام (ناصر فنجان)، كالصاعقة على (أبو شفيع)، الذي بقي صامتًا، لا يعرف بماذا يجيب، أو كيف يصحح ما خربه (ناصر) بصراحته،
ـ ها لك....... شلون تكوول أني مو (أبو شفيع) ... حسبالك تفلت، من عدنا، بسهولة ... مزور لك دفتر وتمشي بيه، حسبالك تعبر علينا .....
خربط (ناصر) ، كل ما عمله (أبو شفيع)، فوضعه في موقف لا يحسد عليه، كان أسم (حسين أحمد عباس)، معممًا على كل مديريات الأمن في العراق، فهو مطلوب بقضية مقتل أحد أهم العناصر، المنوط بها متابعة، وكشف التنظيمات الشيوعية في الداخل،
اعادوا (ناصر) لزنزانته، وعلى نحو من السرعة، أنجزوا كتاب الترحيل للمطلوب (حسين أحمد عباس)، بات ليلته الأخيرة في الموصل.
وفي الصباح، كانت عجلة الترحيل، تلتهم الطريق صوب بغداد، حاملة أحد أبناءها، مرفوع الرأس شامخًا، واثقًا من أن الحرية، لها ثمن، لا يقدر عليه إلا عشاقها.
يتبع .......



#خضر_عبد_الرحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضجيج
- وعلى المراة تدور الدوائر
- الهروب من الاسئلة
- الجنوب
- ذلك الكاسد الفسيح
- انا او انت ...... لا فرق
- احلام فى مصحة النوم
- جدار لا ريب فيه
- الراحلون
- اجندة الخراب
- السؤال ... نص


المزيد.....




- سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص ...
- السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
- النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا ...
- لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت ...
- فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
- -حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م ...
- -الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في ...
- -حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد ...
- اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا ...
- روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خضر عبد الرحيم - حرائق الذاكرة