|
إنها -آراء- وليست -مواقف-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1607 - 2006 / 7 / 10 - 11:17
المحور:
القضية الفلسطينية
إنها "آراء" وليست "مواقف"! ما هي "مواقف" الدول العربية من كل هذا الذي حدث ويحدث في قطاع غزة (وفي الضفة الغربية)؟ ولكن، هل هذا سؤال؟ وإذا كان سؤالا فما هو الجواب؟ السؤال الأول سياسي؛ أما الثاني والثالث ففلسفيان ـ منطقيان؛ ومع ذلك فقد يتحوَّلان إلى سياسيين، فالناقم على السياسة العربية، إذا ما فهمنا الـ "لا سياسة" على أنها هي أيضا سياسة، قد يجيب قائلا: "كلا، ليس ذاك السؤال بسؤال".
لقد تحفَّظتُ من كلمة "مواقف"؛ لأن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وعليه، لم تقتل وتدمِّر وتهدم هناك إلا لتمعن قتلا وتدميرا وهدما في ناحية "المواقف" في السياسة العربية، فما تقوله الدول العربية، أي ما تفعله؛ لأن فعلها لا يتخطى حدود القول، أقرب إلى "الرأي" منه إلى "الموقف". إنها تعبِّر عن "رأيها" في كل هذا الذي حدث ويحث في قطاع غزة، فهي، وعلى سبيل المثال، تقول، ولا بأس في أن تقول، إنه "عدوان" تشجبه وتستنكره، وتدعو إلى وقفه؛ وإنها ترى أنه لن يجلب الأمن والاستقرار، ولا ينهي دائرة العنف، التي يذهب ضحيتها الأبرياء. وبعضها ربما لا يجرؤ حتى على وصفه بأنه "عدوان"، فثمة مفردات وعبارات "أقل خشونة" يمكن استعمالها في الوصف. وهذا "الرأي" قد يضمِّنونه "دعوة"، تعدل في أهميتها "الدعاء"، ويدعون فيها غيرهم، أي المجتمع الدولي وأشباهه، إلى أن يبذل قصارى جهده في سبيل..
"الموقف" لم نرَ شيئا من معانيه في السياسة العربية. حتى أصغر "المواقف" غاب عن السياسة العربية، فهل سمعتم، على سبيل المثال، أن دولة عربية أعلنت رسميا تأييدها للإفراج عن أسرى فلسطينيين شرطا للإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليت؟! كل ما يملكون من ثقل دبلوماسي وسياسي في قضية "تبادل الأسرى" يمكن أن يُتَرْجَم، في آخر المطاف، وبعد خراب غزة، بـ "وعد إسرائيلي"، فالحل الذي يتوفَّرون على صنعه، في نطاق تلك القضية، قد يقوم على "وعد" من اولمرت بأن تفرج إسرائيل عن بعض من الأسرى الفلسطينيين ممن "لم تتلطخ أياديهم بالدم اليهودي المقدَّس"، بعد (وهي ظرف زمان إسرائيلي) الإفراج عن شاليت!
وهذا "الإفراج البَعْدي" عن بعض الأسرى الفلسطينيين ليس سوى "الشكل الدبلوماسي" لتلبية مطلب إسرائيل "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن شاليت.
"الإبداع الدبلوماسي" الذي به يفاخرون ويتمدحون لم يَسِرْ إلا بما يسمح بتلبية ذلك المطلب الإسرائيلي، وبما يبقي على شاليت ذريعة للاستمرار في "حرب سلامة سديروت"، فلم يتمخَّض ذاك "الإبداع" عن "حل مؤقت" من قبيل أن "يستضيفوا" شاليت عندهم فلا تنتهي "الاستضافة" إلا عند التوصُّل إلى "حل مرضٍ" لمشكلته ومشكلة الأسرى الفلسطينيين.. وعن "حل دائم" لهذا النزاع العسكري غير المتكافئ، يقوم على الوقف الفوري والمتبادل والشامل والدائم لـ "أعمال العنف" مع خروج الجيش الإسرائيلي من المناطق والمواقع إلى أعاد احتلالها في قطاع غزة، وفك الحصار الإسرائيلي عن القطاع.
إنها حقا "أمطار الصيف"، فغَيْم الحرب الإسرائيلية يغطي سماء غزة، ولكن تلك السماء لا تمطر هناك، وإنما في العواصم العربية، فالموت والدمار لغزة وأهلها؛ أما الموت والدمار السياسيين، أي "أمطار الصيف" الإسرائيلية، فللعواصم الصامتة المحايدة.. أو الوسيطة!
ما أكثر الحلول المقترَحة حين تعدها..!
في "الحلول" المقترَحة لمشكلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة جاء الآتي: عباس دعا إلى وقف إطلاق "الصواريخ" الفلسطينية من القطاع على الأراضي الإسرائيلية (سديروت على وجه الخصوص، وعسقلان) وإلى إطلاق سراح شاليت، فاستهجنت "حماس" دعوته، معتبِرة أن "الصواريخ" هي "الوسيلة الدفاعية الوحيدة" المتاحة للفلسطينيين.
هنية اقترح العودة إلى "التهدئة" العسكرية من خلال "الوقف المتبادَل لكل الأعمال العسكرية"، والإفراج عن الوزراء والنواب الفلسطينيين المعتقلين، ومغادرة الجيش الإسرائيلي للمناطق والمواقع التي احتلها في القطاع، ورفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع، وإعادة فتح معبر رفح، والتوصُّل إلى "حل مناسب" لمشكلة شاليت عبر "مفاوضات جادة". هنية، هنا، لم يأتِ على ذِكْر الأسرى الفلسطينيين وكأن الإفراج عنهم، أو عن بعضهم، ما عاد بالشرط القوي.
مسؤول في مكتب اولمرت سارع إلى رفض "مبادرة هنية"، "مقترحاً" الإفراج الفوري وغير المشروط عن شاليت، ووقف إطلاق "الصواريخ". بعد ذلك، وإذا ما لبَّت حكومة "حماس" شروط ومطالب "المجتمع الدولي"، وهي الاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقات السابقة والتخلي عن العنف، يمكن أن تبدأ حكومة اولمرت حوارا مع حكومة "حماس" بحسب قول ذاك المسؤول الإسرائيلي. من ذلك يمكن الاستنتاج أن لا وقف للحرب الإسرائيلية قبل أن تلبِّي حكومة "حماس" تلك الشروط والمطالب الإسرائيلية المباشِرة (الإفراج الفوري وغير المشروط عن شاليت، ووقف إطلاق الصواريخ) وغير المباشِرة (شروط ومطالب المجتمع الدولي الثلاثة).
الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان "اقترح" أن يلتزم الإسرائيليون والفلسطينيون "تحييد المدنيين"، عند القتال، والامتناع عن شن أي هجوم يمكن أن يذهب ضحيته مدنيون، أو يلحق الأضرار بممتلكاتهم.
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد "اقترح" حلا لتلك المشكلة يقوم على تذليل المجتمع الدولي للعقبات من طريق إجراء انتخابات في فلسطين كلها، ينتخب فيها الناخبون "الأصليون"، أي الناخبون من "السكان الأصليين"، حكومة لكل فلسطين، معتقدا بوجود تصميم قوي اليوم على "إزالة النظام الصهيوني" و"إقامة نظام فلسطيني شرعي" يشمل كل فلسطين. وإذا كان للفلسطينيين أن "يقترحوا" لاقترحوا على نجاد أن يُصَغِّر حجره حتى يتمكَّن من إصابة "الهدف"، على افتراض أن المساعدة الإيرانية الحقيقية للفلسطينيين هي "هدف نجاد"!
إن كل مَنْ يَنظُر بعين لا يغشاها وهم إلى مصالح وحاجات الفلسطينيين لا بد له من أن يرى الهدف الفلسطيني الذي لا يعلوه هدف في الوقت الحاضر. وهذا الهدف إنما هو جعل قطاع غزة بمنأى عن حرب القتل والتدمير الإسرائيلية، وحرَّاً من الحصار الإسرائيلي، برا وبحرا وجوا. وكل "وسيلة" يستصلحها ويستنسبها هذا الهدف هي وسيلة مشروعة فلسطينيا، ويمكن الاعتراف بها على أنها "وسيلة دفاعية". الإخفاق السياسي يبدأ عندما يُخْرَج "الهدف" من مرمى البصر والبصيرة، وعندما تنشأ وتتسع الهوة بينه وبين الوسائل المتَّبعة.
لو كانت "الصواريخ" وسيلة "دفاعية"، أو "سلاح ردع"، لكان التخلي عنها من الحماقة والغباء بمكان. ولو كان لـ "الواقع" أن يقترح شيئا على الفلسطينيين لاقترح عليهم أن يُصوِّروا أنفسهم دائما، والآن على وجه الخصوص، على أنهم شعب أعزل، ولكنه يملك، في الوقت نفسه، طاقة مقاومة لا تنضب.
إذا أردنا لقطاع غزة أن يكون بمنأى عن حرب القتل والتدمير الإسرائيلية، وحرَّا من كل حصار إسرائيلي، وموضعا تنشأ فيه وتنمو سيادة قومية فلسطينية حقيقية تضرب جذورها عميقا في اقتصاده أوَّلا، ومستودعا لمقاومة سياسية شعبية لا تنضب، وشوكة في حلق الحلول الإسرائيلية المنفردة في الضفة الغربية، فإن على المجتمع الدولي أن يساعد الفلسطينيين في جعله (أي قطاع غزة) منطقة خالية من السلاح والمسلحين، في ضعفها العسكري هذا تكمن قوتها، فالقضية القومية للشعب الفلسطيني من النمط الذي يجعلها تَعْظُم سياسيا بتصغير بُعْدها العسكري، وتَصْغُر سياسيا بتضخيم بُعْدها العسكري. إن أسوأ خيار بالنسبة إلى الفلسطينيين هو أن يصارعوا إسرائيل في الطريقة التي تريد، أي في طريقة "جيش يقاتل جيش"!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تهافت منطق -التأويل العلمي- عند الدكتور زغلول النجار وآخرين!
-
-حرب صليبية- جديدة على -مادِّية- المادة!
-
خبر -صعقني-!
-
إما -صمت- وإما -توسُّط-!
-
هل هذه -حرب-؟!
-
من حجج الاعتراض على -الاستفتاء-!
-
كم أحسدك يا شاليت!
-
-التسيير- و-التخيير- بين الدين والعِلْم!
-
إرهاب التوجيهية!
-
من -الرأسين- إلى -الرقبة والرأس-!
-
قُلْ لي كم لدينا من الديمقراطيين أقول لك كم لدينا من الديمقر
...
-
-حماس- في حوار -الناسخ والمنسوخ-!
-
الملف الذي فتحه -النواب الأربعة-!
-
-الإرهاب- و-الإصلاح السياسي- كما يتصوَّرهما البخيت!
-
خطة اولمرت لتفكيك -القنبلة الديمغرافية
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|