|
الربع الأخير ...تخاريف (8) كوفيد-19
نضال عرار
الحوار المتمدن-العدد: 6707 - 2020 / 10 / 18 - 11:41
المحور:
سيرة ذاتية
تقتضي الحكمة بالاستماع الجيد لحقائق التاريخ ، تاريخ الدول والمدن ومن ثم الناس كانت الدولة الأشورية بعاصمتها الأعظم نينوى أكبر مدن العالم في ذلك الحين ، تلك المدينة السحرية والأجمل والأقدم الجاثمة عند ضفاف دجلة والتي إنتهت بالحرائق والنهب المروعين على يد التحالف البابلي والفرس والميديين ، عزف لنينوى أول سيمفونية بالتاريخ وجدت على ألواح طينية ، سيمفونية تلخص مآل المدينة إلى الدمار والخراب . قدر لي أن أشهد خراب المدن في زمن الحروب وها أنا ذا أشهدها مرة أخرى في زمن الوباء . كيف نقابل الموت ؟ بالخوف أم بارتياح الضمير ؟!!!! تصحوا ثنائيات الناس في زمن الحرب ، كما في زمن الوباء ...... الشجاعة / الخوف ، الحب / البغض / ، التيه / الملاذ الآمن / ، الهمجية / الحضارة ، الأمل / اليأس ، النظام / المعارضة .... ويتخلى الناس عن المنطقة الرمادية التي تسكنها المجاملات الاجتماعية التي طالما عاشرته حيوات الآدميين . سقطت نينوى بتحالف عسكري قادته الدولة البابلية ما قبل التاريخ ( 612 ) وحديثا سقطت محافظة نينوى ودمرت على يد تحالف عسكري كذلك الأمر . كثيرة هي المدن التي دمرت عبر التاريخ يقال أن طروادة دمرت سبع مرات ، أما قرطاج دمرتها وأحرقتها روما ، نيرون القيصر الروماني أحرق روما ، وجلس على شرفته المطلة على المدينة ليشاهد حريقها !!! تخرب المدن تماما كما يخرب البشر وإذا كان للمدينة دفئها وبرودها كذلك قلوب الناس وعلاقاتهم . غير أني شاهد على غرائبية من نوع آخر ، إذ ليس بالضرورة عمار المدن وتطورها وإزدهارها يقود إلى تطور قاطنيها هذة مدينة رام الله تطورت على نحو متسارع فتزينت بالعمران وخدمات المدينة غير أنها تخربت في علاقة ساكنيها ، ولم تعد المدينة تقتصر على أهلها بل باتت تجمع في أحيائها كل طالب للعمل أو العبث ! تسلل ملك الإغريق أغامنون إلى طروادة عبر حصان خشبي خلفه على شاطئ المدينه موهما الطرواديين بإنسحابه وإنتهاء الحرب التي دامت عشر سنوات . وقع الطرواديين فريسة الخدعة وإحتفلوا وسحبو الحصان الخشبي لداخل أسوار المدينة ، كان داخل الحصان مجموعة من المقاتلين الإغريق اللذين نجحوا بفتح أبواب المدينة لجيشهم المنتظر ، هكذا دخلوا وأحرقوا المدينة ودمروها . أما قرطاجة فقد أشعل القائد الروماني سكيبيو النار فيها بعد قتال مرير استمر ثلاث سنوات ، يقال أن النار إستمرت 17 يوم حتى إحترقت المدينة عن بكرة أبيها ، وأمر سكيبيوا بحرث أرضها ورشها بالملح كي لا تعود أرضها صالحة للزراعة . قدر لي أن أعود إلى دمشق خلال فترة قاسية على أهلها ، رأيت إمتدادآ لدمار أحياء ضواحيها ومن هناك وقفت على مسقط رأسي اليرموك ، كان المخيم بارد على نحو مريب ... فقط الدهشة والصمت والوجع رافقاني في تلك الرحلة . إستطاع رأس المال أن يعمر مدينة رام الله ، ولكنه إستطاع أن يفرض أخلاقه كذلك الأمر إن أخلاق المجتمع المتراكمة مع التكافل الاجتماعي الذي عززته الإنتفاضة الأولى قد ذهبت في مهب الريح ، هنا خراب العلاقات الإنسانية واضح تحت ضغط الإنقلابات الجذرية التي رافقت المدينة منذ أكثر من عقدين تعززه تفاهة القروي في رغبة التحديث . عشت حصار بيروت عام 1982 ورأيت الكثير من الدمار ، فقط عبر شاشة مسطحة شاهدت إنفجار ميناءها وما خلفه من دمار أما الرئيس الفرنسي ماكرون فجل ما فعله أن أخرج ( فيروز ) عصفورة الشرق من مخدعها على حد زعمه !!! دمرت قوات التحالف والاتحاد السوفيتي مدينة برلين أبان الحرب العالمية الثانية ، قدر لبوابة براند نبورغ أن تبقى شبه مدمرة وشاهدة على الخراب قرابة خمسون عام لقربها من الجدار الذي يقسم المدنية . تقول الروايات التاريخية أن زوجة القائد القرطاجي ( صدر بعل ) رمت بنفسها في النار مع طفليها كي لا يستعطف زوجها غطرسة الرومان ، فإندفعت قرطاج تقاتل من جديد في معركتها الأخيرة . تجاوزت خسائر القرطاجيين 450000 قتيل إضافة لخمسين الف مستعبد ، وأضحت المدينة تخضع لروما . ماذا لو كتب أحدهم شيئآ عن تاريخ الرداءة أو نقح الرداءة من التاريخ وجمعها ، ربما سنحصل على مادة أكبر من ذات التاريخ ؟!! ولأنني أنهيت دراستي في صوفيا رأيت بأم العين إنهيار الأنظمة الشمولية على نحو دراماتيكي ، إنكسرت تلك القبضة الخفية التي حكمت البلاد وإنقلب كل شيئ رأس على عقب تهاوت المنظومة وخرجت الفوضى إلى الشوارع ، مدينة الورود وحديقة أوروبا باتت مرتع للمافيا وأخلاق رأس المال المتوحش . تركت دمشق عامرة زاهرة لأجد الدمار يحيط بها ، عرجت على بيروت وقد تركت الركام يعلوها لأجدها عامرة زاهرة . وماذا بعد ؟!!! بقي لي إعتراف من نوع آخر ، فأمام رهبة التاريخ وزيارة أماكنه وعظمة الأهرامات وسور الصين والوقوف على جبل كاندي في سيرلانكا لم أشعر بشيئ من الرهبة قط ، فقط عندما كنت طفلا شعرت بها عند قبر خالد بن الوليد مثلما أحسست بالوجع في قرطاج .
#نضال_عرار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صديقتي العرافه ، لا أريد صداقة كهذه 2-2
-
الربع الأخير .... تخاريف (7) كوفيد - 19
-
الربع الأخير ... تخاريف (6)كوفيد 19
-
الربع الأخير .... تخاريف (5) كوفيد -19
-
الربع الأخير .... تخاريف (4) كوفيد - 19
-
الربع الأخير ... تخاريف (3) كوفيد 19
-
الربع الأخير .... تخاريف (2) كوفيد 19
-
الربع الأخير ... تخاريف كوفيد-19
-
صديقتي العرافه ، لا أريد صداقة كهذه 1-2
-
ما بين الثقافة والسياسة
-
أمل أسود ...تداعيات مبعثرة !!!
-
في الديموقراطية والإغتراب
-
ما أضيق الرحلة ، ما أوسع الفكرة سلامة كيله وداعآ
-
فوضى .... دراما التواطئ
-
بين الثقافة والسياسة
-
نبوءات واهمة ......
-
حنا مينا .... شراع للعاصفة
-
إستشراف الفاشية
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|