|
التدابير الوقائية في التشريع الليبي
نواره مختار عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 6705 - 2020 / 10 / 16 - 22:46
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
المقدمة
ظلت العقوبة لحقبة طويلة من الزمن الصورة الأساسية إن لم تكن الوحيدة للجزاء الجنائي. ومع تطور الفكر العقابي تبث عجز العقوبة عن القيام بالدور المنوط بها والذي يتجلى في الحد من ظاهرة الإجرام والقضاء عليها داخل المجتمع، مما أدى إلى ظهور ما يسمى بالتدابير الوقائية على يد المدرسة الوضعية كنظرية، أي أن التدابير كانت من قبل ظهور المدرسة الوضعية. وبذلك لم يعد الهدف من الجزاء الجنائي هو إيلام المجرمين المحكوم عليهم والانتقام منهم، بل غدا ذلك الهدف متمثلا في فكرة إعادة تأهيل هؤلاء المحكوم عليهم وإدماجهم في المجتمع. وللوفاء بهذه الأهداف الجديدة في مجال العقاب ظهرت كما سبق القول فكرة التدابير الاحترازية التي تتميز ببعض الخصائص ولتطبيقها يجب أن تتوفر بعض الشروط كما أنها تخضع لضمانات وقواعد قانونية. هذه التدابير لا تهدف إلى إيلام المجرم والانتقام منه كما هو الشأن بالنسبة للعقوبة وإنما تهدف إلى إصلاح المجرم وإعادة تكييفه مع المجتمع ومساعدته على الانخراط والاندماج من جديد في المجتمع. فان أهمية الموضوع تبرز بالرجوع إلى الواقع نجد أن الاهتمام بمسؤولية المجتمع عن الجريمة لم يتحقق إلا بعد أن تولت الدولة بمختلف أجهزتها تنظيم مسؤولية الأفراد الإشراف على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعي التدابير الاحترازية وتأثيرها على الظاهرة الإجرامية.
إشكالية البحث . يطرح هذا الموضوع إشكالية أساسية تتمثل في مدى نجاعة التدابير الوقائية في مكافحة الجريمة. فرغم التقدم الهائل الذي شهدته الإنسانية خلال هذا القرن في مختلف الميادين فان حجم الجرائم قد ازداد وتشعبت صورها و أصبحت تهدد كيان المجتمعات الحديثة وهذا يعكس عجز الجزاءات بصورتها التقليدية في مكافحة هذه الظاهرة مما يستوجب إعادة النظر ليس فقط بالبحث عن بدائل لها و إنما برسم سياسة تتجه إلى وقاية المجتمع من الجريمة قبل وقوعها و منع تكرارها ، فالإشكالية التي يطرحها موضوع هذه الدراسة هو: "ما مدى فعالية التدابير الاحترازية كإحدى صور الجزاءات الجنائية في التقليص من تفشي الظاهرة الإجرامية باعتبارها ظاهرة احتمالية في حياة الفرد و حتمية في حظيرة المجتمع؟
مناهج البحث.
للإجابة عن هذه الإشكالية اعتمدت على المنهج التحليلي وذلك بتحليل المبادئ العامة للتدابير الوقائية سواء من حيث الطبيعة القانونية لها وشروط تطبيقها والضمانات والأحكام التي تخضع لها و تقييم دورها و مدى فعاليتها في القضاء على الظاهرة الإجرامية ومكافحة الجريمة، التدابير الوقائية وسيلة لتحقيق غايات متنوعة تقوم على إصلاح الفرد نفسيا وعقليا واجتماعيا، وتوجيهه و تكوينه من جديد بإعادة تأهيله، وهو ما يحقق للمجتمع الوقاية من الجريمة. تنوع التدابير من شانه أن يحقق مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد معا إذ أن مصلحة المجتمع في أفراد نموذجيين كأعضاء صالحين تستبعد السلوكيات الإجرامية مصلحة الفرد في التخلص من مرضه واكتساب قيم اجتماعية صالحة من خلال التكوينات التي يتلقاها أثناء فترة العلاج. تناسب أساليب تنفيذ التدابير الاحترازية مع كل نوع من الأنواع من شأنه أن يضمن ا لأغراض الإصلاحية التي يسعى إلى تحقيقها من وراء تطبيقه، فمثلا التدابير العلاجية تطبق على متعاطي المخدرات أو مدمني الخمر والمجانين، وكذلك التدابير التهذيبية هي تلك التدابير التربوية التي تنزل بالأحداث وهي فئات لا يجدي توقيع العقوبة فيهم أي تيجة، بل قد يؤدي تطبيقها إلى تفاقم الحالة الخطرة لديهم. تحقق التدابير الاحترازية الوقاية للمجتمع من الجريمة، وذلك بمواجهة الخطورة الإجرامية لدى بعض الأشخاص للحيلولة دون تحقيق الجريمة المحتملة التي تنذر بها تلك الخطورة، فحماية المجتمع من الجرائم المحتملة هو الهدف الوحيد الذي تبتغيه التدابير الوقائية والتدابير التهذيبية تنزل بذوي الخطورة الذين ترجع خطورتهم إلى نقص في القيم وفسادها. وسوف نقوم بالإجابة عن هذه الاشكالية حسب الخطة الاتية:- المطلب الأول/ماهية التدابير الوقائية وتطورها التاريخي.
الفرع الأول/ ماهية التدابير الوقائية" الفرع الثاني /أنواع التدابير الوقائية" المطلب الثاني/ ضمانات التدابير الوقائية والقواعد القانونية التي تخضع لها" الفرع الاول /ضمانات التدابير الوقائية" الفرع الثاني/القواعد والأحكام الموضوعية والإجرائية التي يخضع لها تطبيق هذه التدابير"الفرع الثالث/الأسباب التي تؤدي إلى إيقاف التدابير الوقائية أو الإعفاء منها بصفة اختيارية"
المطلب الأول ماهية التدابير الوقائية وتطورها التاريخي
الفرع الأول ماهية التدابير الوقائية
أن مكافحة الإجرام وحماية المجتمع من الجريمة هي أهداف لا تتحقق بعقاب المجرم فحسب لأن العقوبة لا تكفي وحدها للوفاء بهذا الهدف في بعض الحالات ، وهذا ما تم ملاحظته من خلال الازدياد المستمر في ظاهرة الإجرام ، وارتفاع معدلات العودة إلى الجريمة ، وهذا يدل على قصور العقوبة في مواضع متعددة من أداء وظيفتها في حماية المجتمع من ظاهرة الإجرام ، وكان هذا القصور دافعاً للتفكير في وسيلة ثانية لمكافحة الإجرام لتكمل مواطن النقص ، وكانت هذه الوسيلة المكملة هي التدابير الوقائية، فأصبحت العقوبة والتدبير الوقائي وسيلتين ضروريتين لمكافحة الإجرام تكمل أحداهما الأخرى .اختلف الفقهاء في شأن الطبيعة القانونية للتدابير الوقائية وكان هذا الموضوع مثارا لتضارب الآراء نظرا للصراع القائم بين الاتجاهات المذهبية في السياسة الجنائية لتحديد طبيعة العقوبة وكان من المتعين اتخاذ موقف لتحديد المدلول القانوني للتدابير الوقائية، وما إذا كانت جزاء جنائي تتحقق له جميع صفات الجزاء الجنائي، أو أنه مجرد إجراء أو معاملة أو إعادة تأهيل، وقد انعكس هذا الخلاف على طبيعة التدابير الوقائية أيضا، فيرى جانب من الفقه أنها تدابير ذات طبيعة قضائية، ويرى جانب آخر أنها إجراءات إدارية. ويترتب على هذا الخلاف الأخير تحديد خضوعها لنطاق قانون العقوبات أو القانون الإداري ويذهب الرأي الراجح في الفقه إلى أن التدابير الاحترازية جزاء جنائي، كما أنها ذات طبيعة قضائية وتخضع بالتالي لقانون العقوبات، كما يلاحظ أن هناك تعدد في التسميات التي أعطيت لهذه التدابير وأيضا في التعريفات. وسوف نبرز ذلك من خلال التطرق إلى تعريف التدابير الوقائية (الفرع أول) وإلى أهمية هذه التدابير (ثاني) وطبيعتها (الفرع ثالث).
اولا / التعريف بالتدابير الوقائية
هي مجموعة من الإجراءات القانونية تواجه خطورة إجرامية كامنة في شخصية مرتكب الجريمة تهدف إلى حماية المجتمع عن طريق منع المجرم من العودة إلى ارتكاب جريمة جديدة . أعطيت للتدابير الوقائية عدة تعريفات لكن قبل التطرق إلى هذه الأخيرة لابد من الإشارة إلى أن هناك اختلاف حول تسمية هذه التدابير فهناك من يطلق عليها التدابير الاحترازية ومن التشريعات التي تسير في هذا الاتجاه نذكر مصر ولبنان والأردن وهناك من يطلق عليها تدابير الأمن وهناك من يطلق عليها اسم التدابير الوقائية، وقد صار المشرع الليبي في هذا الاتجاه وهذا ما يلاحظ من خلال قانون العقوبات. أما بالنسبة للتعريفات فهناك عدة تعريفات ومن بينها التعريف الذي قال إن التدبير الوقائي هو معاملة فردية قسرية ينص عليها القانون لمواجهة الخطورة المتوافرة لدى الأفراد للدفاع عن المجتمع ضد الجريمة. فهو معاملة فردية تنزل بشخص معين بعد أن تثبت خطورته على المجتمع لتحول دون إجرامه وتوصف كذلك بأنها قسرية وقانونية ويوضح هذا التعريف الخصائص الأساسية للتدبير الوقائي في أنه مجموعة من الإجراءات تقضيها مصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام، ومن ثم كان لها طابع الإجبار والقسر، فهي تفرض على من ثبت أنه مصدر خطر على المجتمع، ولا يترك الأمر فيها إلى خياره ولو كانت تدابير علاجية، أ و أساليب مساعدة اجتماعية يستفيد منها من توقع عليه، ومصدر الالزام والإجبار أن الهدف الأخير للتدبير هو حماية المجتمع من الظاهرة الإجرامية، وليس من المنطق أن يكون تحقيق هذه المصلحة مرتهنا بمشيئة فرد، وقد لا تلتئم هذه المشيئة مع تلك المصلحة فهناك تعريف آخر يعرف التدابير بأنها وسائل للحماية والوقاية لمنع خطورة المجرم من احتمال عودته إلى ارتكاب جريمة في المستقبل ويعرفها البعض الآخر بأنها جزاء جنائي يستهدف مواجهة الخطورة الإجرامية الحالية لدى الأشخاص لدرئها عن المجتمع، ويرى أنصار هذا التعريف أنه يتعين بيان أنه جزاء جنائي يتخذ في مواجهة الحالات التي ينزل بها التدبير قبل ارتكاب الجريمة وليس قاصرا على المجرم، وأن تعريف التدابير الوقائية بأنه ينزل بأحد الأشخاص وليس الأفراد يجعله يشمل الأشخاص المعنوية أيضا" ويرى البعض أنه يمكن تعريف التدابير بأنها مجموعة من الإجراءات القضائية صادرة ضد الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين والأشياء لمواجهة الخطورة الإجرامية التي تتواجد لديهم إذا ما ارتكبت جريمة من أجل الدفاع عن المجتمع" هذه جملة من التعاريف التي أعطيت للتدابير الوقائية، أما بالنسبة للمشرع الفرنسي ومن خلال تصفح النصوص القانونية المنظمة للتدابير الوقائية وذلك ما بين المادة 61 إلى المادة 104 من القانون الجنائي يلاحظ أنه لم يقم بتقديم تعريف لها، ويمكن تقديم تعريف لها وذلك من خلال الخصائص التي تميزها، هذا التعريف يمكن تلخيصه فيما يلي : بأنها نظام قانوني يرمي أساسا إلى حماية المجتمع من الخطر الكامن في بعض الأفراد الذين أصبحوا بحكم استعدادهم الإجرامي مهيئين أكثر من غيرهم لارتكاب ما من شأنه أن يؤدي إلى الاضطراب الاجتماعي، كالمجانين والعائدين والأحداث، ويكون ذلك إما بالتحفظ عليهم وإما بعلاجهم وإما بتهذيبهم وإصلاحهم بقصد إعانتهم على استرداد مكانتهم وإدماجهم من جديد في المجتمع. فالتدبير إذن لا يعتبر عقوبة يجب إيقاعها على الشخص بسبب ارتكابه لأحد الأفعال المخالفة للقانون الجنائي والتي تعد جريمة كما هو الأمر بالنسبة لنظام العقوبة، وإنما يراد بها مواجهة ما قد يصدر عن الشخص من خطر في المستقبل وجرائم. فالمجنون مثلا الذي يرتكب جريمته وهو في حالة جنون لا يمكن معاقبته من الناحية الجنائية لانعدام مسؤوليته الجنائية ولكن يجوز الحكم بوضعه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية لمدة غير محددة تنتهي حتما بشفائه والغاية من هذا الوضع بالأساس حفظ المجتمع مما قد يرتكبه هذا الشخص غير الممكن مساءلته من جرائم قد ارتكبها وبالتالي سوف يتم الحد من هذه الخطورة. إذا كان هذا هو تعريف التدابير الوقائية فأين تتجلى أهميتها؟ وهذا ما سنتطرق له في المطلب القادم.
ثانيا / اهمية التدابير الوقائية
سبقت الإشارة إلى أن التدابير الوقائية تعد الوسيلة الثانية للسياسة الجنائية في مكافحة الإجرام، وذلك إلى جانب العقوبة والتي ظلت أي هذه الأخيرة وقتا طويلا الوسيلة الواحدة في مجال محاربة الظاهرة الإجرامية وذلك عبر حقب طويلة من الزمن. غير أن قصور العقوبة في مواضع متعددة عن أداء وظيفتها الاجتماعية، مما اقتضى البحث عن نظام يحل مكانها في هذه المواضع، أو يقف إلى جانبها لكي يساندها ويضيف إليها ما تفتقده من فاعلية، ويتجلى قصور العقوبة في تحقيق هدفها والمتمثل في تطهير المجتمع من آفة الإجرام في مواضيع عدة من بينها حالة انعدام المسؤولية الجنائية كالشخص المجنون الذي يرتكب عدة جرائم فلا يمكن توقيع العقوبة وذلك بسبب انعدام مسؤوليته الجنائية أي انعدام الركن المعنوي للجريمة، ومن خلال هذا القصور تبرز أهمية التدابير والاحترازية لتي يمكن تطبيقها أي هذه الأخيرة على الحالة السابقة وكذلك في مواضع أخرى تبدو غير كافية العقوبة فيها لمواجهتها وذلك مثل الخطورة الإجرامية كحالة معتاد الإجرام فلو اكتفى المشرع بالعقوبة وحدها لعجز عن مكافحة الإجرام، ومن ثم كان التبرير الحقيقي للتدابير هو سد مواضع الثغرات والقصور في نظام العقوبة وهذا لا يعني الانتقاص من قيمة العقوبة التي تظل الأساس الأول في مواجهة ومكافحة الظاهرة الإجرامية. كما تتجلى أهمية التدابير الوقائية في أنها تحرص على حماية الحريات العامة فأغلب هذه التدابير لا مفر للمجتمع من اتخاذها، لأنها الوسيلة الوحيدة لوقايته من خطورة لاشك فيها وذلك مثل تدبير إيداع المجانين في مؤسسة للعلاج. وبذلك فإن التدابير تسعى إلى إعادة إدماج الجانحين من عديمي المسؤولية والمعتادين داخل المجتمع فالتدبير الذي يضع المجنون في مستشفى للعلاج لا يقصد به المشرع معاقبة هذا المجنون وذلك بإيلامه عن الجريمة التي ارتكبها سابقا وإنما المقصود به التحفظ عليه وعلاجه إذا أمكن وهكذا بالنسبة لباقي أنواع التدابير الأخرى والتي وإن كان تنفيذها في حق الشخص قد يؤدي إلى إيلامه بعض الأحيان إلا أن هذا الإيلام غير مقصود لذاته وإنما المقصود منه هو اتقاء خطورته والتحفظ عليه أو علاجه بالدرجة الأولى وحماية المجتمع من الخطورة الإجرامية الكامنة فيه، جاء في مذكرة تقديم مجموعة القانون الجنائي لسنة 1962 “تعتبر التدابير الوقائية من بين أهم ما استحدثه القانون الجنائي وما استعاره من التشريعات المعاصرة، إ ذ تهدف مقتضياته إلى تفادي الخطر الاجتماعي الكامن في بعض المجرمين كما تتضمن كذلك، وهذا يتجلى من اسمها إما تدابير للحماية الفردية وإما وسائل للدفاع، وإذا كان أكثر هذه التدابير يوافق عقوبات إضافية سبق التنصيص عليها في القوانين السابقة، فإن البعض منها يعتبر حديثا من هنا إذا تتجلى أهمية التدابير الوقائية والتي يجب الاعتناء بها حتى تحقق الأهداف المرجوة منها.
خصائص :- طبيعة التدابير الوقائية
اختلف الفقهاء بشأن طبيعة التدابير الوقائية وذلك من ناحية هل يمكن اعتبارها جزاء جنائي أم أنها مجرد إجراء أو معاملة أو إعادة تأهيل (أولا) ومن ناحية أخرى هل تعتبر تدابير ذات طبيعة قضائية أم أنها ذات طبيعة إدارية (ثانيا). أولا :- التدبير الوقائي جزاء جنائي
اختلف الفقه الجنائي فيما إذا كان للتدابير الوقائية صفة الجزاء الجنائي أو لا وذلك إلى اتجاهين :-
الاتجاه الاول : - يرى أن التدابير الوقائية ليس لها صفة الجزاء تأسيسا على أن العقوبة جزاء رادع يطبق بعد ارتكاب الجريمة وليس لمنع ارتكاب جرائم جديدة، والعقوبة لا تدافع ولا تعالج ولا تكيف بل تعاقب، أما التدابير الوقائية فهي على العكس إجراءات مانعة تطبق بعد ارتكاب الجريمة ولكن ليس بسبب الجريمة ولا تهدف إلى الجزاء ولكن منع الخطر، ولهذا فإن التدابير ليست ألم، بل إجراء يؤدي إلى جعل الجاني الخطر في موقف يستحيل معه الضرر أو زيادة هذا الضرر، ومن ثم فإن العقوبة والتدابير الوقائية تمثلان قطاعان متوازيان ومتقابلان في مجال القانون الجنائي بالمعنى الواسع، فالعقوبة تحقق القانون الرادع، أما التدابير فتحقق القانون المانع" فهذا الاتجاه يرى أن التدابير الوقائية ليس جزاء، إذ أن أهم ما يميز الجزاء أنه تعبير عن لوم الشارع، ومن ثم كان مفترضا مسؤولية من يوقع عليه ذلك أن الجزاء يفترض أمرا أو نهيا يعيه من يوجه إليه، ويستطيع الامتثال إليه ولذلك ينتظر منه المشرع ذلك فإذا خالفه كان جدير باللوم وكان الجزاء الذي يوقع عليه هو التعبير القانوني عن هذا اللوم، وليس التدبير الوقائي كذلك إذ يتجرد من معنى اللوم والجزاء فلا يستهدف مقابلة خطأ، وإنما مجرد مواجهة خطورة فهو مجرد أسلوب دفاع اجتماعي، ومن ثم كان متصورا اتخاذه إزاء أشخاص غير مسؤولين كالمجانين ومن وضعتهم الظروف الاجتماعية في حالة خطرة كالمتشردين والمتسولين وهذا هو التبرير الذي اعتمده هذا الاتجاه وقد أيد الفقيه “رولكس” هذا الاتجاه بقوله إن التدابير أكثر اتساعا من فكرة العقوبة، ولذلك فإن التدابير الوقائية ليست جزاء أخلاقيا لخطأ، ولكن طبيعة العقوبة في الإيلام والزجر على خلاف طبيعة التدابير التي تتجرد من إلحاق ضرر بالجاني وإيلامه، أي أن التدبير لا يتضمن عناصر التهديد والإيلام، وردع الغير ذلك أن أسلوب التدبير يتمثل في حماية المجتمع من خطورة محتملة وينتهي الفقيه “بترو سيلي” إلى ذات النتيجة، وإن كان يؤسس رأيه على تقسيم التدابير إلى تدابير جزائية وغير جزائية، والتي يمكن اختصارها إلى عقوبات وتدابير، وتتضمن التدابير الجزائية أو العقوبات تهديد بوضع قيود على النشاط القانوني للفرد الذي يتمتع بالأهلية، وتوجب كذلك استخدام إكراه نفسي يؤدي إلى إلزام هذا الفرد باحترام القاعدة القانونية الآمرة، وتوقع العقوبات بعد ذلك العصيان وبسببه . أما التدابير غير الجزائية فهي التي تقرر إسباغ الحماية على الشخص بلا اشتراك لإرادته في ذلك وحيث لا توجه إليه القاعدة القانونية. وعلى هذا فإن جميع التدابير الدفاعية هي تدابير غير عقابية، وبالتالي فإن التدابير الجزائية هي العقوبة، والتدابير غير الجزائية هي التدابير الوقائية وهذا الاتجاه هو السائد في الفقه الإيطالي ويستند أنصار هذا الاتجاه إلى الحجج والأسانيد الآتية :- ـ أن الصراع ضد الجريمة لا يقتصر على استخدام العقوبة لأنه سيظل هناك مجرمون خطرون حتى بعد تنفيذ العقوبة عليهم، كما سنجد مجرمين غير معاقبين ولا يمكن معاقبتهم ولكنهم خطرين. ـ أن لكل من العقوبة والتدابير الوقائية تنظيم خاص به، فالعقوبة هدفها الردع والتدابير الوقائية هدفها المنع، والعقوبة دائما رادعة وتنسب إلى الجريمة التي وقعت وحيث لا يوجد جزاء لا يوجد عقاب. ـ أن التدبير يتجه إلى المستقبل ليواجه احتمالا قد ينطوي عليه، ويعني ذلك أنه لا يتجه إلى الماضي فليس من أغراضه أن يكون حسابا للجاني من أجل سلوك إجرامي صدر عنه وليس من شأنه أن يكون جزاء عن جريمة ارتكبت فعلا. ـ أن مهمة المشرع لا تقف عند وضع جزاءات، وإنما تتضمن في المقام الأول تحديد الحقوق والمصالح الجديرة بالحماية الجنائية، وبيان عناصرها ورسم نطاق الحماية التي يسبغها عليها، وحين يفرغ من ذلك يحدد الجزاء الجنائي للاعتداء على هذا الحق أو المصلحة. الاتجاه الثاني:- يذهب إلى أن التدابير الوقائية لها صفة جزائية تأسيسا على أن الوظيفة الوقائية للتدابير وإن كانت تختلف بالطبع عن وظيفة العقوبة التي يناط بها أساسا الردع إلا أنها لا تحول دون اعتبار التدابير من قبيل الجزاءات الجنائية خاصة وأنه لا يوجد في التشريع ما يمنع من قبول تعريف واسع لفكرة الجزاء يشمل الجزاء الرادع، والجزاء الوقائي، وعلى ذلك فإن الجزاء الجنائي إما عقوبات وإما تدابير وقائية. ويرى “أنتر وليزي” أن التدابير الوقائية هي عقوبات جزائية ذلك لأنها تفترض وقوع فعل مخالف لقواعد النظام القانوني المعمول به، وهذه التدابير ما هي إلا رد فعل على هذا السلوك ذاته، وبالرغم من أن للتدابير الوقائية وظيفة مانعة على خلاف العقوبة التي لها وظيفة رادعة فإن ذلك لا يمنع الباتة من أن تكون التدابير عقوبات جزائيه. ويرى “مارك انسل” أن التدابير لها صفة الجزاء الجنائي، فالعبرة عنده بالجزاء الجنائي سواء كان عقوبة أو تدبير، ولا خلاف بين الاثنين من الناحية الجزائية، وأن الدور الذي يقوم به القاضي الجنائي في العقوبة واحد وهو مجرد عمل اجتماعي من أجل تقويم المجرم واستعادته إلى حظيرة المجتمع، ويضيف “انسل” بأن المقابلة بين العقوبة والتدابير لا تفهم إلا بالتمييز بين من يمكن إسناد الأفعال إليهم، ومن لا يمكن ذلك بالنسبة لهم، وبين المسؤولين وغير المسؤولين، ويرتب على ذلك أنه لا يوجد مبرر للتمييز النظري المجرد بين العقوبة والتدبير لأن العبرة بالمحتوى الذي يهدي إلى معالجة المجرم اجتماعيا وأنه يجب أن تندرج التدابير والعقوبات في نظام موحد للدفاع الاجتماعي حيث لا توجد عقوبات ولا تدابير بل جزاءات غير مسماة، والتي ستكون مستوحاة بواسطة معايير نفسية واجتماعية وأخلاقية، كما أن الذي يهم الدفاع الاجتماعي ليس هو اسم الجزاء وإنما مضمونه الذي يجب أن يتجه إلى علاج المحكوم عليه"
ثانيا : - الطبيعة القضائية للتدابير الوقائية .
اختلف الفقه الجنائي في تحديد طبيعة التدابير كما سلف الذكر وذلك ما إذا كانت ذات طبيعة قضائية أم ذات طبيعة إدارية. الاتجاه الأول:- إن التدابير الوقائية هي ذات طبيعة قضائية ويؤيد ذلك طابع الشرعية الذي يسود نظام التدابير، ولا يغير من هذه الطبيعة أن المشرع قد يصف أحيانا التدابير بكونها إدارية ذلك أن وصف المشرع لا يغير من حقيقة الأشياء، كما لا يغير وصف المتعاقدين من الطبيعة القانونية الصحيحة لتعاقدهم ويرى أنصار هذا الرأي في الفقه الإيطالي أن الأمر يحتاج إلى التفرقة بين الولاية القضائية والولاية الإدارية، إذ أن المعروف أن الصفة المميزة للولاية القضائية تتلخص في الحياد بين الطرفين، كما أن الجهاز المنفذ للولاية القضائية يقوم بحماية الحقوق الموضوعية من غير أن يكون طرفا ذا مصلحة فيها، بينما نجد أن الجهاز المخول له ممارسة الولاية الإدارية يعمل كصاحب للحق الشخصي بسبب تحقيق مصلحته الذاتية ويستند أنصار هذا الرأي إلى المبررات الآتية:- 1ـ أن تطبيق التدابير الوقائية لا يمكن تصويره على أنه إجراء إداري والسبب في ذلك أن هذا التطبيق مخول للسلطة القضائية فقط، وفي حالة قيام القاضي بوظائف إدارية فهذه من الأعمال الاستثنائية. 2ـ أن التشريعات الجنائية تتبع مبدأ الشرعية أيضا في نطاق التدابير الوقائية ، كما أن تقنين الإجراءات الجنائية يعالج التدابير الوقائية بنفس الوسائل والأشكال الخاصة بالدعوى القضائية. 3ـ أن من بين سلطات قاضي التنفيذ في القانون الإيطالي رخصة تطبيق وتعديل واستبدال وإلغاء الأحكام التي أعلن عنها قاضي الموضوع" 4ـ أن التدابير الوقائية ليست لها وحدها خصيصة عدم تحديد مدتها إذ توجد نظم أخرى تعرف عدم التحديد بالنسبة للعقوبة غير محددة المدة كما في الولايات المتحدة الأمريكية." 5ـ أن التدابير جزء من قانون العقوبات ذلك لأن التقنين الجنائي قد نص عليها ونظمها، وأنها وسيلة من وسائل الكفاح ضد الجريمة.
الاتجاه الثاني :- -يرى الرأي الثاني في الفقه أن التدابير هي إجراءات من طبيعة إدارية، فقد قيل إن وظيفة القاضي الجنائي تتمثل في التعرف على الجزاء الجنائي المنصوص عليه في القانون وتطبيقه، فإذا تولى القاضي وظيفة مختلفة كما في حالة وقاية المجتمع من أخطار محتملة فإن عمله حينئذ لم يعد قضائيا بل أصبح إداريا. ويستند أنصار هذا الرأي على الحجج والمبررات الآتية :- 1ـ من المعروف أن التدابير الوقائية تهدف إلى منع وقوع ضرر اجتماعي، وحيث أن وظيفة منع الأضرار الاجتماعية الناتجة من نشاط الأفراد من اختصاص الشرطة، ونظرا لأن اختصاصات الشرطة تدخل في نطاق القانون الإداري، فالتدابير إذن إجراءات إدارية. 2ـ أن التدابير الوقائية ليست بعقوبة، وتطبق على الأشخاص الذين لا تستند إليهم الأفعال المكونة للجريمة، فهي بذلك تدخل أيضا في نطاق قانون الشرطة لأن قواعده تمارس في حق هؤلاء الأشخاص السابق ذكرهم. 3ـ تتصف التدابير بعدم التحديد، وهي الصفة التي تضم هذه التدابير إلى مجال العقوبات الإدارية التي تسود فيها قاعدة عدم التحديد الناتجة عن مناسبة العقوبة للضرر. 4ـ أن التدابير الوقائية ما عدا المصادرة قابلة للإلغاء والتعديل والاستبدال، كما أن مبدأ حجية الشيء المقضي به لا تسري في مواجهة التدابير الوقائية حيث أن قاضي التنفيذ يستطيع الذهاب إلى عكس ما حكمت به محكمة الموضوع. ويذهب الفقيه “بيتوا” على القول بأنه إذا تأكد الطابع الإداري للتدابير فإنه ليس من الصعب إدماج التدابير في مهام الشرطة تلك المهام التي تهدف بحكم طبيعة الأشياء إلى الدفاع عن المجتمع ضد خطر أضرار اجتماعية" ونرى أن التدابير الوقائية في التشريع هي ذات طبيعة قضائية، فهي تخضع لمبدأ الشرعية وتوقع بواسطة القضاء وهذا ما يتجلى من خلال تسمية بعض أنواع هذه التدابير مثل الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج وأيضا الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية وبالتالي فهي تخضع لإشراف السلطة القضائية التام. إن الهدف الذي تسعى إليه التدابير الاحترازية هو حماية المجتمع وتخليصه من الخطورة الكامنة في المجرمين ثم الحيلولة دون عودة المجرمين إلى ارتكاب الجرائم مستقبلا، فهذه التدابير تعرف عدة تقسيمات حيث نميز فيها بين التدابير الوقائية الشخصية والتدابير الوقائية العينية وهو التقسيم الذي أخذت به معظم التشريعات، وهذا ما سيتم التطرق إليه في الفرع الأول، وبعد ذلك سوف يتم التطرق إلى أسباب انقضاء التدابير الوقائية وذلك في فرع ثاني، وفي فرع ثالث وأخير سيتم الحديث عن تقييم دور التدابير الوقائية في مكافحة الظاهرة الإجرامية وتوجهات السياسة الجنائية الجديدة".
الفرع الثاني انواع التدابير الوقائية
تنقسم التدابير الوقائية إلى عدة أقسام على ضوء الأساس الذي يستند إليه التقسيم، وقد اعتمد الفقه عدة تقسيمات فمن حيث موضوعها تنقسم إلى تدابير شخصية وتدابير موضوعية، ومن حيث أهدافها تنقسم إلى تدابير تهذيبية وتدابير علاجية. وتدابير وقائية للحيلولة دون عودة المجرم إلى ارتكاب الجرائم مستقبلا، أما من حيث فئة المجرمين التي تطبق عليهم تنقسم إلى تدابير علاجية أو تهذيبية للإصلاح وتدابير استئصالية للمجرمين غير القابلين للإصلاح، وأخيرا فيما يخص تقسيم التدابير من حيث سلطة القاضي إزاءها تنقسم إلى تدابير وجوبية وجوازيه، فالتدابير الجوبية هي التي يلتزم القاضي بتوقيعها، أما التدابير الاحترازية فهي التي يكون للقاضي سلطة تقديرية في إنزالها من عدمه. من خلال هذه التقسيمات يتضح أن أكثر التقسيمات وضوحا وأكثرها شمولا والذي أخذ به المشرع الليبي هو التقسيم الذي ميز بين التدابير الوقائية الشخصية التي تنقسم بدورها إلى تدابير شخصية سالبة للحرية، وتدابير شخصية سالبة للحقوق ثم التدابير العينية، من ثم سوف نقسم دراستنا لأنواع التدابير الاحترازية على النحو التالي :- اولا : التدابير الوقائية الشخصية السالبة للحرية لقد حدد المشرع الليبي التدابير الوقائية الشخصية في تسعة أصناف جاء النص عليها في الفصل الثاني المادة (144) القانون الجنائي وكما سبقت الإشارة إلى ذلك تنقسم التدابير الاحترازية إلى تدابير وقائية شخصية سالبة للحرية، وتدابير وقائية شخصية سالبة للحقوق لذلك سنقسم دراسة التدابير الوقائية الشخصية إلى نقطتين نشير في أولاها للتدابير الوقائية السالبة للحرية ثم في نقطة ثانية للتدابير الوقائية السالبة للحقوق. نجمل هذه التدابير في الإقصاء، الإجبار على الإقامة بمكان معين، المنع من الإقامة، الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج، الوضع القضائي في مؤسسة الانتاجية. 1-: الإقصاء
الإقصاء هو وسيلة لإيداع المجرمين العائدين الذين تتوفر فيهم الشروط المبينة في ( مادة 136 ) أنواع خاصة من الخطورة الإجرامية من القانون الجنائي، داخل مؤسسة للشغل ذات نظام ملائم لتقويم الانحراف الاجتماعي، وتجدر الإشارة إلى أن الحكم بالإقصاء، الذي تحدد مدته بين خمس وعشر سنوات، يخضع لقواعد خاصة يجب احترامها: فالإقصاء لا تحكم به إلا المحاكم العادية، فلا يجوز للمحكمة العسكرية، ولغيرها من المحاكم الاستثنائية أن تحكم بتدبير الإقصاء. كما أن بداية تنفيذه لا تكون إلا انطلاقا من يوم انتهاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة السالبة للحرية. بالإضافة إلى ذلك يجب التذكير بأن الحكم الصادر بالإقصاء يجب أن يتم التنصيص عليه في الحكم الصادر بالإدانة مع وجوب تعليل ذلك من طرف المحكمة التي يكون عليها دوما أن تتحقق من هوية المحكوم عليه ومن سوابقه الجنائية "والإقصاء نوعان : فهو إما أن يكون إلزاميا أو اختياريا. ـ الإقصاء الإلزامي : يتعين على المحكمة أن تحكم بالإقصاء في حالتين :- الحالة الأولى :- إذا صدر الحكم على الجاني بالسجن ثم عاد إلى ارتكاب جناية داخل عشر سنوات استوجبت الحكم عليه بالسجن أيضا، ولا يدخل في حساب العشر سنوات المدة التي قضاها في السجن تنفيذا للحكم الأول، أي أن العشر سنوات تبتدئ من تاريخ انتهاء تنفيذ العقوبة الأولى إلى تاريخ ارتكاب الجناية الثانية، فإذا عاقبته المحكمة على هذه الجناية الثانية بالسجن فإنه يتعين عليها أن تحكم عليه بالإقصاء كتدبير وقائي. بعد مضي خمس سنوات من اليوم الذي ارتكب فيه الفعل في سائر الأحوال الأخرى.( مادة 140 ) قرار القاضي باتخاذ التدابير الوقائي" الحالة الثانية :- -إذا كان الجاني قد سبق الحكم بإقصائه ثم ارتكب داخل العشر سنوات الموالية ليوم الإفراج عنه جناية كيفما كان نوعها أو جنحة من الجنح التالية: السرقة، النصب، خيانة الأمانة، إخفاء أشياء متحصلة في جناية أو جنحة، الإخلال العلني بالحياء، تحريض القاصرين على الفساد، استغلال البغاء، الإجهاض، الاتجار في المخدرات إذا ارتكب إحدى هذه الجرائم داخل العشر سنوات التالية ليوم الإفراج عنه وحكمت عليه المحكمة بالحبس لمدة تزيد عن سنة فإنه يتعين عليها أن تحكم عليه أيضا بالإقصاء في حده الأقصى وهو عشر سنوات" ـ الإقصاء الاختياري :- يجوز في بعض الحالات التي جاءت على سبيل الحصر أن تأمر المحكمة بالإقصاء كتدبير وقائي في حق بعض فئات المجرمين، الذي يقضي بإقصاء العائدين الذين صدر عليهم في ظرف عشر سنوات خالصة من مدة العقوبة التي تم تنفيذها فعلا، الأحكام المتعلقة بجرائم ضد الأموال أو بجرائم مخلة بالآداب والأخلاق، وقد جاءت حالات الإقصاء الاختياري في ثلاث صور :- صدور ثلاثة أحكام أحدها بالسجن من أجل جناية (أيا كانت هذه الجناية) واثنان إما بالحبس من أجل أفعال تعتبر جنايات أو بالحبس لمدة تفوق ستة أشهر من أجل الجرائم المحددة في الفصل الثاني (144) من القانون الجنائي. صدور أربعة أحكام بالحبس من أجل أفعال تعتبر جنايات أو أربعة أحكام كل منها بالحبس لمدة تزيد على ستة أشهر عن الجنح المنصوص عليها في المادة(17) من الفصل الاول ..
2- الاقامة الجبرية
يجوز للمحكمة أن تلجأ إلى الإجبار على الإقامة بمكان معين كتدبير وقائي ضد المحكوم عليه إذا تبين لها من الأحداث أنه متابع بإحدى الجرائم المتعلقة بالمس بسلامة الدولة وأن له نشاطا اعتياديا يمثل خطرا على النظام الاجتماعي. وتكون مدة الإجبار على الإقامة بمكان معين محددة في أجل لا يمكن أن يتجاوز خمس سنوات. أما بداية هذا التدبير الوقائي فلا تتم إلا عند انتهاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة الأصلية. وتجدر الإشارة إلى أن المحكوم عليه بالإجبار على الإقامة بمكان معين لا يجوز له الابتعاد عن هذا المكان، الذي تحدده له المحكمة، أو الخروج عن دائرته إلا برخصة تمنح له من طرف الإدارة العامة للأمن الوطني التي تكون مسؤولة عن مراقبة هذا التدبير الوقائي، وفي حالة عدم احترام المحكوم عليه لهذه الواجبات فإنه يعرض نفسه لعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
3- المنع من الإقـــامــــة
يقصد بالمنع من الإقامة منع المحكوم عليه من أن يحل بأماكن معينة ولمدة محددة إذا اعتبرت المحكمة نظرا لطبيعة الفعل المرتكب أو لشخصية فاعله أو لظروف أخرى، أن إقامة المحكوم عليه بالأماكن المشار إليها يكون خطرا على النظام العام أو على أمن الأشخاص وتجدر الإشارة إلى أن المنع من الإقامة يجوز دائما الحكم به في حالة إصدار عقوبة من أجل فعل يعده القانون جناية، وتكون مدته، في هذه الحالة، محددة بين خمس سنوات وعشرين سنة. أما في مادة الجنح فلا يجوز للمحكمة الحكم بالمنع من الإقامة إلا إذا كان مقررا في النص الذي يعاقب على تلك الجنح، وتتراوح مدته في هذه الحالة بين سنتين وعشر سنوات. ولا يبدأ مفعول المنع من الإقامة إلا من يوم إطلاق سراح المحكوم عليه وتبليغه قرار هذا التدبير. وخلال مدة المنع من الإقامة، يبقى المحكوم عليه خاضعا لمراقبة الإدارة العامة للأمن الوطني التي تستطيع منحه رخصا مؤقتة بالإقامة في الأماكن الممنوعة عليه. وإذا لم يحترم المحكوم عليه هذا التدبير الوقائي فإنه سيعرض نفسه للعقوبة التي ينص عليها الفصل الثالث المادة (18) من القانون العقوبات الليبي، وهي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
4- الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية
بموجب هذا التدبير الوقائي يتم وضع المحكوم عليه داخل مؤسسة تكون مختصة في علاج الأمراض العقلية، وتلجأ المحكمة إلى هذا التدبير في ثلاث حالات، وهي: ( مادة 149 ) الايواء في مستشفى للأمراض العقلية 1-في حالة تبرئة المتهم لعاهة نفسية أو لتسمم مزمن ناتج عن تعاطي الخمور أو المخدرات أو كان المتهم أصما أبكما يؤمر دائماً بإيوائه في مستشفى للأمراض العقلية مدة لا تقل عن سنتين ما لم يكن الفعل المرتكب مخالفة أو جنحة خطيئة أو جريمة أخرى مما يقرر القانون العقاب عليه بغرامة أو عقوبة مقيدة للحرية لا يجاوز حدها الأقصى السنتين. فإذا كانت العقوبة المقررة للفعل الإعدام أو السجن المؤبد فلا تقل مدة الإيواء في مستشفى الأمراض العقلية عن عشر سنوات وتكون المدة خمس سنوات على الأقل إذا كان الحد الأدنى للعقوبة المقررة للفعل السجن لمدة عشر سنوات، إلا أن هذا النص على الحد الأدنى للإيواء لا يحول دون تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة (141.) ويقتضي الإيواء في مستشفى الأمراض العقلية تأجيل تنفيذ أية عقوبة مقيدة للحرية وتطبق أحكام هذه المادة على القصر غير المسئولين جنائياً إذا توافر شرط من الشروط المنصوص عليها في التشريع الليبي" 2ـ حالة وجود خلل عقلي لدى الفاعل : على أنه إذا تبين للمحكمة بعد إجراء خبرة طبية، أن الشخص المتابع أمامها بجناية أو بجنحة، كان عديم المسؤولية تماما وقت ارتكاب الفعل بسبب اختلال عقلي، فإنه يجب عليها أن تثبت أن المتهم كان وقت الفعل في حالة خلل عقلي يمنعه تماما من الإدراك أو الإرادة، وأن تصرح بانعدام مسؤوليته، وأن تحكم بإعفائه ولكنها تأمر في حالة استمرار الخلل الفعلي، بإيداعه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، ويخضع الشخص خلال وجوده بهذه المؤسسة للعلاج والملاحظة الطبية، كما يجب فحصه كل ستة أشهر للتأكد من حالته العقلية. 3ـ حالة وجود ضعف القوة العقلية لدى الفاعل : كما جاء في نص المادة(149)من القانون العقوبات على هذه الحالة. وهكذا إذا قررت المحكمة، بعد إجرائه خبرة طبية على المجرم، أنه رغم كونه قادرا على الدفاع عن نفسه في الدعوى، إلا أنه كان مصابا بضعف في قواه العقلية وقت ارتكاب جناية أو جنحة يترتب عليه نقص مسؤوليته، فإنه يجب عليها أن تثبت أن الأفعال المتابعة من أجلها منسوبة فعلا للمتهم. وأن تصرح بأن مسؤوليته ناقصة بسبب ضعف في قواه العقلية وقت ارتكاب الجريمة. بعد ذلك، يمكنها إصدار الحكم بالعقوبة، كما يمكنها أن تأمر بإدخال المحكوم عليه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية وذلك قبل خضوعه لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية. ولكن مدة البقاء في المؤسسة العلاجية يجب أن تخصم من مدة العقوبة المحكوم بها عليه. 4ـ حالة حدوث الخلل العقلي بعد ارتكاب الجريمة طبقا لنص المادة (149)، إذا قررت المحكمة بعد إجراء الخبرة الطبية أن الشخص المتابع لديها بجناية كامل المسؤولية أو ناقص المسؤولية بالنسبة للوقائع المنسوبة إليه، ولكنه أصبح غير قادر على الدفاع عن نفسه في الدعوى، بسبب خلل في قواه العقلية طرأ عليه أو اشتد أثره بعد ارتكاب الفعل، فإنه يجب عليها أن تقرر بأن المتهم عاجز عن إبداء دفاعه بسبب خلل في قواه العقلية، وأن تأمر بوقف النظر في الدعوى وذلك لضرورة إدخاله في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية. ويبقى المتهم خاضعا للعلاج إلى أن يصدر الطبيب قراره بشفاء المتهم من خلله العقلي. وفي هذه الحالة يجب إخبار النيابة العامة بهذا القرار عشرة أيام على الأقل قبل تنفيذ أمر الخروج من المؤسسة العلاجية، وفي حالة صدور حكم على المتهم بعقوبة سالبة للحرية، فإن المدة التي قضاها بالمؤسسة تخصم من مدة تلك العقوبة.
5- الوضع القضائي في مؤسسة العلاج
تقضي المادة(149) بأن الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج هو أن يجعل تحت المراقبة بمؤسسة ملائمة بمقتضى حكم قضائي. شخص ارتكب أو ساهم أو شارك في جناية أو جنحة تأديبية أو ضبطية وكان مصابا بتسمم مزمن ترتب عن تعاطي الكحول أو المخدرات، إذا ظهر أن لإجرامه علاقة بذلك التسمم، فهذا التدبير يخضع له بالخصوص المجرمون تحت تأثير الكحول أو المخدرات، وقد تكون هذه الجريمة هي تناول الكحول أو المخدرات ذاتها، ولا يجوز الحكم به إلا إذا توافر الشرطان الآتيان : 1. أن يكون المتهم مدمنا على تناول الكحول أو المخدرات، لأن الإدمان هو الذي يولد التسمم المزمن. 2. إذا ثبتت المحكمة في حكمها أن إدمان المتهم هو الدافع له على ارتكاب الجريمة موضوع المتابعة سواء كانت هذه الجريمة هي تناول الكحول أو المخدرات كما سبق القول أو أية جريمة أخرى اندفع المتهم إليها تحت تأثير اعتياده لتعاطي هذه المواد وتقضي المادة (149) بأن الوضع داخل مؤسسة للعلاج لا يمكن أن تتجاوز مدة سنتين. وينفذ تدبير الوضع داخل مؤسسة للعلاج قبل تنفيذ العقوبة المحكوم بها ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك.
ثانيا/ التدابير لوقائية الشخصية السالبة للحقوق
بعد استعراضنا للتدابير الشخصية السالبة للحرية يأتي دور التدابير الوقائية السالبة للحقوق والتي نجملها في التدابير التالية:- 1ـ عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية .2 المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن سواء كان ذلك خاضعا لترخيص إداري أم لا " 3ـ سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء. 1-عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية يتخذ هذا التدبير الوقائي شكلين : فهو إما أن يكون إلزاميا أو اختياريا. تكون المحكمة ملزمة بأن تصرح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف والخدمات العمومية في الأحوال التي ينص فيه القانون على ذلك ومثال هذه الحالة جريمة إنكار العدالة، وكل الجنح المقررة في الفصول 241 إلى (247) من القانون الجنائي والمتعلقة بالاختلاسات التي قد يرتكبها الموظفون العموميون، ولاشك في أن لجوء القضاء إلى هذا التدبير الوقائي يفسر بوجود علاقة مباشرة بين الجريمة وممارسة وظيفة أو خدمة عمومية. في غير الأحوال المنصوص عليها قانونيا، فإنه تجوز للمحكمة أن تصرح بمقتضى قرار معلل بأن الجريمة المرتكبة لها علاقة مباشرة بمزاولة الوظيفة أو الخدمة وأنها تكشف عن وجود فساد في خلق مرتكبها لا يتلاءم ومزاولة الوظيفة أو الخدمة على الوجه المرضي. وسواء كان هذا التدبير إلزاميا أو اختياريا، فإن مدته لا يمكن أن تفوق عشر سنوات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. ويبدأ سريان هذا التدبير انطلاقا من اليوم الذي ينتهي فيه المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة. 2- المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن طبقا لمقتضيات الفصل (87) من القانون الجنائي يتعين الحكم بالمنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن في حق المحكوم عليه من أجل جناية أو جنحة عندما يتبين للمحكمة أن الجريمة المرتكبة لها علاقة مباشرة بمزاولة المهنة أو النشاط أو الفن، وأنه توجد قرائن قوية يخشى معها أن يصبح المحكوم عليه، إن هو تمادى على مزاولة ذلك، خطرا على أمن الناس أو صحتهم أو أخلاقهم أو على مدخراتهم. ويحكم بهذا المنع لمدة لا يمكن أن تفوق عشر سنوات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وتحسب هذه المدة من اليوم الذي ينتهي فيه المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة الأصلية، وينص المشرع، بصفة خاصة، على أن هذا التدبير يمكن إعطاء الأمر بتنفيذه مؤقتا على الرغم من استعمال أية طريق من طرق الطعن عادية كانت أو غير عادية. 3- سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء حسب مقتضيات من القانون الجنائي يمكن للمحكمة أن تلجأ إلى الحكم بسقوط الولاية الشرعية على الأولاد. عندما تصدر حكمها من أجل جناية أو جنحة معاقب عليها قانونا بالحبس ارتكبها أحد الأصول على شخص أحد أطفاله القاصرين إذا ثبت لها أن السلوك العادي للمحكوم عليه يعرض أولاده القاصرين لخطر بدني أو خلقي والحكم بسقوط الولاية الشرعية على الأولاد يمكن أن يشمل جميع حقوق الولاية أو بعضها كما يسوغ أن يكون مقصورا على بعض الأولاد أو على واحد فقط. كما يجوز إعطاء الأمر بتنفيذه مؤقتا على الرغم من استعمال أية طريق من طرق الطعن عادية كانت أو غير عادية ولا غرو في أن الهدف الأسمى من هذا التدبير الوقائي يتجلى في حماية الأطفال القاصرين ضد أصولهم الذين قد يمثلون خطرا عليهم عن طريق ارتكاب جرائم مثل العنف أو هتك العرض. ويكون سقوط الولاية الشرعية على الأبناء إما تماما أو جزئيا. فهو يكون تاما أو كاملا عندما يفقد الأصل كل حقوقه على أطفاله مثل الحق في حضانتهم وتربيتهم وإدارة أموالهم. ويكون السقوط جزئيا عندما ينحصر مفعوله في طفل واحد من الأبناء القاصرين الذي كان ضحية الجريمة، كما قد ينصرف فقط إلى بعض الحقوق دون الأخرى. والتشريع الجنائي الليبي كما سبقت الإشارة إلى ذلك يأخذ بالتقسيم الثنائي للتدابير الوقائية، التدابير الوقائية الشخصية والتدابير الوقائية العينية، وبعد أن استعرضنا التدابير الوقائية الشخصية فماذا عن التدابير الوقائية العينية ؟
ثالثا:- التدابير الوقائية العينية
يعد ما جاء في نص (مادة 159) الفصل الثالث تعد من التدابير الوقائية المالية الإجراءات التالية :- 1 – ضمان حسن السلوك .2 – المصادرة. ولا تطبق في شأن المصادرة أحكام الفقرة الأخيرة من المادة ( 135 ) والمادة ( 139 ) والفقرة الثانية من المادة ( 140 ) والمادة ( 143 ).. مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطرة أو المحظور امتلاكها.. إغلاق المحل أو المؤسسة التي استعملت في ارتكاب الجريمة" اولا: -المصادرة" تتخذ المصادرة شكلين مختلفين : فهي تعتبر أحيانا عقوبة إضافية يجوز للقاضي الحكم بها وذلك عندما يتعلق الأمر بالأدوات أو الأشياء التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة أو التي تحصلت منها. أما المصادرة كتدبير وقائي عيني فتتعلق بالأدوات أو الأشياء التي يكون صنعها أو استعمالها أو حملها أو حيازتها أو بيعها جريمة ولو كانت تلك الأدوات أو الأشياء على ملك الغير، بل ولو لم يصدر حكم بالإدانة ضد المتهم. ولكن يجب أن نشير إلى أن المصادرة كتدبير وقائي عيني، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ظروف المالك الحقيقي لتلك الأشياء أو الأدوات والذي تكون حيازته لها حيازة مشروعة نظرا لمهنته، ومثال ذلك حالة بائع الأسلحة الذي يتعرض للسرقة وحالة الصيدلي الذي يتعرض لسرقة بعض المواد السامة والأدوية. ففي مثل هذه الأحوال يجب تطبيق مقتضيات الفصل الثالث (159) من القانون العقوبات الليبي المتعلقة برد وإعادة الأشياء أو المبالغ أو الأمتعة المنقولة الموضوعة تحت يد العدالة أو أصحابها. وتجدر الإشارة إلى أن المصادرة كعقوبة إضافية لا يمكن للمحكمة الحكم بها إلا إذا صدر حكم بالإدانة ضد المتهم. أما المصادرة كتدبير وقائي عيني فيمكن الحكم به حتى في حالة عدم صدور حكم بالإدانة ضد المتهم، وذلك نظرا لعدة أسباب كأن يبقى المجرم مجهولا أو كأن تكون المتابعة غير ممكنة كحالة الصبي أو المختل عقليا أو وفاة المتهم. ينصب الإغلاق كتدبير وقائي عيني، على المحلات التجارية أو الصناعية التي تستعمل لارتكاب الجرائم وعلى المحلات غير الصناعية والتجارية. ثانيا :- إغلاق المحل التجاري أو الصناعي يجوز الأمر بإغلاق المحل التجاري أو الصناعي في جميع الأحوال التي يستعمل فيها المحل لارتكاب الجريمة، سواء كان ذلك بإساءة استغلال الإذن أو الرخصة المحصل عليها، أو بمخالفة الضوابط أو النظم الإدارية، وقد يكون الأمر بالإغلاق إلزاميا متى نص القانون على ذلك كالمادة المنظم للإتجار في المشروبات الكحولية التي تقضي بأنه يعلن عن الإغلاق وجوبا في حالة العود إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات الليبي " الفصل الثالث المادة 159) 1. إغلاق المحلات غير الصناعية والتجارية أما المحلات غير التجارية والصناعية كعيادة طبيب فلا يجوز الأمر بإغلاقها إلا في الحالات التي ينص عليها القانون، والإغلاق بجميع أشكاله قد يكون نهائيا وقد يكون مؤقتا، والمؤقت لا يقل عن عشرة ايام ولا تتجاوز ستة أشهر ما لم ينص القانون على خلاف ذلك." 2. نتائج الغلق ينتج عن الغلق منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل، والمنع يشمل أفراد أسرته وغيرهم ممن يكون المحكوم عليه قد باع له المحل أو أكراه أو سلمه إليه، كما يسري المنع في حق الشخص المعنوي أو الهيئة التي كان ينتمي إليها المحكوم عليه أو كان يعمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة (الفصل الثالث المادة 159) فالحكم بإغلاق المحل ينتج عنه منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل، ومؤدى هذا أنه يجوز له أن يزاول نفس المهنة في مكان آخر، أو يزاول مهنة أخرى في نفس المكان وهي نتيجة في الواقع غير منطقية إذ يؤدي الأمر إلى أن يكون الإغلاق عقوبة للمحل لا لمرتكب الجريمة ولكن يمكن تفادي هذا بمنع الجاني من مزاولة المهنة أو النشاط كتدبير وقائي شخصي. أن المنع يشمل إلى جانب الجاني أفراد أسرته والغير الذي تلقوا منه المحل بعقود حقيقية أو صورية تفاديا للخسارة التي تلحقه باستمرار المحل مغلقا .أما الغير الذي لم يتلقى المحل من الجاني كالمالك الذي أكرى المحل للجاني فارتكب فيه الجريمة التي أدت إلى الإغلاق فإنه لا يمنع من استغلال محله ما دامت نيته حسنة ولم يكن له دور في الجريمة التي ارتكبها . ـ إغلاق محل الشخص المعنوي كجمعية أو شركة يمنع على نفس الجمعية أو الشركة استغلاله في نفس المهنة، ولو لم يكن المحل مستعملا من طرف الجمعية أو الشركة مباشرة. قبل ارتكاب الجريمة ما دام الجاني أحد أعضاء الشخص المعنوي أو يعمل لحسابه. كالمشرف على فرع حزب أو جمعية أو ممثل شركة، فإذا أغلق محل فرع جمعية بسبب ما ارتكبه أحد أعضائها منع على الجمعية إعادة فتح المحل ولو تحت إشراف عضو آخر، وسريان المنع في هذه الحالة مشروط بأن يكون عضو الشخص المعنوي يستعمل المحل بوصفه هذا. وكذلك من يعمل لحساب الشخص المعنوي كممثل دار النشر إذا أغلق محله بسبب العثور في هذا المحل على كتب أو نشرات تخل بالأمن، فإن هذا الإغلاق يسري على دار النشر التي يعمل لحسابها ولو لم يكن عضوا من أعضائها .
المطلب الثاني ضمانات التدابير الوقائية والقواعد القانونية التي تخضع لها
التدابير الوقائية أيا كان مضمونها، تنطوي على مساس بحقوق الأفراد وحرياتهم لذا وجب أن يحاط تطبيقها بمجموعة من الضمانات التي تكفل احترام هذه الحقوق والحريات، من جهة ثانية يخضع الجزاء الجنائي باعتباره الأثر المترتب على ارتكاب الجريمة لمجموعة من القواعد والأحكام الموضوعية والإجرائية التي تكفل تطبيقه وتوجيهه إلى تحقيق أغراضه وعليه فما هي الضمانات التي تحظى بها التدابير الوقائية ؟ وهذا ما سنشير إليه في الفرع الأول، ثم ما هي القواعد والأحكام الموضوعية والإجرامية التي يخضع لها تطبيق هذه التدابير، وهذا هو موضوع الفرع الثاني. ولأسباب انقضاء التدابير والإعفاء عنه في الفرع الثالث".
الفرع الاول ضمانات التدابير الوقائية
تتمثل أهم هذه الضمانات في شرعية التدابير الوقائية وضرورة تدخل السلطة القضائية ثم احترام كرامة المحكوم عليه ونعالج هذه الضمانات في النقط الثلاث التالية:-
أولا :- شرعية التدابير الوقائية
على الرغم من أن التدابير الوقائية تهدف إلى القضاء على الحالة الخطرة أو على الأقل تحييدها، ولا تنطوي على إيلام أو لوم أخلاقي إلا أنه يجب إنذار الفرد بها، لكي يعلم ابتداء أن ارتكاب جريمة معينة أو وجوده في حالات محددة سوف يستتبع تطبيق تدبير معين، بحيث لا يترك تحديد التدبير لمطلق إرادة القاضي أو السلطة التنفيذية. كذلك فإن الحالة الخطرة باعتبارها أساس تطبيق التدابير الوقائية يجب تحديدها بدقة بحيث تعتمد على وقائع محددة، سواء باشتراط ارتكاب جريمة سابقة أو وجود الفرد في ظروف محددة كحالة الإدمان على تعاطي المخدرات وهذه العناصر يجب النص عليها في القانون، إذ لا يجوز تركها لمحض تقدير السلطات القائمة على تطبيق التدابير أو تنفيذها. ولكن مبدأ شرعية التدابير الوقائية قد ترد عليه بعض التحفظات خاصة مجال التدابير السابقة على ارتكاب جريمة أو التي لا ترتبط بارتكابها، فهذه التدابير قد يستوجب تطبيقها ترك قدر من التقدير لجهة الإدارة، باعتبارها تتجسد في مجموعة من الإجراءات العلاجية التي يصعب النص عليها في القانون، مع ملاحظة أن مبدأ الشريعة يستوجب أن تكون هذه الإجراءات تحت رقابة القاضي وإشرافه على الأقل. ونجد القانون الجنائي الليبي قد حرص على هذه الضمانة إذ نص في المادة 8 منه على أنه “لا يجوز الحكم بأي تدبير وقائي إلا في الأحوال وطبق الشروط المقررة في القانون. ولا يحكم إلا بالتدابير المنصوص عليها في القانون النافذ وقت صدور الحكم". يبدو واضحا أن هذا النص قد كرس مبدأ شريعة التدابير الوقائية.
ثانيا :- تدخل السلطة القضائية
ذهبت بعض الآراء إلى القول بأن التدابير الوقائية تتميز بطابع إداري، وبالتالي وجب ترك الاختصاص بها إلى الإدارة وليس السلطة القضائية ولكن الرأي الراجح يذهب إلى عكس ذلك، فالتدابير الوقائية تدخل من حيث المبدأ في اختصاص القضاء وسند هذا الرأي أن التدابير الوقائية أيا كان نوعها تعرض الحرية الفردية للخطر والضمانة الأساسية و ترك الاختصاص بتطبيق التدابير إلى السلطة القضائية ويضاف إلى ذلك أن تطبيق التدابير الوقائية يستلزم توافر شرطين اساسيين : الجريمة السابقة، والخطورة الإجرامية وإثبات توافر هذين الشرطين يدخلان تماما في اختصاص القضاء، ولا يعقل القول بترك تحديد هذين الشرطين للسلطة القضائية، وجعل تحديد التدبير الواجب التطبيق إلى الإدارة، فهي تجزئة غير منطقية وليس لها ما يبررها. على الرغم من عدم وجود نص يقرر قاعدة قضائية التدابير الوقائية في التشريع الجنائي الليبي إلا أنه يمكن استنتاج ذلك مما يلي :- ففي تدبير الإقصاء ينص الفصل الثالث على “لا يحكم بالإقصاء إلا المحاكم العادية …” وفي تدبير الإجبار على الإقامة ينص الفصل الثالث على أن “إذا تبين من الأحداث أن المتهم بارتكاب إحدى جرائم المس بسلامة الدولة له نشاط عادي فيه خطر على النظام الاجتماعي، جاز للمحكمة …” ثم نجد أيضا في تدبير الإيداع داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية ينص الفصل الثالث وتقضي المادة (149) على “إذا تبين لمحكمة الموضوع بعد إجراء خبرة طبية …”. من كل ما سبق نستنتج قاعدة عامة ألا وهي أن التدابير الوقائية في التشريع الجنائي المغربي لا تنفذ إلا من طرف السلطة القضائية. إلا أن هناك استثناء يرد على هذه القاعدة كما هو الشأن بالنسبة لتدبير المنع من الإقامة الذي يترك تنفيذه للسلطة الإدارية ممثلة في شخص المدير العام للأمن الوطني حيث “يتولى المدير العام للأمن الوطني تحرير القرار بالمنع من الإقامة ويحتوي هذا القرار على قائمة الأماكن أو الدوائر التي يمنع على المحكوم عليه أن يحل بها.
ثالثا :-احترام كرامة المحكوم عليه.
السمة الأساسية للجزاء الجنائي بصفة عامة والتدابير الوقائية بصفة خاصة هي عدم انتهاكها لكرامة الإنسان، فتوافر الخطورة الإجرامية أو الاجتماعية لدى شخص لا يعني أبدا إهدار كرامته والحط من إنسانيته وتحرص التشريعات المعاصرة على تأكيد هذه الضمانة وحمايتها. لقد حرص القانون الجنائي الليبي على الأفكار السابقة، فالتدابير التي نص عليها لا تنطوي على مساس بكرامة الإنسان وإنما تتجه فقط إلى محاولة استئصال خطورته الإجرامية، وإذا كان يترتب على بعضها مساس بسلامة الجسد المادية والمعنوية كما هو الحال بالنسبة لتدبير الوضع داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية، المنع من الإقامة … إلخ. فإن ذلك ليس مقصورا في ذاته وإنما بالقدر اللازم لتحقيق أغراض هذه التدابير. خلاصة القول خضوع التدابير الوقائية لمبدأ الشرعية، وتطبيقها عن طريق القضاء واحترامها لكرامة الإنسان ضمانات أساسية لا يمكن الحيف بها أو التنازل عنها، وقد حرصت مختلف التشريعات الجنائية عليها وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، وهذا التفاوت يرجع إلى المنهج المتبع في كل تشريع وليس إلى مقدار جدارة هذه الضمانات بالاحترام من قبل السلطات المختلفة. وإذا كانت هذه هي الضمانات التي تخضع لها التدابير الاحترازية فماذا عن القواعد والأحكام الموضوعية والإجرائية التي تخضع لها ؟
الفرع الثاني القواعد والأحكام الموضوعية والإجرائية التي يخضع لها تطبيق هذه التدابير
يخضع الجزاء الجنائي باعتباره الأثر المترتب على ارتكاب الجريمة، لمجموعة من القواعد والأحكام الموضوعية والإجرائية التي تكفل تطبيقه وتوجيهه إلى تحقيق أغراضه وعلى الرغم من أن التدابير الاحترازية تمثل إحدى صور هذا الجزاء، إلا أنها تخضع كقاعدة عامة لمجموعة من القواعد التي قد تختلف عن تلك المطبقة على العقوبة، ويرجع ذلك بصفة أساسية إلى طبيعة التدابير والغرض المحدد الذي تسعى إلى تحقيقه. وسوف نحاول في هذا الفرع إبراز هذه القواعد بحيث نبدأ بدراسة القواعد الموضوعية (أولا) ثم نتلوها بالقواعد الإجرائية (ثانيا).
أولا : القواعد الموضوعية التي تخضع لها التدابير الوقائية
لعل من أهم هذه القواعد ما يتعلق بتطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان، ومدى جواز تنفيذها وتعددها ومدى اعتبارها سابقة في العود، وفي النهاية مدى خضوعها لنظرية الظروف المخففة، ونفصل هذه القواعد عبر النقط التالية. أ. مدى خضوع التدابير الوقائية لقاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية تستلزم اعتبارات حماية الحرية الفردية وتحقيق الأمن القانوني وعدم رجعية النصوص الجنائية الموضوعية، أي تلك التي تتعلق بقواعد التجريم والعقاب. ومؤدى ذلك ضرورة التزام القاضي بتطبيق الجزاء الجنائي الذي كان منصوصا عليه لحظة ارتكاب الجريمة، ولكن التشريعات المختلفة خففت من هذه القاعدة بنصها على رجعية النصوص الأصلح للمتهم.
والسؤال الذي يثور هو :- هل تخضع التدابير الوقائية باعتبارها إحدى الجزاء الجنائي لهذه الأحكام ؟ أم نظرا لطبيعتها تخضع لمبدأ الأثر الفوري للقانون بحيث يطبق القاضي النصوص الجديدة التي تقرر تدابير جديدة على المتهم الماثل أمامه أو الذي يجري التنفيذ عليه بغض النظر عن مدى جسامة هذه التدابير بالمقارنة بما يسبقها ؟ للإجابة عن هذا التساؤل نجد المشرع من خلال الفصل الثاني من القانون الجنائي قد مدد قاعدة شرعية التجريم والعقاب إلى التدابير الوقائية، وقد نص في الفقرة الثانية من نفس على إمكانية تطبيق التدابير الوقائية بأثر فوري، وهذا يعني ضرورة تطبيق القاضي الجنائي للتدابير الوقائية السارية المفعول وقت إصدار الحكم لا تلك التي كانت سارية وقت ارتكاب الجريمة، حتى ولو كانت تلك التدابير الوقائية أكثر قسوة في طبيعتها من سابقتها، ولكن يمكن القول بصفة عامة، أن الهدف من التدابير الوقائية الجديدة يكون في غالب الأحيان أصلح للمتهم من التدابير الوقائية القديمة". ب. مدى جواز وقف تنفيذ التدابير الوقائية يقصد بوقف تنفيذ العقوبة وقف تنفيذها على شرط موقف خلال فترة تجربة يحددها القانون، فهو يفترض ارتكاب الجريمة، ونسبتها على مرتكبها، ومسؤوليته عنها، ولكن القاضي يرى أن المصلحة في وقف تنفيذ العقاب وليس في تنفيذه، وتتمثل علة وقف تنفيذ العقوبة في محاولة تجنب العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة والتي ثبت أن ضررها يفوق نفعها سواء بالنسبة للمحكوم عليه أو المجتمع، ويضاف إلى ذلك أن وقف التنفيذ يعد وسيلة فعالة لمنع المحكوم عليه من ارتكاب جريمة لاحقة. فالحكم الصادر بالإدانة تحقق الردع العام، ووقف تنفيذ يعد أسلوبا للمعاملة العقابية في الوسط المفتوح، ويحول بين المحكوم عليه والاختلاط الآثم بينه وبين غيره من المجرمين خاصة المعتادين منهم. والسؤال الذي يثور هو هل يجوز وقف تنفيذ التدابير الوقائية على ذات النحو الذي يتم به وقف تنفيذ العقوبة ؟ يمكن الإجابة على هذا التساؤل بالرجوع إلى الفصل3 الذي ينص في خاتمته على أن “وقف تنفيذ العقوبة لا أثر له في تدابير الوقائية ” ثم نجد كذلك الفصل 97 ينص على أن “العفو الخاص بالعقوبة الأصلية لا يسري على تدبير الوقائية إلا إذا ورد نص صريح في قرار العفو على خلاف ذلك” ثم يعود وينص في الفصل 98 على أن “تقادم العقوبة الأصلية لا ينتج عنه تقادم تدابير الوقاية على الرغم من صراحة هذه النصوص في هذا الشأن إلا أن هناك نصوص أخرى ذهبت عكس ذلك فنصت على إمكانية وقف تنفيذ التدابير الوقائية على غرار العقوبة، من ذلك مثلا ما نصت عليه الفصول 95، 96، 99، 102 إلى 104، فالفصل 96 ينص على أن “إلغاء القانون الجنائي يضع حدا لتنفيذ التدابير الوقائية بالشروط المنصوص عليها في الفصل 9″---------------، قبل هذا الفصل ينص الفصل على أن “القانون المتعلق بالعفو الشامل عن الجريمة أو عن العقوبة الأصلية يوقف تنفيذ التدابير الوقائية الشخصية، دون التدابير العينية ما لم يوجد نص صريح على خلاف ذلك” ومؤدى هذا الفصل أن العفو الشامل بمقتضى طبيعته ينصرف إلى التدابير الوقائية الشخصية السالبة للحرية والسالبة للحقوق دون التدابير الوقائية العينية التي يستمر تنفيذها رغم صدور العفو. ج. مدى جواز تعدد التدابير الوقائية قد يرتكب أحد الأشخاص جرائم متعددة دون أن يفصل في إحداها بحكم بات، ويتضح للقاضي أن كل جريمة من هذه الجرائم تكشف عن صورة من صور الخطورة الإجرامية، وبالتالي تستوجب توقيع تدبير وقائي معين، فهل يجوز تعدد التدابير الوقائية بتعدد الجرائم ؟ يبدو ولأول وهلة أن الإجابة على هذا السؤال لابد وأن تكون بالإيجاب، ذلك أن التدابير الوقائية تعد وسائل علاجية للحالة الخطرة بكافة صورها وأشكالها، لذا فإن الأصل هو تعدد التدابير بتعدد أسبابها، ومما يؤكد ذلك أنه يصعب إجراء تدرج للتدابير الوقائية لتحديد اشدها وتطبيقه دون غيره، لكن ما هو موقف القانون المشرع الليبي من ذاك ؟ لتحديد موقف المشرع الليبي من تعدد التدابير الوقائية نستحضر نص الفصل الثالث المادة(146) الذي ينص على أن “في حالة تعدد الجنايات أو الجنح، تضم العقوبات الإضافية والتدابير الوقائية ما لم يقرر الحكم خلاف ذلك بنص معلل إلا أن التدابير الوقائية التي لا تقبل بطبيعتها أن تنفذ معا في نفس الوقت يراعى في ترتيب تنفيذها مقتضيات ، وبالرجوع إلى الفصل الثالث نجده ينص على أن “إذا صدرت على نفس الشخص عدة تدابير وقائية غير قابلة للتنفيذ في آن واحد، فإنه يتعين على المحكمة التي أصدرت آخر تدبير أن تحدد الترتيب الذي يتبع في التنفيذ إلا أن الإيداع القضائي في مؤسسة لمعالجة الأمراض العقلية، أو الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج ينفذان حتما قبل غيرهما”. من خلال هذا الفرع نجد المشرع الليبي قد أوجد الحل لمشكل تعدد التدابير الوقائية، فإذا كانت هذه التدابير قابلة للتنفيذ في آن واحد فهذا لا يطرح أي إشكال في تنفيذها كلها على المحكوم عليه في نفس الوقت، كعدم الأهلية لمزاولة الوظائف والخدمات، والمنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن، وسقوط الولاية على الأبناء والمصادرة ثم الإغلاق، فهذه التدابير يمكن تنفيذها في وقت واحد لأنها لا تتعارض فيما بينها. أما إذا كانت غير قابلة للتنفيذ في وقت واحد وذلك بحسب طبيعتها كاجتماع التدابير الوقائية السالبة للحرية فإن الذي ينفذ أولا هو الإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية أو الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج وفقا للمادة من القانون الجنائي، وذلك لأن هذين التدبيرين يهدفان إلى معالجة الجاني من الخلل العقلي أو التسمم المزمن، والمعالجة تقتضي الاستعجال، ولذلك قرر المشرع تنفيذهما قبل تنفيذ العقوبة السالبة للحرية (المادة 149) أما باقي التدابير التي لا تقبل بطبيعتها التنفيذ في وقت واحد، فيتبع في تنفيذها الترتيب الذي تحدده المحكمة (الفصل 91) وإذا أغفلت المحكمة تحديد الترتيب الذي يتبع في التنفيذ لسهو أو لعدم علم بالأحكام السابقة الصادرة بالتدابير الأخرى استدرك ذلك بالرجوع إلى المحكمة التي أغفلت التحديد طبقا للمادتين 146( و147 )من المسطرة الجنائية المتعلقتين بالمسائل المعارضة في التنفيذ" د. عدم صلاحية التدابير الوقائية لأن تكون سابقة في العود ينص المشرع الليبي في الفصل الثالث( المادة 149 )امن القانون الجنائي على أن المجرم يعتبر في حالة عود إذا ارتكب جريمة جديدة بعد أن تعرض للحكم بالإدانة حائز لقوة الشيء المقضي به بسبب ارتكابه جريمة سابقة، وهو يعتبر من قبيل الظروف المشددة للعقاب، ومرجع التشديد افتراض أن المحكوم عليه لم يرتدع من الحكم السابق، لذا كان من المهم تشديد العقاب عليه حتى يدرك سوء عاقبة الإجرام، ومما سبق يتضح لنا أن الأحكام الصادرة بالتدابير الوقائية لا تصلح أن تكون سابقة في العود، فالتدابير الوقائية لا تنطوي على معنى الإنذار وتتجرد ـ كقاعدة عامة ـ من الإيلام المقصود، لذا لا يصح معها القول بأن الجاني لم يرتدع، ومن ثم حق تشديد العقاب عليه، لكن ما هو موقف التشريع الجنائي الليبي من هذه الأفكار ؟ بالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي نلاحظ أن المشرع الجنائي الليبي لم يعتد بالحكم السابق الصادر بتدبير وقائي كسابقة في العود، فالنصوص الخاصة بهذا الظرف المشدد واضحة الدلالة في اشتراط أن يكون الحكم السابق صادرا بعقوبة وليس بتدبير وقائي (الفصل الثالث (المادة149 ). هـ. عدم خضوع التدابير الوقائية للظروف المخففـة الظروف المخففة هي حالات يجوز فيها للقاضي وفقا للضوابط التي حددها القانون تخفيف العقوبة الواجب تطبيقها على المتهم هنا وتبدو علتها في الرغبة في الملاءمة بين عمومية نصوص التجريم وتجريدها، وبين الحالة الواقعية التي تطبق عليها هذه النصوص، بحيث تؤدي في النهاية إلى جعل العقوبة أكثر واقعية وأكثر تحقيقا للعدالة. ويستمد القاضي ظروف التخفيف من كافة العناصر المحيطة بالجريمة سواء أكانت عناصر شخصية أو موضوعية والتشريع الليبي مثلما لم يخضع التدابير الوقائية لأن تكون سابقة في العود مثل العقوبة لم يخضعها كذلك للظروف المخففة الذي ربطها فقط بالعقوبة بنوعيها الأصلية (الإعدام، السجن المؤقت، الفصل 147) والإضافية (التجريد من الحقوق الوطنية، الفقرة الثانية من الفصل الثالث 148). يتضح من الدراسة السابقة أن التدابير الوقائية تأبى في كثير من الأحيان لخضوع لذات القواعد الموضوعية التي تخضع لها العقوبة، فهي وإن اقتربت من هذه الأخيرة بنسب متفاوتة فيما يتعلق بالتعدد إلا أنها تبتعد عنها تماما في حالات وقف التنفيذ، والعود، والظروف المخففة. ثم أخيرا تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان. لكن هذا التمييز الموضوعي يستوجب بالضرورة تمييزا إجرائيا ؟ ثانيا : -الأحكام الإجرائية التي تخضع لها التدابير الوقائية يستلزم تحقيق التدابير الاحترازية لأغراضها ضرورة إحاطتها بمجموعة من القواعد الإجرائية والتي قد يختلف من تلك المطبقة على العقوبة، ويمكن إجمال هذه القواعد في عدم نهاية الحكم الصادر بالتدبير، والتنفيذ الفوري لهذه الأحكام، وفي النهاية عدم تطبيق قاعد خصم مدة الحبس الاحتياطي من التدبير، ونفصل تباعا هذه القواعد في النقط التالية. أ. عدم نهاية الحكم الصادر بالتدبير الوقائية من القواعد الأساسية في قوانين الإجراءات الجنائية نهائية الحكم الصادر بالإدانة أو البراءة، وهذا يعني أنه إذا حاز الحكم قوة الشيء المقضي به فلا يجوز مراجعته من جديد، وذلك لكفالة استقرار المراكز القانونية. فإذا كان الحكم صادرا بالإدانة، فلا يجوز إعادة النظر فيه من جديد لتخفيف العقاب أو تشديده، وإذا كان صادر بالبراءة لا يجوز مراجعته لتحديد مدى جدارة المحكوم عليه بها. لكن ما مدى تطبيق هذه القاعدة على التدابير الوقائية ؟ وهل أخذ المشرع الليبي بهذه القاعدة ؟ يقتصر نطاق هذه القاعدة على الجزء من الحكم المثبت لارتكاب الفعل ونسبته إلى المتهم، ولكنه لا يمتد إلى التدبير المحكوم به، فهذا الأخير يجوز أن يمتد له التعديل سواء بتقصير أمده أو إطالته أو إنهائه كلية، وذلك تبعا للتطور الذي يطرأ على الخطورة الإجرامية، ونجد القانون الجنائي الليبي لم يتضمن قاعدة عامة تنص على عدم نهائية الأحكام الصادر بالتدابير الوقائية، وإنما وجدت هذه القاعدة تطبيقات في مواضع متفرقة نذكر منه ما تعلق بتدبير الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج والذي ينص على “يلغى التدبير الصادر بالوضع القضائي في مؤسسة للعلاج عندما يتبين أن الأسباب التي استجوبته قد انتفت. إذا قرر الطبيب، رئيس مؤسسة للعلاج، على أن يجعل حدا لهذا التدبير فإنه يعلم بذلك رئيس النيابة العمومية، بمحكمة الاستئناف الذي يمكن له، داخل العشرة أيام الموالية لتوصله بالإعلام المذكور، أن يطعن في قرار الطبيب وفقا لمقتضيات الفصل الثالث المادة (149 )كما نجد المشرع قد طبق هذه القاعدة على تدبير الوضع القضائي في مؤسسة انتاجية حينما التدبير الصادر بالوضع القضائي المنصوص عليه في الفصل الثالث من قانون المادة (160)العقوبات عندما ينم سلوك المحكوم عليه عن صلاح حاله. ويصدر القرار بهذا الإلغاء، بناء على اقتراح من مدير المؤسسة الانتاجية ، عن المحكمة التي كانت أمرت بالوضع القضائي” إذ يمكن أن يتم الإفراج عن المحكوم عليه الذي تبث إصلاح سلوكه بناء على قرار المحكمة التي كانت أمرت بالوضع القضائي وذلك طبعا بعد اقتراح من مدير المؤسسة الانتاجية التي أذيع فيها المحكوم عليه. ب:- التنفيذ الفوري للأحكام الصادرة بالتدابير الوقائية تقتضي قرينة الأصل في المتهم البراءة أن يكون لطرق الطعن ـ كقاعدة عامة ـ أثر موقف لتنفيذ الجزاء الجنائي، ولكن من الملائم أن تخرج التدابير الوقائية عن هذا المنطق، فاتجاهها إلى معالجة الخطورة الإجرامية يستوجب تنفيذها تنفيذا معجلا ولو كان من الجائز استئنافها، فتأخير التنفيذ قد يزيد من هذه الخطورة وهو ما لا يتفق مع مصلحة المحكوم عليه بعد ذلك، إذ قد يترتب على تأخير التنفيذ تطبيق تدابير أطول أمد مما لو بدئ بالتنفيذ بمجرد ثبوتها بالحكم الابتدائي. ومما يؤكد ذلك، أن التدابير الوقائية لا تنطوي على إيلام مقصود، وبالتالي لن يضار المحكوم عليه من تنفيذ التدبير تنفيذا معجلا. لم يتضمن القانون الجنائي الليبي نصا صريحا يقرر التنفيذ المعجل للأحكام الصادرة بالتدابير الوقائية، إلا أنه من الناحية العملية نجد المشرع الليبي من خلال الفقرة الثانية من الفصل الثالث (149)“… إلا أن الإيداع القضائي في مؤسسة لمعالجة الأمراض العقلية أو الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج، ينفذان حتما قبل غيرهما” وكذا الفصل الثالث من قانون العقوبات الليبي “إذا صدر على شخص خلال تنفيذه لتدبير سالب للحرية، أو مقيد لها، حكم بعقوبة سالبة للحرية، من أجل جناية أو جنحة أخرى فإنه يوقف تنفيذ التدبير الوقائي كيفما كان، ما عدا الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج، وتنفذ على المحكوم عليه العقوبة الجديدة” قد خص تدبير الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج وتدبير الإيداع القضائي في مؤسسة لمعالجة الأمراض العقلية بالنفاذ المعجل قبل غيرهما من العقوبات والتدابير. فهذا الترتيب والذي يترتب عليه ـ كقاعدة عامة ـ تنفيذ التدابير بعد تنفيذ العقوبة يقود من الناحية العملية إلى تأجيل تنفيذها، ولكن هذا القول يرد عليه تحفظين : أولهما أن الترتيب الذي يتحدث عنه يفترض بالطبع أننا بصدد عقوبة وتدبير وقائي، ففي هذه الحالة يبدأ تنفيذ العقوبة أولا إلا إذا كنا بصدد تدبير الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج. ثانيا أن تأخر تنفيذ التدبير لا يرجع إلى انتظار الطعن في الحكم، فالحكم الصادر بالتدبير يصلح سندا تنفيذيا حتى ولو كان قابلا للطعن فيه، ولكن الاعتبارات العملية وخلاصة دراسات المختصين في علم العقاب تستوجب البدء ـ كقاعدة عامة ـ في تنفيذ العقوبة لكي يتحقق من ورائها الأثر الرادع، ثم يتلوها تنفيذ التدابير للقضاء على الخطورة الإجرامية. ج:- عدم خصم مدة الحبس الاحتياطي من التدابير الوقائية" يمكن تعريف الحبس الاحتياطي بأنه سلب حرية المتهم فترة من الزمن لاعتبارات تفتضيها المصلحة العامة، ووفقا للضوابط والشروط التي يحددها القانون. وعلى الرغم من أن الحبس الاحتياطي ليس عقوبة، إلا أن اعتبارات العدالة تستلزم استنزاله من هذه الأخيرة فقد تحمله المتهم تحقيقا للمصلحة العامة، وعلى الرغم من عدم صدور حكم بالإدانة ضده، فيجب الإيضار من هذا المسلك، لذا حرصت التشريعات المختلفة على تقرير قاعدة الخصم. والسؤال الذي يثور هو :- هل يمكن استنزال مدة الحبس الاحتياطي من التدبير الوقائية؟ الإجابة على هذا السؤال لابد وأن تكون بالنفي، ومرد ذلك أن التدابير يغلب عليها العلاج أو التحفظ، ولا تنطوي على إيلام مقصود حتى يمكن القول باستنزال مدة الحبس الاحتياطي منها، خاصة أن هذا الأخير لا يقلل أبدا من درجة خطورة المحكوم عليه، وفي كل الأحوال، فطالما أن التدابير تكون عادة غير محددة المدة، ويستطيع القاضي أن يطيل في مدتها وفقا للتطور الذي يطرأ على الخطورة الإجرامية أو الاجتماعية، فلن تكون هناك أهمية عملية لإجراء هذا الخصم. وغني عن البيان أن هذا التساؤل لا يثور إلا في حالة الحكم بالتدبير الوقائي بمفرده دون العقوبة، إذ لو حكم به مع هذه الأخيرة فإن الحبس الاحتياطي يتم خصمه من مدة العقوبة. بعد هذه اللمحة البسيطة عن القواعد الموضوعية والأحكام الإجرائية التي تخضع لها التدابير الوقائية يبقى علينا تبيان أنواع هذه التدابير، والتقسيم الذي أخذ به المشرع الليبي في هذا المجال. إلا أن ما تجدر الإشارة إليه قبل سرد أنواع التدابير الوقائية في التشريع الليبي هو أن المشرع حينما تبنى نظام التدابير الوقائية إنما نص على إحدى عشر تدبيرا وقائيا (الفصل الثالث ) من القانون الجنائي إلا أنه يلاحظ أن التدابير الوقائية قليلة إذا ما قورنت بالتشريعات الجنائية المقارنة التي تصل في بعضها إلى 40 تدبيرا. مما يدعو في هذه الحالة إلى التكثير منها حتى تقوم بدورها العلاجي والوقائي في المجتمع. هذا مع لفت النظر إلى أن هذه التدابير لم تشتمل على التدابير الخاصة بالقاصرين التي وضعها المشرع الليبي في مكان خاص هو قانون العقوبات ، كما تجب الإشارة إلى أن التدابير الوقائية فيها ما هو سالب للحرية كالإقصاء والإجبار على الإقامة والمنع منها … وفيها ما هو سالب للحقوق كالمنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن، وسقوط الحق في الولاية على الأبناء. وهذا ما سنحاول تناوله بالتحليل والدراسة الدقيقين في هذا الفرع العقاب عليه حتى يدرك سوء عاقبة الإجرام، ومما سبق يتضح لنا أن الأحكام الصادرة بالتدابير الوقائية لا تصلح أن تكون سابقة في العود، فالتدابير الوقائية لا تنطوي على معنى الإنذار وتتجرد ـ كقاعدة عامة ـ من الإيلام المقصود، لذا لا يصح معها القول بأن الجاني لم يرتدع، ومن ثم حق تشديد العقاب عليه. لكن ما هو موقف التشريع الجنائي الليبي من هذه الأفكار ؟ بالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي نلاحظ أن المشرع الجنائي الليبي لم يعتد بالحكم السابق الصادر بتدبير وقائي كسابقة في العود، فالنصوص الخاصة بهذا الظرف المشدد واضحة الدلالة في اشتراط أن يكون الحكم السابق صادرا بعقوبة وليس بتدبير وقائي( مادة 146 ) اعتياد ارتكاب الجنايات أو الجنح
الفرع الثالث الأسباب التي تؤدي إلى إيقاف التدابير الوقائية أو الإعفاء منها بصفة اختيارية
يبقى من أسباب الانقضاء والإعفاء التي عددتها المادة 93 الإفراج الشرطي والعفو، الأول سبب للإيقاف والثاني سبب الإعفاء.
اولا/ الإفراج الشرطي.
يرجع الفصل في ابتداع مؤسسة الإفراج الشرطي أو المقيد بشروط إلى الفرنسي الذي كان قاضيا وقد صدر أول قانون منظم للإفراج المقيد بشروط في فرنسا في 14 .5. 1885. أما في المغرب، فقد أدخلت مؤسسة الإفراج الشرطي بمقتضى ظهير فاتح يوليوز 1932 قبل أن تصبح منظمة بعد ذلك في مجموعة القانون الجنائي وفي قانون المسطرة الجنائية" والإفراج الشرطي، أو المقيد بشروط هو إطلاق سراح المحكوم عليه قبل الأوان نظرا لحسن سيرته داخل السجن ولكن على شرط أن يظل مستقيم السيرة في المستقبل، أما إذا ثبت عليه سوء السلوك، أو إذا أخل بالشروط التي حددها القرار القاضي بالإفراج الشرطي، فإنه يعاد إلى السجن لتتميم ما تبقى من عقوبته. وقد جاء في المادة 101 من القانون الجنائي أن قرار الإفراج الشرطي يجوز أن ينص فيه على تنفيذ التدابير الوقائية. ومؤدى هذا أن السلطة المختصة بإصدار قرار الإفراج الشرطي (وزير العدل أو الوزير الأول) يمكنها أن تجعله شاملا للتدابير الوقائية، ويمكنها أن تقصره على العقوبة مع بقاء التدابير الوقائية نافذة على المحكوم عليه.
ثانيا/ العفو.
العفو عن العقوبة هو إنهاء الالتزام بتنفيذها كليا أو جزئيا لمصلحة شخص حكم عليه نهائيا بتنفيذها ويصدر العفو من رئيس الدولة، ويهدف بصفة أساسية إلى إصلاح الأخطاء التي شابت الحكم والتي لا يمكن إصلاحها بسبب استنفاذ طرق الطعن، أو لأن طرق الطعن المتاحة لا تكفل هذا الإصلاح، بل إن العفو يعد وسيلة فعالة لإنقاذ المحكوم عليه من تنفيذ العقاب في الحالات التي يكون فيها بالإمكان إصلاح الخطأ عن طريق طرق الطعن، وذلك لأنه أسرع من حيث أثره من هذه الأخيرة. وفي النهاية فإن العفو يعد تشجيعا للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية في أن يسلك سلوكا حسنا حتى يتم العفو عن جزء من عقوبته. والسؤال الذي يثور هو هل يؤدي هذا العفو إلى انقضاء التدابير الوقائية ؟ ـ مدى ملاءمة انقضاء التدابير الوقائية بالعفو الخاص تقضي المادة 97 من القانون الجنائي بأن العفو الخاص بالعقوبة الأصلية لا يسري على تدابير الوقاية إلا إذا ورد نص صريح في قرار العفو على خلاف ذلك. فكما أن العفو الخاص لا يمتد حتى إلى العقوبات التكميلية والإضافية إلا إذا نص على ذلك صراحة (المادة 5 من ظهير 6 فبراير 1958) فإنه من باب أولى أن لا يمتد إلى التدابير الوقائية إلا إذا وجد نص صريح في قرار العفو يقضي بإعفاء المستفيد منه من تنفيذ التدابير الوقائية. فامتداد أثر العفو إلى التدابير الوقائية يرجع إلى صلاحيات السلطة المختصة بإصدار العفو " ثالثا: العفو و التدابير الوقائية العفو عن العقوبة هو إنهاء الالتزام بتنفيذها كليا أو جزئيا لمصلحة شخص حكم عليه نهائيا بتنفيذها، ويصدر العفو من رئيس الجمهورية يهدف بصفة أساسية إلى إصلاح الأخطاء التي شابت الحكم و التي لا يمكن إصلاحها بسبب استنفاذ طرق الطعن و العفو يعد وسيلة فعالة لإنقاذ المحكوم عليه من تنفيذ العقاب في الحالات التي يكون فيها بالإمكان إصلاح الخطأ عن طريق الطعن ،ذلك أن العفو هو إعفاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة كلها أو بعضها أو إبدال عقوبته بأخف منه و يسمى العفو عن العقوبة بالعفو البسيط وهو من الحقوق أو الاختصاصات التي تختص بها السلطة التنفيذية و الممثلة في رئيس الجمهورية ،ويعرف كذلك بالعفو غير التام أو العفو الخاص ،و يقتضي إسقاط العقوبة كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها مقررة قانونا، و العفو عن العقوبة الغرض منه هو تخفيف حكم قضائي نهائي لا سبيل لإصلاحه بالطرق القضائية و ذلك لخطأ في الحكم أو لشدته، كما يكون أحيانا لباعث سياسي و قد يسمح باستعمال العفو كأداة للسياسة الجنائية أو كإجراء تقني بإدخال بعض من تدابير الأمن التي لم يتبناها القانون بنص صريح بعد ،كأن يشترط عدم اقتراف المعني لأي فعل"
الخاتمة.
يتضح من خلال ما تطرقنا إليه في هذا البحث أن التشريع الليبي يقوم على أساس الازدواجية في العقاب من خلال الاعتماد على العقوبة بالدرجة الأولى ثم التدابير الوقائية بالدرجة الثانية، ومن ثم صنف هذا المشرع ضمن التشريعات التي تأخذ بنظام الازدواجية في الجزاء الجنائي، نستخلص من ذلك تعتبر التدابير الوقائية إلى جانب العقوبة ذلك الجزاء الذي يتم به محاربة الخطورة الإجرامية الكامنة في المجرمين، إلا أن ما يتضح من الناحية الواقعية أن القضاء الليبي يركز على العقوبة بالدرجة الأولى إلى حد يكاد ينعدم فيه تطبيق التدابير الوقائية باستثناء بعض التدابير التي تحظى بتطبيق من طرف مختلف محاكم مثل تدبير المصادرة، والإغلاق وبعض التدابير الخاصة بالأحداث. وهذا ما لا نجد له مثيل في التشريعات المقارنة التي تركز على التدابير الوقائية بالدرجة الأولى في مكافحة ظاهرة الجريمة مثل التشريع الفرنسي والمصري واللبناني إلى غير ذلك من التشريعات ويبقى أملنا المنشود والذي نلح عليه أن يسير التوجه المشرع الليبي على نهج باقي التشريعات التي تركز على تطبيق التدابير الوقائية وعدم الاكتفاء بتطبيق العقوبة نظرا لقصورها في مكافحة الظاهرة الإجرامية وتخليص المجتمع من آفة الإجرام. ويتضح ذلك من خلال ما أبانت عليه مختلف البحوث والدراسات الاستراتيجية المتعلقة بالسجون في تقاريرها، والتي أشارت إلى عدة مشاكل تعاني منها المؤسسات العقابية الازدحام وضعف التغطية الصحية وسوء التغذية إلى غير ذلك من المشاكل. ونتمنى من المشرع الليبي أن يسير على هذا المنوال في المجال الجنائي فيمنح للتدابير الوقائية الأولوية في التطبيق على العقوبة من خلال العمل على تقويم السلوك المنحرف والشاذ لشخص المجرم قبل اللجوء إلى العقوبة كجزاء أخير ونهائي. فإذا كانت العقوبة قد أبانت عن قصورها في حماية المجتمع من الانحراف والقضاء على الجريمة، فإنه يبقى السبيل الأمثل في نظرنا هو العمل على تطبيق التدابير الوقائية بكيفية جدية كبديل عن العقوبة في مجال الحد من الإجرام. ومن خلال هذا البحث توصلنا الي عدت النتائج وتوصيات الاتية :- اولا: – نتائج .
1- تخضع التدابير لمبدأ الشرعية : ويعني ذلك أنه لا تدبير إلا بقانون خضوع التدابير الوقائية لمبدأ الشرعية ، عدم جواز توقيع تدبير غير التدابير المنصوص عليها صراحة في القانون ". 2- التدابير الوقائية غير محدد المدة : ويتفق هذا مع طبيعته وهدفه فهو يواجه خطورة إجرامية ، لا يمكن للمشرع أو للقاضي التنبؤ وقت النطق بالحكم بيوم زوالها ، ومن ثم يرتبط التدبير بوجود الخطورة ، ويمكن تعديله بما يناسب تطورها وينتهي بزوالها " 3- لا تخضع التدابير الوقائية للظروف المخففة: فإذا اقتضت الخطورة الإجرامية تطبيق تدبير معين وجب إنزال هذا التدبير دون غيره ، ولا يجوز النطق بالتدبير مع إيقاف تنفيذه لأن يتنافى مع غرضه " 4- لا يعد التدبير الوقائي سابقة في العود : ولا يسجل في صحيفة سوابق المتهم ، ويترتب على ذلك أنه لا يؤخذ في الاعتبار عند تحديد عقوبة الجريمة التي ارتكبت بعد انتهاء تنفيذ التدبير " 5 - عملا بالبداء شرعية التدابير الوقائية، إمكانية تطبيق التدابير الوقائية بأثر فوري، وهذا يعني ضرورة تطبيق القاضي الجنائي للتدابير الوقائية السارية المفعول وقت إصدار الحكم لا تلك التي كانت سارية وقت ارتكاب الجريمة،" 6- لقد حرص المشرع الليبي على ان لتدابير لا تنطوي على مساس بكرامة الإنسان وإنما تتجه فقط إلى محاولة استئصال خطورته الإجرامية، وإذا كان يترتب على بعضها مساس بسلامة الجسد المادية"
ثانيا :- توصيات
نوصي المشرع الليبي ينهج نهج باقي التشريعات التي تركز على تطبيق التدابير الوقائية وعدم الاكتفاء بتطبيق العقوبة نظرا لقصورها في مكافحة الظاهرة الإجرامية في المجتمع وتعمل على حماية كيانه وسلامة امنه ودلته. المراجع
1-. د. مــأمون محم ـد ســلامة ، حــدود ســلطة القاضــي الجنــائي فــي تطبيــق الق ـانون ،دار الفك ـالعربي للطباعة والنشر،1975. 2- د. محمود نجيب حسني ، المجرمون الشواذ، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974. 3- د. رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966. 4- د. يسر أنور علي، النظرية العامة للتدابير والخطورة الإجرامية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية العدد الأول، السنة الثالثة عشر، مطبعة جامعة عين شمس، 1971. 5- د.حسين كامل عارف ، النظرية العامة للتدابير الاحترازية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق – جامعة القاهرة 1976. 6- د. محمد عبد الله الشلتوني ، موقف الشرائع الحديثة من الخطورة الجنائية ، رسالة دكتوراه ، جامعة الاسكندرية 1989. 7- د.محمد إبراهيم زيد ،التدابير الاحترازية القضائية، بحث بالمجلة الجنائية القومية، المجلد السابع ،العدد الأول ،القاهرة ،مارس سنة 1964. 8- د. أحمــد فتحــي ســرور، نظرية الخطــورة الإجراميــة ،بحــث منشــور فــي مجلــة القــانون والاقتصاد ،العدد الثاني، في 24 يونيو 1964،القاهرة. 9- د.عمرسالم النظام القـــانوني للتـــدابير الاحترازية الطبعة الأولى دار النهضة، القاهرة :1998. 10- د.محمد رمضان باره ،الاحكام العامة للعقوبة والتدابير الوقائية ،بدون دار نشر ،بدون طبعة ،2014.
#نواره_مختار_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التدابير الوقائية في التشريع الليبي
المزيد.....
-
السلطات اليمنية:ماتتعرض له الموانئ منذ 2015 جرائم حرب كبرى ل
...
-
العفو الدولية تندد بقصف حزب الله للمدنيين في إسرائيل!
-
محكمة موسكو تصدر حكما غيابيا باعتقال عميل الأمن الأوكراني لن
...
-
إدانة 25 باكستانيا احتجوا على اعتقال عمران خان
-
إعلام عراقي: صدور مذكرة اعتقال بحق الجولاني
-
عودة اللاجئين إلى حمص.. أمل جديد بين أنقاض الحرب
-
حملة دهم واعتقالات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية طالت 25
...
-
الخارجية الأميركية تلغي مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقال الج
...
-
اعتقال خلية متطرفة تكفيرية في قضاء سربل ذهاب غرب ايران
-
تفاصيل اعتقال اثنين من النخبة الإيرانية في الخارج
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|