هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 1606 - 2006 / 7 / 9 - 11:39
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
وقفة مشرفة جديرة بالتقدير والاحترام وقفها محامو تولوز بالامتناع عن التوجه إلى المركز الجديد للحجز الإداري ( Centre de rétention administrative ) المقام لاستقبال الأجانب القادمين عن طريق الهجرة غير الشرعية, وممن لا يحملون أي بطاقة تسمح لهم بالإقامة في فرنسا, . وذلك للقيام بمهام الدفاع عنهم أمام قاضي الحريات والحجز juge des libertés et de la détention, بصفتهم محامي دفاع معينين مباشرة من قبل موكليهم المحجوزين, أو من قبل الجهة صاحبة الاختصاص في تكليفهم بهذه المهمة.
من حيث المبدأ يجب تنفيذ إبعاد الأجنبي الداخل, أو المقيم في فرنسا, بصفة غير قانونية عن أراضيها فورا ودون إبطاء. ولكن هناك حالات يصبح فيها الاقتياد إلى الحدود مباشرة غير ممكن. وعندها يتم حجز المعني إداريا أو تحديد محل إقامته في انتظار توفر الشروط المطلوبة للاقتياد.
الحجز الإداري يتم, حسب قانون دخول وإقامة الأجانب, عند تبليغ الأجنبي من قبل دولة من دول اتفاقية شانكن Schengen بضرورة إرجاعه, أو طرده, أو منعه من البقاء على التراب الوطني. أو حين صدور قرار اقتياد إلى الحدود بحقه من قبل المحافظ le Préfet أو مفوض من قبله ــ في باريس يتخذه محافظ الشرطة ــ ويبلغ للمعني بالوسائل القانونية.
ويرجع عدم التنفيذ الفوري, بشكل عام, لعدم وجود وسائل التسفير الجاهزة. أو لعدم إمكانية حجز المقاعد المناسبة. أو لنقص وثائق السفر الضرورية. أو لصعوبة وجود بلد استقبال.
مكان الحجز الإداري:
حدد المرسوم رقم 617 ـ 2005 الصادر بتاريخ 30 ماي / أيار 2005 أماكن وطبيعة الحجز الإداري ومناطق الانتظار (تطبيقا للمواد L 111 – 9. L551 -2. L 551- 6. L 551 -5 من قانون دخول وإقامة الأجانب وحق اللجوء). فحسب المادة الأولى منه : لا تعود إدارة أماكن حجز الأجانب إلى إدارة السجون ... ويوضع هؤلاء في مؤسسات تسمى "مركز الحجز الإداري ". وتوضع هذه المراكز تحت مسؤولية المحافظ المختص إقليميا, وفي باريس تحت مسؤولية محافظ الشرطة. (مادة 2 فقرة 2 من قانون دخول وإقامة الأجانب). ولكل مركز نظامه الداخلي الذي تقدم وزارة الداخلية بالاشتراك مع وزارة الدفاع نموذجا عنه. ويترجم إلى كل اللغات الحية. يبين حقوق وواجبات المحجوز (مادة 4 من القانون المذكور). تقدم للمحجوز في المركز الخدمات الصحية والتغذية والإقامة ولوازمها مجانا. وتوضع تحت تصرفه المعلومات الضرورية التي يستفيد منها. وتقدم له المساندة المعنوية والنفسية من قبل المختصين. والمساعدات الإدارية لترتيب الأمور الإدارية لسفره بما فيها شراء احتياجاته و ما قد يأخذه معه لعائلته
(المواد 7. 8. 11).
وتتعاقد الدولة مع جمعية ذات صفة وطنية (غير محلية) لمساعدته ووضع كل المعلومات المطلوبة تحت تصرفه للوصول إلى حقوقه. كما أن للأجنبي نفسه أن يستعين بأية جمعية أهلية ذات أهداف تتعلق بمساعدة الأجانب والدفاع عنهم.
وليس هدفنا من كتابة هذه السطور الدخول في التفاصيل فيما يتعلق بمراكز الحجز الإداري ووضعها القانوني, وسنكتفي بالإشارة إلى مركز الحجز الإداري الجديد الذي جرى افتتاحه قرب مطار تولوز في 29 جوان/ حزيران 2006.
في أوائل فيفري / شباط 1998 التهمت النيران مركز الحجز الإداري بتولوز بفعل محتجز من أصل مغربي مهدد بالترحيل. في 24 ماي / أيار 2006 باشر في إضراب عن الطعام محتجز من أصل تونسي وآخر من أصل جزائري ضد قرارات ابعد هما, ولعدم ملائمة أماكن الحجز التي تقع في أسفل بناية مركز الشرطة المركزية. و كانت ظروف الحجز دائما محل انتقاد وقلق المحامين والجمعيات الأهلية المهتمة بشؤون الأجانب.
افتتح المركز الجديد للحجز الإداري بتولوز في 29/6/2006 .مساحته 4600 متر مربع, ويمكنه استقبال الأجانب قيد الترحيل من كل أنحاء فرنسا. فيه 14 غرفة مخصصة للنساء. و 16 غرفة للعائلات. وهو جزء من مشروع على مستوى فرنسا لإنجاز 1500 غرفة. كما خصصت غرف لعقد جلسات قاضي الحريات والحجز. وأماكن خاصة بعيدة عن كل رقابة للمحامين أثناء محادثاتهم مع المحتجزين للحفاظ على السرية المطلقة.
وقد قامت تظاهرات احتجاج حول المركز المذكور نظمها الفرنسيون المتعاطفون مع المحتجزين من الأجانب الذين لا يملكون بطاقات إقامة sans papiers . وعبروا عن اعتراضهم لترحيلهم لمجرد عدم مقدرتهم على الحصول على أوراق إقامة كان للإجراءات الإدارية في أحيان كثيرة دور في عرقلة الحصول عليها.
وكانت المحكمة الابتدائية الكبرى بتولوز tribunal de grande instance قد قررت عقد جلسات قاضي الحريات والحجز في عين المكان أي في مركز الحجزالاداري, معللة ذلك بالأسباب التالية:
ـ ضمان عقد الجلسات في الوقت المحدد دون أي تأخير ـ كان يحصل التأخير نتيجة لعدم وصول سيارات الشرطة التي تقوم بنقل المحتجزين من مراكز الحجز إلى مقر المحكمة, ولتضارب المواعيـد ــ.
ـ عدم الحاجة للإجراءات الأمنية المطلوبة في حالة نقل المحتجزين من المراكز المذكورة إلى مقر المحكمة.
ـ توفير الوقت على المحتجزين أنفسهم وعدم تركهم في زنزانات الانتظار الواقعة تحت بناء المحكمة في انتظار دورهم في المحاكمة. وتخفيف معاناتهم. وتخفيف العبء عن رجال الشرطة المكلفين بتوفير الحماية والمراقبة.
ـ توفير وقت الشرطة المصاحبة لهم. ووقت المحامين والمترجمين والقضاة.
غير أن نقابة محامي تولوز قررت بالإجماع, في 7/7/2006,عدم الانتقال إلى مركز الحجز الإداري لتأمين مهمة الدفاع عن المحتجزين الأجانب للأسباب التالية:
ـ قاعة الجلسات غير ملائمة "لإقامة العدالة"
ـ الجلسات التي ستخصص لمحاكمة المحتجزين كمجموعاتـ, ــ حسب اللغات التي يتكلمونها ــ في المركز المذكور, ليست مطابقة للقانون.
ـ لأنه " من غير المناسب أن تقام العدالة في أماكن مخصصة للحجز". وهذا مقلق بشأن استقلال القضاء, حسب تصريح نقيب المحامين Thierry Carrère
وعليه دعت النقابة جميع المحامين إلى عدم تامين مهمة حق الدفاع عن المحتجزين في مركز الحجز الإداري. وقررت صياغة عريضة تطالب بإلغاء annulation قرار إنشاء "مكان جديد لإقامة العدالة".
وقد ساندت موقف المحامين هذا الغالبية المطلقة للقضاة. وحتى اليوم لم تعقد إلا جلسة واحدة من قبل قاضي واحد, قاضي الحريات والحجز.
وقد استنكرت النقابة الوطنية لضباط الشرطة موقف المحامين لرفضهم الانتقال إلى المركز المذكور بحجة عدم واقعية ما يبنون عليه والمتعلق " بمفهوم نظري لاستقلال القضاء". وحسب هذه النقابة يساهم المحامون بتعميق معاناة الأشخاص المحجوزين".
هذا الموقف المبدئي الذي يلتزم به المحامون أثناء ممارستهم لمهام الدفاع, وحرصهم الشديد على استقلال القضاء, وعلى حقوق موكيلهم أكانوا فرنسيين أم أجانب, بتأمين أفضل الشروط لمحاكمة عادلة, معتبرين أن حق الدفاع حق مقدس لا يجب المساس به مهما كانت المبررات. وهذا ما يرسخ أخلاقية المهنة ويزيد احترام ممارسيها, ويعلي قيمة القضاء ليضعه فوق كل الاعتبارات.
#هايل_نصر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟