|
الفقيه محمد البصري
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6702 - 2020 / 10 / 13 - 21:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بحلول الرابع عشر من شهر أكتوبر 2020 ، يكون قد مر على وفاة الفقيه محمد البصري ، سبعة عشر سنة ، من 14 أكتوبر 2003 / 14 أكتوبر 2020 .. الفقيه محمد البصري شخص ليس عاديا ، بل كان يمثل اللغز الذي اربك الحسابات ، واخلط الأوراق ، عند النظام كما عند القيادة السياسية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، الذي سيصبح في سنة 1974 باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، بعد ان قطعت القيادة في يناير 1975 ( المؤتمر الاستثنائي ) مع ماضي الاتحاد الراديكالي الذي كان يهدف الحكم ، وليس الحكومة .. ورغم جذرية معارضة اليسار الماركسي اللينيني ( اليسار الجديد ) للدولة ، ورغم الكاريزما التي رافقت قيادات هذا اليسار كابراهام السرفاتي ، فان الفقيه محمد البصري ظل يمثل اللغز المحير الذي طبع نوعا من النضال ، استرعى باهتمام الرعيل الأول من النخبة السياسية المغربية ، ليس بخطاباته او كتاباته في جريدة التحرير ، بل كان شخصا ينتصر الى العمل المسلح الثوري ، وكان لا يتردد في التنسيق والتحالف مع الضباط الوطنيين البرجوازيين الصغار في الجيش .. ولا يتردد في التحالف مع النظام البرجوازي الصغير الحاكم في الجزائر ، بعد تأسيس الدولة في سنة 1962 ..فلا عجب انّ اهم القواعد المسلحة التي شكلها الفقيه ، وكل القادة الذين آمنوا بالانقلاب من فوق ، كانوا يتخذون من الجزائر نقطة انطلاق لمواجهة النظام .. وهنا نفهم خلفيات الانتفاضة المسلحة في 16 يوليوز 1963 ، وحرب الرمال في نفس الفترة ( 1963 ) ، بين المغرب وبين الجزائر التي غدرت ونقضت العهد ، عندما تمسكت بالأراضي المغربية في تندوف .. فالهبّة المسلحة ل 16 يوليوز 1963 ، كانت لتخفيف الضغط على الحرب بين المغرب والجزائر ، كما لا ننسى إدانة قيادة المنظمة الطلابية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " التي كانت تنتمي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية حرب الرمال ، حين اصطفت تدافع عن الجزائر ( الاشتراكية ) ضد المغرب .. بعد فشل الانتفاضة المسلحة بسبب اختراق التنظيم ، سيتم اعتقال الفقيه محمد البصري ، وعمر بنجلون ، وكل القيادات التي كانت تخطط للدولة ... وصدر بحقهم الحكم بالإعدام ... في حين كان نصيب عبدالرحمان اليوسفي سنتين موقوفتي التنفيذ ... وهنا لا ننسى ان نصيب الفقيه من محكمة مراكش في سنة 1971 ، كان الإعدام غيابيا .. بعد سنة من الاعتقال ، سيصدر عفو ملكي على المحكومين في هبّة 16 يوليوز 1963 ، وسيتمكن الفقيه من مغادرة المغرب بجواز سفر سلمه له افقير وزير الداخلية ، الذي كان يراقب خروج الفقيه من مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء .. كان هذا الخروج في مارس 1964 ، حيث توجه الفقيه الى فرنسا ، وعندما نزال بمطار Orly بالعاصمة الفرنسية ، كان في استقباله ضابط المطار Antoine Lopez الذي لعب الدور الرئيسي في اختطاف المهدي بن بركة ... بل انه هو من اجهز عليه بفيلا La vicomte ، وبحضور كل من وزير الداخلية الجنرال محمد افقير ، والكلونيل احمد الدليمي ... عندما استقبل Antoine Lopez الفقيه محمد البصري بمطار Orly ، نقله الى حي Les Champs Elise حيث مكنه من شقة ليسكن فيها ... واستمر الحال هكذا ، الى ان اعلن بشكل مفاجئ في 29 أكتوبر، عن اختطاف المهدي بن بركة من امام مقهى Café Lippe بالعاصمة الفرنسية .. لماذا هذا العرض إذن ؟ لان السؤال الذي يجيب عن نفسه بنفسه هو : ما العلاقة بين خروج الفقيه محمد البصري من مطار محمد الخامس في مارس 1964 ، وتحت مراقبة وزير الداخلية افقير ، مباشرة بعد خروجه من السجن ، وبين استقباله بمطار Orly من قبل المجرم Antoine Lopez الذي كان العنصر الأساسي في اختطاف ، وفي تصفية المهدي بن بركة ؟ هل خروج الفقيه محمد البصري من مطار الدارالبيضاء ، كانت له علاقة بالجنرال افقير ، وبالمجرم ضابط مطار Orly الذي نقل الفقيه الى شقة بدائرة Les Champs Elise ؟ وكيف تزامن سفر الفقيه الذي سمته المخابرات المغربية ب Le Chacal ، لانه كان صعب الضبط ، باختطاف ومقتل المهدي بن بركة في قلب العاصمة الفرنسية في 29 أكتوبر 1965 ؟ أي هل كان سفر الفقيه محمد البصري الى باريس ، واستقباله من قبل ضابط المطار المجرم Antoine Lopez ، يدخل ضمن خطة بين افقير وبين الفقيه البصري ، للإجهاز على اكبر منافس لافقير ، ومنافس للبصري الذي هو المهدي بن بركة ؟ فتصفية المهدي يعني ، فسح المجال لافقير وللبصري ، بخصوص حسم معركة الحكم في المغرب .. وهنا لا بد من الإشارة الى ان الهبّة المسلحة ل 16 يوليوز 1963 ، كانت تقودها منظمتان مسلحتان، واحدة تابعة للفقيه محمد البصري ، والأخرى تابعة للمومن الديوري ، ولأحمد اگوليز الملقب بشيخ العرب ، الذي قتله حجاج في معركة بالدارالبيضاء .. واذا كان هناك تنافس بين المنظمتين المسلحتين في الإمساك بالحكم ، فان المهدي بن بركة هو من كان ينظم التنسيق بينهما ... أي ان المهدي كان الشخص الوحيد المؤهل لاستلام الحكم عند نجاح الثورة المجهضة .. وهذا ما لم يكن يروق الفقيه الذي كان ينسق مع افقير، الذي كان يتخوف من المهدي .. وحتى ندلل احسن .ما دور الفقيه محمد البصري مع الجنرال محمد افقير في انقلاب الطائرة في سنة 1972 ؟ فالمعروف ان الفقيه كان مشاركا في الانقلاب المذكور ، وكان همزة الوصل بين الفقيه وبين الجنرال ، هو الكلونيل امقران الذي كان يعالج في باريس من ورم سرطاني بالرئة .. فعندما كان يزور الفقيه الكلونيل بالمستشفى ، كانا يتذاكران عن الانقلاب ، وكان الكلونيل امقران هو من ينقل مواقف الفقيه الى افقير ... ففي محاكمة مدينة القنيطرة للانقلابيين تم الحكم على الفقيه محمد البصري بالإعدام .. وحتى ندلل اكثر من احسن . كيف تزامن انشاء وتأسيس جبهة البوليساريو في سنة 1973 ، من قبل فريق المقاومة الذي كان لاجئا بالجزائر ، وعلى راسهم الفقيه البصري ، لاستعمالها كمنظمة مسلحة ، من جهة للإشعال حرب تحرير في الصحراء ، ومن جهة توظيف الكفاح المسلح لقلب نظام الحكم في المغرب ؟ وهنا . هل تزامن تأسيس جبهة البوليساريو في سنة 1973 ، باندلاع حركة 3 مارس 1973 المسلحة ، المعروفة بأحداث گلميمة ، خنيفرة ، مولاي بوعزة ، أي مجموعة عمر دهكون الذين اعدمهم الحسن الثاني في يوم عيد الأضحى ، حصل بشكل مفاجئ ومن دون تنسيق ، او ان كل ما حصل كان مخططا له بدقة متناهية ؟ وكيف ستندلع حركة 3 مارس 1973 المسلحة ، مباشرة بعد اختطاف الضباط ، وضباط الصف ، والجنود الذين شاركوا في انقلاب 1971 ، و انقلاب 1973 ، نحو سجن تزمامارت الرهيب ، واعدام الضباط الكبار عن الانقلابين بدون محاكمات ، لو لم يكن اندلاع حركة 3 مارس المسلحة ، انتقاما لعملية الاختطافات الى سجن تزمامارت ، وانتقاما من اعدام الضباط الكبار الذي خططوا معه لانقلاب 1972 ؟ نعم لقد كانت المخابرات تطلق على الفقيه لقب " ابن آوى " Le Chacal لذكائه ولمخططاته ، ولشخصيته الكاريزما كمنحدر من المقاومة ، ولمراوغاته الشيطانية ... ولو لم يكن كذلك ، هل كان له ان يتبرأ ويتنكر ، وينفي مسؤوليته عن الكوماندو المسلح الذي دخل من الجزائر في 3 مارس 1973 ؟ الفقيه وبخلاف المعارضة الماركسية ، كانت له علاقات وطيدة مع أنظمة سياسية عربية ، في مقدمتها العراق ، سورية ، ليبيا ، اليمن الجنوبي ، والجزائر التي خالفها نزاع الصحراء عندما صرح بمغربيتها .. ونظرا لأنه لم يقطع مع حلم الانقلاب من فوق ، فقد استمر يحتفظ بعلاقات خاصة ، ورطته في الانقلاب الذي كان يحضر له الجنرال احمد الدليمي ، كما انه لم يتردد في خطب وُدّ ايران الخميني ، داعيا الى ثورة إسلامية / اشتراكية ... لكن حكام ايران لم يعيروه ادنى أهمية ، ولم يجيبوه عن مشروع ثورته المسلحة الإسلامية / الاشتراكية ، لانهم تفطنوا ان غرضه أموالهم ، وليس الثورة إسلامية او اشتراكية ، او مزيجا بينهما .. ونظرا لأنه لم يقطع مع البلانكية ، ولم يقطع مع ايمانه بالانقلابات العسكرية ، وكمغامر يسبب المآسي لحركة التحرر المغربية ، أصدرت حركة الاختيار الثوري من باريس بيانا في سنة 1982 ، تعلن فيه طردها للفقيه ، ولخادمه بوردگة المكنى " عباس " من التنظيم ... وبغرض الثورة ، فهو كان يبحث عن أي تحالف يمَكّن من قلب النظام بالمغرب ، وهنا نذكر باجتماع جامعة Nanterre في سنة 1978 ، بين حركة الاختيار الثوري ، وبين منظمة الى الامام ، وهو التنسيق الذي فشل بسبب اختلاف المواقف بخصوص قضية الصحراء ، حيث تعتبرها حركة الاختيار الثوري مغربية ، في حين تشدد منظمة الى الامام على الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، التي وصلت الى حد توجيه ابراهام السرفاتي برقية تهنئة للرئيس الجزائري الشادلي بنجديد عند انتخابه رئيسا للجزائر ، نكاية في النظام المغربي .. عندما عاد الفقيه محمد البصري الى المغرب في يونيو 1995 ، انقلب راسا على عقب ، على كل المشاريع التي حملها منذ الستينات وطيلة السبعينات ، واصبح يلعب دور بسمارك المغربي المنادي بقوة الدولة ، وبالكتلة التاريخية التي بقيت كحلم گرامشي ويوتوبيا لم يتحقق الى واقع ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ولا يزال الرئيس الجزائري يهذي في هذيانه
-
المخزن
-
هل جاء تقرير الامين العام للامم المتحدة بجديد لنزاع الصحراء
...
-
المدير العام للمخابرات المدنية المغربية
-
هل فشلت الامم المتحدة في حل نزاع الصحراء الغربية ؟
-
الحرب العراقية الإيرانية
-
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون
-
الجمهورية الريفية
-
ماذا تحضر واشنطن لمحمود عباس ؟
-
ابراهيم غالي الذي لم يعد غالياً منذ سنة 1991 ، يوجه خطاب بكا
...
-
نكبة ام نكسة ؟
-
المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني
-
الاضراب عن الطعام
-
ذكرى 6 شتنبر 1991
-
هل سيطبع النظام المغربي مع دولة اسرائيل ؟
-
هل ستطبع الانظمة العربية مع الدولة الصهيونية ؟
-
تصعيد جزائري يخبط خبط عشواء
-
هل من قاسم مشترك بين ملف الريف وملف الصحراء ؟
-
إخبار الرأي العام / كوماندو بوليسي اعتدى عليّ / إختطاف من ال
...
-
خطاب الملك ، خطاب ودعوة لنزول الشعب ، وليس الرعايا الى الشار
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|